رواية غريبة في عالمك الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم رحاب حلمي - The Last Line
روايات

رواية غريبة في عالمك الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم رحاب حلمي

رواية غريبة في عالمك الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم رحاب حلمي

 

البارت الثامن والعشرون

 

*طرف ثالث*

كانت هدى تجهش باالبكاء وهي تجلس في قاعة الجلوس بفيللا عبدالرءوف الكامل على الأريكة بجوار مريم وتضع رأسها في حضنها ومريم تعمل على طمأنتها وتربت على كتفيها ورأسها وهي تلقي على سمعها بعض الكلمات المواسية على مرأى من ماهر الذي جلس على كرسي آخر بالقرب منهما وهو يتابع المشهد الذي أمامه بعيون جامدة ويبدو عليه السخط الشديد: اهدى يا هدى أرجوكي. خلاص يا حبيبتي كل حاجة انتهت وانتي دلوقتي في أمان وسطينا, انا مش عارفة بس ايه اللي كان وداكي عنده؟ كان فين عقلك وقتها؟
فقالت هدى وهي تبتعد قليلا عن حضن مريم وتقول وقد اختنق صوتها من البكاء: والله يا مريم ما كنت اعرف, والله ماكنت اعرف انه كدة, هو قالي انه عاوز يفرجني على شقته عشان اشوف اللي مش عاجبني فيها ويغيره عشان دي الشقة اللي هنتجوز فيها.
وبنظرة سريعة ناحية ماهر أدركت أنه يحاول بقدر استطاعته أن يحافظ هدوئه حيث قد ضاعفت كلمات هدى من غضبه و أحتضنت مريم بكفيها وجه هدى وهي تقول لها برقة: خلاص يا حبيبتي, دي كانت تجربة وعدت ولازم تنسيها.
فقالت هدى وقد ازداد نحيبها: انساها ازاي؟ انساها ازاي يا مريم؟ ودي حاجة تتنسي؟
هدى مؤكدة: هتتنسي يا هدى, صدقيني هتتنسي.
وفجأة سمعا جرس الباب بالفيللا وما هي الا لحظات قلائل حتى دخل كل من يوسف و وليد وحياة القاعة كالعاصفة وعلى الفور ألموا بالمشهد أمامهما وكان يوسف أول من تحدث وهو لم يفت عليه رؤيته لهدى وهي تكفكف دموعها سريعا وتلك العينين الحمراوين من شدة البكاء فسأل وقد اكتست نبرته بلهجة غاضبة: انا عاوز أعرف ايه اللي بيحصل هنا بالظبط؟
كانت تلك المرة الأولى التي تراه فيها مريم بعد انفصالهما فشعرت بأنها لن تحتمل هذا الموقف وأنها لن تقوى على الكلام, ومع ذلك هي التي تولت الرد على سؤاله بكل ما تستطيع من هدوء: مفيش حاجة بتحصل, كل المسألة اني وحشت هدى فجات عشان تزورني واتأخرت شوية ونسيت انها تتصل بيكم فلما قالتلي اتصلت بحياة عشان ابلغها.
بالطبع لم يقتنع يوسف بكلامها فهو يعلم بأن ابنة عمته لم تكن في يوم من الأيام على وفاق مع زوجته, كما أن دموعها تلك قد جعلته يشعر وكأنها تعرضت لكارثة ما, فهو يعلم تمام العلم أن هدى قلما تبكي, لذلك كان سؤاله التالي لهدى: بتعيطي ليه يا هدى؟ ايه اللي حصل؟
بالطبع لم تجد هدى الرد المناسب على سؤاله فأخذت تنظر الى مريم في قلق تطلب منها العون وقد حدث. فقالت مريم على الفور وهي تختلق كذبة جديدة: اصل حصل مشكلة في الكلية بينها وبين دكتور عشان كدة هي خايفة من انه ممكن يستقصدها ودي اول سنة ليها.
يوسف بشك: واسمه ايه الدكتور دة وانا هروحله واحل معاه الموضوع؟
بدت مريم في ذلك الوقت وكأنها لم تبرع في شيء الا الكذب حيث استمرت في اختلاق كذبة جديدة: وعلى ايه تعطل نفسك يعني؟ الموضوع مش مستاهل, انا وحياة هنروح معاها بكرة ان شاء الله وهنكلمه واهي حياة تعرفه لانه كان بيديها.
