روايات

رواية لحن الأصفاد الفصل الثالث عشر 13 بقلم أسماء

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

رواية لحن الأصفاد الفصل الثالث عشر 13 بقلم أسماء

 

 

البارت الثالث عشر (موسومة ريغان!)

 

 

 

❞لا تراهن على القدَّاحات الضائعة…
الإخوة قد يشعلون سجائرهم بعود ثقاب واحد!❝

3
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
لاس فيغاس|منزل إدريك تلك الليلة…

 

2
“مُستَنزَف؟!”.
رفع إدريك رأسه بعدما كان قد أرجعه منذ قليل للخلف باسطًا ذراعيه على ظهر الأريكة، و أمعن النظر في الظل الذي شقَّ الظُّلمة فجأة، لم يكن بحاجة لذلك التدقيق كي يميز بصمة صوتها، لكنه كان ثملاً إلى حد ما، أو كان بحاجة فقط للنظر إلى أي شيء!
1
تقدمت سيريا نحوه تعرجُ، يتموجُ وجهها ألمًا رفقة كل خطوة، و تتطايرُ خصلاتها حول رأسها الصغيرة بسبب الهواء المندفع من النوافذ المفتوحة…
ضغط إدريك على فكيه بقسوة، كأنه يطحن المشهد بين أسنانه، و رمقها بنظرة كافية لتجمد أي شخص بمحله، على أن سيريا واصلت سعيها إليه بعناد…
1
كانت ترتدي منامة قصيرة، و لا فكرة لديه من أين تأتي بمناماتها اللعينة تلك، لكن… و لا من أين تأتي بعنادها أيضا! باتت على شفير السقوط بحضنه، و ما يفصل بينهما أقل من شبر، ترك ربطة عنقه التي كان يهمُّ بفكها ليسترخي أكثر، و أرسل بصره إلى حيث تقف، لاحظ أن ضمادها تلطخ بالدم، و هذا أكد له أنها لم تأتِ بالجديد، لقد عصت أوامره و داستها كما تدوس الأرض الآن بكل إهمال، لا ريب أنها ذرعت المنزل كله جيئة و ذهابًا في غيابه بقدميها الجريحتين ضاربة بما قاله عرض الحائط!
3
أما عن سيريا… فلم تكن تشاركه تلك الأفكار الظلامية حول نزيف قدميها و إهمالها المعتاد، كانت تود النجاة هذه الليلة من سطوة مشاعرها بأي طريقة، حتى لو حملت لها تلك الطريقة عذابًا مضاعفا، فستحاول لمس ما حُرِّمَ عليها و لو للحظات خاطفة!
1
تابعت قولها و هي تنحني قليلاً و تفك بأصابعها النحيلة ربطة عنقه:
“أعلم أنكَ كذلك! أشعرُ به… لأنه يحدث داخلي أيضا… بشكل ما!”.
2
لم تبدر عنه حركة، فبدا مُستهلكًا بحق، و أكثر تباعدًا و جمودًا مما سبق، شيء ما إنطفأ به، حتى رفعت هي أهدابها، و ناظرته مطوَّلا، فرشقت برود عينيه بسهامها الليِّنة، لكنها و مرة ٱخرى لم تنل منه حركة أو ردًّا، و لو لم يكن صدره يعلو و يهبط بنفس حاد و بطيء… لأجزمت أنه ينام بعينين مفتوحتين!
1
تجالدت سيريا أكثر، و حشدت بصدرها جرأة مجنونة لتجلس بهدوء على ركبتيه و تلقي ربطة عنقه المنزوعة جانبًا، بدأت نظرته تتخذُ مظهرًا مرعبًا، و مع ذلك تجاهلته، و فكرت فقط في ضرورة تخليصه من توتره و تعبه، و تخليص نفسها من عذاب الشوق له!

 

بالكاد لمحت حاجبيه يرتفعان بعدما فعلته، و بالكاد تحركت شفتاه في غمغمة تائهة:
“ماذا تفعلين سيريا؟”.
1
علقت باسمة بغير إكتراث:
“مجرَّدُ إبنة عاجزة عن النوم تجلسُ بحضن أبيها المتبني، إسترخِ دادي!”.
9
كان كل ما يراه و يسمعه مستفزًّا، لكنه و مثلما عودها هو المسيطر الأقوى على أعصابه، و الغامض الأعظم، إنتظرت منه أن يردف بأي شيء، و حين خاب إنتظارها، قررت أن تستمر في جرأتها، و راق لها أن تنبع منه رائحة الكحول، فهي تعرف جيدا أن إدريك يكون أقل غضبًا و برودًا حين يثمل! لذا إطمأنت لوجودها على ركبتيه كطفلة، و إستعذبت شعور الراحة الذي لف باطن قدميها من كثرة الوقوف بإنتظاره!
1
“هل أنتِ متلهفة لإسعادِ أبيكِ إذن؟”.
12
“هل ترى غيري هنا ليفعل؟”.
كانت تذكره بأنه وحيد دونها، فإدريك لم يصنع لنفسه عائلة طبيعية، لم يتزوج، و لم ينجب، و وجد في سفاحي الويد عائلة كافية جدا، لكن كانت سيريا دائما مدللته، صحيح أنه أطلق عليها النار مرة، لكن كان ذلك بنية تأديبها، و ليس ذنب أحد أن أساليب التأديب في عالم المافيا بتلك القسوة و الوحشية!
1
مدت يديها بسلاسة تفتش جيوبه، عثرت على المسدس، فأسقطته عن عمد أرضًا و عيناها لا تفارقان فمه المطبق، ثم لمست أصابعها علبة السجائر و القداحة، فضحكت تعضُّ شفتها السفلى، و وضعت سيجارة بين أسنانه متعمدة لمس كل إنش من وجهه كلما سنحت الفرصة، كما لو أنها تجمع من على ذلك الوجه كل بصمة للغطرسة و الغرور، و ما هي إلا ثوانٍ حتى تكلمت القدَّاحة و إختمرت أعينهما بإنعكاس الشعلة، و تأجج طرف اللفاقة البيضاء، باعثًا الدخان إلى جوف الرجل الذي لا يزال يجلس بمكانه كما هو، ينافس الجثث في برودها و التماثيل في جمودها!
3
إستغلت فرصة إنشغاله بإمتصاص السيجارة، و فكَّت نصف أزرار قميصه، لينكشف صدره المثير، و عضلات بطنة المشدودة، و تهيم بهما تطلعًا، فلم تُفِق لنفسها إلا و هي تباعدُ بين شفتيها شاردة، مشغوفة بتفاصيله الدقيقة، غير مدركة لما كان يجول خياله في تلك اللحظة، و قبل أن ترفع عينيها و تجد فرصة لتخمين أفكاره، قبض بيده الخشنة على فكها الناعم، و ضغط بشدة، ليجبرها على فتح فمها أكثر، و ليبدأ بنفث الدخان الذي كان يحبسه برئتيه داخل حلقها!
12
لو أنها ٱنثى غيرها، لسعلت مختنقة، أو لشتمت الفاعل و صفعته، أو لكانت قد غضب لٱنوثتها المهدورة و إنتفضت مكشرة كالقطط، لكنها سيريا، سيريا التي تعشق كل ما يشبه إدريك و يحمل لمسته و أنفاسه و عطره، إبتسمت بينما تستقبل ذلك الدخان و تبتلعه، موقنة أنها الطريقة الوحيدة لإبتلاع جزء من إدريك!
4
راقب إحمرار عينيها جراء تحسسهما من الدخان، و إنتظر فقط أن تسعل… لمرة واحدة، غير أنها فاجأته بقدرتها على تحمل تلك الأنفاس الرصاصية الخانقة… لأنها آتية من جوفه، لأن كل شيء مؤلم يأتي من معشوقها لا يؤلم! كانت عيناهما متشابكتان، و لا أحد منهما يرمش، لوقت طويل، حتى أعادت سيريا نفث الدخان نفسه في وجهه، كأنها تؤكد له مدى تشابههما!
3
“لا تنظري داخل بئر ليست لها فتحة!”.
تمتم إدريك بذلك هادئًا دون أن تتحرك شفتاه بشدة، فضحكت كمن سمعت دعابة الدهر، و علقت مباشرة تدليك عنقه بؤؤوس أصابعها في دوائر متكررة:
“يا لها من نصيحة متأخرة لإبنة البئر!”.
2
ومضت عيناه بشرارة فضية، و دبَّ فيه شعورٌ متناقضٌ إثر الطريقة التي كانت تدلكه بها، فاغرة فمها، ناعسة العينين، صارخة الٱنوثة، فها هو يريد إرسالها بركلة إلى الجدار المقابل ليدفنها في الصباح التالي، و ها هو أيضا يريد أن يطوقها بكلتا ذراعيه، و يسحبها لصدره، و يلقنها طرقًا ٱخرى للتدليك بعيدًا عن الأعناق و الأصابع!
2
“إنهضي عني سيريا!”.
3
توقفت أصابعها عن العبث بعنقه و جيده، و منحته نظرة الإبنة الرافضة لأوامر والدها، فإستطرد إدريك هذه المرة بأنفاس حارقة و زئير وحشي:
“إنهضي… الآن… أو ستضطرين لتوديع السير لأسابيع!”.
6
“هل ستزرع بنفسكَ الأشواك في طريقي دادي؟”.
6
“أصابعي تكفي!!”.
2
أصابتها رجفة مهلكة بعد سماع ما تفلظ به، هل عنى ذلك حقا؟ هل هدد بلمسها بتلك الطريقة التي لا طالما تعطشت لها؟ اللعنة! لقد قالها بسوداوية! ليته قالها بطريقة أجمل! ليته نطقها و هو يبتسم و يرغب بها كما ترغب به! لكنه يهدد فقط ليبعدها عنه و يتخلص من هوسها به! ملعونة هي إن إكترثت للصيغة، المهم هو أنه قال ذلك! و لو بشكل مبطَّن!
1
إنتزع إدريك السيجارة من بين أسنانه يسحقها على طرف من الطاولة، عاقد الحاجبين، متماسكًا بشكل يوحي أنه كنمر رابض، و قد يهاجم بأية لحظة يراها مناسبة! كان يفترض بسيريا أن تنهض عنه و تغادره بصمت، فقد جنبتها ثمالته الغضب الأسوء، غير أنها غامرت بنجاتها في اللحظة الأخيرة، و دنت من وجهه أكثر، غير رافعة يديها عن عنقه، غير سالخة أنفاسها عن أنفاسه، تلتهم عينيه السوداوين بنظراتها المتلهفة، و تطبع على ذقنه المكسوة بشعر خشن قبلة تبدو بريئة، لكنها ماكرة في الباطن لأنها تعمدت توقيعها بالقرب من شفاهه، و ليتها ما فعلت! فاليد التي سحقت السيجارة، كانت على أهبة لتلتف حول شعرها بقسوة! شدَّها إليه يلصقها بوجهه كما لم يسبق أن فعل، و أغمض عينيه للحظات يكتفي بلهاث متقطع، قبل أن ينظر إليها مجددا، و يزمجر مكشرًا:
3
“يبدو أنكِ جاهزة لتكوني عاهرتي بدل إبنتي!”.
11
كانت تلك الكلمة كدلو ثلج هطل فوق رأسها، صفعة قاسية و مريرة، وجهت نحوه نظرة مصعوقة، عاهرته؟ لا! ليس هذا مرادها! كيف إستطات قول ذلك؟ دفعت صدره بيديها محاولة الفكاك من قبضته و النهوض عنه أخيرًا، لكنه ثبتها أكثر، و ضغط على فكيها بيده الٱخرى حتى آلمها، ليعلق بتهكم بعد ذلك:
“ماذا جرى لجرأتك؟ ألم يعد حضن الدادي مُمتعًا؟!”.
7
أخلى سبيلها بعنف، فهوت إلى الخلف، و تكومت فوق الأرضية مجفلة، قاومت رغبتها بالبكاء، و همت بالوقوف و الإنسحاب نحو غرفتها، إلا أن إدريك لم يمنحها الوقت الكافي لترفع رأسها، لأنه كان قد قرر لها عقوبة الجرأة فورًا، و لم يتردد في تنفيذها، إستلَّ حزام بنطاله الجلدي، و مدده ثم طواه بشكل مناسب بين يديه، في الوقت الذي كانت هي لا تزال تتأوه من السقطة، رفع ذراعه عاليا، و جلد جسدها بكل عنف فيه، ثم تلتها جلدة ثانية و ثالثة، حتى تعرق إدريك، و نزفت سيريا، و زاغ بصرها، و كادت تتقيأ من وحشية الألم، سار حولها دورة كاملة، سمعت صوت حذائه بشكل مشوش، فلم تفرق بينه و بين طنين ٱذنيها، لكنها رأت إنكسارها ينعكس بلمعة حذائه الأنيق، و عجزت عن جمع نفسها، و الإختباء بغرفتها، فغابت عن الوعي و هي تسمع آخر ما قاله قبل أن يرمي حزامه و ينحني لحملها بين ذراعيه:
15
“هذا حتى لا تحاولي إغواء أبيكِ مجددًا!”.
27
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
لاس فيغاس|منزل إدريك اليوم التالي…
1
أمالت سيريا رأسها بإبتسامة باهتة و هي تلمح مايلس يقتحم الصالون، و ينهال عليها يالأحضان و القبل الأخوية كأنه لم يقابلها لسنوات، أغمضت عينيها مجفلة من الألم الذي هاجمها بسبب ذلك، لكنها أجادت إخفاءه، و من الجيد أيضا أن ثيابها القاتمة طويلة الأكمام تخفي آثار عقاب إدريك العنيف ليلة أمس!
2
“تشعُّ كالعلويين! أتساءل ما السر؟”.
1
علقت معجبة بضياء وجهه و أناقته المعتادة، فأردف من العالم الموازي:
“حسنا، ربما لأنني كنتُ في رفقة حسناء علوية طيلة الأيام الفارطة!”.
4
“لا تقل هذا أمام إدريك و دارك، من المحتمل أن يمحيا ملامح وجهك تحت حذائيهما!”.
2
ألقى بنفسه على الأريكة المقابلة لها، و عبث ببعض الزينة الموضوعة على الطاولة، ثم عقب يهز كتفيه:
“فلنستثنِ دارك من هذا لأنني لم أر وجهه القبيح منذ فترة، و لا فكرة لدي أين علق، لكن إدريك يعرف ما يكفي عن مغامراتي! و يملكُ مغامراته بدوره لذا لن يقاضيني بسبب هذا!”.
2
تقلبت معدتها لمجرد خاطر أن إدريك يعرف نساء ٱخريات من العالم العلوي، و يتخذهن خليلات ربما، و حاولت قدر الإمكان أن تظهر بقشرتها الباردة و هي تقول:
1
“هذا لا يمنع أن تحترس مايلس!”.
عجزت عن متابعة برودها فجأة، فقد سقط بصرها نحو قدميها المضمدتين، و أضافت شاردة:
“إننا مراقبون، و الميغا لا تتسامح بشأن خرق القوانين السوداء!”.
1
“أعرف، أعرف!”.
“و هل تعرف أن العقوبة ستكون مزدوجة، هل ستتقبل موت شخص علوي دون سبب وجيه فقط لأن ذنبه أنه وقع لشخص سفلي؟!”.
2
عادت تسأله، و كانت لهجتها هذه المرة غريبة عنها، فإندهش مايلس متحققا من أمارات وجهها، و علق مضيقًا عينيه:
“إنها المرة الٱولى التي أسمعكِ فيها تتحدثين بعاطفية! هل أنتِ على ما يرام سيري؟”.
3
“أحاول…”.
تبسمت بجهد تدرك ما قالته، و صححت ضاحكة بعد ذلك كأنها لا تتفتَّتُ قهرًا:
“أعني… أننا إعتدنا هذه الحياة، و لم يعد لشيء أن يفصلنا عنها سوى الموت، يمكننا أن نفترش الدماء، و أن نسير الهوينى وسط عواصف من الرصاص، و أن نبتسم و نواصل تناول طعامنا حتى لو علمنا أن تحت الطاولة جثة، لكن الأمر يختلف بالنسبة للعلويين، نحن لا نقع لهم… بل نوقعهم بأسلحتنا، لا تنسَ هذا أبدًا!”.
1
كان مايلس على وشك الرد، حين إنضمت إليهما آخر من يرغبان برؤيتها! تبادلا نظرة مستغربة، ثم تحول الإستغراب لإستياء، لكن لم يطل ليتحلل و يتلاشى بينهما ما إن دلف إدريك المكان بعد لحظات، يحمل حقيبة كان يحملها داجيو سابقًا حين يعقدُ إجتماعاته، فتذكر كل منهما أن رقاد داجيو على سرير الغيبوبة جعل كل مهامه على عاتق إدريك، لحكمته و بروده خلال المواقف الحرجة!
2
مما يعني أن مارفل عليها مقابلة إدريك بشكل دوري و إستشارته بكل شاردة و واردة حتى يستعيد الزعيم وعيه!
شق إدريك الصالون كزوبعة مستفزة، كأنه لم يلمح سيريا على الإطلاق، إكتفى بإيماءة طفيفة تجاه مايلس، ثم أمر مارفل كي تسير في أثره، ة واصل طريقه نحو غرفة المكتب الخاصة بمنزله كأن إبنته المتبتاة مجرد طيف يجلسُ هناك!
3
سيطرت بصعوبة على إنهياراتها الدفينة، و سمعت مارفل التي توقفت للحظات كي تلقي التحية بٱسلوبها الخاص:
“عجبًا! السفاح المهذب! لا بد أنني محظوظة لأراك قبل أن أبدأ عملي!”.
1
“لعله الحظ الوحيد الذي تتمتعين به هنا… مارفل!”.
“لست دائما على حق يا خلاصة أذكياء زمانك، مارفل فقط تعرفُ بهذا الشأن!”.
خطت للأمام بغية اللحاق بإدريك، لكن مايلس تعمد أن يضع ساقه في طريقها، فتعثرت، و هوت على وجهها، مما كلفها كسرًا في أحد أظافرها الجميلة، و فوضى في تصفيفتها المتعبة!
1
تمتم و هو يراقب تكورها عند قدميه:
“اللعنة على مارفل و ما تعرفه!”.
2
لملمت مارفل نفسها ملاحظة أن سيريا راق لها المشهد أيضا، جزت أسنانها مغتاظة، نفضت يديها معيدة تعليق حقيبتها على كتفها، و شمخة بأنفها متوعدة:
“مايلس! أنت لا تريد أن أكتب للميغا عن مساندتك المطلوب الأول دارك ريغان؟!”.
1
كان مايلس شابًّا يافعًا مقارنة بها، لكنه لم يكن سهلاً لتتلاعب به، و تسيره كما تشاء، لذا بدا واثقًا جدا و هو يجد أكبر نقاط مخاوفها و يستخدمها ضدها:
“أعتقدُ أنكِ أيضا لا تريدين أن نسأل مايڤا عن رأيها بهذا الخصوص!”.
2
إبتلعت لسانها فور سماع ذلك الإسم، و إستعادت ذكرى تلك السفاحة اللعينة و هي تهدد بقطع أصابعها لو كتب شيئًا للميغا و الكونغرس من ذلك القبيل، لوت فمها مكشرة، و أشاحت عنه بعنف تتجه صوب المكتب، بينما نظر مايلس نحو سيريا، و غمزها مستطردًا بمرح:
“جيد! أظنني حصلتُ على جوابي!”.
1
فيما كانت مارفل آنذاك تلجُ المكتب مرتعشة، و تغمغم في سرها:
“أوغاد!!”.
3
لم تشأ سيريا ملأ رأس مايلس بما لا طائل منه، لكنه عاند و أصر على معرفة سبب تضميد قدميها، و ربما لم يقدم أي معلومة تفيد بمن هو مراقبها و المسؤول عن وضع الأشواك و ترك تلك الرسالة على أرضية غرفتها، لكنه تصرف بنبل أخوي جعلها تشعر بأنها ليست تلك السفاحة المتوحشة، بل مجرد طفلة خائرة القوى بحاجة لمن يحملها على ظهره، أجل مايلس حمل سيريا على ظهره و نقلها لغرفتها تفاديا لمزيد من الآلام و النزيف، و لعلها نجحت في إخفاء دموعها عنه و هو يغلق الباب مودعا، غير أنه بكت كطفلة بحق ما إن إطمأنت أنها لوحدها!
13
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
لاس فيغاس|مقهى باركلين آنذاك…

حركت روما فنجانها، و إزردت آخر بقايا البن غير منزعجة من مرارته، كانت تفكر بالنزول من شقة يوري، و التوجه للكلية، فيما كانت الزهور التي يستمر يوري بمراعاتها و مداعبتها كل حين تتمايل و تتأرجح على رف النافذة قربها!
سألها فجأة و هو يفرم اللحم و البصل إستعداد لطهي وجبة الغداء:
“ألم يعد فتى السباق للظهور؟”.
1
أجابت بعد تنهيدة عذبة:
“كلا! أتصور أنه مشغول بالتحضير لسباق آخر، أو لعله يذاكر من أجل السنة الجديدة بالكلية!”.
2
بدا يوري أكثر إهتماما بالحوار الآن، فقد سأل بفضول جلي:
“أنتما في الكلية نفسها؟”.
“لا!”.
أجابت دون تفكير، فعاود السؤال بتركيز أكبر:
“إذن في أي كلية هو؟”.
إرتبكت روما، لأنها تدرك رأي يوري و أخيها كِيان حول التسكع مع شباب لا تعرف عنهم شيئًا! لكن مايلس لطيف للغاية، و يمكنها أن تميزه عن الجميع، و من المستحيل أن يكون عكس ذلك! طأطأت رأسها عابثة بأطراف قميصها، و تمتمت مستسلمة:
2
“في الحقيقة… ليست لدي فكرة عن تخصصه!”.
قالت ذلك و أضافت بعينين متلألئتين:
“لكن أظن أنه تخصص عميق و يليق بأبعاد شخصيته الحيوية!”.
2
كان آنذاك قد بدأ بعجن اللحم المغروم و إضافة البهارات السبعة، لذا بدا في غاية العنف، و هو يلكم العجين بقبضتين، و يعلق:
“عزيزتي، الحيوية معيار خطير! الحيوانات البرية تتضاجع في العراء بحيوية، المجنون يرتكب الكوارث بحيوية، حتى القاتل المتسلسل يتفنن في ساديته على ضحاياه بحيوية!”.
6
قرأت ما بين السطور، و أدركت ما يخشاه عليها يوري، و هذا ما جعلها تستنكر:
“لماذا تقوم بترويعي يوري، هذا رهيب! مايلس شاب لطيف… و لا شك أنك لاحظت ذلك بنفسك!”.
3
طاله صمته و هو ينقل بصره بينها و بين الزهور، عقب ذلك جاء تعليقه فاقدًا للحماس و الحيوية:
“لاحظتُ الكثير… لكنني لم أقف على بينة من أمره!”.
“أيًّا يكن، أظن أن إسم فتى الساكي يليق به أكثر! ما رأيك؟ لقد أحب ذلك الشراب الذي تعده إلى حد بعيد!”.
نقلت عينيها الجميلتين إلى الزهور، و مضت تسقيها هاتفة:
“لقد أصبحت نضِرة بشكل يحبس الأنفاس!”.
“إسقِها ببطء…”.
ردد يوري تلك العبارة بغموض، و أضاف بتؤدة:
“و حاذري أشواكها… فهي قاطعة كشفرة السكين!”.
8
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈

نيڤادا|كوخ الصخور…
7
أضربت روكسان عن الطعام منذُ إستعادة وعيها و عافيتها من الوعكة، أرادت أن ترد له صاعه، غير أن ذلك لم ينفع معه، إذ إستمر دارك يحبط كل محاولتها لقتل نفسها جوعا، فكان يفتح فمها و يطعمها غصبًا و بالقوة!
1
حتى فاجأته مساءً بذلك السؤال و هي تجلس على السرير و تجمع ركبتيها لصدرها تائهة:
“لماذا قتلتَها؟”.
1
عرف دارك أنها تقصد عمتها، فغمرها بنظرة باردة، و أجاب بكل بساطة:
“لأن ذلك ما يجبُ أن يحدث!”.
و مرة ٱخرى أثبتت له أنها النقيض للإنحناء، إذ ردت بشموخ:
“هل تظن أنك تضعفني هكذا؟”.
حافظ على صمته، فأضافت بحنق:
“يجب أن تشفق على نفسك، لأن كل ما تنزله بي من عذاب لا يزيدني إلا قوة لمجابهتك!”.
1
رغب بتمرير إصبعين على وجنتها، فتراجعت بجذعها للخلف، ليردف دارك بتحذير كامن:
1
“لا تجابهيني لأنكِ الخاسرة، قفي في صفي… و سيكون كل شيء على ما يُرام!”.
1
زمجرت بحنق متزايد:
“يا لصفاقتك! يا لك من صلفٍ مارقٍ و متعجرف! كيف تجرؤ على تبسيط كل ما حدث هكذا، لقد قتلتَ عمتي!”.
“خطأ! لقد قتلتُ الساقطة التي كانت تحبسكِ في القبو!”.
1
إقترب منها أكثر حابسًا أنفاسها، و تابع:
“و لا أحد يحبسُ ما يخصُّني في مكان وضيع و قذر كالقبو!”.
2
ظلت للحظات طويلة كالمشلولة على السرير، لا تصدق ما سمعته، حتى إقترب هو و همَّ بإلتقاطها مرددا:
“تعالي!”.
“أفلتني!”.
تجاهل صراعها له، و حملها فوق كتفيه بسهولة، يتجه بها صوب غرفة المعيشة!
1
“ضعني أرضًا!”.
“صه!”.
جعلها تصمت لبعض الوقت بصوت حاد، ثم مسح على شعرها بكفه كما لو كانت قطته الأليفة، و تمتم:
“إهدئي و إقرئي من الكتب التي إشتريتُها خصيصًا من أجلك! هذا يبدو مناسبًا لتهدئة ثورتِكِ!”.
3
رماها وسط الكتب التي نشرها هناك، فأجفلت للحظة، و شعرت بألم نفسي مريع، هذا المارق يتعمد أذيتها بكل شكل يطوله، بل و يستمتع بإذلالها، يقتني كُتبًا لتقرأ؟ أنَّى لها أن تقرأ و هي عمياء؟ هل ينسى ذلك، أم يتناساه عن عمد؟ هل تجريحها بحالة عينيها جزء من خطة التعذيب؟ زمت شفتيها و علقت بتحامل:
1
“حقا؟ تريدني أن أهدأ!”.
كانت روكسان ساخرة و تستنكر كل ما يحيطها به، فأردف دارك غير آبه:
“طبعا! يجبُ أن تكوني هادئة و لطيفة حين تجربين الفساتين التي إخترتها لكِ!”.
1
هذا ما كان ينقصها! الآن بات وجهها يحترق، و عيناها تتموجان غيظا، و جسدها يهتزُّ إنفعالاً، و على الرغم من ذلك كله، واصل كلماته دون أدنى رد فعل:
“أحضرتُ معي مجموعة فاخرة؛ حتى الداخلية منها… إخترتُها بلون شعركِ الداكن…!”.
6
تعاظم غيظها منه بسرها، على أنها شعرت بدغدغة غريبة في قلبها، لم تعِ كُنهَها، حين جعل لون شعرها مرجعًا لإنتقاء ما يناسبها!
سألته بهدوء:
“إخترتَها بنفسك؟!”.
“قطعةً بقطعة!”.
“إليَّ بها إذن؟”.
1
“الآن!”.
“تماما!”.
“قبل أن تقرئي؟!”.
إبتسمت مقاومة دموعها التي لم تجف طيلة يومين، و تمتمت بثقة:
“مؤكدٌ سأقرأ عزيزي الخاطف، لكن… لن أحرم نفسي من هذا الترف، إليَّ بكل ما إقتنيت لأمتِّعَ جسدي بينما أقرأ!”.
3
راق له ما سمع، أو ربما لا، حتى هو لا يعرف، لكنه علق منتشيا بخيالاته:
“ستُمتِّعين جسدكِ بطرقٍ شتَّى يا أعوص مشاكلي، لِمَ العجلة؟!”.
2
توقع دارك من رهينته كل الردود، إلا الرد المتدين الذي نزل عليه كالصاعقة!
“حين تفصلُ روحكَ عن شهواتِها؛ ستدركُ المعنى الأسمى للمتعة، لأنها ليست شعورًا مقيدًا بما يدنو الخاصرة يا ريغان!”.
1
رفع دارك حاجبيه يريد أن يحفظ تلك الكلمات في صحوه و لاوعيه، و لم يرفض الطلب، بل ملأ الأريكة بمشترياته الملفتة، فساتين قصيرة، و ٱخرى طويلة و ملتصقة بالقوام، قمصان من الحرير الأسود مفتوحة الصدر، و قطع عدة من الثياب الحميمة التي جمعها من كل الأصناف!
و مرة ٱخرى صدمته رهينته بما لم يضعه في الحسبان:
“أريدُ نبيذًا لأحتفل بهذا الحظ الوفير!”.
3
“لم أعلم أنكِ تشربين!”.
“سأفعل اليوم على شرفك!”.
أحضر زجاجة نبيذ كما طلبت، و جعلها تدور شاقوليا على الطاولة، ثم أزال سدادة الفلين خاصتها، فسال زبدها الفائض على جوانب القنينة، و لم يمض وقت طويل حتى وضعها على حجرها معلقًا:
“عظيم! زجاجة كاملة من أجلك!”.
على أنه تلاعب بها، و سحب الزجاجة في آخر لحظة قبل أن تمسكها قائلاً بخبث:
1
“سنتناول شيئًا قبل ذلك، بل سنعدُّه أوَّلاً! و بطريقة خاصة!”.
دفعها نحو المطبخ، و جعلها تقف أمامه محاصرة بينه و بين مقصف العمل، ظهرها لصدره، و رأسها لشفتيه، يداها بأمر منه تنظفان حبات الطماطم، و يداه تندسان تحت قميصها لتتحسسا مواطن ٱنوثتها ببطء شديد، و كان على روكسان أن تعض شفتيها متجاهلة ذلك الشعور، لتتمكن من تنفيذ ما تفكر به منذ ساعات و ساعات!
1
إستمر حصاره لها، حتى حان موعد سكب الوجبة التي إنتهيا منها في الأواني، إستأذنت منه لتقصد المرحاض و تقضي حاجتها، فأذن لها كما لو أنها ليست رهينته، و لم يلاحظ أنها سرقت قداحته و دستها تحت حزام بنطالها، و بدلاً من أن تتخذ طريق المرحاض، توقفت قرب الأريكة تتحسسها بيديها، ثم بحثت عن الزجاجة، لتفرغها على مشترياته الثمينة و كتبه، و تضرم فيها النيران! و مع تصاعد الدخان و شحوب روكسان، و تآكل ما ٱشتراه قطعة بقطعة، أتى دارك على إثر الجلبة، و أبعد روكسان عن الحريق مغلقا عليها في المطبخ، ثم أطفأ ما يمكن السيطرة عليها بمياه الحمام، قبل أن يلجأ للحاف لوح به هنا و هناك، فأتى بثماره و أخمد ما تبقى! ليفتح لها باب المطبخ لاحقا يحررها، و يسألها بشكل مباشر و بارد:
15
“لماذا أحرقتِها؟”.
أجابته بتحدًّ و بنفس كلماته:
“لأن ذلك ما يجبُ أن يحدث!”.
“لا! من السيء أن يحدث هذا روكسان، لأنه يثيرُ غضبي!”.
1
حشرها إلى الجدار يحاصرها، و إقترب منها بشكل يشل عقلها متسائلاً:
“كارثتي المتجولة…! أنتِ لا تريدين إغضابي، صحيح؟”.
1
أتم ذلك، و أرخى كفيه على كتفيها، فنفضتهما عنها و صرخت مستشيطة:
“أبعد يديكَ القذرتين عني!”.
“غسلتهما حتى الآن ثماني مرَّات!”.
3
حنقت لجوابه المستفز، فأردفت بصوت محتد:
“لا تدعي الحماقة، أنتَ تعي جيدا أي قذارة أقصد، فلتغسل جسدكَ ملايين المرات، لن تتخلص أبدًا من الدماء التي لطختك!”.
كانت تجلده بلسانها، و أما عنه فما من تأثر يُذكر! لأنه خرج بكلمات كأنها من عالم آخر:
“أتعرفين بالأساس لماذا… ثماني مرَّات؟”.
1
إمتنعت عن مخاطبته، فإبتسم بهدوء يجيب نفسه بنفسه:
“لأنكِ وُلِدتِ في ثامن يوم من ثامن شهر، لأنكِ تقطنين البيت رقم ثمانية و عشرين، لأن خصركِ النحيل مقاسه ثمانية عشر إنشًا، و لأن قوامكِ يشبه الرقم ثمانية!”.
16
رغم حنقها تجاهه، أذهلها مدى هوسه بتفاصيلها إلى ذلك الحد، ليضيف دارك و هو يتنفس أنفاسها:
“أترين؟ كل ما بكِ يؤكد أنكِ ثامن الأعاجيب!”.
7
زجرته بسخط تدفعه عنها مستميتة في ذلك:
“إخرس!”.
و ها هي تلتقطُ ٱصص زينة زجاجية و تهشمها على الأرض، ثم تتعثر بالسجاد فيعينها على الوقوف، لتتخلص من يديه مجددا، و بينما كانت تتلمس الأشياء و تبحث عما تحطمه و تشوهه نكايةً فيه، وضع دارك بقبضتها أثمن مزهرية بكوخه، و علق ساخرًا:
3
“خذي! حطمي هذه أيضا! بات يزعجني شكلها!”.
لم تتريث روكسان، بل سددتها فورًا نحوه مستعينة بمسار الصوت و قوة سمعها، لكنه فطن لنيتها، و نجا بمهارة من الإصطدام بها! و بعد إنحناءة خاطفة، عدل من وقفته، و علق مصفقا كأنه يحضر مباراة تنس مملة:
1
“رمية مذهلة! هل إنتهت عاصفتي من هبوبها الآن؟!”.
2
“أنت مجنون! مجنون! هل تسمعني؟ أنت الجنون بعينه!!”.
1
إتسعت إبتسامته، و أحاط وجهها بكفيه مرددا:
1
“شكرًا! لستِ مضطرة لتمدحيني!”.
5
“قلتُ لا تلمسني!”.
فشلت في إبعاد يديه هذه المرة، بينما ذكرها دارك بأنه سيظل شبحها الأبدي:
“لا يمكنكِ أن تأمريني روكسان! ليس لديكِ مفرٌّ مني، و لا تستطيعين كتابة قدركِ دون أن يرتبط بي!”.
1
حينها لم تأبه للمساته، و لا لشيء يفعله و يقوله، شحنت نفسها بشجاعة كافية، و حشرت أنفها بأنفه تتحداه بصوت فيه من القوة مثلما فيه من العذوبة:
“ربما تملكُ جسدي… لكنكَ لا تملكُ خضوعي، ربما أنقذتُك… لكنني لن أتوقف عن إحراق كل ما يحمل رائحتك!”.
4
نقل بصره بين عينيها العمياوين، و أردف:
“حينها ستحترقين معي… لأنكِ تحملين رائحتي… روكسان ريغان!”.
16
ظنت أنه ما إن أبعد رأسه عنها و سار خطوات قليلة بإتجاه ما، قد صرعه عنادها، و ربما سيسحب مسدسه الآن و يرديها قتيلة أخيرًا، لكن ذلك لم يكن ليحدث، لا سيما و دارك سيد التحولات، لم تصدق أنه أدار المفتاح في القفل، و فتح الباب عن آخره قائلاً بجفاف:
“هيا! بإمكانكِ الرحيل، الباب مفتوح!”.
1
في البداية سخرت غير مصدقة، ثم إزدردت ريقها تلهث، و كادت تجهش بكاءً من الغبطة، أخيرًا! أرادت أن تتحرك، إلا أنها تمهلت تخشى أن تكون إحدى خدعه المريضة، لكنها عادت و أقنعت نفسها أنها فرصتها الثانية لتنجو، و ليس عليها تعقيد الأمور، طالما فُتِح الباب، فهذا يعني الحرية و بملء إراداه أيضا! لا ريب أنه مل كوارثها، و لم يعد يريد مصيبة تحت سقفه، خطت روكسان للأمام، كانت مجرد خطوة فقط، حتى تسمرت بمكانها، و هي تسمع ما إستطرد به:
2
“لكن… فليكن بعلمك، رحيلكِ الآن… و تجاوزُكِ حدود هذا الكوخ… يعني أنكِ قد كتبتِ بنفسكِ ساعة موت كل من يعرفكِ، إذهبي يا روكسان… لكن تذكري مع كل خطوة تبتعدين فيها عن هنا… أن دارك ريغان سيقتلُ كل من يدنوكِ و يلمسُ يدكِ أو يبتسم لكِ بسبب و بلا سبب، و إذا واصلتِ العمل كعازفة في تلك الكنيسة… فسيكون الأب لوثر الذي تمجدينه هو أول من يموت بسببك، و لن ينجو مني أحد، حتى إن حصلتِ على وظيفة ٱخرى فلن أتوانى عن تحطيم الفرصة قبل ولادتها تماما مثلما كنتِ تحطمين أغراضي للتو، بل ليس هناك ما هو أسهل من تحطيم البشر!”.
4
توقف قليلاً يراقب تأثير كلماته، و أضاف ينبس بحدة:
“و الآن… القرار لكِ!”.
4
وقفت كشبح… كل ما بها زمجر مطالبا بالرحيل، طيف الحرية ظل على الباب يندب نفسه لنفسه، و روكسان ظلت تبكي مطالبات أعماقها المرفوضة من جهة، و من جهة ٱخرى تبكي جنازة الحرية، إزدردت غصتها، وازنت بين حياتها الحرة و سلامة من تحب، و كانت الغلبة لهم على حسابها، فتابعت خطواتها نحو الباب، تحسسته باحثة عن قفله، ثم أغلقته بهدوء دون أن تتجاوزه، و بينما كانت تلتفتُ ببطء صوب خاطفها الذي أثبت إنتصاره عليها ببمارسة لعبة نفسية قاهرة، سمعته يردد بعذوبة كأنه يدندن ذلك:
“ممتاز! فتاة طيبة!”.
3
دنا منها، و حملها بين ذراعيه يخطو بها بعيدًا عن مخرج الكوخ و هو يتساءل بشكل طبيعي و متزن:
“هل يؤثر الحمام الدافئ على الحائض؟!”.
3
كانت بلا شعور محدد، بلا حياة ربما، مهدورة، مسروقة من نفسها، و مع ذلك هزت رأسها نفيا، فإستبشر دارك بذلك، و تابع:
“إذن نحتاج إلى حمام، ثم سنتناول ما أعددناه، ثم سيحين موعد الوسم!”.
11
وجدت نفسها تردد ما قاله بخمول و هو يباشر بنزع ثيابها العلوية، و يتحسس حرق الصليب بين نهديها بأنامله:
“الوسم؟!”.
مرر دارك أصابعه هناك بشكل متكرر، و أضاف بغموض:
“لقد غيرتُ خطتي روكسان، لن أتخلى عن الإنتقام من داجيو، لكن سأجعله بنكهة مختلفة، و لن يكتمل ذلك دون وسم يثبت أنكِ تخُصِّين ريغان!”.

 

 

0 0 votes
Article Rating
____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x