روايات

رواية صرخات أنثى الفصل المائة وواحد 101 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى الفصل المائة وواحد 101 بقلم آية محمد رفعت

 

البارت المية وواحد

 

تدفقت دموعه وهو يتطلع إليه، لسانه ثقيل عن النطق، لا يجيد التعبير له عن تلك السعادة والراحة الغريبة التي أدمغته بمجرد رؤيته، والآن تتضاعف بضمته، يود ان يطالبه بأن يعود لضمه مجددًا، ولكنه مشوش للغاية.

قرأ فيه علي رغبته بأن يبقيه بين ذراعيه، فعاد يضمه دون أن ينطق بحرفٍ أخر، وكلاهما تنسدل دموعهما دون أي حديث.

ازاح آدهم دموعه واقترب يضع كفه على كتف عُمران، فاستدار له في غرابة، فوجده يبتسم وهو يخبره:
_ حمدلله على السلامة يا عُمران.

تلقائيًا ذهبت أعين عُمران تتلصص بعيني علي، في بادرة ناجحة بأنه بات مرشده، والأهم من ذلك أنه يصدقه، فاذا به يخبره بابتسامة حزينة:
_ده آدهم، يبقى جوز شمس، أختنا الوحيدة.

تطلع له عُمران بنظرة عميقة، يود لو أن يتذكر أي شيء عنه، ولكنه فشل فشلا ذريعا، أضاف آدهم بمرح للاجواء:
_مش عرفته عني! ابعد بقى عشان أسلم عليه.

تراجع عنه علي ليمنح آدهم المساحة، فاذا بكف عمران يشدد من كف علي، كأنه يخشى أن يتركه، وخز قلب علي بشدة، فاذا به يربت عليه ويخبره بابتسامة لا يعلم كيف رسمها:
_أنا هنا جنبك.

تعجب عُمران من فعلته، ما له يبدو كطفلٍ صغيرًا في حضور ذلك الذي يخبره انه أخيه! ، ما له يخسر ثباته كـ رجل، تعلقت عينيه به حتى انه لم يرى آدهم الذي أقبل عليه، فأفاق على ضمته.

ابقى كفه محاصرًا لكف علي، ورفع ذراعه الاخر يستقبل ضمة ذلك الآدهم، كبت “علي” دموع سعادته، مازال يعني الكثير لاخيه حتى وهو لم يتذكر أي شيء.

ربت آدهم على ظهره وقال بمحبة:
_ألف حمدلله على سلامتك يا طاووس.

التقطت أذنيه ما يقول، فابتعد يتطلع له بدهشةٍ:
_طاووس!!

ضحك علي وقال:
_كلنا مسمينك الطاووس الوقح!

اندمج حديثه بشروده اثناء حديث موسى، وقد كانت بشارة بأنه يتمكن من التميز بين الصدق والتلفيق، وبكل تأكيد هذا شقيقه وبمثابة الأب له كما أخبره للتو.

فصله علي عن شروده حينما قال:
_يلا يا عُمران، لازم نتحرك عشان نرجع، مش عايز تتعرف على باقي عيلتك؟

هز رأسه بخفة بينما يخبره بتردد:
_بس أنا مش هقدر أفتكر حد.

منحه ابتسامة مشرقة، وقال بصوته الرخيم:
_زي ما قدرت تحس بيا هتقدر تحس بيهم، متخافش أنا جنبك ومعاك يا حبيبي.

واسترد مهاراته بالتعامل، متسائلًا:
_مش إنت مرتاح ليا؟

هز رأسه بتأكيدٍ، فجذب علي هاتفه ثم عبث له ليقدمه له قائلًا بحب:
_وده عشان تكون مطمن ليا أكتر.

حمل منه الهاتف يتفحص ما به، فوجدها صورة تضمه معه، تنطق فيها عن مدى الحب والاحترام الشديد بينهما، قلب يسارًا ويمينًا فوجده ألبوم كامل لهما برفقة بعضهما البعض، في سنوات مختلفة من الاعمار.

أكثر من خمسون صوره لهما فقط، فلقد حرص علي الا يشوش تفكيره بظهور مايا أو فريدة، حتى لا يخسر التقدم الذي أحرزه، عليه ان يخطو برفقته الدرج درجة درجة!

قدم له الهاتف ودموعه تتأنق بمُقلتيه، وقال بصوته المحتقن:
_من غير ما أشوف الصور، أنا حسيت بيك من أول ما شوفتك.

_يعني خلاص هتفارقنا يا خواجة؟

قالها موسى ببكاءٍ بعدما انضم إلى صابر، واستمع ورأى ما يحدث أمامه، استدار عُمران تجاه علي الذي يفهم عنه كل اشارة لم يفهمها عمران حتى عن نفسه، فاذا به يرنو من موسى، يقدم كفه إليه، فصافحه موسى وهو يراقب الشبه الكبير بينه وبين عُمران، فابتسم وقال:
_انت شبه فعلًا يا باشا.

ابتسم علي وقال بمحبة:
_لو قدمتلك عمري كله مقابل اللي عملته إنت وصابر مع اخويا مش هيوفيكم حقوقكم، ومهما أقدملكم هيكون قليل.

وفجأة سحب من جيب جاكيته دفتره الخاص، يدون لكل منهما مبلغًا ماليا كبيرا، فاذا بموسى يوقفه بضيق:
_أنت بتعمل ايه يا باشا، احنا مش منتظرين مقابل للي عملناه، وبعدين الخواجة بقى واحد مننا فآ..

اوقفه علي بدبلوماسيته الحكيمة:
_هو إنت ليه شايفها مقابل يا أستاذ موسى، دي حلاوة رجوع أخويا ليا، ولو مش قابلها فأنا بهادي بيها القمر اللي استقبلتنا أجمل استقبال، بس مقبلتش تقولي إسمها!.

رد عليه عُمران بنفس التلقائية:
_إسمها قمر يا علي!

استدار تجاهه مبتسمًا حينما نطق اسمه للمرة الثانية، وعاد يتمعن بموسى قائلًا:
_ما شاء الله، ربنا يباركلك فيها ياررب.

تبسم موسى واجابه:
_تسلم يارب.

واضاف وهو يتطلع لعمران بمزح بعد أن رأى المبلغ المدون بالشيك :
_مش قولتلك هتطلع ابن ذوات! وبعيدًا عن كل ده تربيتك متخرجش الا من بيت فيه شخص زي علي باشا.

اتسعت بسمته على مجاملته اللطيفة، وقال يشيده:
_تسلم يا أستاذ موسى، بس بتمنى بلاش باشا دي قولي يا علي بس.

هرولت قمر لاحضان عمران وعلى ما يبدو بأنها كانت تراقبهم، لفت يديها حول عنقه وقالت ببكاء:
_انت هتمشي وتسبنا يا خواجة؟

ضمها إليه بكل حب وقال وهو يزيح دموعها:
_أوعدك اني هاجي على طول أزورك يا قمر، انا اتعلقت بيكي انتي وبابا وصابر وبالحي هنا، فمش هفارقكم بالسهولة دي.

طبعت قبلة على وجنته بعدما التمست الصدق فيه، تركها عمران، واتجه لموسى الباكي، فابتسم وقال يشاكسه:
_ما انت طلعت بتعيط وعندك دم أهو!!

لكزه باختناق شديد، وقال:
_خليك معانا وأنا هجبلك تكييف على حسابي.

ضحك عمران وضمه إليه، ثم همس له:
_أنا مش بتخلى عن اللي مني، وإنت بقيت مني إنت وقمر يا موسى، بس أنا محتاج أعرف أصلي، او أي حاجة تفكرني بنفسي..

انتهى من ضمه ومال تجاه صابر الذي بكى بشدة وقال:
_انت فوقتني لحاجات كتيرة كنت غايب عنها، انا كنت بستأنس بيك يا خواجة، خليك معانا والله حبيتك واتعلقت بيك.

ربت عليه وقال وهو يتطلع له والى موسى :
_خليكم على تواصل معايا، ولو ينفع تعالوا زوروني.

واستدار إلى علي حتى يطالبه بالعنوان أو رقم هاتف يقدمه لهم، وقبل أن ينطق بحرف اذا به يرنو اليهم:
_ده الكارت الشخصي بتاع عمران فيه كل تليفوناته وعنوان شركته.

تطلع له عُمران بغرابة، كيف يعلم ما يود قوله قبل نطقه حتى، بينما ينطق صابر بدهشة:
_وكمان بشمهندس، دارس في انجلترا، طلعت على حق ياسطا موسى، ده خواجة خواجه يعني.

تركه علي يودعهم واتجه إلى آدهم الذي كان يدرس كل حركة بسيطة لعمران:
_براڤو يا علي، نجحت تكسبه بسرعة مهولة، انا شايف فى عنيه حيرة إنك فاهم كل تصرفاته، وفي نفس الوقت اطمئنانه الكبير ليك، بقى عندي ثقة إنك هتنجح معاه.

تنهد وهو يميل له بوجعٍ:
_هعمل كل اللي اقدر عليه يا آدهم!

