روايات

رواية لعنة الصعيد الفصل الخامس 5 بقلم نور الشامي

رواية لعنة الصعيد الفصل الخامس 5 بقلم نور الشامي

البارت الخامس

 

الفصل الخامس
لعنة الصعيد
كان ممددا على الفراش….. ملامحه شاحبة كأنما تسللت منها الحياة وقطرات من الدم تتسرب ببطء من طرف فمه، تاركة أثرا مرعبا على الوسادة البيضاء حيث. جلست عالية إلى جواره، والدموع تتساقط من عينيها في صمت موجع، تحاول أن توقف النزيف بقطعة قماش صغيرة، لكن النزيف لم يتوقف فـ مدت يدها إلى وجهه المرتجف وهمست برجاء:
شهاب… بالله عليك رد عليا… حرام عليك اكده، إحنا لازم نروح المستشفى… ولا أكلم حد من أهلك، يمكن يساعدونا…
لكنه لم يجب. عينيه نصف مفتوحتين، ونفسه يخرج ثقيلاً، مبللًا بألمٍ عميق فـ همست وهي تهزه برفق:
انت اي ال حوصلك جووم…يلا جووم بالله عليك
وفجأة، دوى صوت طرقات سريعة على الباب فانتفضت عالية في مكانها والتفتت نحو الباب بخوف. ثم انفتح، ودخل أمين، زوج أخت شهاب وهو يحمل حقيبة سوداء ووجهه مشدود ونظراته حذرة فقال بصرامة وهو يقترب:

 

وسعي خليه يتنفس، أنا أهه… جيت خلاص وهتصرف
اقترب من شهاب بسرعة ووضع الحقيبة أرضا وأخرج منها أدوات طبية ثم جلس إلى جواره وبدأ يثبت له المحلول ويجهز إبرة فـ سألته عالية بلهفة وخوف:
مين جابك…. إنت عرفت منين؟ هو هيموت؟! جولي في اي
لم يرد عليها في البداية، فقط انهمك في عمله، حتى أنهى تركيب المحلول وتأكد من انتظام النبض الضعيف، ثم التفت إليها وقال بسرعة:
اجفلي الباب وراكي… حالا…. علشان لو حد شاف شهاب وهو اكده… كله هيجول إنك إنتي ال عملتي فيه اكده… وهيحملوكي كل ال بيوحصله وشهاب مش عايز دا يوحصل فاهمة
تراجعت عالية ببطء ونظرت إليه ثم إلى شهاب، قبل أن تغلق الباب بحذر، وهي تشعر كأنها تغلق أبواب العالم خلفها.وعادت إلى جوار السرير وجلست على الأرض، دموعها تنهمر وهي تنظر إليه، ثم هتفت بانفعال:
هو انت بتعمل اي عاد وليه محسسني انه محترم جوي وبيخاف عليا حسبي الله ونعم وكيل فيه.. هو السبب في كل حاجه وحشه حوصلتلي…. بس مش وجته… مش وجته الكلام… لازم حكيم… لازم نلحقه بدل ما يموت
رفع أمين رأسه نحوها فجأة، وصوته خرج حادا:
انا دكتور،… وشهاب نفسه دكتور… فاهم حالته كويس… وأنا عارف أنا بعمل إي زين
ثم أردف بنبرة أكثر هدوءا وهو يضغط المحلول ويعدل جلسته مرددا :
هو دايما اكده… اوجات بيجيله الحاله دي.. بس هيبجي كويس ان شاء الله
نظرت عالية إلى شهاب، ثم اقتربت ببطء ونظرت اليه بقلق وفي صباح اليوم التالي كان الصمت يخيم على المنزل إلا من صوت طرقات عنيفة تصدر من غرفة مغلقة في الطابق العلوي و
في الداخل كانت يمنى خطيبة كمال السابقة تجلس على الأرض في حالة هيستيرية، ترتجف من الخوف وتضرب الباب بكفيها:
افتحولي… حرام عليكم انا عايزة أخرج! إنتو حابسيني ليه؟!! أنا عملت إي
كان صوتها يعلو بالبكاء، وهي تتحرك بهستيريه كأن الغرفة تضيق عليها وفجأة فتح الباب بعنف ووقف طارق أمامها، يتكئ على الباب بيده ووجهه يحمل سخرية باردة مرددا :

 

اهدي يا حلوة إحنا مش مجرمين ولا بلطجية عشان نعمل حاجه في بنت مع إن خطيبك الواطي دا كان يستاهل الجتل، واهو… مات وريحنا كلنا
شهقت يمنى، وجهها احمر من الغضب، وقفزت من مكانها تصرخ:
عايزين مني اي.. سيبوني في حالي بجا حرام عليكم
ضحك طارق ضحكة خافتة وهو يقترب:
هعوز منك اي عاد… انا عايزن عالية… أول ما ترجع، هتمشي إنتي فورا
صرخت وهي تشير له بإصبع مرتجف:
ـ”وشهاب؟! فاكر إنك هترجعها اكده وخلاص؟! شهاب مش هيسيبك! شهاب هييجي ويمسح بيك الأرض! وإنت متعرفش… ممكن يعمل فيك إي
اقترب طارق أكثر، وصوته انخفض في تحدٍ:
لو عنده حاجه ييجي يعملها… أنا مش خايف و
وفجأة، انفتح الباب بعنف للمرة الثانية، ودخل اوالد طارق، والغضب يتطاير من عينيه ثم صفعة على وجهه قبل أن يتكلم:
ـبتعمل إي…. دي آخرتها؟! بتخطف بنات الناس وتحبسهم في بيوتنا
أمسك طارق خده من الصدمة، وقال بغضب:
يا ابوي كان لازم اعمل اكده علشان ارجع عاليه
صرخ الأب في وجهه:
واخرتها؟! نوجف تاني قصاد ابن الحديدي؟! وهو انت فاكر نفسك قده؟! دا لو عرف إنك حابس خطيبه اخوه هيدوسك برجله!
ثم التفت نحو يمنى، ومد يده نحو الباب:
روحي يا بنتي… امشي دلوجتي حالًا… وانسي إنك جيتي اهنيه وربنا يعوضك على ال شوفته.
ركضت يمنى بسرعة، ودموعها تسيل على خديها، وخرجت من الغرفة كأنها تهرب من جحيم، لا تلتفت خلفها وظل طارق واقفا يلهث من الغضب، ثم صرخ في وجه أبيه:
أنا مش هسيب حقي… والله ما هسيبه، وهتشوف بعينك!
ثم دفع الباب وخرج من الغرفة بعنف، يشتعل داخله نار الانتقام، وعيناه تلمعان بجنون مكتوم…وبعد فتره من الوقت كانت عالية مستلقية على الكنبة في غرفة المعيشة، جسدها منهك من السهر والخوف، ودموع جفت على وجنتيها. حين فتحت عينيها فجأة و تسللت الصدمة إلى ملامحها وهي تدور بعينيها في الغرفة الخالية، ثم شهقت بصوت مبحوح:
هو فين؟! دا كان تعبان جوي… يارب ما يكون حوصله حاجه
قفزت من مكانها بسرعة وتبدل لون وجهها بين الشحوب والارتباك ثم اتجهت إلى غرفته فلم تجده، فوضعت يدها على جبينها في حيره وغيرت ثيابها، ثم نزلت إلى الطابق السفلي خطواتها تتسارع مع خفقات قلبها. وما إن وطأت قدماها الي الاسفل

 

حيث رأتهم جميعا يجلسون حول سفرة طويلة، تفوح منها رائحة الإفطار الساخن… وفي صدر المائدة كان يجلس شهاب، يضع الطعام في فمه بهدوء، وكأن شيئًا لم يكن فرفع شهاب رأسه إليها، عيناه ثابتتان عليها، وصوته خرج بنبرة آمرة:
تعالي اجعدي… علشان تفطري
لكن قبل أن تتحرك، انطلقت كلمات حادة كالسهم من الطرف الآخر، بصوت أمه الذي يغلي غضبا:
هتجعد ال جتلت أخوك معانا على سفرة واحدة… دي نجّست البيت.”
التفتت عالية إليها، عيناها تلمعان غضبًا، ثم ردت بصوت يرتجف من القهر:
ـمين جالك أصلًا إني عايزة أجعد معاكم؟! دا إنتو شوية مجرمين… والقاعدة وسطكم عار
القت عاليه كلماتها والتفتت لتغادر بخطوات سريعة، لكن يدا قوية أمسكت بذراعها فجأة. استدارت لتجد شهاب يشدها نحوه، ملامحه متجهمة، عيناه شرارتان تلمعان بالعنف، صوته خرج غاضبًا:
اجعدي… اجعدي مكانك. ومش عايز أسمع ولا كلمة زيادة! الكل يفطر… من غير ولا نفس… بجا!”
ساد الصمت القاعة، لكن النظرات كانت تشتعل. نظرة الأم كالنار، وزوجة العم تهمس بغيظ، بينما شهاب يفرض سلطته كجبل صلد. وفي اللحظة التي خيم فيها التوتر، شق صوت آخر الجو فجأة… صوت ناريمان، أخت شهاب، وهي تلقي قنبلة مدوية مردفه :
انا… عايزة أطلج
ارتفعت الرؤوس في ذهول، وتجمدت الملاعق في الأيدي و اتسعت عينا أم شهاب، وانطلق صوت أمين، زوج ناريمان، مذعورًا:
اي؟! ليه يا ناريمان
أجابته ببرود ناري، وعيناها لا تهتز:
من غير ليه… عايزه اطلج وبس
قفز شهاب من مكانه وقبضته ترتجف غضبا وصوته خرج كالرعد:
يعني إي من غير ليه؟! اتكلمي يا ناريمان!”
صرخت ناريمان فجأة، صوتها يرتجف من الغضب:
هو مش هامه أخوك ال مات؟! ولسه بيجول عليه غلطان؟! أنا مقبلش الكلام دا… ولا أقبل إني أجعد على سفرة واحدة مع ال جتلت أخوي وهطلج.. وكمان مش جاعدة في البيت ده! هشوفلي مكان تاني أعيش فيه!”
نهضت نريمان من مكانها بسرعة، لكن يد شهاب أمسكت بها، قبضته فولاذية، وصوته انخفض حادا كالنصل:
هو إنتي فاكرة نفسك في لعبة؟! وبعدين… ما أخوكي غلطان
صرخت ناريمان في وجهه، والدموع تتطاير من عينيها:
ـوعالية دي مش غلطانة؟! دي لازم تموت! لازم تدفع التمن!”
تقدمت عالية فجأة، وجهها مشتعلاً بالغضب، وصوتها يخرج كالسوط:
ـوالله ما حد لازم يموت غيركم… علشان إنتو أسوأ ناس قابلتهم في حياتي! وأنا بكرهكم… وبكره الساعة ال دخلت فيها البيت ده! وعايزة أمشي… أمشي من اهنيه النهارده قبل بكرة
دوت كلماتها كالرصاص، ثم استدارت بخطوات عاصفة، صعدت السلم إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها بعنف وظل شهاب

 

واقفا، عيناه تتقدان نارا، ثم التفت ببطء نحو ناريمان، وصوته خرج ببرود يقطر تهديدًا:
اتكلمي مع جوزك… لو وافج… ساعتها نجعد ونشوف هنعمل إي
ثم أدار ظهره وغادر القاعة بخطوات ثقيلة، تاركا خلفه عاصفة من التوتر وبعد دقائق كان شهاب يقف امام غرفته ومد يده وفتح الباب، فإذا به يراها…عالية، تجلس على الأرض، شعرها مبعثر، ودموعها تغطي وجهها، عيناها متورمتان من البكاء، وهي تصرخ دون وعي:
حرام… كفاية بجا…انا عايزه امشي… عايزه اخرج من اهنيه… مشوني
وما إن وقع بصرها عليه، حتى اندفعت نحوه، تمسكه من ياقة قميصه بكل ما فيها من قوة، وصوتها يخرج مختنقا بالنار:
انت… انت مش إنسان! انت شيطان! شيطان … أنا لازم أمشي من اهنيه … كفاية العذاب دا! كفاية ال عملته فيا.. انا مش عارفه انا ذنبي اي في كل ال انتوا فيه دا… انا عملت اي
ظل شهاب واقفا، عيناه تتفحصان ملامحها المتكسرة، وصدره يعلو ويهبط، حتى همس بصوت خافت يحمل مرارة غريبة:
انتي… جتلتي أخوي… النفروض اخدك بالاحضان.. كل المشاكب ال حوصلت كانت بسببك انتي
شهقت عاليه ثم ابتعدت خطوة للخلف، كأن الكلمة صفعتها، لكنها ما لبثت أن صرخت بكل ما فيها:
وانت عارف! انت نفسك عارف إنه كان يستاهل الموت! دا لو كان مات أصلا
ثم تقدمت نحوه مرة تانية، وعيونها تتقد بنار الشك، وقالت بتوتر:
“ازاي… ازاي انت دكتور ومكشفتش عليه وجتها؟! مش حسيت بنبض؟! ولا كنت عايز تصدج إنه مات وخلاص…. انا حاسة… حاسة إنه لسه عايش….. أمك بتتصرف طبيعي… كأن محصلش حاجه! الست ال كانت بتعمل المستجيل علشان ميتحبسش.. ساكته دلوجتي؟ بتجهز الفطار؟ دي أم!… هي كانت هتخلي الدنيا تولع لو ابنها مات بجد… هي ليه؟… ليه مقتلتنيش ولا حتى بصت في عيني؟! أمك عملت المستحيل علشان أخوك… وانهارت… ازاي دلوجتي بتجعد عادي اكده
تراجعت عاليه خطوة، نظرتها مليانة قرف وكسرة:
وانت قربت مني… ولمستني… مش علشان تنتجم! علشان تحسسني بالقرف… . إنت زبالة… كلكم واطيين وغدارين وخونة
ثم انهارت فجأة على الأرض، جسدها مهزوم، وروحها تصرخ قبل لسانها، تهمهم بصوت خافت:
أنا مش جادرة… مش جادرة أعيش اهنيه تاني خلاص
وقف شهاب مكانه، كأن الزمن توقف كلماتها كانت كسكاكين تمزق قلبه لكن ما وجعه حقا… هو أنها زرعت فيه بذرة شك.
بذرة بدأت تنمو فجأة في عقله…فحدق فيها ثم تراجع بخطوات مترددة، وخرج من الغرفة كأنه يهرب من أفكاره وفي المساء كان شهاب واقفا في غرفة والدته، عيناه تضجان بالغضب، وصدره يعلو ويهبط كأن النار تشتعل داخله، ثم انفجر صوته في الهواء:
أنا عايز أعرف الدكتور ال جال إن كمال مات… فين؟! دورت عليه في كل مكان، محدش يعرفه! ولا حد شافه غيرنا
توترت ملامح والدته، لكنها حاولت السيطرة على صوتها، وهمست وهي تقترب منه:
يا ابني هنلاجيه… إنت ليه مكبر الموضوع اكده؟ إنت مش فاهم ال بتعمله، اهدي يا حبيبي… خد اشرب جهوتك، وريح شوية وأنا هدور عليه بنفسي، متقلقش
ظل شهاب يحدق فيها بعينين تمتلئان بالشك، ثم جلس ببطء وأمسك كوب القهوة، لكنه لم يشربه فورا، فقط اكتفى بالنظر إليها طويلاً وكأن شيئا داخله لم يعد يطمئن، ثم ارتشف رشفة صغيرة، وعيناه لم تفارق وجه أمه ومر بعض الوقت، قبل أن ينهض فجأة ويخرج من الغرفة، يتسلل التعب إلى خطواته، وصدره يضيق شيئا فشيئا وصعد الدرج ببطء، يده تفك أزرار قميصه

 

بصعوبة، وكأن جسده لم يعد يطيق الثقل ودخل إلى الغرفة التي تقيم فيها عالية، فتجمدت مكانها ما إن رأته، وقد بدا كأن الموت يسكن وجهه. خلع جاكيته أولًا، ثم قميصه، وتوجه إلى الحمام، فسمعت صوت المياه وهو يغسل وجهه. ودلفت عالية بتردد، تنظر إليه بخوف، ثم تمتمت بصوت متوتر:
في إي؟ مالك اكده؟ شكلك مش طبيعي خالص…”
خرج شهاب من الحمام وهو يتنفس بصعوبة، ثم فجأة، وبدون مقدمات، ارتمى في حضنها كطفل مكسور، واحتضنته بذراعيها المرتعشتين وهو يهمس بصوت خافت مبحوح:
ــ “أنا تعبان… مش عارف… إي ال بيوحصلي..
ـعاليه بتوتر:
استنى… استنى اكده، اجعد اهنيه عالسريـر
أسندته على السرير وهي تلمس جبينه بقلق، ثم نظرت في عينيه وقالت:
هو إنت بتاخد حاجة؟ والله العظيم شكلك مش طبيعي… فيك حاجة غلط..
لكن قبل أن تكمل كلامها، أحست بجسده ينهار بين ذراعيها، وعيناه تنقلبان إلى الأعلى، فاقدا الوعي تماما فصرخت عاليه باسمه وهي تهزه في ذعر، ولكن لم يكن هناك أي استجابة. فتراجعت إلى الخلف،ط و قلبها يخفق بقوة، وبينما كانت تهم بالتحرك، دوى صوت خافت خلفها فـ التفتت فجأة، وعيناها اتسعتا كأنها رأت شبحا… أو شيئا أسوأ. كان كمال يقف في زاوية الغرفة، جسده مائل قليلًا، وجهه شاحب، لكن عيناه تلمعان ببريق جليدي فتجمدت ملامحها تماما، شهقة قوية خرجت من صدرها، بينما لم تستطع قدماها حمل جسدها المتجمد، وسقطت على الأرض، تهمس بذعر:
كمال و
توقعاتكم ورايكم وتفاعل ويا تري اي ال بيحصل لشهاب بالظبط

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى