روايات

رواية وتعانقت الأرواح الفصل الخامس 5 بقلم الست ورد

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

رواية وتعانقت الأرواح الفصل الخامس 5 بقلم الست ورد

 

 

البارت الخامس

 

..5..
“قصي”
التفت وراءه وبلع ريقه بتوتر وهو يبتسم بسماجة.
نظرت “جويريه” ورائها لترى من هذا، فكانت سيدة في منتصف الثمانينات من عمرها، تضع كلتا يديها على وسطها وترفع أحد حاجبيها وهي تمصمص شفايفها بحزن.
اقتربت منهم وهي تضع يديها على كتف “قصي” الذي أزاح يديها، لكنها وضعتها مرة أخرى، تحت استغراب “جويريه”.
أردفت السيدة بحزن كبير:
“كده يا حبيبي تسيبني وتسافر؟ أخص عليك.”

 

بلع “قصي” ريقه وأردف:
“حقك عليا يا أم عبدو، جت فجأة.”
“أنا يا بني دخلت الشقة بتاعتك ملقتش… خفت عليك، نزلت سألت خالتك منال، قالتلي ده سافر.
فضلت أتحسر على شبابي وإنك قد إيه ندل وواطي… وعدتني بالجواز وغدرت بيا.”
كان ينظر لها بصدمة، ليس من حديثها، فهو تعود عليها، بل من كيف استطاعت فتح باب شقته.
“فتحتي باب الشقة إزاي يا أم عبدو؟”
نظرت له ببلاهة وأردفت بسماجة:
“بالمفتاح.”
“جبتي المفتاح منين؟”
“ما أنا قلت يا بت يا نوسة اعملي نسخة من المفتاح بتاع جوزك، بحيث لو مفتحش أبقى أفتح أنا.”
“وريني المفتاح كده يا أم عبدو.”
ضحكت بكسوف وأردفت:
“مينفعش، إحنا في الشارع.”
“ليه… إنتِ حطاه فين يا أم عبدو؟”
“عاوز تشوفه؟ استنى هطلعهولك.”
كادت أن تدخل يديها من الداخل، ولكنه أوقفها وهو يمسح على وجهه:
“أبوس إيدك… بلاش تحطي أي حاجة في المكان ده يا شيخة، حرام عليكي.”
“بتغير عليا يا حبيبي.”
قالتها بهيام وكسوف، تحت ضحكات “جويريه” التي تمسك نفسها بالعافية.
أمسك يديها وهو يبتسم، وكاد أن يرد عليها، ولكن امرأة كبيرة في أواخر الخمسينات اقتربت منهم وهي تقاطع حديثه:
“أخص عليكِ يا نوسة، كده تمشي من غير ما تقوليلي؟”
مطت الخالة “نوسة” شفايفها وأردفت:
“شوفت قصي، قولت يا بت يا نوسة قابلي جوزك جاي من سفر.”
“ماتعمليش كده تاني… وقعتي قلبي.”
ثم وجهت كلامها لـ”قصي” وهي تأخذه في أحضانها، وتمتمت بمعاتبة:
“طال غيابك المرادي يا قصي.”
“حقك عليا يا طنط منال… إنتِ عارفة الشغل بقى قد إيه صعب.”
“عارفة يا روح قلبي.”
عندما ابتعدت عنه، رأت “جويريه” تبتسم لهم، فوجهت الحديث لها:
“مش هتعرفني بالعسولة؟”
كاد أن يعرفها، ولكن شهقت “نوسة” شهقة وهي تلطم بيديها:
“آه يا خاين! جايبلي واحدة الشقة؟ طلقني يا خاين، يا واطي، يا بتاع النسوان. صحيح الضربة بتيجي من جوزك!”
لم يعيرها أحد انتباهًا، تحت ضحكات “جويريه”، فعرفها “قصي” على “منال”:
“دي جويريه يا طنط منال.”
ثم أكمل حديثه وهو يحدث “جويريه”:
“ودي طنط منال يا جويرية.”
“تشرفت بحضرتك.”
“وأنا أكتر يا روحي… تعالي يا حبيبتي، دِنتي من طرف الغالي.”
أخذتها داخل حضنها وهي تضمها بحب، ثم ابتعدت عنها وقبلت وجنتها تحت ضحكاتها المستمعة.
اقتربت “نوسة” من “قصي” بكسوف، ونغزته نغزة بسيطة في كتفه:
“إنت خنتني يا قصي.”
ضحك “قصي” وأخذها في أحضانه:
“تعالي يا خالتي، والله وحشتيني.”
“هنفضل كده في الشارع؟ تعالوا جوه يلا.”
ثم أكملت حديثها وهي تنظر إلى “نوسة”:
“وإنتِ يا خالتي، بلاش تطلعي بره من غير ما تقوليلي.”
هزت رأسها بحماس وهي تدخل من بوابة العمارة حيث توجد الحديقة الصغيرة.
حملت “جويريه” حقائبها، وكذلك “قصي”، إلى الداخل، وتبعهم طنط منال.
اقترب قصي من طنط منال وأردف بهمس:
“جويرية هتسكن هنا بسبب ظرف… هبقى أقولك عليه بعدين، فإنتِ مشي الدنيا.”
هزت طنط منال رأسها وأردفت بنفس النبرة:
“متخافش يا حبيبي، شكلها بنت حلال وغلبانة… متخافش.”
اقتربت جويرية منهم وأردفت بانبهار:
“الحديقة شكلها حلو أوي.”
ابتسم قصي وأردف:
“طنط منال بتحب الأزهار والورود أكتر مننا على فكرة.”
“سيد متقولش كده، دحنا أهل يا راجل.”
اقتربت طنط منال من جويرية، أمسكت يديها وقالت بابتسامة:
“دِنتي اللي عيونك جميلة… تعالي أطلعك شقتك يا حبيبتي.”
مشت خلفها حتى ركبوا الأسانسير، ضغطت على الطابق الثالث، وعند وقوفه خرجوا.

 

 

جويرية كانت منبهرة بالمكان وإطلالته، ليست عمارة عادية، تشبه الفنادق الفاخرة.
أخرجت منال مفتاح الشقة من بين مفاتيح تحملها، عليه رقم الغرفة حتى لا تنسى.
فتحت الباب، سمت بالله ودخلت، وخلفها جويرية، ثم قصي وهو يسند خالته نوسة التي أصرت أن تذهب معهم لترى بيت ضرتها.
عندما دخلت جويرية الشقة، أخذت نفسًا عميقًا وكأن المنزل يضمها إلى أحضانه.
شعور دفا غريب ولذيذ اجتاحها.
“بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.”
أطلقت تلك الكلمات الخالة نوسة بعدما دخلت الشقة، ورغم كبر سنها ومرضها، الشيء الوحيد الذي لم تنساه هو دينها.
ابتسموا جميعًا وردوا السلام عليها.
أردفت جويرية بلطف:
“بسم الله ما شاء الله… حلوة أوي يا طنط. مكنتش متخيلة إنها بالحلاوة دي.”
ضحكت طنط منال وأردفت بابتسامة:
“إحنا لسه يا جوري في الصالة، هنطلع إحنا ونسيبك تاخدي راحتك في بيتك. لو احتاجتي أي حاجة، رقمي هتلاقيه على السفرة… رني عليا في أي وقت.”
“مش عارفة أشكرك إزاي بجد.”
اقتربت منها وضمتها تحت صدمة طنط منال، لكنها سرعان ما ضمتها هي الأخرى بحنان:
“مافيش بينا شكر يا حبيبي… وإنتِ خلاص بقيتي بنتي.”
ابتعدت جويرية عنها بلطف وأكملت:
“يلا يا خالتي… يلا يا قصي يا ابني.”
أمسكت طنط منال يد نوسة وخرجت.
اقترب قصي من جويرية وابتسم ابتسامة صغيرة:
“الشقة نورت بوجودك، أنا جمبك في الشقة اللي قصادك… لو احتاجتي حاجة، أنا موجود.”
«جويرية»
هزيت راسي بابتسامة واسعة… عارفين شعور إن في ناس جنبك ومش مطالب تعمل قصاد الاهتمام ده حاجة؟
هما حسسوني في نص ساعة بالشكل ده. شعور الأمان والانتماء… إن المكان مكاني.
خرج قصي، وأنا قفلت الشقة.
بصيت حواليّ، كانت صغنونة بس كبيرة بالنسبالي.
رميت نفسي على السرير ونمت كأني أول مرة أنام في حياتي… نومة مطمئنة بعد ليلة كلها قلق وخوف.
ميغركوش إني نمت في المترو.
حياتي عمرها ما كانت هادية، فهستغرب لو لقيتها في يوم من الأيام هادية.
صحيت بعد عدد من الساعات، لم أعلم مدتها، لكن الشمس كانت قد غابت.
الساعة كانت التاسعة مساءً. “نمت كل ده إمتى؟”
فتحت التلاجة وأنا عندي يقين إني مش هلاقي فيها حاجة… لكن ما شاء الله، كانت مليانة من كل شيء.
طلعت أكل كان جاهز، سخنته وقعدت على السفرة.
أكلت وكنت قاعدة زهقانة، مش عارفة أعمل إيه.
حاسّة إن في حاجة خنقاني، عاوزة أعيط… مع إني لا عيطت ولا اتوجعت.
أنا كده… معدومة المشاعر!
لقيتني واقفة قدام المراية اللي في الأوضة.
لقيتني متغيرة بكتير.
مش دي البنت اللي كان كل الشبان عاوزين يرتبطوا بيها.
مش تكبّر… بس دي الحقيقة.
كبرت وبقيت ضعف سني وأنا لسه صغيرة.
ملامحي بهتانه لأبعد حد.

 

مش عارفة جبت منين الجرأة إني أعمل كده في الشقة.
أنا زي العصفور بجناح مكسور.
عيطت… عيطت كتير لحد ما روحي قالت بس.
وفجأة، لقيت باب الشقة بيخبط.
مسحت دموعي وروحت فتحت.
كانت طنط منال.
بصّتلي، ومن غير أي إنذار فتحت دراعتها:
“تعالي يا حبيبي… تعالي.”
اترميت في حضنها وأنا بعيط بحرقة… بعيط من أعماق قلبي.
وهي بتطبطب عليا، دخلتني جوه، مسكت إيديا، وقعدتني على الركنة.
كانت ماسكة إيديا وأنا متبتة فيها… مش عاوزة أسيبها.
“مين بس اللي مزعلك يا نور عيني؟”
عيطت أكتر وأكتر… فقدت والدتي من ثلاث سنوات.
مكنش بيخليني أروحها غير مرة كل شهرين… وخمس دقايق بس.
حتى مبشبعش من حضنها.
معرفتش أحزن، مأخدتش كفايتي من الحزن والبكا عليها بسبب حماتي.
“جوزي اتجوز عليا، وقالي كلام زي السم.
بس كنت صالبة نفسي علشان ميقولش ملهاش ضهر.
كنت ضهر لنفسي يا خالتي… استحملت كتير منهم… كتير يا خالتي.”
ضمتها طنط منال لحضنها وربّت على ظهرها بحب:
“لعله خير يا جويرية… لعله خير.
يمكن لو مكنش ده حصل، كان حصل الأسوأ.
ربنا بيختبر صبرنا… وإنتِ صبرتي كتير.
وجيه الوقت اللي تنولي الخير ليكي.”
كانت جويرية مع كل كلمة تشهق… ودموعها تغلبت على صوتها.
“ونعم بالله يا خالتي.”
“وإنتِ عملتي إيه بقى؟”
حكت لها جميع ما فعلته.
طنط منال انفجرت من الضحك.
“والله برافو عليكي يا جوري.”
ابتسمت جويرية على ضحكاتها، وشدت من احتضانها.
♡꒱.°⑅ 🎀
في مكان آخر… قبل ساعات، كانت “زينب” والدة مازن تولول وهي تلطم على وجهها:
“منها لله، ربنا ينتقم منها!
هي السبب في إن ابني يدخل السجن… هي السبب!
الهي يا رب ما تشوف يوم عدل في حياتها.
ابني عاملها إيه؟ كان شايلها من الأرض شيل.
آه لو أُطولها… آه!
سرقت الدهب وفلوسه واللي حيلته كله… منها لله!”
كانت زوجته الثانية “ريم” تقلب عينيها بضجر، وهي تأكل من طبق الفشار وتتفرج على أحد الأفلام الأجنبية التي تحبها.
“بقولك إيه يا حماتي… ما تقفلي على السيرة دي؟ صدعتيني.”
كادت أن ترد عليها، لكن قاطعها صوت اتصال هاتفها.
عندما رأت المتصل، كانت ابنتها.
ردت عليها، وجاءها الصوت من الجهة الأخرى:
“الحقيني يا ماما…”
.. يتبع..

 

 

 

0 0 votes
Article Rating
____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x