ثم قالت لتنتقل الى أمر آخر منهية هذا الموضوع الذي وان استمر أكثر من ذلك فلن تستطيع أن تتنبأ بنتائجه, وقد وقفت سريعا مبتسمة وهي تحاول أن تقوم بدور المضيفة: اتفضلوا اقعدوا, انتو واقفين ليه؟
وبعد أن جلس يوسف بالقرب من هدى وهو يرمقها بنظرات مليئة بالشكل وعقله يرفض تصديق كل ما قالته مريم, وهدى تحاول ان تتهرب من نظراته وهي تخفض عينيها, وقد احتل وليد كرسي آخر أما حياة فظلت واقفة بجوار مريم التي قالت: سوري لأن جدو وعمتو نايمين, قولولي بقا تحبو تشربوا ايه.
لم يشعر يوسف بأنه في حاجة لتناول أي شيء ولكن رغبته في المكوث بقربها أطول فترة ممكنه جعله يقترح بالنيابة عن الجميع: ياريت قهوة.
مريم: اوك, هروح أعملها.
ولكن قد أشارت لها حياة وهي تمنعها من مغادرة المكان: خليكي انتي يا مريم, انا هروح اعمل القهوة بنفسي.
فهمت مريم من نظرات صديقتها بأنها تريد مغادرة المكان وقد تأكدت من ذلك حين لمحت نظرتها المريبة الى ماهر والذي قد فهمها جيدا, وبعد أن خرجت حياة, نهض ماهر وهو يقول معتذرا: طب انا اسف يا جماعة لاني مضطر اني امشي دلوقت.
ثم أكمل مازحا: معلش بقا الواحد خلاص بقا متعود ع الالتزام انام بدري واصحى بدري, سلام عليكم.
فردوا عليه السلام , ورحل فجلست مريم مكانه وهي تتجنب نظرات يوسف اليها ليس لقلقها كما كان الحال مع هدى, بل لأنها كانت تشعر بانقباض في قلبها كلما وقع نظرها عليه فهي لا تريد أن تحبه ولا تستطيع أن تكرهه,
خرج ماهر من الفيللا ليجد حياة في انتظاره بالحديقة, ولم تنتظر حين يصل اليها بل أسرعت هي اليه وقد لمح السؤال في عينيها القلقة قبل أن تتفوه به: طمني يا استاذ ماهر, هدى جرالها ايه؟
فظهرت شبح ابتسامة على ثغره أدخلت الطمأنينة على قلبها وهو يقول: اطمني يا مدام حياة, هدى بخير, تقدري تقولي اني لحقتها, فجبتها هنا ومريم فوقتها.
ولكن لم تكتف حياة بهذا الرد فأرادت مزيدا من التفاصيل: يعني هي فعلا كانت عنده في شقته؟
ماهر: ايوة, انا لقيتها في الصالون كانت تقريبا مغمى عليها.
حياة بخضة: وانت ايه عرفك انه ما لمسهاش؟
ماهر: اولا لاني عارف عماد كويس, يعني اقدر اعرف هو بيفكر في ايه حتى قبل ما يقوله لانه كان صاحبي من زمان وتقريبا كنت زيه, دة غير ان اي انسان مهما كان ما يقدرش يكدب وهو على وشك الموت.
حياة: ايه؟ انت قتلته؟
فقال ماهر بنبرة حانقة: كنت على وشك اني اعمل كدة, وكنت فعلا ناوي أقتله لو عرفت انه لمس شعرة واحدة منها.
حياة وقد ارتاحت كثيرا لكلامه: الحمد لله.
ثم قفز سؤالا الى ذهنها فلم تستطع أن تتركه يذهب قبل أن تسمع رده عليه: استاذ ماهر تسمحلي أسألك سؤال؟
ومع أنها كانت مترددة بعض الشيء في طرح هذا السؤال الا أن ابتسامته المشجعة قد محت أي تردد كان يخامرها وكذلك موافقته السريعة ذات النبرة الدافئة: تحت أمرك.
حياة: انا من فترة لاحظت اهتمامك بهدى وحسيت ان مشاعرك بدأت تتحرك ناحيتها, فيا ترى اللي حصل دة غير أي حاجة؟
صمت ماهر قليلا فاستنتجت حياة الرد ولكنها فوجئت بقوله: شوفي يا مدام حياة, انا مش هقدر أقولك ان اللي حصل دة ما كنش ليه أي تأثير عليا واني مش هلوم هدى لأنها فعلا تستحق اللوم. بس دة مش معناه اني أحط كل الذنب عليها. لأني زي ما قولتلك انا عارف عماد كويس وعارف كل ألاعيبه, واذا كان هو بيقدر يغوي ستات اكتر خبرة فما بالك بقا بواحدة زي هدى لسة ما تعرفش حاجة في الدنيا؟
انشرحت أساريرها من كلامه و أرادت أن تطمئن أكثر فسألته: طب معلش, سؤال تاني واعذرني على تطفلي, يعني ممكن تتقدملها دلوقت؟
ماهر على غير توقع منها وبصوت قاطع: لا.
فساد الحزن وجهها وهي تقول في نفسها بأن الرجال كلهم يفكرون بنفس الطريقة, ولكنها فوجئت به يقول: مش هينفع الا لو اتأكدت انها بتبادلني نفس الشعور ودة مش ممكن يحصل دلوقت وخصوصا بعد التجربة اللي مرت بيها النهاردة واللي صعب انها تنساها بسهولة, يا مدام حياة انا لو اتقدمتلها دلوقت ممكن توافق صحيح بس مش علشان هي عاوزاني , لا دة هيكون لأنها عاوزة تنسى بيا اللي حصلها وانا مش ممكن أقبل بكدة.
فهزت حياة رأسها في تفهم وقد كبر ماهر في نظرها أكثر بعد موقفه الشهم تجاه هدى كما أنه لم يستغل الفرصة ليجبرها على الارتباط به كما يمكن أن يفعل أي شخص في مكانه أو كما فعل وليد معها هي من قبل.
لاحظ وليد شرودها وكان يريد أن ينصرف في حينه دون أن يقطع عليها تفكيرها ولكن غلبه فضوله فسألها: مدام حياة, تسمحيلي أنا بقا اسألك سؤال؟ هو انتي ليه ما حاولتيش تبلغي وليد أو يوسف بكل اللي تعرفيه عن علاقة ماهر بهدى؟ يعني أعتقد ان دة كان أفضل و أسرع من كل اللفة دي؟
كان هذا أكثر سؤال تخشاه حياة ولكنها كانت قد أعدت له الاجابة المناسبة مسبقا حيث كانت تتوقعه, فأجابت: انت أكيد عارف يوسف ووليد كويس وأد ايه هما عصبيين جدا وحاجة زي دي عمرهم ما كانوا هيسكتوا عليها, واذا كنت انت قدرت تمسك نفسك في الموقف دة فمفتكرش انهم كانوا هيقدروا وكان لازم هتحصل جريمة عشان كدة أول ما شكيت ان احتمال هدى تكون مع عماد النهاردة اول انسان خطر على بالي اني اطلب مساعدته كنت انت لانك الوحيد اللي على علم بالموضوع دة وانت بردو اللي ممكن تعرف مكان عماد وتتصرف بشكل مش ممكن يأذي حد فاتصلت بمريم عشان اخد رقمك منها والحمد لله انك كنت في الوقت دة معاها.
ثم انتبهت فجأة الى أنها قد قضت معه الكثير من الوقت وربما يقلق عليها أحد في الداخل لذا اعتذرت وهي على عجلة من أمرها: ع العموم انا متشكرة جدا ليك ع اللي عملته مع هدى واللي بيثبت انت أد ايه فعلا انسان شهم, بس عن اذنك بقا عشان زمانهم قلقوا عليا جوة.
ماهر: اتفضلي.
واتبعها بعينيه وهي تدخل الفيللا, اما هو فانصرف خارجا بخطى ثابتة واثقة لم يبدأ يشعر بها الا منذ فترة قصيرة عندما أصبح يعتمد على نفسه في كل أموره وأصبح للحياة طعم آخر.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

كان كل من يوسف ووليد وحياة ومريم يتناولون قهوتهم في صمت يتبادلون النظرات ذات المعاني المختلفة, وبعد ان انتقل وليد بنظره بين يوسف الذي لم يرفع عينه عن زوجته ومريم التي قررت أن تغض الطرف عن ذلك,قرر أن يقطع هو الصمت وقد وجد موضوعا مناسبا للحديث فسألها: قوليلي بقا يا مريم انتي عاملة ايه في مشروعك؟ سمعت ان الافتتاح هيبقا قريب ان شاء الله.
لا تعلم لم شعرت بالتوتر عندما نظرت إلى يوسف؟ ولكنها أعرضت بوجهها عنه سريعا وأجابت وليد وقد نجحت في رسم ابتسامة واسعة على شفتيها كانت هي نفسها في أمس الحاجة إليها لتعطيها مزيدا من الثقة: ان شاء الله بعد أسبوعين بالكتير.
وليد: بالتوفيق ان شاء الله, واحنا بقا معزومين على حفل الافتتاح ولا ما عملتيش حسابنا؟
مريم: والله يا وليد انا ما كنتش عاوزة أعمل حفلة لانها هتكلفنا كتير أصلا بس ماهر أصر وقال انها نوع من الدعاية لازم تتم وطبعا انتو مش محتاجين عزومة.
وليد مازحا وهو يغمز ليوسف: الله الله يا عم يوسف, مراتك طلعت سيدة أعمال اقتصادية من الدرجة الأولى هنيالك يا عم.
لم يعلم أنه بمزاحه ذلك قد ضغط على الجرح وجعله ينزف من جديد, ولكن هل كان قد اندمل بالفعل؟! ونظر إلى زوجته ليجد حياة تنظر إليه وهي تضغط على شفتيها وكأنها تحذره من التمادي في هذا الأمر, ولكن قرر وليد أن يضرب بكل تحذيراتها عرض الحائط, فهو يشفق على حال أخيه منذ أن تركته زوجته دون سبب معلن, انه بالطبع لا يريد أن يتدخل في حياتهما الشخصية ولكن كان من وجهة نظره أنه مهما كانت هناك مشاكل بين الرجل وزوجته فلا يجب عليهما مطلقا التفكير في الانفصال إلا إذا استحالت المعيشة بينهما بالفعل ومما يراه أمام عينيه قد أكد له أن كل منهما لايزال يكن للآخر مشاعر خاصة فاستمر يقول وهو يتعمد تجاهل علامات الاستهجان على وجهيهما: وانتي بقا يا مريم ناوية ترجعي بيتك امتى ولا عجبتك العيشة في بيت جدك خلاص؟ وبصراحة بقا انا كمان عاوز ارجع بيتي انا ومراتي. وطبعا دة مش هينفع يحصل بوجود هدى لوحدها, واللي هيقدر يحللنا المشكة دي هي رجوعك تاني يامريم.
عجزت مريم عن الكلام واكتفت بنظرات السخط البادية على وجهها والتي خصت بها يوسف الذي انتفض فجأة من الغضب ونهض يقول في عجل ناظرا إلى ساعة يده: طيب ياللا بينا بقا يا جماعة, انا شايف اننا اتأخرنا اكتر من اللازم, ولازم نسيب مريم ترتاح بعد الازعاج اللي احنا سببناهولها دة.
ثم وجه حديثه الى مريم معتذرا: احنا اسفين جدا يا مريم, وكمان متشكرين ع اللي عملتيه مع هدى.
فنهضت مريم وهي تشعر وكأن يوسف يقصد من وراء كلامه شيئا آخر غير ما يبديه, فهي تعلم أن أكذوبة كالتي أطلقتها بسبب هدى لم تنطلي تماما على زوجها, فقالت وابتسامة باهتة تعلو شفتيها: انا ما عملتش حاجة تستوجب الشكر.
وقال يوسف موجها لكلامة الى حياة: لو سمحتي يا حياة روحي شوفي هدى فين عشان نمشي.
وعندما همت حياة بالمغادرة فأوقفها صوت مريم التي قالت في شبه رجاء: يوسف! لو سمحت ممكن هدى تقعد معايا يومين هنا؟ وصدقني انا هاخد بالي منها كويس.
أخذ يوسف يتفرس في وجهها الطفولي ببطء وهو يدرس طلبها بعقلانية مندهشا من طريقة كلامها بل وطلبها أيضا ففارق السن بينها وبين هدى لا يتعدى السنتين تقريبا ومع ذلك تطلب منه أن يترك هدى في رعايتها! هو يعلم بأن أمرا خطيرا يحدث وابنة عمته طرفا فيه, ولكنه على يقين بأن لا أحد يمكنه أن يبوح بهذا السر على الأقل في الوقت الحالي, فأبدى موافقته بفتور: مفيش مانع, واضح فعلا ان هدى محتاجة تغير جو, بس اسمحيلي اني ابقا اطمن عليها من وقت للتاني.
مريم: في أي وقت.
ثم قالت لحياة: وانتي يا حياة يا ريت تلمي شوية هدوم لهدى وتجبيهم بكرة أو لو كنتي مش فاضية فممكن تبعتيهم مع السواق.
حياة: حاضر
وتبادلت مع صديقتها نظرات ذات معان كثيرة ولكنها مليئة بعلامات الرضا والارتياح, فلقد انتهت احدى مشاكلهما على خير.

فور أن أصبحت حياة بمفردها مع وليد عبرت له عن رأيها الصريح في تصرفه تلك الليلة ولكن برفق: بس اللي انت عملته دة يا وليد غلط, ما كنش لازم تحرجهم بالشكل دة.
وليد وهو يجلس على الأريكة استعدادا للنوم: كان لازم حد يفوقهم شوية, كتر البعد بيعلم الجفا زي ما بيقولوا وانا مش عاوز علاقتهم توصل لكدة. وعشان نفس السبب انا قولت اللي قولته. فمهما كان حجم المشكة اللي حصلت بينهم فأنا متأكد انهم لو رجعوا يقربوا من بعض من جديد هترجع المية لمجاريها من تاني وينسوا كل اللي حصل.
حياة بتمني وصوت حالم وكـأن تلك الأمنية لنفسها قبل ان تكون لصديقتها: ياريت يا وليد.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
وفي شقة عماد نجده ممدا على الأريكة يئن من الألم وعلياء تجلس بجواره تحاول أن تمسح الدم عن جروحه التي نتجت من شجاره مع ماهر أو بالأدق نتيجة ضرب ماهر المبرح له والذي لم يستطع صده لأنه كان في حالة من السكر لم تسمح له بمقاومته. فسألته علياء وهي تضع قطعة قطن صغيرة على جبينه: انا بس اللي عاوزة أعرفه هو ماهر عرف ان هدى عندك ازاي؟
فقال عماد على الفور: وهي دي محتاجة كلام؟ مفيش غير حياة طبعا هي اللي تعرف علاقتي بهدى.
علياء بحيرة والدهشة: حياة! مش حياة دي تبقا بردو مراة وليد؟
عماد ويبدو عليه الضجر: ايوة هي يا ستي.
علياء: طب ودي عرفت منين؟
عماد: شافتها معايا مرة واكيد استنتجت الباقي دة غير انها جاتلي الشركة عشان تطلب مني اني ابعد عنها.
علياء وهي تشعر بمزيدا من الفضول: لا, استنا عليا شوية بقا عشان اقدر استوعب اللي انت بتقوله, اولا ايه اللي يخلي حياة تحاول تنقذ هدى وهما اصلا مفيش بينهم اي عمار زي ما قولتلي؟ وثانيا بقا والاهم هي ايه اللي خلاها اصلا تشك في نواياك ناحية اللي اسمها هدى دي وانت بتقولي ان علاقتك بوليد تمام وانه بيثق فيك؟
عماد وهو لم يحاول حتى ان يخفي مدى سأمه من الأمر: لانها معرفة قديمة, ومن الاخر كدة وعشان ما تسأليش كتير انا اتعرفت عليها لما كنت لسة طالب في الكلية وزارت شقتي مرة.
علياء وهي تضع يدها على فمها لتكتم شهقتها من المفاجأة: حياة! ازاي يعني؟ دة انا حتى كنت بسميها في سري الشيخة حياة وكنت بحاول اني ما احتكش بيها بأي شكل, اتاريها في الاخر تطلع كدة.
فاعترف عماد على مضض: الحقيقة هي لما جات ما كنتش تعرف انها شقتي و كل اللي حصل بينا بعد كدة تقدري تقولي انه كان غصب عنها.
علياء بنظرات شيطانية: ووليد لبس المقلب دة؟ مع ان اللي يشوفه يقول عليه راجل مفتح وصعب ان حد يضحك عليه, ازاي واحدة زي دي قدرت تعمل كدة؟
عماد: دة بقا السر اللي انا مش قادر اعرفه لحد دلوقت.
علياء: طيب مانت تقدر تستغل دة كنقطة في صالحك ومادام الكارت اللي كان في ايدك خلاص اتحرق وهدى طبعا صعب انها ترجعلك تاني, فانت ممكن تعوضها بحياة وتضغط عليها باللي حصل بينكم وتهددها بانك ممكن تفضحها.
فقال عماد رافضا اقتراحها: مش هينفع, حياة ما بقتش البنت الساذجة اللي بقا ينفع يضحك عليها او حتى تتهدد لانها خلاص ما بقتش باقية على حاجة تاني, وكمان اللي يخليها قدرت تضحك على وليد بالشكل دة يخليها تقدر تخليه ما يصدقنيش في أي حاجة ممكن أقولها عنها وخصوصا ان مش معايا أي دليل على كلامي.
علياء: طب وهتعمل ايه بعد كدة؟
عماد بنظرات شرسة: الاول اخلص من اللي اسمه ماهر دة لان شكله كدة هيقفلنا زي اللقمة في الزور. بس وديني لأخليه يندم ع اللي عمله دة.
وقبل أن تتمكن علياء من الرد عليه, دق جرس الباب فنظرت اليه باستغراب: هو انت مستني حد؟
فرد عماد مستخفيا بسؤالها: تفتكري هستنا حد ازاي وانا في حالتي كدة؟ دة انا اتصلت بيكي بالعافية.
ولم يتوقف صوت جرس الباب عن اصدار رنينه فقالت علياء والقلق باديا على وجهها: امال تفتكر مين اللي ع الباب دلوقت؟
عماد وهو يحاول ان يضبط انفعاله حتى لا يثور في وجهها: لو فتحتي الباب اكيد هتعرفي.
وبالفعل توجهت علياء ناحية الباب بخطوات مترددة وفتحته بيد مرتعشة وما ان وقعت عيناها على الزائر حتى أصابتها صدمة شديدة جعلتها تتيبس مكانها وهي تحاول ان تستوعب تلك المفاجأة, ولانها كانت تسد الفجوة الصغيرة التي فتحتها من الباب, فلم يجد ماهر بدا من أن ينحيها جانبا وهو يقول مازحا: ايه يا لولا؟ مش عاوزة تدخليني ولا ايه؟ امال لو كانت دي شقتك كنتي عملتي معايا ايه؟
ثم دخل وقد أغلقت علياء الباب بحركة تلقائية, وعندما تقدم الى الداخل ورأى عماد ممدا كما هو على الأريكة فتح ذراعيه كمن يستعد لاحتضان أحدهم وهو يقول: حبيب قلبي يا عمدة.
لم تقل دهشة عماد عن علياء حيث كان ماهر هو آخر من يتوقع ان يزوره بعد ما فعله معه منذ ساعات, ونهض عماد وهو يتحامل على نفسه متحملا كل الآلام وهو ينظر الى ماهر بغضب ويقول: انتي ايه اللي جابك هنا؟ انت ليك عين توريني وشك تاني بعد اللي عملته؟
وتفحص ماهر بعينيه الكدمات التي خلفها في وجه عماد بدقة ونظرة عابثة, ثم قال بلهجة مرحة: ياااااه, انا عملت فيك كل دة؟ دة انا طلعت جامد بقا على كدة وانا معرفش.
واقترب اكثر من عماد وهو يقول معتذرا بنبرة لاهية: معلش ياصاحبي بقا, كان لازم اسبك الدور كويس.
فتعجب كل من عماد وعلياء من كلامه وقد عبرت علياء عن عدم فهمها بسؤالها الصريح: دور ايه؟
ماهر مبتسما: طب اقعدوا بس وانا افهمكم.
ولم ينتظر ردة فعلهم بل بادر هو بالجلوس على أحد الكراسي بارتياح تام, وقال لعلياء: جرى ايه يا لولا؟ انتي بقيتي بخيلة بجد ولا ايه؟ مش ناوية تعزمي عليا بكاس.
وبعد أن تبادلت علياء النظرات مع عماد الذي أومأ لها برأسه موافقا, ذهبت الى طاولة صغيرة كانت تحمل زجاجة خمر وسكبت منها القليل في أحد الكئوس وقدمته لماهر, ثم جلست على الأريكة بجوار عماد الذي بادر بسؤال ماهر بنفاذ صبر واضح وكان الأخير يرتشف من الكأس بعض القطرات على مهل: قولي بقا انت ايه اللي جابك؟
ماهر: جاي عشان نتفق على باقي الخطة.
عماد بضيق وقد سأم من مراوغته: خطة ايه؟ ما تقول كلام مفهوم يا جدع انت.
ماهر: ماشي انا هحاول انزل لمستواكم وافهمكم. انا كل اللي عملته دة كان جزء من خطة انا بنفذها عشان اخلي اخوانا البعدا يثقوا فيه ويأتمنوني على كل أسرارهم وساعتها بقا اقدر اضرب ضربتي.
عماد بغير تصديق: يا سلام! يعني عاوز تفهمني ان كل اللي حصل دة النهاردة عشان تخليهم يثقوا فيك؟ مش مصدقك يا ماهر.
ماهر موافقا: معاك حق, دة ما كنش السبب الوحيد للي انا عملته, فيه سبب تاني كنت بفضل اني احتفظ بيه لنفسي بس طالما بقا بقينا بنلعب ع المكشوف فانا ممكن اقولهولكم. السبب هو الغيرة.
فقال كل من علياء وعماد بصوت واحد في ذهول: الغيرة!
ماهر موضحا: ايوة الغيرة, الحقيقة انا اول ما عرفت ان هدى مع عماد واحتمال كبير تكون في شقته اتجننت, وما حستش بنفسي انا بعمل ايه ساعتها.
فسأل عماد وقد بدأت الصورة تتضح أمام عينيه: يعني انت عاوز تفهمني انك بتحب هدى وبتغير عليها؟
ماهر: بغير عليها اه, لكن بحبها ممممممممممم مش عارف. المهم اني مش قادر اتخيل انها ممكن تكون لحد غيري.
ثم اشار باصبعه في الى وجه عماد وهو يقول محذرا: حتى لو كنت انت يا عماد.
عماد ضاحكا بسخرية: واااااو, دة خبر الموسم, بقا ماهر بجلالة قدره يقع الوقعة دي!
تجاهل ماهر سخريته وقال بنبرة جادة: المهم دلوقت اني بقيت بالنسبة ليهم الرجل المناسب في المكان المناسب, وقريب اوي هنقدر نوقعهم.
ثم وجه كلامه الى علياء: على فكرة يا لولا حفل الافتتاح الخاص بالبوتيك اللي المفروض انا شريك فيه مع مريم هيتم قريب وانتي لازم تبقي موجودة فيه.
علياء : ليه لازم؟ وكمان هروح بأي صفة؟
ماهر: تبقي موجودة عشان تقطعي الخيط اللي باقي بين مريم ويوسف, اما بقا بالنسبة لصفتك فالمفروض انك صاحبة سلسلة بوتيكات والطبيعي ان واحدة زيك تحضر الحفلة, دة غير ان انا اللي هبقا مسئول عن الدعوات, ولاني المفروض اني معرفش حقيقة اللي بينك وبين يوسف ومريم فعادي جدا اني اعزمك. المهم ان قبل الحفلة دي ما تخلص يكون يوسف ومريم متفقين على الطلاق, وساعتها بقا مريم تقدر تزن على جدها عشان يسحب كل الامتيازات اللي عطاها ليوسف في شركته, وطبعا بعد كدة مش هيبقا قدامه غيري يمسكه زمام الامور خصوصا بعد ما بدأ يشهدلي بالالتزام والكفاءة.

لم يستطع عماد أن يخفي مدى اعجابه بخطة ماهر فصفق له عاليا, ثم قال: ايه دة يا عم؟ دة انت دماغك دي طلعت متكلفة.
ماهر: امال عاوزني اسيب كل أملاك جدي تروح للي اسمه يوسف جلال دة ولا ايه؟ دة انا كنت بعد الشر أموت فيها.
عماد: بعد الشر يا كبير.
ماهر: المهم بقا, انتوا عملتوا ايه في شغلكم التاني؟
وعندما لم يأته أي رد, قال لهما لائما: ايه يا جماعة, انتوا مش مآمنيني ولا ايه؟ بقا انا اكشفلكم كل اوراقي وانتوا في الاخر تبقوا مش واثقين فيا؟
علياء: طيب ما تسأل باباك, ماهو شريك معانا بردو.
ماهر بأسى: بابا مقاطعني من ساعة اللي حصل بينه وبين ماما وانا خالفت كلامه وروحت فيللا يوسف عشان اطمن عليها, ع العموم لو ما كنتوش عاوزين تقولوا حاجة فدة براحتكم, بس لو احتجتولي بعد كدة فياريت تبقا تعتبروني مش موجود.
وبعد نظرة سريعة ألقاها عماد إلى علياء, جذب ماهر الذي كان قد نهض استعدادا للرحيل من ذراعه وأجلسه مجددا ولكن هذه المرة بجواره على الأريكة من الجانب الأخر وأحاط كتفه بذراعه ليطيب خاطره: ودة اسمه كلام بردو يا ماهر؟ ما طول عمرنا سرنا واحد, شوف بقا يا سيدي. احنا اتفقنا مع عدنان على صفقة جديدة…………
وأخذ عماد يشرح له بالتفصيل كل المعلومات الخاصة بهذا العمل المحاط بالسرية التامة وماهر يستمع إليه بانتباه.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
: انتي مجنونة؟ ازاي تروحيله لحد عنده؟
كان ذلك الصوت اللائم هو صوت مريم التي كانت تحاول أن تجعله منخفضا بقدر المستطاع وهي تتحدث مع حياة في مكان ما بالجامعة
فقالت حياة بصوت ضعيف وهي تشعر بقلة الحيلة: انا نفسي معرفش انا عملت كدة ازاي؟
مريم: انا بس عاوزة أعرف, كانت ايه وجهة نظرك من كدة؟ يعني لما فكرتي انك تروحيله كان ايه هو هدفك من الزيارة دي؟
حياة: معرفش يا مريم, انا لما لقيته ما قالش لوليد ع الحقيقة افتكرت انه ممكن يكون اتغير او ع الاقل اتعدل شوية عشان كدة روحتله اطلب منه يبعد عن هدى.
مريم: يا سلام يا فالحة, وانتي شايفة بقا ان واحد زي الزفت اللي اسمه عماد دة ممكن يتعدل؟ دة زي العنكبوت بيخدر فريسته الاول قبل ما يتغذى عليها, وانتي كان المفروض تجربتك معاه كانت علمتك خلاص.
حياة: اهو اللي حصل بقا. المهم طمنيني هدى عاملة ايه دلوقت؟
مريم: الحمد لله تمام, يعني تقدري تقولي انها بدأت تفوق من الصدمة اللي اتعرضتلها, وكمان طنط وردة معاها وواخدة بالها منها.
حياة بارتياح: الحمد لله, متعرفيش انا كانت سعادتي أد ايه لما عرفت ان ماهر قدر يلحقها.
مريم: ماهر دة فعلا طلع شهم, اول ما سمع انها ممكن تكون في شقة الزفت دة خد عربيته وطار بيها, دة تقريبا كان سايق على سرعة 120 كيلو.
حياة: هو انتي كنتي معاه؟
مريم: طبعا بس اول ما وصلنا للعمارة حاولت اني اطلع معاه بس هو اصر اني استناه في العربية لكن لما لقيته اتأخر فوق قلقت فطلعتله لقيت هدى شبه مغمي عليها و هو نازل في عماد ضرب وكان خلاص قرب يقضي عليه.
حياة: فعلا والله, كتر خيره.
مريم: تصدقي بقا انه لما جدو عرض عليا اني اشغله معايا كنت قلقانة شوية وقلقت اكتر لما عرض عليا الشراكة بس دلوقت بقا اتأكدت ان جدو كان معاه حق, دايما عبدالرءوف الكامل معاه حق.
حياة بنظرة خبيثة: طيب ماهو على فكرة جدك بردو هو اللي اقترح مسألة جوازك من يوسف. يعني معقول يبقا عنده حق في كل حاجة اللا في دي؟
فعقدت مريم ما بين حاجبيها وقد ظهر الضيق على وجهها وهي تقول محذرة: حياة! لو سمحتي مش عاوزة كلام في الموضوع دة تاني.
حياة معتذرة وهي تضع ذراعها على كتفها: خلاص يا ستي ما تزعليش بس انتي عارفة اد ايه بحبك وصعبان عليا حالتك دي.
مريم وهي تحاول ان تخفي مسحة المرارة التي بدأت تشوب صوتها: ومالها حياتي يعني؟ مانا كويس اهو, وهبقا احسن ان شاء الله اول ما المشروع يبدأ.
ثم أكملت بصوت باك: خلاص مش هيبقا في حياتي غير دراستي وشغلي وبس, هحاول اشكل حياتي بنفسي وابطل اعتمد على حد تاني.
: السلام عليكم.
انتبهت الفتاتان الى ذلك الشخص الذي ظهر أمامهما فجأة, ولكنهما تمالكتا نفسيهما سريعا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ثم خصص كلامه لمريم وهو يقول: ايه يا مدام مريم؟ فينك؟ اديلنا كتير مش بنشوفك يعني؟ لعل المانع خير ان شاء الله
مريم محاولة الابتسام: الحمد لله يا استاذ خالد, بس انا كنت مشغولة شوية في المشروع الجديد بتاعي, اصلي هفتح محل ملابس حريمي.
خالد با عجاب: بجد! الف مبروك.
مريم: الله يبارك في حضرتك.
خالد: وياترى الافتتاح هيكون امتى؟ اصل ممكن اختي تبقا زبونة عندك.
مريم: اكيد طبعا دة يبقا شرف ليا, وان شاء الله حفل الافتتاح هيكون يوم الخميس اللي بعد الجاي وأكيد حضرتك والانسة أختك معزومين.
خالد: ان شاء الله طبعا هنيجي, مش ان شاء الله الحفلة هتكون في فيللا الباشمهندس يوسف؟
مريم وقد شعرت بغصة في حلقها وهي تجيب: لا, في فيلا جدو عبد الرءوف.
لا تعلم ان كانت النظرة التي رأتها في عيون خالد نظرة مواساة أم انتصار؟ ولكن قد نبأها حدسها بأنها ستقع في مشكلة أخرى قريبا لا محالة.

 

____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)