هبط “عُمران” برفقتهما، فصعد آدهم جوار السائق، وصعد عمران بالخلف جوار علي، كان هائمًا بتوديع أرجاء الحي، حتى خرجوا للطريق الرئيسي، فاستدار جواره، وجد علي يراقبه بابتسامة هادئة.

لاحظ تصبب العرق على وجهه، فقال:
_ارفع درجة المكيف يا آدهم، عمران بيكره الحر.

انزوى حاجبيه بشدة، وقد تسلله الهواء فجعله مسترخي شوقًا لتلك الرفاهية، بينما يلوذ بصمته لاكثر من نصف ساعة حتى استدار إليه وقال مشيرًا على ما بيده:
_أنا متجوز؟

أومأ علي له بابتسامة حزينة وقال:
_شافتك يوم ما كنت على طريق السفر، كانت متأكدة إنها شافتك، بس أنا مقدرتش اشوف غير موسى وهو بيبعدها عن الطريق.

انتفض قلبه بشدة، وتذكر حديث موسى عن الفتاة الحامل، فتجرع الغصة بحلقه وتساءل:
_هي حامل؟

اتسعت ابتسامة علي وقال بلهفة:
_افتكرت؟؟

هز رأسه نافيًا، والألم يموج برماديتاه:
_موسى حكالي عنها، ووقتها حسيت بوجع رهيب، دقات قلبي كانت عالية واحساسي كان مخيف.

واستطرد بعدما ابتلع ريقه الجاف:
_عايز أشوفها.

ربت “علي ” على ذراعه وقال:
_هخدك ليها بس بعد ما نروح أي أوتيل ترتاح، خايف يحصلك مضاعفات أو آ…

قاطعه بنبرة ثابتة:
_أنا كويس، متخفش عليا.

أدمعت عينيه رغمًا عنه، ودفع رقبته ليضمه له بينما يخبره:
_مش عايز غير كده، إنك تكون كويس وبخير ، أنا جنبك وهساعدك ترجع زي الأول وأحسن يا عُمران.

تعلق به وابتسامته تعاكس دموعه، هامسًا:
_وجودك مطمني فخليك جانبي!

شدد من ضمته وكلاهما يبكيان بصمت، حتى أن آدهم والسائق تأثروا بهما، وصلوا الى المطار وبعد ساعتين تقريبًاوصلت الطائرة للقاهرة، ومنها إلى الكمبوند الخاص بأحمد الغرباوي.

كان الليل يلتهم أرجاء المنزل الفخم، بينما يصطحب علي أخيه بالمصعد الطابق المخصص بزوجة أخيه.

وقف به أمام باب الغرفة بعدما أرسل لها الخادمة تخبرها برغبته بالدخول، لانها لا تقوى على الهبوط، فنهضت ترتدي اسدال الصلاة.

بينما بالخارج.
أمسك علي كف أخيه وقال بصوتٍ حنون:
_لو حاسس إنك مش جاهز للخطوة دي دلوقتي، ممكن نأجلها.

أصر عليه قائلًا:
_لا يا علي، أنا حاسس بوجعها من اللحظة اللي فوقت فيها، ربنا سبحانه وتعالى له حكمة إني أنسى كل جاجة وأفقد كل حاجة تخصني الا الدبلة دي، الرابط اللي فضل يفكرني إن في واحدة بتستناني!

ربت على كتفه بابتسامة حنونة، وما ان خرجت الخادمة الجديدة تخبره بأنها تقبل بدخوله ولج يشير له بتتبعه.

بقى عمران محله يستمد نفسًا طويلًا، ويلحق بأخيه، فاذا به يرى فتاة تقف قبالة الشرفة، توليه ظهرها، وتهتف في غضبٍ شديد:
_عايز أيه يا علـي، مش إنت عايز تثبتلي أني اتجننت وبتوهم إني شوفت عُمران، جاي تشوف المجنونة ليه؟

وتابعت ومازالت توالي علي ظهرها ومن خلفه:
_أنا مش محتاجة لمساعدتك تاني، أنا هدور عليه حتى لو نزلت بنفسي!

استدار علي تجاه عمران يتفحصه بقلقٍ، فوجده يراقبها بفضولٍ وقد أبدى مشاعرا قد سرت بوضوحٍ فقط لسماع صوتها المألوف!!

فتحمس وقال يستفزها لتستدير:
_كده يا مايا، بتقابليني بالمقابلة دي وأنا مسافر مخصوص اجبلك هدية تفك مودك!

استدارت بغضب وعصبية:
_مش عايزة منك حآآ….

ابتلعت باقي جملتها في صدمة، جعلتها عاجزة عن النطق، فخرجت حروفها متقطعة:
_عُــ.. مــــــــران!!!!!
………. يتبـــــــــع….

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى