رواية ليلى منصور وكمال الرشيد الفصل الرابع عشر 14 – قصة رومانسية عربية
رواية ليلى منصور وكمال الرشيد الفصل الرابع عشر 14 – قصة رومانسية عربية
البارت الرابع عشر
كانت أضواء المستشفى الرئيسية تخفت تدريجياً مع اقتراب المساء، كأنها تعكس الظلال الطويلة التي بدأت تتسلل إلى حياة ليلى وكمال. وقفا في ممر الطوارئ، بعيداً عن أعين الفريق الطبي، يداهما لا تزالان ملطختين ببقايا العملية، والهواء بينهما مشحوناً بتوتر غير مرئي. كانت ليلى تمسح يديها بمناديل مبللة، عيناها السوداوان تحملان مزيجاً من الإرهاق والحذر، بينما كمال يمسك هاتفه بقبضة حديدية، الرسالة من بدر غسان لا تزال تتوهج على الشاشة كقنبلة موقوتة.
“سرّ عن حادث الغيبوبة؟” كررت ليلى الكلمات بصوت خافت، كأنها تخشى أن تسمعها الجدران. اقتربت منه خطوة، يدها تلمس ذراعه بلطف، لكن عينيها تبحثان في وجهه عن إجابات لم ينطق بها بعد. “كمال، أنتَ لم تُخبرني يوماً بالتفاصيل الكاملة. الحادث قبل ثلاث سنوات… السيارة التي انحرفت عن الطريق في عاصفة المطر، الاصطدام بالشجرة… الأطباء قالوا إنه صدفة، لكن إذا كان هناكَ شيءٌ أكبرُ… مرتبطٌ بعائلتِي؟”
تنهد كمال بعمق، وهو يمرر يده على شعره الأسود القصير، ملامحه الوسيمة تتجهم كسحابة عاصفة. كان قد دفن هذا السرّ عميقاً في ذاكرته، يظنه مجرد شبح من الماضي، لكنه الآن يعود ليطارده كوحش جائع. “ليلى،” قال بصوت عميق، يمسك بكتفيها بلطف ليثبت نفسه أكثر منها، “الحادث لم يكن صدفة. بعد استيقاظي، وجدتُ تقريراً سرياً من محقق خاص… الفرامل كانت معطلةً عمداً. شخص ما، من داخل الشركة، تلاعبَ بالسيارة. كنتُ أظنُّهُ عدواً تجارياً، لكن بدر يقولُ إنَّ هناكَ دليلاً يشيرُ إلى حازم منصور – والدِكِّ بالتبني. كان يريدُ الاستيلاءَ على صفقةِ الرشيدِ الكبيرةِ في قطاعِ الطبِّ، وأنتِ… كنتِ الورقةَ الرابحةَ لإيقافِهِ، بزواجِكِ بي.”
تجمدت ليلى في مكانها، كأن الدماء تجمدت في عروقها. حازم، الرجل الذي تزوج أمها وأصبح “أبيها”، الذي أرسلها إلى الريف كالقمامة، كان وراء غيبوبة كمال؟ السنوات الثلاث التي قضتها ترعاه، تغسل ملابسه وتدرس ليلاً، كانت نتيجة مخطط شيطاني؟ “لا…” همست، عيناها تمتلئان بدموع غضب مكبوتة. “حازم كان دائماً يحتقرُ الرشيدَ، يقولُ إنَّكُمْ ‘مُتَكَبِّرُونَ’. لكنْ ليْ؟ ليْ أنْ أكونَ الطُّعمَ؟ أمي… هل كانتْ تعلمُ؟” شعرتْ بغثيان يعصف بها، كأن الماضي يعود ليخنقها مرة أخرى.
أمسك كمال بوجهها بلطف، إبهامه يمسح دمعة سقطت على خدها. “ليلى، لا أعرفُ إنْ كانتْ نسرين تعلمُ، لكنْ هذاَ يفسِّرُ كلَّ شيءٍ: هربَ جميلةِ، دفعَ عائلتِكِ ليْجْعَلُوكِ تَتَزَاوَجِينَنِي لِتَكُونِيْ عُنْصُرَ الْأَمَانِ. وَالْآنَ، مَعَ رَامِي الشَّرِيفِ – عَدُوُّيْ الْقَدِيمِ – وَجَمِيلَةُ تَتَوَاصَلُ مَعَهُ، يَبْدُو أَنَّ الْخُطَّةَ لَمْ تَنْتَهِ. هُمْ يُرِيدُونَ تَدْمِيرَ سَمْعَتِكِ فِي الْمُسْتَشْفَى لِيْسْقِطُواْ الشَّرْكَةَ كُلَّهَا.”
في تلكَ اللَّحْظَةِ، رَنَّ هَاتِفُ لَيْلَى بِصَوْتٍ عَالٍ، مُقَاطِعًا الْحَدِيثَ. كَانَتْ رِسَالَةً مِنْ خَالِدْ دَالِيْ، أَخِيهَا الْأَكْبَرْ فِي الْأَسْرَةِ الْحَقِيقِيَّةِ: “أُخْتِيْ الصَّغِيرَةْ، سَمِعْنَا عَنِ التَّسْرِيبِ. الْأَخْبَارُ تَقُولُ إِنَّ عَمْلِيَاتِكِ ‘خَطِرَةْ’ وَتُهْدِّدُ الْحَامِلَاتْ. هَذَا كَذِبْ، لَكِنْ هُنَاكَ صُورٌ مُزَيَّفَةْ تُدَّعِيْ أَنَّكِ فَشَلْتِ فِيْ عَمْلِيَةْ قَبْلَ سَنَوَاتْ. أَنَا وَالْأَخَوَةْ نَأْتِيْ غَدًا لِنَدْعَمَكِ. حَمِّيْنَا نَفْسَكِ، وَلَا تَثِقِيْ بِأَحَدْ مِنْ عَائِلَةِ مَنْصُورْ.”
شَحِبَ وَجْهُ لَيْلَى، وَهِيَ تَقْرَأُ الْرِّسَالَةَ. الصُّوَرُ الْمُزَيَّفَةُ – تَذْكِيرٌ بِسَنَوَاتِهَا الْمَاضِيَةِ، حِينَ كَانَتْ تَدْرُسُ سِرًّا وَتَرْعَى كَمَالَ. “جَمِيلَةُ… هِيَ الْوَحِيدَةُ الَّتِيْ تَعْرِفُ تَفَاصِيلَ حَيَاتِيْ الْقَدِيمَةِ بِهَذَا الْعُمْقِ. إِذًاْ، هِيَ وَرَاءَ التَّسْرِيبِ.” نَظَرَتْ إِلَى كَمَالَ بِعَيْنَيْنِ مَلِيْئَتَيْنِ بِالْحَزْنِ وَالْغَضَبِ. “كَيْفَ نَتَوَقَّفُهُمْ؟ أَنَا لَا أَرِيدُ أَنْ يَسْقِطَ مُسْتَشْفَاكَ بِسَبَبِيْ.”
أَمْسَكَ كَمَالُ بِيَدَهَا، وَجَذَبَهَا نَحْوَ مَكْتَبِهِ الْخَاصِّ فِي الْمُسْتَشْفَى، حَيْثُ كَانَتْ الشَّاشَاتُ تُعْرِضُ بَيَانَاتِ الْأَعْمَالِ وَالْحَالَاتِ الْطِّبِّيَّةِ. جَلَسَا أَمَامَ الْحَاسُوبِ، وَهُوَ يَفْتَحُ مَلْفَاتٍ سِرِّيَّةً. “نَبْدَأُ بِالْحَقِيقَةِ، لَيْلَى. سَأَطْلُبُ مِنْ بَدْرِ أَنْ يَتَحَقَّقَ مِنْ رَامِي فَوْرًا، وَأَنْتِ… أَنْتِ تَحْتَاجِينَ إِلَى دَلِيلٍ عَلَى نَجَاحِ عَمْلِيَاتِكِ. سَنَعْلِنُ عَنْ الْعَمْلِيَةِ الْيَوْمِيَّةِ – إِنْقَاذُ الْأُمِّ وَالطِّفْلِ – وَسَنَدْحَضُ الْأَكَاذِيبَ. أَمَّا حَادِثُ الْغِيْبُوبَةِ… سَأَكْشِفُهُ لِلْعَالَمِ إِذَا لَزِمَ الأَمْرُ. هُمْ لَنْ يَفْلِحُواْ.”
لَكِنْ قَبْلَ أَنْ تَرْدَّ، رَنَّ هَاتِفُهُ مَرَّةً أُخْرَى – مُكْلِمَةً مِنْ يُوسُفَ. أَجَابَ كَمَالُ بِسُرْعَةٍ، وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ فَجْأَةً إِلَى لَوْنِ الْمَوْتِ. “مَاذَا؟! الْمَرِيضَةُ الْحَامِلُ… تَعَرَّضَتْ لِمُضَاعَفَاتٍ؟! الْطِّفْلُ فِيْ خَطَرْ!” أَلْقَى الْهَاتِفَ، وَنَظَرَ إِلَى لَيْلَى بِعَيْنَيْنِ مَلِيْئَتَيْنِ بِالْرُّعْبِ. “لَيْلَى، هَذَا لَيْسَ صُدْفَةً. شَيْءٌ مُتَعَمَّدٌ – دَوَاءٌ غَيْرُ صَحِيْحٍ فِيْ الْغُرْفَةِ. إِذًاْ، هُمْ يَحَاوِلُونَ إِيقَافَ قَلْبِهَا… وَقَلْبِكِ.”
رَكَضَا نَحْوَ غُرْفَةِ الْعِنَايَةِ الْمُكَثَّفَةِ، الْأَبْوَابُ تَفْتَحُ وَتَغْلَقُ بِعُنْفٍ، وَالْقَلْبُ يَخْفِقُ بِسُرْعَةٍ كَالْعَاصِفَةِ. لَكِنْ عِنْدَمَا وَصَلَا، وَجَدَا الْفَرِيقَ يُحَاوِلُ إِعْيَاءَ الْأُمِّ، وَالْمُرِيضَةُ تَتَأَلْمُ بِصَوْتٍ خَافِتٍ: “مَنْ… مَنْ غَيَّرَ الْدَّوَاءَ؟” كَانَتْ الْحَقِيقَةُ تَبْدَأُ تَكْشِفُ نَفْسَهَا، وَجَمِيلَةُ… كَانَتْ قَرِيبَةً أَكْثَرَ مِنْ مَا يَظْنُونَ.
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية ليلى منصور وكمال الرشيد)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)