رواية لحن الأصفاد الفصل الثالث 3 بقلم أسماء
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)
رواية لحن الأصفاد الفصل الثالث 3 بقلم أسماء
البارت الثالث
❞الإنسان كائن مجنون… قد تقتله قبلة؛
و قد تضمده مشنقة!❝
7
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
لاس فيغاس السفلية…
كانت الساعة آنذاك بالنسبة لسيريا الممددة على السرير الأبيض خارجة عن الزمن، إدريك يفحص ذراعها بهدوء، كأنه ليس الشخص الذي كان يمسك المسدس بنفسه، يرفعه بوجه إبنته الوحيدة، -أو التي يحاول أن يظهرها أمام العالم كإبنة له- يمزق جلدها و عظمها برصاصة، يحفر روحها بطعنة… لم تنتظرها من وحوش المافيا، فكيف منه؟
1
ومضة ألم رهيبة عبرت ملامحها لكنها تماسكت تحت بصره الحاد، و زمَّت شفتيها المتورمتين لشد ما عضتهما قهرًا… تخفي أكبر قدر مما شعرت به، عيناه القاتمتان لا غور لهما، لا لعنة في الكون يمكن أن تؤثر بهما، كل ما تراه فيهما لا يعدو كونه ظلاما دامسا لا يشجع أيا كان على المجازفة و تخمين مكنوناته!
2
إدريك شخصٌ لا يُقرأ… القاعدة اللعينة التي يجب أن تُحفظ أيضا!
لكن القلب و القواعد لا يتفقان… و اللعنة على قلبها بالذات! لأنه… الأكثر تمرُّدًا على الكون!
“إنتهينا!”.
2
تمتم هكذا ببساطة و هو ينهي التقطيب… كشخص أنهى للتو تمشيط شعر طفلته الصغيرة، فأردفت سيريا غير عابئة بأنها عبثت بأعصابه بما يكفي:
“لِمَ لم تصوب على رأسي لينتهي كل شيء؟”.
3
كان يهم بمغادرة الغرفة التي يُجري فيها العمليات الجراحية لأفراد المنظمة -فهو ليس سفاحًا فحسب بل دكتور الويد الأبرع في الجراحة و هذا ما يكسبه مكانة خاصة لدى الزعيم… زيادة على أسباب غامضة و خفية تجعل داجيو يحترمه أو يخشاه… لا أحد يعرف بالضبط! و يبدو أن الجميع سيخشى إدريك منذ اللحظة بعدما أطلق النار على زعيم الويد دون رفة جفن واحدة!
3
إلتقطت أذناه تعليقها، توقف عن متابعة السير نحو الباب، و استدار إليها مردفًا باقتضاب و دونما تعابير واضحة، كأن لا ملامح من الأساس على وجهه الجامد:
“منحتُ نفسي وقتًا أكبر كي أجد طريقة أفضل لمحوكِ من الحياة!”.
4
ابتلعت ريقها، و ردَّت بمرارة ساخرة:
“صحيح! كدتُ أنسى أنني إبنة مسخ لعين!”.
1
مزقت الضماد الذي كان يلفه منذ ثوانٍ فقط، و تركت السرير لا تعبأ بكونها تحتاج الراحة، تتجاهل بتحامل الجرح الذي عاوده النزيف، و وقفت في مواجهته تنظر إليه بجرأة غير مسبوقة، و تضيف مناضلة للتحكم بدموعها القريبة:
“كدتُ أنسى أننا هنا في الأسفل لسنا بشرًا، و لا شيء حولنا طبيعي، أليس كذلك؟ نحن مجرد ظلال سوداء مقيتة للعالم العلوي، هنا… لا الآباء يعرفون الرحمة و لا الأبناء أيضا، لذا لا تتوقع مني التصرف بأدب العلويين، ربما لا أحمل جيناتكَ العاهرة… لكنني أحملك داخلي بطريقة ما…”أشارت إلى صدرها و تابعت و قد بدأ الدوار يطغى على وعيها:
“دادي… أنت محفور هنا بكل ذرة حقارة فيك! إن كنتَ مسخًا فأنا مجرد مسخ آخر يشبهك و يتبع ظلك اللعين!”.
19
ردَّد الفراغ صدى الصفعة التي سقطت من كف يده على وجهها كسقوط الصواعق، وجدت نفسها على القاع لا تستوعب الفاصل الزمني الذي مر في لمح البصر بين آخر كلمة نطقتها و تكورها بمذلة عند قدميه، ظل إدريك كما هو على وقوفه مرجعًا يدًا داخل جيبه، يتولى باليد الأخرى رفعها من ذراعها لتقف و تواجهه مجددًا، رمى كل منطق، شتم بحدة، و هزَّها يقبض على ذراعها بقسوة و يردد:
3
“لا تجعليني أقتنع بكلام داجيو، أنا لستُ أسوء من يربي طفلة، لكنكِ و اللعنة… أسوء من يحمل مسدسًا، سأحاسبكِ لاحقًا على ذلك التهور!”.
3
ذلك التصريح جعلها تضحك بهستيريا!
“ألا يكفي هذا القدر من الحساب… دادي؟”.
12
أشارت إلى ذراعها… فتمتم دون شعور محدد و بلهجة غريبة:
“لا… لا شيء يكفي معكِ!”.
2
لوهلة بدت تلك العبارة الأخيرة وردية و لا تمت لحوارهما السوداوي بأدنى صلة، و كادت ترضخ لسحرها و تبتسم له بعذوبة، غير أنها ذكرت نفسها بأن قائلها ليس شابًّا لطيفا من العالم العلوي، إنه فقط إدريك… الذي لا يغطي كل حرف يبرح فمه شيء سوى الموت!
دنا منها مستطردًا بنبرة مخيفة:
“تستحقين طلقة بين العينين لرفعكِ السلاح على الزعيم، ٱشكري شياطيني أنني كنتُ رحيمًا بك!”.
4
اللعنة! عن أي رحمة يتحدث؟ الرحمة في قاموسها هي قبلة من شفتيه، حضن قاسٍ يدفنها بين ذراعيه… حتى بعد كل هذا… لا تزال ترغبه بجنون أكبر من ذي قبل… جسدها يتمرد… قلبها يشتعل… و عقلها يتمزق!
8
“من يسمعك الآن… لن يصدق أن الرصاصة التي استقرت بعنق الزعيم كانت بتوقيعك!”.
1
أضافت بحيرة و هي تمرر عينيها النهمتين على الشكل الفريد لذقنه المكسوة بالشعر الطفيف و شفتيه الحادتين:
“أتساءل لماذا؟”.
“يُفضَّلُ ألا تفعلي…”.
سحبها نحوه بعنف مؤذٍ، عاود تثبيت الضماد حول الجرح ليمنع مزيدًا من النزيف، ثم دفعها عنه ثانيةً و أنهى كلماته واضعًا حدًّا لوجوده في الغرفة أيضا:
“لا تبحثي عن موتكِ سيريا، لأنني أمقتُ رائحة دمك!”.
5
بعد لحظات لم تعرف تقديرها بالضبط أعقبت صفقه للباب… أدركت أن أنفها ينزف بسبب صفعته المهلكة، فأزالت الدم بظهر يدها تفكر… آه سحقا! كف يده ألعن من الرصاص، لكن ما الفرق، ما يليق به لفظ الوجع حقا هو رصاص لسانه و بروده المقيت نحوها، لو أنه فقط ضمها لثانية لما ابتأست لكونه وجه سلاحا نحوها منذ ساعة، لو أنه مسد على شعرها لمرة واحدة لما كانت هذه الدموع تلح عليها الآن!
ليست اللعنة أن تقع في حب مسخ لا يشعر… بل الألعن من ذلك… أن تعرف بأن حبك المريض هو كل ما تملكه لتشعر بوجودك…
2
و كل ما تحتاجه لتحتقر نفسك!
1
لكن سيريا تلعن كل شيء من ذلك، و لا تكترث لأي أخلاق يتسابق نحوها العلويون أو أصحاب الدماء البيضاء، حين كان هؤلاء يتلقنون دروس الأخلاق اللعينة بين أحضان آبائهم، كانت هي تتلقن دروسها في كيفية تلقيم الأسلحة و التصويب بدقة نحو الأهداف، حين كانوا يتلقون الهدايا و الثياب اللطيفة… كانت هي تتلقى المهمات الحساسة… و التي يمكن أن تتحول بعد فشلها إلى الهدف التالي للمنظمة!
هل سيلومها العالم لأنها تحولت من طفلة المكب إلى سفاحة؟ إنها لا تعرف… و لا تهتم! هل سيلومها أحد لأنها فتحت عينيها فأبصرت مسخًا وسيمًا… المسخ الوحيد الذي مد نحوها ذراعيه لكنه لم يضعها في لفة من حنان… بل وضعها على حجر المافيا… بين أجساد باردة خلعت قلوبها… و ألقتها خلفها منذ زمن!
هل سيلومها أحد لأنها في النهاية صارت مثلهم… واحدة منهم…؟ لكن المفارقة هنا… أن جسدها لم يكن بتلك البرودة متى ما نظرت نحو إدريك أو دلفت غرفته على أطراف أصابعها لتتحسس كل إنش منه و هو أسير النوم، لم تخلع سيريا قلبها لترميه خلفها… بل دسته جيدا بين أضلعها كأنها لا تملكه… و في الخفاء صرفت كل ذرة شعور فيه لتحب مسخها المفضل… وغدها الأبدي… الدادي خاصتها كما تسميه أمام البقية… و السر المجنون الذي يؤذيها و تستمر باحتضانه و تغذيته بكل جوارحها يومًا بعد يوم… و ألمًا فوق ألم!
1
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
“هل أنتِ مدركةٌ لما فعلتِه؟”.
1
هزَّت مارفل قدمها المحشورة داخل حذاء الكعب الأحمر، و استمرت بجلوسها على مقعد مكتبها الخاص تدير سلسلة الهاتف بين أناملها الرفيعة، دون أن يزعجها زعيق مايلس فوق رأسها، و تمتمت بكل هدوء:
“القواعد لا تنتظر منا الإدراك… و إنما التطبيق!”.
القواعد! إستفزته تلك الكلمة حتى الموت، هو الآخر مناط بها، لكنه إن بلغ ذلك الحد الذي تقف فيه القواعد السوداء بينه و بين عائلته الوحيدة… فلن يطبق حرفًا لعينًا منها و لو لقاء روحه!
إفترسها بنظرات من فوق، كأن به قنبلة ستنفجر، غير أنه احتفظ بسبابه لنفسه، يتصرف كما لو كان شابا محافظا بالفعل -كأنه أحب الدور الذي يلعبه في الأعلى- و تحدث بهدوء نسبي يلفت إنتباهها للجبهة التي فتحتها:
“رفعكِ ما حدث لهيئة القضاة ليس أمرًا طيبًا مارفل، لن يعجب هذا دارك!”.
2
نقرت مارفل على حاسوبها تنهي طباعة آخر رسالة موجهة إلى كبار العشائر لتحيطهم علمًا بما يجري في عالم الويد كما تنص القوانين السفلية، و أردفت كما لو أنها تحدث شخصًا غريبًا عن الطقس في فيغاس مؤخرًا:
“كان يفترضُ به أن يفكر في هذا قبل أن يعلق مع داجيو!”.
2
سخر مايلس مرجعًا خصلاته القاتمة إلى الخلف يبعدها عن عينيه المنفعلتين:
“ما أراه أن داجيو هو من علق مع سرير الإنعاش الآن!”.
1
وجهت نحو وجهه الوسيم نظرة خاطفة من خلف نظاراتها السميكة، قبل أن تعود لتفقد شاشة حاسبوها متمتمة بذات النبرة الآلية:
“في مطلق الأحوال… لقد أصبح القضاة على دراية بالأمر، «دارك ريغان» مطلوب ميتًا! تم تحديد المكافأة مقابل رأسه، و أتوقع أن واحدًا من السيناتورز الآن يوقع رسالة موته!”.
1
رفعت بصرها نحوه مجددًا لتصطدم بعلائم الحزن على وجهه، فانتزعت نظاراتها و قالت بشيء من الأسف:
“أنا مجرد زر يُضغطُ عليه ليحرك شيئًا ما هنا يا مايلس… لا أستطيع كتم أي شيء عن الكونغرس و العشائر! لكل منا نهايته يوما ما… و هذه هي نهاية دارك!”.
نظر عميقًا في عينيها و أردف بلهجة كالصقيع:
“أنا لا أخشى على دارك من أحد… بل أخشى على الجميع من دارك!”.
7
ذلك جعلها ترتعش رغم ثباتها، بينما واصل مايلس قوله بنفس اللهجة الباردة:
“لقد فتحتِ جبهة الموت، لكن ليس ضده فقط… بل ضدنا جميعا!”.
4
تراجع خارج مكتب مارفل يتنفس بوتيرة متسارعة، صدره يعلو و يهبط بجنون، توقف فجأة قرب مكتب داجيو، دفع الباب إلى الداخل يلقي نظرة، ليس على مسرح الطلقيتين الناريتين منذ ساعة، بل على صدمته التي لا تزال حية مثل المشهد تماما برأسه! أغمض عينيه يحلل أفكاره ببطء، الأمور تسير من سيء لأسوء، سيريا و إدريك لن يستطيعا حماية دارك في الوضع الراهن، الآن… ليس هناك غيره، سفاحان… في مواجهة أوغاد الكونغرس و العشائر…! عظيم!!
إلتفت يسحب ساقيه بعيدًا عن ذلك المكان، و لم يمنع نفسه من التساؤل… لِمَ لم ترفع مارفل الكارثة التي إرتكبها إدريك أيضا إلى القضاة؟ صحيح أن دارك قتل كروفر… و إخترق واحدة من القواعد السوداء بتصفية فرد من السفاحين العشرة دون الرجوع لأفراد العشائر الثلاثة! لكن إدريك قام بالأفظع… لم يسبق لسفاح أن رفع مسدسًا في وجه زعيمه بتلك الطريقة الجنونية! ثم كان بعد ذلك بثانيتين فقط على وشك قتل سفاحة ضمن العشرة الأخطر في الويد، و رغم ذلك… لم تحرك مساعدة الزعيم ساكنًا ضده، هل يُعقلُ أن مارفل تخشاه أكثر مما تخشى دارك؟ حسنا… عليه الإعتراف… النظر إلى عيني إدريك أرعب من النظر إلى الأشباح نفسها…! لكن خوف الجميع من إدريك يجعله في حيرة من أمره!
1
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
خفضت روكسان رأسها غير قادرة على إبقائه بمكانه فوق كتفيها، إنها لا تستنشق رائحة دمها، لكن تشعر بذات الوقت بشيء لزج لا يزال ينزلق على وجهها وصولاً إلى فتحة صدرها الممزقة، لماذا يعرضها لكل هذا العذاب؟ لماذا تنزف الآن؟ ما كان ذنبها في حق هذا الرجل غير المتزن حتى يحكم عليها بالنزيف حتى الموت؟
1
و لماذا بحق السماء… تجعلها قبلاته المشتعلة تُطوى مع الزمن رغم توقها لخدش وجهه و قلع عينيه كلما فكرت في تحرر يديها القريب من الأصفاد؟! لماذا بحق أي شيء… هو على تلك النار و على ذلك البرود لا يُحلَّل و لا يُفهم و لا يطاق… كأنه شعور خلق ليكون مبهما!
بعد لحظات و لحظات… فقدت الأمل في أن يرأف بها جلادها و يغير محطتها الأخيرة! أيقنت أنها تصفو من الدم و من الوعي أيضا، حين بدأت تتخيل نفسها تتجاوز عتبات الكنيسة لتصلي، لقد فقدت الشعور بالزمن منذ اختطافها، أصبح من العسير تعداد الأيام، لا يمكنها رؤية شيء حولها، لكنه و لا ريب… كان يوم الأحد في خيالها، يوم الصلاة… و التقرب من السماء!
أو لعله… يوم الموت!
أجل لا ريب أنها تفقد الوعي الآن، فقد باتت تتوهم أصواتًا تشبه الإطلاق الناري، مزق صوت الرصاص الحاد قدسية اللحظة، و جعل “لاكريموزا” التي كانت تُعزف تباركًا بأمجاد القديسين في الأرجاء ترتعش و تغدو متقطعة… كأنه كابوس يقتحم حلمًا عذبًا!
أرهفت روكسان السمع رغم هذيانها، تأكدت أن دارك لم يعد يداعب جسدها بأصابعه المتحررة، و لا يطرب بلحن أصفادها و لا ينتشي بقداس الموت! بل لم يكن له وجود حولها، تكاثفت أصوات الرصاص المتبادلة، و علت بعض الصيحات هنا و هناك، لتبدأ بتصديق فكرة واحدة… إنهم يهجمون على خاطفها… و الواضح أن قلبها اللعين لا يشمت به… و لا يسأل السماء موته القريب!
12
“ماذا هناك؟”.
كانت أكيدة أنه لا يزال موجودًا، عكس ما صوره خيالها الذي نكشه الهذيان حتى أسقط بعض الحقائق المحسوسة، فابتعاده لمترين فقط كان من أجل القفز نحو سلاحه، أجل، رجل مثله لا بد من أن يحوز شيئًا ما ينفذ به جرائمه القذرة… لكنه في حالة دفاع الآن… دفاع ظنته في البداية عن نفسه و حسب، لتذهل لاحقًا و هي تشعر به يدير مفتاحًا ما في أقفال أصفادها، ثم يلتقطها بين ذراعيه، و يركض بها عبر رواق طويل لا يبلغه رصاص المجهولين!
2
أجاب دارك سؤالها بينما يضعها ثانيةً ملاحظًا حركة غريبةً داخل البيت:
“إنها الجحيم!”.
3
كان من الواضح أنه أسقط شخصًا ما في الخارج، قبل أن يدنو مجددًا كي يحملها و هو يتمتم ببرود ساخر:
“تعالي يا لعنتي! لم يعد هذا المكان من مقامِك!”.
11
ترددت دعسات أحدهم في نهاية ذلك الرواق، فامتنع دارك عن حمل رهينته حينها، بدلاً من ذلك… جعل جسده درعًا لها بينما تعيد يداه تلقيم سلاحه بسرعة، و يتساءل عقله أي لعين هذا الذي تجرأ على إقتحام حدوده دون أن يخشى على نفسه من جنون سفاح فيغاس الأول!
1
“دارك؟!”.
توقف عما يفعله، تفر الرصاصات من بين أصابعه، يلف العرق البارد جسده، هذا الصوت… مألوف! ليس كذلك فحسب، بل و راسخ بذاكرته أيضا! تحرى بعينيه الطيف الذي حث الخطا نحوه مرددًا نفس الكلمة بقلق أخوي:
“دارك؟!”.
“مايلس!”.
2
ردد دارك بدوره ما إن كشفت أجزاء من الإنارة الخافتة جانبًا من وجه ذلك الشاب الذي علمه بنفسه إمساك المسدس أول مرة، و لم يكن لأحد أن يصدق أن ذلك الفتى الهزيل ذو البثور المحتلة لثلاث أرباع من وجهه سيجيد قتل بعوضة يومًا، لكن مايلس أثبت أن البدايات مخادعة… مجرد نفحة بريق عابرة و شعارات رنانة مآلها اللامكان… و أن العبرة بالخواتيم، لم يتحول مايلس بعد تجاوزه فترة مراهقته إلى أوسم رجل مافيا فقط… بل أصبح في لائحة أمهر القتلة أيضا، و حظي بشهادة كفاءة عالية لتدريب من أتوا بعده!
3
“يبدو أنني أحسنتُ تدريبك!”.
أزاح دارك حبيبات عرق من على جبينه، و هو يعلق بذلك… ليردف مايلس بمرحه المعهود و في عينيه أثر لذكريات التدريب الغوالي:
“الشكر للسماء أنك على خير ما يُرام، أفكر في إحتضانك على هذا!”.
3
إنحنى دارك يتأمل رهينته التي إستسلمت لإغمائها الكامل، و فتح فمه من جديد دون أن يبدي أي نية في شرح أي شيء لأي كان:
“أمِّن لي الطريق اللعين أولا!”.
7
وجد مايلس نفسه يتأمل أيضا تلك الغريبة الغافية، كل ما كان يغطيها قميص أبيض يعود لدارك، يرتدي مثله عادة حين يندس بين البشر العاديين لتصفية أحدهم، فلا يلفت الإنتباه بملبسه الفريد، و لو أنه في خرجات الدامية يفضل القطع السوداء أكثر، لكن… أي شبر هو أبيض من هذا القميص بالتحديد؟ فما رآه مايلس على الفتاة لم يكن سوى قطعة قماش غارقة بالدم!
4
هز رأسه ينفض الخدر الذي طال أطرافه و حواسه و شل لسانه، و تمتم متعجبا حين أدرك أن دارك يحملها بين ذراعيه و يتطلق بها خارجًا دون إجفال أو تردد يُذكر:
“مهلاً! من تكون هذه الآن!”.
“مصيبتي!”.
35
هكذا فقط صدر عنه الجواب المقتضب، و هو يتمهل قليلاً عند الباب الخلفي للخروج، يعدد بنظره الثاقب كم رجلاً يتربص به من تلك الناحية، لم تكن قائدة أولئك الأوغاد إيسميراي تقف في ذلك الإتجاه، خمن أنها على الجانب الآخر رفقة بقية رجالها، كان يستطيع الخروج من ذلك المشهد دون قطرة دم واحدة، دون أن يفكر حتى، و دون أن يكمله أحد، لكن وجود روكسان قيد يديه، كأنه أراد أن يكون عذابها و اذاها موقعا بيده دون سواه من البشر، كأنه هو الذي أصبح رهينة إبقائها قيد ألمه المختلف… و قيد عالمه لا غير!
أومأ دارك لرفيقه كي يزامنه في الخروج، و يقوم بتغطيته حتى يبلغ السيارة خاصته، أصاب مايلس الرجلين الوحيدين اللذين كانا على تلك الجهة قبل أن ينجحا باقتناصه، و قفز في وثبات رشيقة في أعقاب دارك، و عيناه المنحرفتان لأعلى كالآسيويين تجوبان منافذ الطريق التي قد تسمح بوفود أخرى من رجال التايغرز…
“إفتح باب السيارة الخلفي بسرعة!”.
قال دارك بصوت رجولي تدفق في أذني روكسان محركًا حواسها، قالبًا ثوابتها رأسًا على عقب، خالطًا ملائكتها بالشياطين، محدثًا في خيالها لُبسًا بين الصواب و الخطيئة! فتغلب شعورها على غيبوبة عقلها القصيرة، و فتحت عينيها نصف فتحة مغمغمة:
“أنا… أمـ…و…ت!”.
3
ليردف مايلس بدهشة و هو يدقق النظر أعلى جبينها أين شعرت بدارك قبل لحظات يحدث جرحًا عميقًا:
“بحق الجحيم! إنها تنزف، ما الذي يجري دارك؟”.
4
“إهدأ!”.
مددها على المقاعد الخلفية، و إتخذ مكانه على مقعد السائق مضيفًا بشكل طبيعي مريب:
“…هذا دمي أنا!”.
20
انضم مايلس إليه داخل السيارة غير قادر على إستيعاب الأمر…
“أتمازحني!”.
“أنت تعرف أنني لا أفعل!”.
1
تجلت أمارات الصعقة على وجه الرجل الأصغر سنا، شأل نفسه بصمت… أي جنون خاضه دارك الآن؟ إذا كان دارك هو من ينزف، فلماذا تغطي دماؤه جسد الفتاة، استطرد الآخر لا يأبه لشيء:
“إنه خدشٌ سطحي، إذن… أيهم أتى لتصفيتي… أي وحش هذه المرة؟”.
1
رفع مايلس حاجبيه يسأل:
“أنتَ على دراية؟”.
“كيف يمكن أن يفوتني شرف تخمين حركات مارفل؟”.
ٱعجب مايلس للمرة المليون بدهاء أستاذه و رفيقه، ثم علق بمرح:
“حذرتها منك… لكنها عبدةٌ للعشائر و قواعدهم!”.
2
“و أنت…؟”.
تفاجأ مايلس بدارك يسأله، و يردف بهدوء:
“…عبدٌ لماذا مايلس؟”.
نظر حوله ينتظر في أية لحظة ظهورهم، و أغرق في الحوار الساخن:
“لا تستهويني العبودية، أنا حرٌ حتى داخل هذه الثياب المتزمتة!”.
3
شعر دارك لسنوات طوال أنه جزء فاقد كله، و أنه مرآة سوداء لا تعكس شيئًا، لكن التواجد مع مايلس لدقائق فقط… أشعره بانتمائه!
“… و الشيء الوحيد الذي أقبل بأن يستعبدني هو… الأخوة!”.
5
لمعت عيناه القاتمتان كقطعتين من الفضة، أدار المحرك، و إنطلق يمخر عباب المجهول، كان يعي إلى أين عليه الإتجاه، لكنه لم يكن يرغب حقا في الذهاب، الذكريات الحية هناك ستخنقه حد الجنون، إلا أنه المكان الآمن الوحيد الذي لن يبحث فيه أحد عنه!
“أعتقدُ أنهم التايغرز، صحيح أنني لم أرَ أحد رجال إيسميراي تايغرز، لكنني لا أخطئ في التعرف على سياراتها الفريدة مطلقًا! سبق و استأجرتني لقتل أحدهم و الحق أنها أغرب شخص عملتُ لصالحه!”.
تجاهل دارك إشارة تحذير ضمنية من شيء ما على وشك الحدوث، و زود السرعة، مقلبا في رأسه كلمات مايلس، قبل أن يتحول خط سيره و هو يدنو من غابة كثيفة إلى خط مستعر من جنون المركبات، سيارتان ظهرتا من العدم، و أحاطتا سيارته، و من مكان غير معلوم… تهافت الرصاص على السيارة، أخفض مايلس رأسه يربض في الأسفل، فلا تكون الرصاصات من نصيب جمجمته، فيما صرخ دارك و هو يسلمه المقود، و قفز إلى الخلف ليتمدد بنصف جسده العلوي على جسد روكسان، يستنشق أنفاسها حاميا رأسه هو الآخر، منحته تلك الأنفاس المتذبذبة بسبب هذيانها و وثبات السيارة السريعة نفحة قوة لم يعرفها مسبقا، عاد لتلقيم مسدسه مجددا، و على وضعيته تلك… أقسم على تصفية إيسميراي نفسها لو تطلب الأمر… و قد تهيأ له ذلك فعلاً الآن… لا سيما و هو يرى سيارة ثالثة تقتحم المشهد، لكن سائقها الذي أخفى هويته خلف الزجاج الداكن لم يبدِ رغبة في إطلاق النار… بل كانت له نية صارخة و بمنتهي الصراحة… في قلب سيارة دارك!
- لقراءة باقي فصول الرواية اضغط على (رواية لحن الأصفاد)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)