روايات

رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم ياسمين عادل

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم ياسمين عادل

 

البارت الثامن والعشرون

 

^^ليلة في منزل طير جارح^^
الفصل الثامن والعشرون :-
“يخرج من كل إنسان تعرفه إنسان آخر لا تعرفه.”
____________________________________
بدأت الأعراض الحقيقية للحمل تظهر بمرور الأيام، إنه بداية شهرها الثاني، ومع هذا بدأت تحس وكأنه يتقدم بسرعة هائلة. دخلت دورة المياة تتقيأ للمرة الثانية على التوالي خلال ساعة واحدة، شاعرة بغثيان قوي يهاجم معدتها، وأنفاسها تتراكم عند صدرها تتناولها بصعوبة، إلى جانب جروحها التي لم تلتئم تمامًا حتى الآن، وقد اهتاجت عليها نتيجة المجهود الذي بذلته في القئ. خرجت “رحيل” نحو غرفتها وهي تستند على الجدران، إلى أن ارتمت أخيرًا على فراشها غير قادرة على الرؤية بوضوح أو الوقوف على قدميها، أغمضت عيناها في محاولة منها لنسيان الألم، بعدما حذرها الطبيب من تعاطي مسكنات الألم القوية في شهور الحمل، مشيرًا للعواقب الوخيمة التي قد تصيب جنينها جِراء ذلك. هطلت عيناها بالدموع فجأة، وإذ بها تراه أمامها من جديد، مستعيدة في ذهنها كيف تخلّى وذهب دون أن يسأل ما هي جريمتهِ، كيف كانت هيّنة لتلك الدرجة المميتة للمشاعر!.. ألم يذكر لها شيئًا يُلين حديد قلبهِ!؟.

 

زاد بكائها الذي لم تفهم أسبابه الآن، وكأنها الهرمونات الطبيعية في جسدها قد تضاعفت تأثرًا بحزنها، فبدأت التقلصات تهاجم رحمها بشدة، معلنة ضرورة توقفها عن حالة البكاء الهيستيرية تلك، فتذكرت أخيرًا أن الطبيب قد حذر أيضًا من التوتر والعصبية وأي مثيرات للحزن في تلك الفترة الحرجة من حياة أي أنثى، لتتوقف على الفور من أجل طفلها الذي لا ذنب له من سوء اختيارتها، ومسحت بأصابعها على بطنها في رفقٍ، وهي تهمس بـ :
– خلاص مش هعيط تاني.. أنا أسفه.
وأغمضت عيناها عسى أن ترتاح من الآلام الجسدية والنفسية المتفرقة في أنحائها، لتدخل في نوبة نوم عميق گعادة الأيام السابقة، وتنسى معها كل ما تحس به من ألم.
**************************************
تضارب كبير أصاب مشاعرهِ، ومازال قاعدًا في مكانه عاجزًا عن التفكير، وكل ما يفعله هو النظر إلى اختبار الحمل الموضوع أمامهِ على سطح المكتب. رسميًا سرقت أطفاله وغادرت، إذًا هناك سبب أقوى لم يبحث هو عن أصوله، إذ كانت أنثى ناعمة رقيقة في كل الليالي التي قضاها معها، لم تنشد سوى الأمان والطمأنينة، لماذا تفتكر فجأة؟ لماذا ترغب في الإنتقام منه بدلًا من تعزيز علاقتها به بعدما علمت بشأن حملها؟، ثمة أمر مريب لم يفهمه حتى الآن، وعليه فكّ الشفرة حتى يستطيع إيجادها.
تأفف “هاشم” وهو يحيد بعيناه عن مركز تعلقهِ، ثم نهض عن مقعده وأخذ يجول في الغرفة وقد أصاب الصداع النصفي رأسه بألمٍ شديد، حتمًا هناك ثغرة تركتها، يستحيل أن يبقى عاجزًا هكذا ولا يستطيع إيجادها.
استرعى تركيزه صوت السيارة التي تعبر البوابة بالخارج، فخرج من مكتبه متيقنًا من إنه “مراد” وقد عاد لأرض الوطن، وبالفعل كان هو يترجل عن السيارة ويتجه نحوه وهو يسأل :
– في جديد؟.
كانت عينا “هاشم” محمرة بشكل مرعب، كأنه لم ينام منذ فترة، هذا إلى جانب ملامح الغضب التي أعتمت تعابيره بشكل كبير :

 

– عارف خدت البنت ليه!؟.
كان “مراد” مترقبًا جوابه، ليتابع “هاشم” :
– ودتها لأمها.
ارتفع حاجبي “مراد” مذهولًا من طريقة العقاب التي اختارتها “رحيل”، كانت الأصعب على الإطلاق، خاصةً لأب متعلق بإبنته مثل “هاشم” :
– وهي ليه تعمل كده؟؟.. أنا تصورت إنها خدتها لأن ليلى اتعلقت بيهم!.. يعني مسافة أيام وترجعها!.
هز “هاشم” رأسهِ بالنفي وكأنه متأكدًا من تخمينهِ المبني على حوادث سابقة :
– لأ، كاميليا بقالها أيام مختفية من بيتها وأمها قاعدة لوحدها.. تفتكر دي صدفة!.
نفخ “مراد” بإنزعاج وهو يرى تلك الحالة التي وصل إليها “هاشم”، بينما تابع الأخير وفي صوته اهتياج منفعل :
– الأتنين خدوا عيالي وهربوا!!.. فاكرين نفسهم هيعرفوا يـعاقـبـونـي، ده أنا هـبقى عمـلهم الأسـود.
قطب “مراد” جبينه في استنفار، وقد جذبته الكلمة الأخيرة :
– عيالك؟؟.. هي آ…..
أومأ “هاشم” رأسه بالإيجاب، وهو يحيد بعيناه عن النظر إليه :
– حـامـل…
**************************************
كانت أصدق لحظات الحُب، حينما ودعتها بقُبلة ناعمة وعناقٍ سخيّ، ثم ابتعدت عن الفراش بعدما تأكدت من إنها غفت تمامًا، دثرتها جيدًا ثم خرجت بهدوء وسحبت الباب من خلفها.
خرجت “كاميليا” وقد استعاد وجهها إشراقتهِ، وبدت گحالتها السابقة بعد أن رُدت إليها روحها، نظر إليها “مازن” في إعجاب وهو يقول :
– أنا مبسوط إنك رجعتي كاميليا اللي اعرفها.
تنهدت “كاميليا” بأريحية شديدة وهي تقول :

 

– وانا مبسوطة إن بنتي رجعت لحضني.. بس مش عارفه إزاي هقدر أسافر من هنا وهي معايا!.. لازم أبوها يوافق على السفر.
بدأ القلق يظهر في شكل تجعيدات صغيرة على وجهها وهي تتابع :
– مش لازم أسيب فرصة لهاشم ياخدها تاني من حضني يامازن، أنا معنديش استعداد لأي مجازفة.
ترك “مازن” كأس العصير خاصته على الطاولة وهو يقترح عليها :
– مفيش غير الهجرة غير شرعية.. غير كده هتفضلى هنا في مصر لحد ما البنت تكبر.
رمقته بإستنكار بعدما قدّم ذلك المقترح الردئ:
– هجرة غير شرعية؟.. وانت تفتكر ممكن أعرضّ بنتي وأعرضّ نفسي لحاجه زي دي ؟.
لم يتحمل “مازن” لأكثر من ذلك، فقد ضغطت “كاميليا” على أعصابه طيلة الفترة الماضية بشكل أتلف توازنهِ الإنفعالي، وحان الوقت للتنفيث عن ذلك :
– أمال فاكرة هتعملي إيه ؟؟.. هتفضلي هربانة هنا في الشقة دي انتي والبنت؟.. مسيره يوصلك، ليلى لازم تدخل مدارس وأكيد مش هتزوري شهادة ميلادها، أو هتتعرض لأي تعب زي باقي الأطفال وتضطري توديها المستشفى وساعتها بيانات بنتك هتكون على المشاع وسهل جدًا يوصلها منها.. طول ماانتي في مصر هيطولك هيطولك.. بلاش سذاجة يا كاميليا!.
وضع يده على كفها وهو يدنو منها وهتف بنبرة أكثر هدوءًا:
– وبعدين انتي مش بتفكري فينا خالص ياكاميليا، العلاقة دي أنا الطرف الوحيد اللي بيسعى فيها!.. طالما ليلى رجعت ليكي تممي جوازنا، وأي صعب أنا هبقى معاكي فيه.
سحبت يدها منه بإنفعال وهي تنظر إليه مستهجنة:
– أسيب مشاكلي وأروح أتجوز مش كده!.. عشان بدل ما كان أبوها خاطفها مني دلوقتي ياخد حضانتها بحكم المحكمة!! لو هي دي فكرتك يبقى خليها لنفسك يا مازن.
نهض “مازن” بعدما نفذ صبره عليها، سحب مفاتيحه وهاتفه وهو يقول :
– أنا اللي ماشي وخليكي مع نفسك يا كاميليا.
صفع الباب من خلفهِ بقوةٍ، وبقيت هي في مكانها، تفكر في وضعها الذي لم تجد له حلًا، سوى محاولة الجلوس على طاولة التفاوض من جديد مع طليقها، عسى ذلك يأتى بنتيجة عادلة، بعد أن أصبحت “ليلى” في عهدتها من جديد، وبدون أن تكون مقيدة بأي مخاوف أخرى أو تهديدات معقدة منه، فـ الآن هي الطرف الأقوى في هذه المعركة المفروضة عليها.
***************************************
كان السعال قد تمكن من صدرهِ، بعدما عاود التدخين من نرجيلتهِ التي تركها لمدة من الزمن بعد تحذيرات الطبيب المتشددة، لكن مع عودته إليها أصبح الأمر أشد صعوبة من ذي قبل.
ترك “حسين” الشاي خاصته ونظر إلى والده وهو يقول :
– كفاية ياحج بقى.. نسيت كلام الدكتور ولا إيه!.. أرحم نفسك مش كده.

 

لم ينتبه “حمدي” لكلمات ولده المحذرة، وتحدث كأنه لم يسمع شيئًا :
– هنعمل إيه ياحسين.. أول هام لازم تشوف موضوع العيال، أنا مقبلش عيال ولدي الكبير يعيشوا مع جوز أمهم.
لم يعبأ “حسين” بذلك الأمر كثيرًا ،فما يشغل عقله كان أكبر من ذلك بكثير :
– لما أخلص حكاية بنت عمي يا حج هبقى أشوف عيالي.. أنا لازم أنزل مصر مع طلعة النهار.
قذف “حمدي” بذراع النرجيلة وهو ينظر لولدهِ بإحتقان:
– أسمع ياحسين.. رحيل بقت في ذمة راجل، أنسى أي حاجه تانيه تخصها، كل اللي عايزينه ناخد المحلات حتى لو بالفلوس.. إنما هي متهمنيش ولا تعنيني تغور في داهيه هي وجوزها الملعون.
قطب “حسين” حاجبيه بإستنكار :
– مكنش ده كلامك ياحج.. ولا حريق البيت خفف قلبك!.
– أخـــرس ياواد قطع لسانك.. أنا خسرت راچل ومش هخسر التاني ياحسين.. مش هسيبك تحصل أخوك، وساعتها دم هاشم مش هيكفيني ولا هو ولا نسله.. هتبقى مجذرة يابني.
حضرت “سعاد” وهي تحمل طبق الفاكهه الكبير، ودخلت بدورها في الحديث :
– أبوك بيتكلم صح يا حسين، أبعد عن الشيطان ابن الشياطين يابني.
انتفض “حسين” من مكانه گالذي لدغه عقرب :
– إيه اللي بتقوله ده يابا.. بعد ما حرق الدار باللي فيها وسرق المواشي وخلانا حدوتة البلد كلها بتقولي أبعد!.. ده على جثتي.
نهض “حمدي” ليُهدئ من روع ولده ببضعة كلمات مبهمة :
– ومين قالك هنسيب حقنا يا حسين.. بس انا مش عايز أضحي بيك وانا باخد الحق يا ولدي.. أخد الحق صنعة برضو.
طرقات جامدة على باب المنزل، دفعت “سعاد” للإختباء لئلا يكون غريبًا أتى لزيارتهم، بينما فتح “حسين” الباب ليجد أحد رجال والده وهو يصيح أثناء الدخول :
– يابا الحج.. ألحق يابا الحج.
وقف “حمدي” مشدوهًا متوترًا وهو يسأل :

 

– في إيه ياواد؟؟.
كان يلهث گالذي قطع شوط كبير من الركض حتى انتهى به المطاف هنا، وحاول مجتهدًا أن يعاند أنفاسهِ الغير منتظمة وأن يروي سبب حالته :
– الست صباح حبش ياحج.. حطت يدها على المحلات وجايبه العمالة من الصبح وشغاله فيهم قال إيه ملـكهـا!.
ارتفعت حرارة “حمدي” لأقصى درجة، غير مصدق ذلك الخبر وكأن “رحيل” قد أقسمت على قتله بذبحة صدرية، أما “حسين” فلم يختلف عنه كثيرًا، بل إنه كان گالجمرة التي قفزت من فوق النيران، وطار مسرعًا للخارج غير مهتم بنداء والدهِ الصائح، بعدما فقد عقلهِ كله.
***************************************
الأجواء مظلمة في أغلب الغرف، لم يبقى أي إنسان هنا سواه هو، دخل إليه “مراد” ليجده ممدًا على الأريكة وعيناه مغطاه بجفونه المغمضة. زفر “مراد” أنفاسهِ وهو يقول :
– انت هتفضل هنا لحد امتى الموظفين كلهم مشيوا، بقالك أيام على الحال ده!.. وبعدين يا هاشم؟
حرر “هاشم” تنهيده حارّة من صدره وهو يقول :
– عشر رجالة بشنبات رايحين جايين يدوروا في كل مكان وهي فص ملح وداب!.. حتى كاميليا ملهاش أثر، وأنا ماسك نفسي على الآخر.
اعتدل في جلسته وهو يتابع بصوته الأجش :
– لو سيبت عليهم شيطان دماغي مش هيعيشوا يوم واحد على وش الأرض هما الأتنين.. حاسس إني لو مسكتها هموتها في إيديا.
– أهدى يا هاشم، المواضيع عمرها ما هتتحل كده.
رنّ هاتفهِ، فتناوله بغير شغفٍ وأجاب :
– هـا ؟.
تحفزت حواسه وبدت تعابير وجهه أكثر تحمسًا وهو يغادر جلستهِ :
– متأكد ؟؟.. يعني فتحت تليفونها؟.. ابعتلي location على الواتساب حالًا.
قالها وهو يجمع هاتفهِ وأغراضهِ :
– طمني ياهاشم وصلت لأيه؟.
– الشباب عرفوا يوصلوا لإشارة الخط اللي لقيناه.. أنا رايح على هناك على طول.
فتح أحد أدراجهِ وسحب منها سلاحه الخاص، فـ حدق فيه “مراد” وهو يستوقفه في مكانه :
– انت واخد مسدسك ليه؟!.
ازاحهُ “هاشم” عن طريقه وهو يجيب :
– الاحتياط واجب يابن عمي.
لحق به “مراد” خشية أن يرتكب أي جنون، لا سيما أن عيناه أطلقت نذير شرٍ، فصاحبه حتى يمنع الكارثة من الوقوع إن وقـعت…
*************************************’

 

أعدت “جليلة” مشروب الأعشاب الساخن، عساه يهدئ من حالها قليلًا، بعدما بدأ وجهها في الشحوب وظهرت عليها علامات الإعياء الواضحة. تركت “جليلة” الملعقة وخرجت وهي تصيح :
– يلا يارحيل عملتلك شويه أعشاب هيريحوا بطنك على الآخر.
تركته على المائدة ثم دخلت إليها غرفتها، فإذا بها ممدة على الأرض فاقدة تمامًا للوعي، لتطلق “جليلة” صرخ مدوية وهي تركض نحوها، في نفس اللحظة التي استمعت فيها لصوت الباب الذي يقرع بإنفعالٍ قوي، وهي تستغيث بغير وعي :
– بنتي.. حـد يلـحـق بنتـي يا نـاس!….

 

 

____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *