رواية عطر سارة كاملة ⭐ (جميع فصول الرواية) بقلم شيماء سعيد
رواية عطر سارة كاملة ⭐ (جميع فصول الرواية) بقلم شيماء سعيد
رواية عطر سارة هي رواية من الروايات الجديدة والمميزة جدًا، للكاتبة شيماء سعيد وتعتبر هذه الرواية من أكثر الروايات التي تلقى رواجًا في الفترة الأخيرة، ولهذا نشرناها لكم هُنا على موقعنا The last Line
رواية عطر سارة الفصل الأول
عادت للخلف برعب من هيئته المخيفة، أغلق باب الغرفة عليهما غير عابئ بصريخ باقي العائله بالخارج، كل ما يجول بعقله الآن تلك الضحكة الرنانة التي خرجت منها مع أخيه الأحمق..
نيران قلبه زادت اشتعال وهو يتذكر هذا المشهد، سارة تلعب معه وهو يفهم ذلك جيداً ولكنها تلعب بالطريقة الأكثر خطورة عليها، أبتلعت لعوبها وهو يشير إليها بالاقتراب رفضت بحركة تمرد مردفة:
_ أرجع لورا يا أبيه..
_ تعالي هنا بنفسك بدل ما أجيب أنا..
الحمقاء نست عقابها ووضعت كفيها حول خصرها مردفة بنفس الغيرة:
_ مش جاية تعالى أنت لو عايز..
أومأ وهو يرفع حاجبه لها ساخراً وبدأ برفع كمه إلي سعيه مقتربا من محل وقوفها قائلاً:
_ وهو أنا عندي كام سارة، خليكي مكانك وهاجي لك بنفسي.
صرخت بفزع على وقوعها أسيره بين يديه القويه فرمشت بعينيها عده مرات بمحاوله يائسه منها على استعطافه هامسة:
_ هو انا عملت ايه بس طارق ده زي اخويا بالظبط وكنا بنضحك مع بعض عادي..
ضغط على خصرها بغل وهو يتذكر طلب شقيقه بالزواج منها قائلا من بين أسنانه:
_اهو طارق اللي زي أخوكي ده طالبك للجواز اعمل فيكي ايه بقى..
_ تقوله دي مراتي شوف ساهلة إزاي..
ماذا تقولي يا صغيرة، تطلب منه المستحيل وهي تعمل هذا جيداً، رجل متزوج ولديه فتي على مشارف المراهقة وهي فتاة في اوائل العشرينات كيف يواجه العائلة بزواجه العرفي منها، ضرب الحائط خلفه بقوة مع شعوره بالعجز، حبه لها لعنة أصابته مع وقوع عيناه عليها أصبح مريض يرفض العلاج، نظر داخل عينيها مردفا:
_ سارة أنتِ عارفة كويس إنه ماينفعش أقول إنك مراتي وخصوصاً دلوقتي..
ردت إليه النظرة بأخري بها الكثير من العناد والتحدي:
_ ده أكتر وقت لأزم الكل يعرف فيه إني مراتك..
سألها بشك:
_ ليه ؟!..
_ لأني حامل..
أمام بوابة قصر علام العريق وقفت سيارة الأجرة خاصتها، تلك هي المرة الأولى التي ترى بها ثراء عائلتها الكريمة، منذ وفاة والديها بحادث تعيش مع شقيقتها الكبرى مريم وزوجها علاء..
مثلها مثل أي غريب تتابع أخبارهم عبر منصات التواصل الاجتماعي وتنبهر بهم فقط لا غير، تعيش بمنزل ثلاث غرف كضيفة عند زوج شقيقتها حتى تتزوج وهم يعيشون بهذا النعيم، اللعنة عليهم جميعاً…
دق هاتفها ورأت اسم مريم عليه فأخذت نفسا عميقا قبل أن تضمه إلى أذنها مردفة بهدوء :
_ أنا وصلت خلاص يا مريم..
أبعدت الهاتف عنها قليلاً مع وصول صرخات الأخرى عليها، قبل أن تقول كلمة إضافية صرخت مريم :
_ أنتِ مجنونة رايحة عندهم تعملي إيه، كام مرة أقولك أنتِ مالكيش حق هناك، بابا أخد ورثه منهم بعد موت أبوه وسافر الفيوم عشان يتجوز ماما، الخير ده كله بتاعهم هما بس وكتر ألف خيره محمود إبن عمك بيبعت مصاريف لينا كل شهر عايزة إيه تاني.
_ عايزة أعيش مش أكتر يا مريم، كفاية عليكي أنتِ وجوزك لحد كدة أنا ليا أهل هما أولى بيا..
عضت مريم على شفتيها بغيظ وهي تلعن زوجها، قالها أمس لسارة صريحة يريد أن يزوجها حتى يسقط حملها من فوق رأسه ويهتم بأبنائه فقط، مسحت على وجهها مردفة بنبرة حنونة :
_ سارة يا حبيبتي إنت عارفة علاء عبيط ومش بيفهم في الكلام، ارجعي ومحدش هيقدر يفرض عليكي حاجة أنتِ مش عايزاها..
أجابتها سارة بعدما أعطت للسائق أجرته وقالت بنبرة رقيقة :
_ ممكن تنزل ليا الشنط من العربية يا عمو عشان مش هقدر أشيل..
أومأ إليها قائلا بابتسامة معجبة بجمالها :
_ أنتِ تؤمري يا ست البنات..
_ شنط ايه أنتِ مش ناوية تسمعي كلامي وترجعي؟!..
_ لأ يا مريم مش راجعة ولو على المصروف اللي أبيه محمود كان بيديه لجوزك كل أول شهر هبعته لك أنا الضعف سلام..
أغلقت الهاتف وأنهت تلك المهزلة من حياتها إلى الأبد هذا القصر ستصبح هي سيدته خلال أيام قليلة وهذا وعدها لنفسها مهما كلفها الأمر، بخطوات واثقة اقتربت من الحارس مردفة :
_ لو سمحت أنا سارة علام ممكن أقابل تيتة ألفت وأبيه محمود..
تاه الحارس بهذا الجمال، من يراها يذهب منه عقله بنفس الثانية، كتلة من الجمال تسر من ينظر إليها، ابتسمت من نظراته التي أعطت إليها شعور بالانتصار وحركت كفها أمام وجهه مردفة بنبرة ناعمة :
_ ها إنت معايا؟!..
اتسعت إبتسامته البلهاء مرحبا متمنيا أن يتحدث معها الباقي من عمره، أومأ إليها وعيونه تتطاير منها قلوب حمراء مردفا :
_ طبعاً معاكي، ده كفاية عليا أصلاً البصة الحلوة دي…
_ طيب دخلني بقى..
هنا عاد الي عقله هذه أصغر حفيدة بعائلة علام، ماذا تفعل يا أحمق لو وقعت عين محمود علام عليك ستكون نهايتك، أبتلع لعابه بخوف وأفسح لها الطريق، دلفت وتركته يأتي خلفها بالحقائب..
ما هذا الجمال جنة الله على الأرض، مع كل خطوة تخطوها للداخل تزيد دقات قلبها ها هي قريبة جداً من حلمها، كيف كانت تعيش السنوات الماضية وهذا النعيم لغيرها لا تعلم ولكنها أتت اليوم حتى تبدأ حياتها تبدأ عمرها الحقيقي بين جدران قصر علام..
فتحت الخادمة الباب ليحدث لها مثلما حدث للحارس هذه الفتاة خلقت بسحر غريب وجمال أغرب، وضعت الخادمة كفها على ذراع الآخر مردفة بتعجب :
_ بسم الله الرحمن الرحيم ايه دي يا واد يا شوقي؟!…
أين شوقي فهو الآخر تائه بالملكوت يتأمل إبداع الخالق في جمال خلقه، أجابت هي ببراءة وهي تعلم تأثيرها على الجميع فما يحدث الآن يحدث كل يوم مع أي شخص يراها حتى لو رأها قبلها مائة مرة :
_ أنا سارة علام بنت أحمد علام الله يرحمه..
دقيقتين وكانت بين أحضان امرأة عجوز، تضغط على جسدها الناعم بين ذراعيها وتبكي، أخيراً تضم حفيدتها ابنة ولدها الذي فارق الحياة في سن صغير بعدما تخلى عنهم سنوات، أغلقت سارة عينيها بارتياح شديد هذا هو الأمان الذي تبحث عنه وها هي تتذوقه لأول مرة..
سالت الدموع من أعين ألفت قائلة :
_ أخيراً يا بنت الغالي ياما طلبت من أختك تجيبك أشوفك بس كانت بتقول إنك مش عايزة حد مننا..
أبتعدت عنها سارة قليلا وقالت بنبرة مختنقة من شعورها القوى بالبكاء :
_ أنا جاية النهاردة عشان أعيش معاك، ليا مكان بنكم والا ماليش يا تيتة؟!..
لمعة عين المرأة أعطت لها واجب مرضى يثبت أن لها مكان ومكان لم يصل إليه أحد قبلها ولن يصل إليه أحد بعدها، أومأت إليها ألفت بلهفة وسعادة :
_ بقى ده كلام ده بيتك يا بنتي وليكي فيه زي ما الكل له فيه.. تعالي في حضني شوية كمان عايزة أشبع منك..
بكل صدر رحب ألقت بنفسها داخل أحضان الأخرى من جديد فهي ترغب بهذا الشعور اللذيذ المطعم بالمحبة أكثر من ألفت، رفعت عينيها للحائط لترى صورة رجل ولكن ليس مجرد رجل، لو للفخامة عنوان سيكون هو..
من أول عينيه السوداء سواد الليل بليلة غاب بها القمر والنجوم، حتى وصلت لذقنه المتوسطة بلونها الأسود المميز مع أكثر من شعرة بيضاء هنا وهناك، شفتيه غليظة تعطي إليه رونقا خاصا يكتم أنفاس من حوله، وجدت نفسها بلحظة هائمة وسألت نفسها سؤالا واحدا هل هذا الرجل هو من أتت من أجله هنا؟!.. همست ألفت بترقب ومازالت عينيها متعلقة به :
_ مين ده يا تيتة اللي صورته على الحيطة..
أجابتها ألفت بابتسامة محبة لصاحب الصورة :
_ ده محمود إبن عمك وكبيرنا كلنا بعد موت جدك..
اللعنة هذا هو محمود؟!.. يبدو أن لعبتها من البداية بدأت تخرج عن السيطرة، ابتسمت بخفة ونطقت اسمه بتقطع متلذذة بكل حرف :
_ م ح م و د ” محمود علام”..
______ شيما سعيد _____
بعد ساعة..
بالطابق الأخير بقصر علام كان يقف هو أسفل الدوش يأخذ حمامه الصباحي، أغلق الماء وبخطوات ثقيلة وضع جسده بحوض الاستحمام المزين بالورود البيضاء ورائحة الياسمين المنعشة، زفر بضيق وهو يشعر بالصداع مسيطرا على رأسه، سحب سيجارة من علبته الفاخرة ثم أخذ منها نفسا عميقا وأخرجه بتمهل..
بعد عشر دقائق كان انتهى من ارتداء بذلته السوداء مع رشقة من عطره المميز، أتى صوتها الناعس من خلفه ليلف بجسده إليها مردفا بقلق :
_ كملي نومك يا عايدة لسة بدري..
نفت بحركة سريعة من رأسها مشيرة إليه بالاقتراب منها، نفذ أمرها على الفور جالسا أمامها على الفراش مردفا :
_إنتِ تعبانة أطلبك الدكتور؟!..
بكف مرتجف أزالت جهاز النفس مع على وجهها ثم قالت له بابتسامة مشرقة رغم ملامحها الشاحبة :
_ جبت لك عروسة حلوة أوي يا محمود عبير كانت معايا في الكلية فاكرها..
ظل صامتا دقيقة كاملة وهي تنظر إليه بترقب، يحاول بقدر المستطاع التحلي بالهدوء وعدم الخروج عن السيطرة، عايدة حالتها الصحية تسوء يوما بعد يوم ولهذا يجب عليه الصبر، رفع كفها ووضع عليه قبلة ناعمة ثم قال :
_ مش فاكر حد غيرك ولا عايز حد غيرك ممكن تركزي شوية في صحتك وطلعي الجنان ده من دماغك يا عايدة ..
سقطت دموعها وقالت بتعب :
_ بس ده مش جنان إنت بقى لك أربع سنين عايش معايا كأني أختك، مفيش علاج نافع معايا أنا بموت وإنت مصمم تضيع عمرك، لازم تجيب أخ لمعتز يبقى سند له..
ماذا يقول لها وهي ابنة عمه التي تربت على يده منذ نعومة أظافرها من صغرها تعاني من القلب وزاد الأمر سوء بعد إنجاب معتز ومنذ أربع سنوات داهمها المرض اللعين ليكمل عليها وتستأصل رحمها، اقترب منها مقبلا رأسها مردفا :
_ ورايا شغل مهم ولازم أمشي حالا لما أرجع هبقي أشوف حل في جنانك ده ممكن..
إبتسمت وهي تشعر بحبه لها وتأثيره عليها، تلعب تلك اللعبة دائماً حتى تتأكد من تمسكه بها وبعدها تعود للنوم بارتياح، محمود ملكية خاصة بها ولن تسمح لأي امرأة النظر إليه حتى لو كانت قليل من العظام..
_____ شيما سعيد _____
تنهد بضيق مغلقا باب الغرفة خلفه، وقبل أن يخطو بطريقه للسلم وجد باب غرفة الچيم الخاصة به شبه مفتوحة، عقد حاجبه بتعجب من تجرأ وفتحها والأكثر من صعد للدور الخاص به وبزوجته من حال الأصل؟!..
اقترب من الباب ووضع كفه حتى يفتحه أكثر وهنا كانت الصدمة الكبرى، جنية بيضاء بجسد منحوت، مظبوط الأماكن التي تحتاج الوزن مثالية جداً وباقي جسدها ملفوف مثل قطعة الشكولاته، قصيرة القامة الي حدا ما بخصلات بنية فاتحة تصل إلى ما بعد خصرها، خصلات ناعمة مثل نعومة ملامح صاحبتها، كل ما يظهر منها مميز شفتيها بمفردها تحتاج لألف كتاب حتى يقدر على وصفها..
ساقته ساقه وهو يتأمل بها بدون أن يشعر حتى وصل إليها، اللعنة ما هذا حتى شهقتها ناعمة، معالم الفزع كانت واضحة عليها وهنا سأل نفسه سؤالا واحدا فقط، هل تلك اللوحة الفنية إنسية أم جنية كما توقع؟!.. قررت يده التمرد عليه وقطع الشك باليقين ومرت بخفة على ملامحها..
حقيقية!!! بالفعل هي حقيقة ملومسة بين يديه، سألها بنبرة خشنة :
_ أنتِ حقيقة؟!..
محمود علام أمامك يا سارة ويبدو أنه مثله مثل الباقي مبهور و جداً، فكرة إعجاب رجل مثله بها جعلتها تنتعش، لم تستفيد بحياتها إلا بجمالها والآن فقط قررت استخدامه حتى تعيش ما فقدته بسنوات الحرمان الطويلة..
إبتسمت اليه إبتسامة تعلم قوتها جيدا همست برقة جعلته يرغب بالقرب أكثر :
_ إنت عايزني أبقى حقيقة والا خيال؟!..
هل هناك فرق؟!.. لا والله لا يفرق معه إذا كانت حقيقة أو حتى خيال كل ما يريده الآن فقط القرب، حرك رأسه بنفي هامسا :
_ مش فارق أنتِ مين..
أقتربت منه خطوة واحدة ورفعت نفسها قليلاً بمحاولة بائسة منها للوصول إليه، ابتسم بخفة ووضع يده حول خصرها ليرفعها إليه، ردت إليه الابتسامة بأخرى أكثر حلاوة ثم همست :
_ أنا أيامك اللي جاية كلها يا محمود..
قالتها بلذة أطاحت به ما هذا الحلم اللذيذ الذي يعيش بداخله، لو أنحنى قليلاً وأخذ قبلة هل سيحدث شي؟!. لا والله مادام مجرد حلم لابد أن يستمتع به، وهو غارق ببحر أفكاره ابتعدت عنه وخرجت من الغرفة وكأنها لم تكن موجودة.
فاق على حاله من فقدانه شعور الدفء الذي تلذذ به للحظات، فتح عينيه بصدمة، بالفعل ما عاشه مجرد خيال، مسح على خصلاته مردفا بذهول :
_ يا نهار مش فايت إيه اللي حصل ده يا محمود، من قلة النسوان في حياتك بقى عندك تهيؤات؟!..
______ شيما سعيد _____
بعد خمس دقائق قدر على أستجماع نفسه وبخطوات واثقة دلف لغرفة السفرة ليجد أفراد العائلة بانتطاره، ألقى نظرة عابرة على الجميع ليتأكد من حضور الكل ومثل العادة أول مقعد وقعت عينيه عليه مقعد شقيقه الأصغر طارق وجده يبتسم إليه إبتسامة بلهاء فعلم أنه وبكل أسف فعل كارثة.
اقترب من جدته وقبل رأسها وفعل بالمثل مع والدته السيدة حنان مردفا :
_ صباح الخير يا جدتي صباح الخير يا ماما..
ألفت :
_ صباح كل حاجة حلوة يا قلب جدتك..
حنان :
_ تسلم من كل شر يا حبيبي..
نقل بصره على مقعد والده الفارغ مردفا بجدية :
_ بابا هيكون هنا كمان شهر بالظبط يا ماما أنا كلمته امبارح وقال المشروع ماشي تمام بس محتاج شوية وقت كمان مش أكتر..
حركت حنان رأسها بسخرية مردفة :
_ مش فارق يا حبيبي يشوف هو نفسه في إيه ويعمله، إنت وأخوك عندي بالدنيا وما فيها..
صمت محمود وهو يعلم معنى حديث والدته جيدا أما طارق غمز إليها بوقاحة قائلا :
_ بالنهار أنا وأخويا وبالليل أخبط على باب الجناح محدش يرد..
ضرب محمود على الطاولة فابتلع طارق باقي جملته وعاد للنظر لطبقه مرة أخرى لعن نفسه وهو يسمع أوامر الآخر التي تعطي له إشارة واضحة ” يومك مش فايت النهاردة” :
_ خلص فطارك وتعالى ورايا على المكتب..
ثواني وانقلب كل شيء رأسا على عقب، وقعت الشوكة من يده وهو يراها تخطو لداخل غرفة السفرة بخطوات رشيقة وابتسامة رقيقة، ألقت عليه غمزة شقية وقالت :
_ ازيك يا أبيه أنا سارة..
يتبع…..
رواية عطر سارة الفصل الثاني
مر على وجودها بهذا المكان شبه المجهور خمسة أشهر، لم يزورها طوال تلك المدة إلا مرة واحدة شهرياً، وضعت يدها على بطنها المنتفخة ببكاء شديد ، انتهت قدرتها على تحمل هذا الألم..
حاولت التحرك حتي لو حركة خفيفة حتى تصل لهاتفها الموضوع على الطاولة المجاورة للفراش، خرجت منها تنهيدة تكتم به صرختها المتألمة، سحبت الهاتف سريعاً وقامت بالاتصال عليه ثلاث مرات ففتح أخيراً الهاتف مردفا بغضب:
_ في إيه طالما مش برد أبقى قاعد مع العيلة بترني ليه..
_ مهو أنا كمان من العيلة دي وبنت عمك يا أبية وإلا نسيت..
تنفس محمود بغضب قبل أن يمسح على خصلاته مردفا:
_ أكيد مش رانة عشان الكلام الفاضي ده اخلصي..
أرتفعت شهقاتها وهي تلعن نفسها على زواجها منه، ما هذا الحب الأعمى الذي جعل منها أداة للتسلية مع رجل متزوج ولديه فتى أصغر منها بعدة سنوات، لم تتحمل أكثر وهي ترى مائها يتساقط من بين ساقيها مردفة:
_ الحقني أرجوك أنا بولد..
_ إيه..
قالها بخوف شديد عليها فأكملت هي حديثها:
: أنا خايفة وأنا لوحدي يا محمود أرجوك تعالى قبل ما إبني يحصل له حاجة..
توقف به الزمن لعدة لحظات وهو ينظر لزوجته التي تستعد لدخول غرفة العمليات، وبين حبيبته التي تبكي له برجاء حتى لا يتركها بمفردها وبين هذه وتلك هو يقف عاجزا، وصلت إليه صرخة سارة القوية أسقطت قلبه أرضا فقال بلهفة :
_ سارة إنتِ قوية وأنا جانبك أتحملي نص ساعة وهتصرف..
ارتفعت شهقاتها أكثر وعضت على أسنانها من الوجع، قدرتها على التحمل انتهت فأغلقت عينيها باستسلام كبير هامسة بنبرة بدأت تختفي شيئا فشيئا:
_ لو موتت هيبقى ذنبي في رقبتك ولو قومت منها حسابنا مع بعض هيبقى طويل يا أبيه..
تود أن يتحدث أن يقول أي كلمة تبرر موقفه، أتى صوت والده الغاضب :
_ سيب الموبايل ده وشوف مراتك عايزة تكلمك قبل ما تدخل العمليات..
أغلق الهاتف معها ورأسه تكاد تنفجر، نظر الي والده مردفا :
_ بابا اتصل بالمستشفى بتاعتنا في اسكندرية وخليهم يروحوا الشاليه اللي هناك فورا مع دكتورة نسا وتوليد..
رفع والده حاجبه بتعجب مردفا :
_ مين اللي في الشالية يا محمود..
_ محمووود..
صرخة قوية من عايدة جعلته يفقد المتبقي من أعصابه، سارة الآن وحيدة وقلبه معها، لو حدث لها شيء…. لا لا يستحيل أن يحدث، قال لوالده بنبرة حادة قبل أن يدلف للأخرى :
_ سارة اللي موجودة في الشاليه واللي جوا بطنها إبني..
عند سارة اسودت الدنيا بداخل عينيها، رأت لعبتها منذ البداية تسير أمامها، هي من بدأت وتخيلت الحياة الوردية، وهي من قررت ربطه بطفل حتى تضمن وجوده معها الى الأبد، سار عقلها للبداية وكأنها تحدث أمام عينيها الآن..
فلاش باااااااك…
_ ازاي حضرتك يا أبيه؟ أنا سارة..
ذهول… عدم استيعاب…. رغبة قوية طلبت منه القيام من فوق مقعده والتقرب منها، يرغب بلمسها يود التأكد من ما يراه، هل تلك الفتاة حقيقية أم جنية رائعة الجمال؟!..
أشارت إليها ألفت بسعادة قائلة :
_تعالي يا قلب تيتة أعرفك على مرات عمك وأولاد عمك..
أومأت إليها بإبتسامة أكثر من رائعة، براءة ملامحها بمفردها قادرة على وقع أكبر شنب أمامها يعترف بالحب، أقتربت من حنان وأنحنت بأحترام مقبلة يديها لتقول الأخرى بمحبة لتلك الصغيرة :
_تسلم تربيتك يا حبيبتي..
_ شكراً يا طنط..
صفير عالي صدر من الأحمق الجالس بالمقعد المقابل لها، ألقى عليها نظرة وقحة ومد يده مردفا :
_ طارق ابن عمك حالياً وجوزك لاحقاً مهو البنت أولى بيها ابن عمها وإلا أنتِ رأيك إيه يا تيتة..
_ رأيي إنك تخرس..
كان هذا صوت محمود الحاسم بعدما تمالك حاله، ابتلع طارق ريقه بتوتر ثم أومأ إليه عدة مرات قائلا :
_ أمرك يا كبير إنت تؤمر..
حسناً، طارق أيضا شاب مميز ومن عائلة علام العريقة وبزواجها منه ستكون إحدى سيدات قصر علام، بدلال فطري ضحكت ويا ليتها لم تفعل، شعر محمود بحرارة غريبة عجيبة جعلته ينتفض من فوق المقعد مردفا :
_ ورايا على المكتب يا طارق..
ذهب أو ليكن صادقا فهو فر من تأثير وجودها العجيب الغريب عليه، أما طارق غمز إليها مردفا بمرح :
_ يسلم لي أبو ضحكة جنان، هآخد علقتي من الكبير وراجع نتعرف على بعض أكثر..
خرج ليكسو الضيق معالم وجهها، حتى لم يرحب بها أو يرد على حديثها معه، سلاحها الأقوى جمالها وستكون كارثة إذا لم يتأثر به، نظرت لجدتها مردفة :
_ هو أبيه محمود متضايق من وجودي والا ايه يا تيتا؟!..
_ لأ طبعاً يا حبيبتي بس هو طبعه ناشف شوية وتعب عايدة مراته مخليه مش طايق نفسه ادعي لها بالشفا يا سارة..
فضولية منذ نعومة أظافرها ومع كل يوم لها بالحياة يزيد فضولها، بللت طرف شفتيها مردفة :
_ هي عندها إيه؟!..
ظهرت معالم الحسرة على وجه ألفت فعايدة كانت وردة تلك العائلة وحفيدتها المدللة، تحدثت حنان هي الأخرى بحزن :
_ الأول كان عندها القلب ومن أربع سنين جه لها المرض الوحش بقت زي الميتة يا حبيبتي بعد ما كانت روح البيت..
نظرت سارة لطبقها بشرود مردفة :
_ ربنا يشفيها..
______ شيما سعيد _____
بمنزل علاء..
دلف بيته بعد يوم عمل أكثر من مرهق، ليجد زوجته المصون تجلس أمام باب المنزل بانتظاره، زفر بضجر من ملامح وجهها التي لا تبشر بالخير، لا يعلم ماذا فعل بحياته حتى يتزوج تلك، حك رأسه مردفا :
_ خير قالبة وشك كدة ليه ده بدل ما تقولي لجوزك اللي طالع عينه طول النهار حمد لله على السلامة..
قامت من مكانها بنظرات ساخرة، وقفت أمامه ويديها حول خصرها مردفة :
_ شغل ايه ده يا عنيا، ده أنت عايش من فلوس محمود بيه وحتى الشغل بتشتغل حتة واحد بيقدم قهوة شاي في الشركة عنده..
جذبها من ذراعها بغضب صارخا :
_ مالك يا بت هي هبت منك على آخر النهار والا ايه، غوري حضري الغدا وقولي للمحروسة أختك إن العريس جاي بالليل خلينا نخلص من قرفها بقى..
جذبت ذراعها منه بقوة ثم ضربته على صدره مردفة :
_ أختي هجت راحت عند أهل أبوها يعني العز اللي كنا عايشين فيه على حسها راح يا غبي، واحتمال يوم والا التاني محمود بيه يقولك مع السلامة وكل ده ليه عشان مشيت من دماغك وعايز تجوزها لصبي رقاصة…
صدم من حديث زوجته، ما هذه الكارثة التي حلت فوق رأسه، دجاجته التي كانت تبيض له بيضا ذهب فرت من العش؟!.. حرك رأسه برفض صارخا :
_ ازاي يا غبية تسبيها تمشي، كنت هجوزها من غير ما حد منهم يعرف ويفضل مرتبها شغال، ده غير الواد سيد ده أنا واخد منه 50 ألف جنيه مهر وشرطت عليه بعد الجواز لينا 2000 جنية كل شهر..
أطلقت ضحكة ساخرة وقالت :
_ مش بقولك إنك حمار، هي هربت يا عنيا من ورايا لو كانت قدامي كنت هعمل المستحيل عشان تفضل إن شاء الله أخلص عليها، بقى هي تعيش مع أهل ابوها في العز ده كله وأفضل أنا باقي عمري في فقر وهم..
جذب علاء خصلاته بغل مردفا :
_ مش وقت نواح يا بقرة، لازم نروح نجيبها من بيت علام والليلة…
______ شيما سعيد _____
عودة لقصر علام بغرفة محمود وعايدة، دلفت إليها خادمتها المطيعة وتحمل صينية بها وجبة الإفطار، حاولت الجلوس إلا أنها لم تستطع اقتربت منها سنية سريعا وساعدتها على الاعتدال مردفة :
_ بلاش تتعبي نفسك يا ست هانم قوليلي عايزة ايه وأنا تحت أمرك..
أومأت عايدة رأسها بتعب ثم قالت :
_ في صوت تحت غريب عن القصر دي خدامة جديدة..
بعفوية ضربت سنية على صدرها مردفة :
_ خدامة ايه بس يا ست هانم دي القمر نزل ما السما وقعد في بيتنا..
تعجبت من هذا الوصف وبدأ القلق يدلف لقلبها الي حد كبير، قدمت سنية لها الشوكة رفضتها بحركة سريعة وقالت :
_ مش عايزة أكل دلوقتي قوليلي مين البنت اللي بتتكلمي عنها دي؟!..
ابتلعت الأخرى ريقها بتوتر من نظرات سيدتها النارية، لعنت لسانها فهي تعلم طبعها جيداوتعلم غيرتها العمياء على محمود، انتفضت بفزع على صرخة عايدة المنفعلة :
_ ما تنطقي هو أنتِ خرسة..
أومأت سريعاً مرددة :
_ اهدي بس يا ست الناس عشان صحتك إنت تعبانة، وبعدين دي الست سارة بنت أحمد بيه الله يرحمه جات عشان هتعيش هنا..
ماذا هي رأت تلك الفتاة من قبل عندما كانت بالعاشرة من عمرها وتعلم جمالها جيداً، يستحيل أن تتركها مع زوجها تحت سقف واحد، حركت رأسها برفض هامسة :
_ يعني إيه الكلام الفارغ ده، مين قبل إنها تقعد هنا هو محمود عرف؟!..
_ أيوة شافها الصبح بس مقالش أي كلام حتى لما سلمت عليه مردش عليها شكله مش عايزها هنا.. حتى لما الأستاذ طارق قالها أنا أولى بيكي محمود بيه اتعصب وأخده المكتب..
لا تعلم هل عليها الارتياح بعد هذا الحديث أم يزيد قلقها سوء، كل ما ترغب به الآن رحيل سارة مهما كانت درجة حب محمود لها فهو رجل وليس أي رجل ومع ذلك يعيش بلا نساء من أجلها، أغلقت عينيها بتعب مردفة :
_ خدي الأكل واطلعي برة عايزة أرتاح..
_ مينفعش لازم تأكلي عشان العلاج يا ست هانم..
_ قولتلك غوري من وشي مش عايزة حاجة غوري..
_____ شيما سعيد _____
بالأسفل..
دلفت سارة المطبخ بخطوات رشيقة، بنعومة ألقت التحية على الخادمات، وبابتسامة بلهاء استقبلن تحيتها، جلست على مقعد الطاولة ومدت كفها لتأخذ خيارة مردفة :
_ معرفتش آكل على السفرة ممكن تحضروا ليا الفطار؟!..
أومأت إليها كبيرة الخدم وأشارت للبقية مردفة بهدوء :
_ اطلعوا نضفوا الأوضة وأنا هحضر الفطار للهانم..
مرت خمس دقائق وهي تتابع ما تفعله تلك السيدة التي يبدو عليها الرقي والوقار، أخذت قطعة من الجبن وتذوقتها بتلذذ ثم سألتها بفضول :
_ هي مرات أبيه محمود فين؟!..
وضعت باقي الطعام على الطاولة وأجابتها بهدوء :
_ فوق وممنوع أي حد يطلع إلا سنية ومحمود بيه، الله يخفف عنها بقى صحتها كل يوم بتنزل أكتر عن اللي قبله ..
_ أمممم ، طيب هو طارق مش بينزل الشغل مع أبيه محمود ليه؟!..
جلست المرأة على المقعد المقابل لسارة ثم قالت :
_ مهو مش شركته، محمود بيه هو صاحب كل ده حتى البيت، أما طارق بيه أخد ورثه وفتح بيه مصنع لنفسه وخسر فيه..
ماذا؟!.. صاحب المال هو محمود!!.. ابتلعت طعامها وسألتها بترقب :
_ وعمو كمان ملوش فلوس؟!..
_ لأ وزع فلوسه على أولاده وكتب لكل واحد حقه وسابهم يكبروا شغلهم بنفسهم، محمود بيه زود الفلوس أضعاف وطارق بيه كله راح منه على الأرض بيقولوا زي عمه أحمد.. هاااا يقطعني يا بنتي مخدتش بالي..
رغم تألمها الحقيقي من الجملة إلا أنها وبكل أسف الحقيقة المرة، حركت رأسها مردفة :
_ مفيش حاجة يا دادة عادي دي الحقيقة بابا كان شخص مش بيفرق معاه الفلوس وبسبب حبه الشديد لماما خسر كل حاجة المهم دلوقتي عمو مسافر ليه لما هو مش بيشتغل..
تحدثت المرأة بصوت منخفض :
_ أصله متجوز على الست حنان في السر بس البيت كله عارف حتى هي، بيعمل نفسه مسافر شغل ومحمود بيه بيغطي عليه ويقعد في البيت التاني..
أمممم المال هو مال محمود وباقي أفراد العائلة مجرد ضيوف تحت سطوته، بيدو أن القدر مصمم على وضعه بطريقها وهي أكثر من مرحبة…
_____ شيما سعيد _____
بعد منتصف الليل عاد محمود من عشاء العمل، مرهق لأقصى درجة كل ما يريده الآن أن يرى الفراش ويلقي بجسده عليه، وضع ساقه ليخطو أول خطوة للدرج وعقله شارد “بسارة “، لما هي جميلة هكذا ولما هو يفكر بها لتلك الدرجة؟!..
نفض تلك الأفكار من رأسه مردفا :
_ طالما نفسك رايحة على الحريم كده يبقى شكلك محتاج تعط لك يومين..
إنتبه للضوء الخارج من غرفة مكتبه، للحظة شعر ببوادر الحذر وأخرج سلاحه وبدأ يتقدم بخطوات مدروسة، فتح باب المكتب بطريقة هجومية وقبل أن تخرج الطلقة من محلها رآها… نعم… نعم… تلك هي الحقيقة، تنام على الأريكة الموضوعة بأحد أركان الغرفة، تضع ساقا على الأخرى ليظهر ساقها الأبيض اللامع، أبتلع لعابه بصعوبة من إثارة المظهر إليه، تمسك بين كفيها كتاب ويبدو عليها الاندماج الواضح لدرجة عدم شعورها بدخوله..
عفوا يا كبير عائلة علام فهي مهتمة بكل ما يدور حولها إلا الكتاب، حركت ساقها بدلال وأخرجت من بين شفتيها تنهيدة عميقة تدل على متعتها بهذا الكتاب الأكثر من مميز..
لا هذا كثير كثير جداً عليه، خرج صوته أخيراً ويا ليته لم يخرج، وصلت إليها بحته التي تدل على نجاح أول خطواتها بالاقتراب منه :
_ سارة بتعملي إيه هنا في وقت زي ده؟!…
أنتفض جسدها بخفة، أعتدلت بجلستها ووضعت طرف فستانها على ساقها المكشوف مردفة بالقليل من التوتر :
_ أبيه هو حضرتك هنا من أمتى وبتعمل إيه؟!..
أين هذا الأبيه الذي تتحدث معه، أغلق عينيه لعدة لحظات تمالك بهم أعصابه ثم قال بهدوء :
_ أنا اللي مفروض أسألك السؤال ده، ده مكتبي عادي أبقى موجود فيه في أي وقت أنتِ بقى بتعملي إيه هنا؟!..
قامت من مكانها لتقف أمامه ثم نظرت للأرض بحزن قائلة :
_ كنت مستنية حضرتك لما تيجي، حابه أتكلم معاك شوية لو في عندك وقت لو مش حابب خلاص همشي..
رق قلبه لها فقال بنبرة حنونة :
_ سامعك يا بسبوسة قولي عايزة إيه؟!..
_ هو حضرتك مش حابب وجودي هنا يا أبيه؟!…
حدق بها وسألها بتعجب :
_ مين قالك الكلام الفارغ ده؟!..
_ محدش قالي بس أنا عرفت من الخدم بالصدفة إن حضرتك بتيجي على الغدا والنهارده مجتش، ده غير لما سلمت عليك الصبح رفضت ترد عليا، قعدت أفكر مع نفسي شويةوعرفت إن حضرتك مش حابب وجودي معاكم..
هنا تذكر ما حدث صباحاً بغرفة الرياضة، سألها بتردد :
_ سارة كنتي في أوضة الچيم الصبح..
أومأت إليه بكل براءة فأكمل هو :
_ قولتي إيه وقتها؟!..
وضعت كفها على طرف بذلته ثم همست بنبرة ناعمة :
_ أنا أيامك اللي جاية كلها يا محمود…
يتبع…..
رواية عطر سارة الفصل الثالث
_ أنا أيامك اللي جاية كلها يا محمود.
أخذ عقله يردد تلك الكلمة كثيراً، قالت وفرت من أمامه للمرة الثانية، مر أسبوع ومازال كلما رأها تذكرها، ممر يده على عنقه بتعب من كثر العمل والتفكير، هذه الفتاة نوع من الاثنين يا اما طائشة ولا تعلم ما تقوله أو لعوبة..
رسمت على ملامح وجهه إبتسامة ماكرة، تلك الصغيرة ربما لا تعرف مع من تلعب، دق باب المكتب فاذن للسكرتيرة بالدخول، أقتربت من وقالت بهدوء :
_ سيد عايز يقابل حضرتك..
_ خليه يدخل وأمنعي أي حد من الدخول..
نفذت ما أمرها به رب عملها، وأراح هو ظهره على المقعد، سيد رجل المهام الصعبة يبدو أنه وصل لكل ما يريد الوصول إليه، دلف الآخر مبتسم إبتسامة واسعة مزينة بلمعة الانتصار قائلا :
_ أخبارك يا باشا؟!..
أشار إليه محمود بالجلوس مردفا :
_ أقعد يا سيد وأدخل في الموضوع على طول إحنا مش جايين نتعرف على بعض دلوقتي..
أوما برأسه سريعاً ثم قال :
_ جوز أختها بيأخد الفلوس اللي جنابك بتبعتها لنفسه وعايز يجوزها لواد صبي رقاصة فهي هربت وجات عندكم..
_ اممم وبعدين كمل..
_ أختها بشهادة أهل المكان شريكة جوزها في كل حاجة والست هانم الصغيرة غلبانة معاهم حتى المشروع بتاعها أتسرق..
رفع حاجبه بتعجب قائلا :
_ مشروع ايه ده؟!..
إجابه الآخر بحماس غريب :
_ عطور يا باشا، محل عطور اسمه عطر سارة..
عطر سارة… رائحتها لا تحتاج لمحل عطور فهي بفطرتها صاحبة رائحة فواحة لذيذة تجعله يرغب يضمها إليه لعله يقدر على أخذ أكبر مخزون منها، تنحنح مع نداء سيد عليه ثم قال :
_ طيب خلاص يا سيد روح عدي على الحسابات هتديك فلوسك..
أوما سيد بسعادة وخرج أما كبير عائلة علام ظل كما وهو يفكر ويفكر فقط، للحظة سأل نفسه سؤال عجيب “ماذا تريد منها يا محمود”، همس بذهول من حاله :
_ إيه اللي بيحصل ده هو أنا عايز منها ايه فعلاً؟!.. أنت عايزها والا ايه يا محمود؟!.. ده يبقى جنون..
معه حق هذا بالفعل جنون والأكثر من ذلك هي، فتحت باب مكتبه ودلفت خلفها السكرتيرة بخطوات غاضبة قائلة :
_ أنتِ رايحة فين يا أنسة قولتلك مفيش معاد..
إنتبه إليها ، لجمالها الخاطف للقلوب والعقول، إبتسامتها الساحرة التي تعطيها الي بصدر رحب، وفوق هذا وذلك فستانها الوردي الذي يصل إلى بعد ركبتها بقليل، نظرت إليه ببراءة قائلة :
_ هو أنا محتاجة أخد ميعاد عشان أقابل حضرتك يا أبيه؟!..
لا يا صغيرة، أنتِ قادرة على دخول أي محل بلا سابق أذن، قالت السكرتيرة بقلق :
_ أنا أسفة يا مستر محمود بس هي دخله غصب عني مع اني قولت لها أكتر من مرة إنها لأزم تاخد معاد..
هو ليس معك على الإطلاق لا يرى غيرها، أستغلت سحرها الواضح عليه وأقتربت منه بخطوات رشيقة لتجلس على المكتب أمامه مردفة :
_ مش أنا أقدر أجاي في أي وقت يا أبيه صح؟!..
مثل المسحور اجابها :
_ صح..
_ وأقدر ادخل هنا من غير اذن أي حد صح؟!…
_ أممم صح..
حركت كتفها بدلال والقت نظرة سريعة على السكرتيرة مردفة :
_ سمعتي بنفسك روحي بقى أعمليلي واحد نسكافية..
نظرت الأخرى لرب عملها منتظرة منه أي ردت فعل تدل على وجوده معاهم بأرض الواقع الا انها لم تجد، حركت رأسها بذهول وقالت قبل أن تخرج من المكتب :
_ هو شرب إيه بالظبط الراجل كان زي الفل من شوية، بس البنت مزة بصراحة وتستحق حالة السكر اللي هو فيها دي..
أصحبت معه بمفردها فقالت بعتاب :
_ زعلانة منك بجد أخص عليك يا أبيه..
عاد أخيراً محمود علام، إبتسم إليها إبتسامة رجولية بها معنى واضح جعلها هي الأخرى تبتسم ثم سألها :
_ مش حاسة انك مهتمية بيا زيادة عن اللزوم؟!..
أومات إليه ببساطة قائلة :
_ ده حقيقي فعلاً، الغريب بقى أنك عامل مش واخد بالك… قولي بقى بتهرب من وجودك معايا في مكان ليه؟!…
أعتدل بجلسته قائلا بقوة :
_ مين اللي قالك كدة؟!…
لعبت ساقيها بالهواء ثم ألقت عليه غمزة شقية :
_ محدش قال أنا شوفت بعيني، كبير العيلة اللي مش بيفوت جالسة عائلة ولا أي واجبة بقيت كل الواجبات هنا في الشركة، أكيد ومن غير لحظة تفكير تبقى بتهرب مني ومش عايز تشوفني..
بحركة جرئية قرب مقعده منها ثم رفع كفه يده ليلمس خصلاتها الناعمة بين يديه، ما هذا حتى شعرها ذات رائحة مميزة، أخذ نفس عميق وقال بنبرة صوت باردة :
_ لو أفتراضا إن ده صح، يهمك في يا صغنونة؟!..
حركت رأسها برفض قائلة :
_بلاش صغنونة دي خليها بسبوسة بتطلع منك أحلى كتير..
_ وماله عايزة إيه يا ست بسبوسة؟!..
قامت من مكانها ودارت حولها نفسها عدة مرات بخفة قبل أن تعود إليه بابتسامة واسعة مردفة :
_ أنت عارف أنا عايزة إيه بس عايز تعمل نفسك مش عارف..
جذبها لتجلس فوق ساقه، الأمر وصل بينهما سريعاً الي درجة الا رجوع، نظر داخل عينيها ليري اصرارها العجيب عليه فقال ببعض السخرية :.
_ عيلة صغيرة وحلوة عايزة إيه من راجل متجوز وأكبر منها..
تحولت نظراتها لأخرى حزينة، سأله رغم بساطة إجابته الا إنها تشعر بالتخبط، ربما مرارة أيامها جعلتها تفعل أشياء بعيدة عنها كل البعد، دائماً ما تضعها الحياة بمواقف أكبر منها وتجعلها تذهب بقدميها الي حافة الهوية، أخذت نفس عميق وقالت إليه بكل صراحة :
_ فلوس، عايزة حياة أحس بيها بالأمان واني قادرة أقف قصاد الكل، مش عايزه أبقى زي أبويا، عايزة مصلحتي وكل ده معاك أنت، أنت محتاج ست وأنا مش أي ست وأنا محتاجة حياة ومش أي حياة…
صدم بالفعل لم يتوقع إن تكون بهذا التفكير أو بتلك الصراحة، ما هذا يا فتاة ما هذا؟!.. أبتلع ريقه لتقوم من على ساقه ببعض التوتر، جلس على المقعد المقابل للمكتب منتظرة أي ردت فعل منه، عضت على لسانها بغيظ من حالها يبدو أنها صدمته بها ولكن ملت من لعبة الدلال تلك..
دقيقة كاملة مرت وهو ينظر إليها بلا حرف واحد، شارد بها وعقله متوقف عن العمل، تبدو ان الملامح البريئة بمفردها غير كافية على فهم الشخص، حمحمت قائلة :
_ أنت كويس يا أبيه؟!..
ضحك ضحكة خرجت من أعماق قلبه، حمقاء يا صغيرة ألقت بنفسها داخل الجحيم دون أن تدري، ربما أخطأت بالعنوان وربما لا تجمع المعلومات الكافية حتى تعلم أمام من ألقت نفسها..
قام من فوق المقعد وبخطوات ثابتة وصل إليها، جذبها لتقف أمام ثم سألها بنبرة مريبة :
_ فاهمة معنى كلامك إيه؟!..
أومات إليه بترقب ليكمل حديثه :
_ عارفة أنتِ في نظري ايه دلوقتي يا بسبوسة..
فعلت حركتها الشهيرة بتحرك كتفها بلا مبالاة مردفا :
_ عارفة ومش فارق معايا..
_ عادي بالنسبة لك إني أشوفك رخيصة زي أي *****؟!…
كانت قاسية الجملة ولكن حياتها الماضية أقسى بكثير، رسمت على ملامحها الجميلة إبتسامة باردة ثم قالت :
_ شكلك فهمتني غلط أنا مش هعمل حاجة حرام، كله بالحلال يا أبيه..
ضحك من جديد ثم قرص أنفها مردفا :
_ وانا مش ناوي على الحلال يا قلب أبيه، هتعملي إيه بقى؟!..
مجنونة لابد أن يعلم هذا جيدا حتى يستطيع التعامل معها بالمستقبل، جذبته من مقدمة قمصيه الفاخر مردفة ببساطة :
_ هعمل كتير مثلاً يعني مثلاً، أستناك لما تيجي زي أي فيلم أبيض وأسود وأقطع هدومي وأصوت، البيت يتلم وأقول بكل براءة ” أبيه حاول يتهجم عليا عشان غلبانة في بيته” ولانك راجل محروم من الستات الكل هيصدق وعشان نلم الفضيحة نتجوز يا إبن عمي، رأي إيه في الخطة دي..
عض على شفتيه بهدوء وفكر لمدة قصيرة قبل أن يقول :
_ هي حلوة بس مفيش حد من أهلي هيصدق القصة دي، محمود علام أكبر من كدة بكتير يا بسبوسة، بس عندي خطة حلوة هنفذها قدامك دلوقتي حالا..
_ وهي ايه بقى..
_ أنا مش بتاع كلام هتشوفيوتحسي بكل حاجة دلوقتي يا بسبوسة بس عايزك تصدى معايا للآخر..
نظرت إليه بتعجب وقبل أن تفهم ما حدث كان يضم شفتيها بين شفتيه بداخل قبلة أو ليكون صادق هذه كارثة، ناعمة، طرية، بمذاق رائع، لو أبتلعها الان سيكون معه كل الحق، ضربته على صدره بمقاومة ورفض شديد ليقيد يديها ويكمل عمله متلذذا..
ثانية والثانية فُتح باب المكتب ودلف معه علاء زوج شقيقتها بالنسكافيه التي طلبته من السكرتيرة مردفا بذهول :
_ يا نهاركم اللي مش فايت ايه اللي بيحصل قدام عيني ده؟!..
_____ شيما سعيد _____
أستغفروا الله لعلها تكون ساعة استجابة ♥️
رغم التفاعل اللي مش لطيف الرواية بتنزل بس ده مش هيستمر كتير..
بكرا بإذن الله هكون موجودة في معرض الكتاب جناح دار الراوي صالة ٢ جناح c24
إللي ناوي يشتري ولو مش ناوي حابه أشوف الكل دمتم بخير وعافية
اقتباس لذيذ من يمين طلاق ????????
أخذت وسادة وغطاء خفيف وألقت بهما على الأرض مشيرة إليه قائلة بنبرة ساخرة :
_ تقدر تعتبر ده السرير بتاعك طول فترة وجودي هنا..
ربما هي حمقاء أو أخذت أي حبة تعطي لها القليل من الشجاعة، خلع عنه الجلباب ثم أرسله على وجهها بكل قوته قبل أن يرد عليها بقوة :
_ لبس العزا ده مكنتش ناوي أحاسبك عليه، بس شكلك بتحبي العنف..
شهقت بعصبية وقامت من مكانها لتقف أمامه صارخة :
_ أنت فاكر نفسك مين فوق أنا هند الراوي..
_ طظ..
أتسعت عينيها وفتحت فمها إلا أنها وبكل أسف لم تجد كلمة مناسبة تسبه بها، ليبتسم عليها ساخرا قبل أن يجذبها لتكون تحت حصار ذراعيه :
_ عايزك تفوقي وتتلمي من غير ما اضطر أستخدم أيدي في التعامل معاكي..
وضعت كفها على صدره مردفة بنفس السخرية :
_ ولا تقدر، زي ما أنت بتعرف تستخدم أيدك أنا كمان بعرف أستخدمها ورجلي كمان لو اضطريت لده..
ربما لم يصل إليه حديثها من الأساس، كان كل تركيزه على ملامحها الرقيقة رغم شراستها، يعشق الشعر الأسود الثقيل وتلك العيون الغزلان الغاضبة وفوق كل هذا وذاك شفاه صاحبة جمال رباني تأخذ حجم مميز، وضع أحد أصابعه على خصلاتها مردفا :
_ حضري الحمام عايز أطلع فايق لك، دي الليلة فرحك يا عروسة..
بكل قوتها عضت أصبعه ثم أردفت بغيظ بعدما رأته لم يتأثر :
_ شكلك نسيت مهمتك يا عمدة، أنت مجرد محلل عشان أرجع لجوزي..
لما هذا الشعور؟!.. لما قدرت على إشعال النيران بداخله بكلمات ربما كان يتقبلها قبل أن يسكره عطرها؟!.. تحلى بالبرود مبتعدا عنها :
_ حرام..
رفعت حاجبها مجيبة :
_ نعم؟!..
_ المحلل حرام يا مدام هند، عشان ترجعي لجوزك لآزم جوازي بيكي يكمل بشكل طبيعي، بعدها بقى أقرر عايز أكمل أو لأ وبصراحة أنا ماليش مزاج لكدة…
_ يا نهاركم اللي مش فايت ايه اللي بيحصل قدام عيني ده؟!..
أنتفض جسدها بين يديه ليضغط على خصرها مقربها منه أكثر ويكمل قبلته وكأنه بمفرده معها، مرت ثواني وهي تقاوم ليقرر تحرير شفتيها من بين أسنانه ويده مازالت تقيد حركتها، أغلقت عينيها غير قادرة على النظر لزوج شقيقتها، ربما تكون جريئة و جداً ولكن هذا الموقف بمثابة عار لها..
نظر لعلاء بكبرياء مردفا :
_ خير يا علاء في حاجة؟!..
أبتلع الآخر لعابه بذهول من الموقف، ما هذا بالفعل ما هذا؟!.. توتر من نظرات سيده القوية لكنه قال :
_ إيه اللي بيحصل ده يا باشا بقى هي دي الأمانة؟!..
عاد ليجلس على مقعده خلف المكتب مشيراً له بوضع النسكافيه، وجدها مازالت تقف محلها مغلقة العينين فضحك بخفة مردفا :
_ فضلت سنين أديك فلوس عشان تهتم بتربيتها شكلك صرفتها على نفسك ونسيت تربيها، حط النسكافيه وغور من وشي..
فتحت عينيها بذهول من حديثه، شعرت بالقليل من الندم ليتها ظلت تلعب معه لعبة الدلال بدل من صراحتها تلك، صدمتها الأكبر برد زوج شقيقتها الذي وضع المشروب على الطاولة وخرج مثلما أمره الأخر…
أشار إليها بالجلوس قائلا :
_أقعدي..
جلست ليعطي لها النسكافيه مردفا :
_ اشربي يمكن أعصابك تهدى مع إني شايف إنك محتاجة لمون بعد الموقف ده..
صغيرة، ضعيفة، بلا سند، هذه هي سارة، جميلة لدرجة من يراها يتخيل أنها دمية، حركت رأسها بحزن على حالها وقالت لنفسها جملتها الشهيرة ” من الواضح ان الجمال ميسواش حاجة في سوق الحظ”..
أخذت بعدها نفسا عميقا وعدة رشفات من الكوب تستعيد به قوتها ثم قالت :
_ عملت كل ده عشان تثبت إني ماليش ضهر مش كدة؟!..
طفلة، طفلة صغيرة بملامح امرأة جذابة، أخذ نفسا عميقا ثم نظر الي ساعة يده ثم إليها قائلا بهدوء :
_ لأ عملت كدة عشان أتأكد إن العيب مش فيكي العيب في البيئة اللي طلعتي منها، أنتِ بنت عمي ومن النهاردة أنا ضهرك، حاليا عندي أجتماع مهم ولازم أحضره لما أروح هيبقى لينا كلام تاني سوا وكلام مهم..
_ بس..
رفع حاجبه بنظرة محذرة قبل أن يقوم من مقعده مقتربا منها حتى يوصلها لباب المكتب :
_ اششش مش عايز أسمع كلمة زيادة تهز صورتك في عينيا لما أرجع هسمعك وهقولك كل اللي المفروض يتقال يلا يا بسبوسة على البيت..
أومأت إليه بمشاعر تدلف لقلبها لأول مرة منذ وفاة والدها، حنون جداً جعلها تطمئن بأن القادم سيكون تعويض لكل ما مرت به بالسنوات الماضية..
_____ شيما سعيد _____
بخطوات سريعة خرجت من مكتبه لتجد علاء بانتظارها على الباب، آخر شخص تريد رؤيته هو ذلك الحقير، عضت على شفتيها مردفة :
_ خير مش اللي مشغلك خدام قالك ارجع شغلك، واقف تعمل ايه هنا يا جوز أختي..
نظر إليها بنظرات تعلمها جيدا منذ زواجه من مريم ثم ألقى عليها غمزة سريعة مردفا :
_ ما أنتِ حلوة أهو ليكي في الشمال، أمال عاملة عليا شريفة ليه يا بت أنتِ!!؟
مستفز وهي لا تكره بحياتها رجل مثله، ردت عليه بوقاحة كالمعتاد منها :
_ لأنك مش قد المقام معفن يعني وأنا ماشية بمبدأ الغالي للغالي يا معفن..
أشتعلت عيناه بنيران الغضب، جذبها من ذراعها وضغط عليه بكل قوته مردفا :
_ هتغوري معايا على البيت وهناك هعرفك مين المعفن اللي لمك من الشارع..
حركت شفتيها بسخرية وبكل ما أتتها من قوة ضربته تحت الحزام ليبعد عنها بألم، أزالت اثر يده من على ذراعها بطرف إصبعها مردفة ببرود :
_ الشارع ده أهلي اللي لموك منه لما أبيه محمود أداك البيت تعيش فيه، كفاية كذب يا علاء لأني كشفت كل الورق وأوعدك قريب قوي هرميك إنت ومراتك في الشارع..
أنهت حديثها وخرجت من المكان توعد نفسها وعدا واحدا فقط أنها من الآن وصاعدا ستكون “سارة هانم ” يا الله كم هو جميل اللقب ويليق عليها جداً جداً..
عودة لغرفة مكتب محمود أغلق شاشة العرض بعدما رأى وسمع كل ما حدث بغرفة سكرتيرته التي كانت تحضر للاجتماع، مرر أصابعه على ذقنه هامسا :
_ طيب وفيها إيه يا ابن علام بنت جميلة وصغيرة بتقولك عايزاك حتى لو مصلحة، إنت الكسبان…
_____ شيما سعيد _____
بالمساء..
عاد للمنزل وأول شيء فعله دلف لغرفة نومه، وجد عايدة تتابع أحد البرامج على الهاتف، أغلق الباب خلفه واقترب منها ليجدها ترفض النظر إليه، رفع حاجبه بتعجب مردفا :
_إيه ده مش تقوليلي حمدلله على السلامة يا حبيبي زي كل يوم..
نفت بحركة سريعة من رأسها ثم قالت :
_ جبت لك عروسة حلوة أوي إيه رأيك تشوفها..
جز على أسنانه بغضب، مل من تلك اللعبة التي ترسمها عليه دائماً، قام من جوارها وأزال جاكيت البذلة عنه ملقيا إياها على أحد المقاعد قبل أن يقول :
_ عايدة أنا مش عيل صغير لما أحس إنك مش كفاية في حياتي ومحتاج أتجوز هختار العروسة بنفسي، سيبك من دور الخطبة ده واهتمي بصحتك..
خرج بخطوات غاضبة وتركها تعيد حديثه برأسها، ارتجف جسدها وشعرت ببرودة الجو من حولها، تقول هذا دائماً حتى تسمع جملة واحدة ” لا أريد غيرك” لما اليوم غير إجابته، حاولت أخذ أنفاسها إلا أنها لم تستطع فوضعت جهاز التنفس على أنفها قائلة لنفسها :
_ كنت عارفة ان وجود البنت دي خطر، يا رب لو هيبقى لغيري خدني قبلها..
بغرفة غيرها دق على الباب عدة مرات حتى أذنت له بالدخول، أغلق الباب خلفه واقترب من مكتبها الصغير، كم تبدو جميلة وهي تقرأ أحد الكتب، أبتلع ريقه مع تدقيقه بملامحها، هل كانت تحتاج لتلك الحمرة حتى تقتله قتلا لا والله شفتيها بمفردها كانت كارثة..
رفعت رأسها إليه بابتسامة لذيذة ثم قالت :
_ نورت الأوضة يا أبيه أتفضل..
جلس بطاعة عمياء، جعلتها تبتسم أكثر، تعلم جيدا أنها مسيطرة عليه وهذا يشعرها بالأمان، أعتذرت إليه ببراءة :
_ أنا أسفة يا أبيه..
تفاجأ من هذا الاعتذار فرفع حاجبه بتعجب مردفا :
_ آسفة على إيه يا بسبوسة؟..
قامت من مكانها ووقفت أمامه مثل الطالب الذي ينتظر العقاب من معلمه، رمشت بعينيها عدة مرات قبل أن تهمس :
_ قولت كلام مش كويس الصبح حسسك إني بنت مش كويسة بس أنا عملت كدة عشان خايفة في يوم تزهقوا مني وأنا معنديش مكان تاني أروحه..
أومأ إليها قائلا بهدوء :
_ فطبعا قولتي كدة، عشان لو بقيتي مراتي البيت ده هيبقى بيتك وهتفضلي موجودة على طول صح؟!..
أومأت إليه عدة مرات ليكمل ببساطة :
_ بصراحة عندك حق..
اتسعت عيناها بذهول، جملة واحدة ولكن معناها لا يبشر بالخير على الإطلاق، سألته بترقب :
_ يعني إيه؟!..
قام فجأة، لتعود للخلف جذبها سريعا قبل أن تتحرك خطوة واحدة إضافية، تأمل جمالها الذي يجبره على فعل ما لم يفكر بفعله من قبل ثم همس بنبرة دافية :
_ يعني أنا راجل مراتي تعبانة ومحتاج ست وأنتِ بنت زي القمر ومحتاجة أمان، كل واحد يأخد اللي عايزه من التاني وبكده هنبقى خالصين…
فهمت، أتى إليها بنفسه وعرض عليها الزواج، يبدو أن خطتها تسير بالاتجاه الصحيح وهذا رائع، رسمت عدم الفهم على معالم وجهها ثم قالت :
_ يعني إيه برضو؟!…
_ تؤ تؤ دور الغبية مش لايق عليكي خالص يا بسبوسة، أنتِ فاهمة وأنا فاهم يبقى إيه؟!..
_ إيه؟!..
مرر يده على خصلاتها الناعمة، حلاوة رهيبة يود تذوقها بأي شكل من الأشكال، نزل لمستوى طولها ووضع قبلة صغيرة على أنفها الحمراء مردفا :
_ معاكي عشر دقايق هنروح لأقرب مأذون هكتب عليكي حالا..
بعد ساعة كاملة كانت بحالة من الذهول، تجلس على أحد المقاعد بمكتب المأذون الشرعي وبالمقابل إليها طاولة كبيرة يجلس عليها محمود بجوار المأذون وبجوارهما رجل غريب يبدو أنه صديق محمود يحل محل وكيلها، أتى إليها محمود وهو يحمل الأوراق مردفا :
_ امضي..
ها هي على أبواب جنتها التي وصلت إليها ببساطة لم تتوقعها، تخيلت ان يأخذ الأمر منها أشهر حتى تستطع الإيقاع به ولكنها بعد عدة أيام نجحت بأخذ لقب ” زوجة محمود علام”..
انتهت من التوقيع لتسمع المأذون يقول بابتسامة :
_ مبروك يا محمود بيه مبروك يا هانم..
“هانم ” تلك الكلمة بحثت عنها كثيراً والآن تسمعها، كم هي كلمة جميلة وقورة منعشة، تليق عليها وكأنها خلقت من أجل “سارة هانم” ابتسمت وهي تسمع الجملة الأكثر شهرة بتلك المواقف :
_ بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير، زواج مبارك إن شاء الله..
يتبع…..
رواية عطر سارة الفصل الرابع
أخيراً تم إغلاق باب غرفة واحدة عليهما ، أغلقه بالمفتاح عدة مرات ثم ألقي بالمفتاح من يده على الأرضية ، اللعبة تحولت أمام عينيها الي حقيقة ومطلوب منها تقبل ما يحدث بصدر رحب ، أبتلعت ريقها برعب حقيقي ، معالم وجهه غريبة عجيبة ، الوقار سقط أرضاً ، الاحترام استأذن من تلك الجلسة ، هيبة محمود علام ذهبت بمهب الرياح ، نظر إليها بنظرة بها الكثير والكثير من الاحتياج..
امرأة جميلة بين يدي رجل أعزب من أعوام ماذا ستكون نهايتها ؟!.. أشارت إليه بتوتر تمنعه من الإقتراب منها مردفة:
_ أحنا هنا فين وبنعمل ايه ؟!..
_ شقتك يا عروسة عش الزوجية ، بنعمل إيه بقي دي لازم تتشاف الكلام مش معبر..
نفت بحركة سريعة من رأسها قائلة:
_ أنا فاهمة إنت عايز حاجات عيب صح ؟!..
أومأ إليها بكل صراحة ، لحظة واحدة وانفجرت ببحر من البكاء ، صدم منها كيف تحولت فكانت منذ ساعات تحاول إغوائه الآن خائفة ؟!.. جذبها بقوة لتسقط على صدره مردفا:
_ بتعيطي ليه يا بسبوسة إذا كان أنتِ بنفسك طلبتيني للجواز، دلوقتي هنعمل عيال صغيرة ونرجع في كلامنا؟…
همست ببراءة زادت من حرارته المشتعلة:
_ أنا فعلاً عيلة صغيرة وحضرتك أكيد راجل محترم ووقور مش هتعمل حاجة غصب عني وهتسيبني أمشي، وأنا أوعدك بإذن الله اول ما أكبر وأكون مستعدة هاجي لك لحد عندك..
ضحك بخفة ثم همس إليها بتصميم خبيث:
_ هو أنا راجل محترم ووقور ومش هعمل حاجة غصب عنك بس كان على عيني يا بسبوسة أسيبك تمشي هعمل كل حاجة وبمزاجك يا روحي..
صرخت برعب وذهول مع شقه لفستانها نصفين ، ما هذا بالفعل ما هذا ، ربما يكون الفأر وقع بالمصيدة.. حركت رأسها عدة مرات بنفي، ترفض هذا الشعور ترفض تلك الطريقة، قاومته بقوة تعجب إليها رفع حاجبه وكأنه يسألها لما كل هذا؟!.. دفع جسدها الناعم على الفراش وسقط بجسده فوقها، يحاصرها بتصميم رهيب على قربها، همس إليها بحنان قائلا :
_ خايفة؟!..
أومأت إليه بأمل كبير لعله يعطف عليها ويتركها بحالها، إبتسم ومسح بيده على وجهها المتعرق ثم قال بنبرة دافية :
_ متخافيش أنا جنبك من النهاردة مش عايزك تخافي..
تعالت دقات قلبها مع شعورها بقبلته الناعمة على خدها المتوهج، أغلقت عينيها عدة لحظات بقلب ذائب من حنانه عليها، لأول مرة تشعر بحنان أحد عليها لأول مرة يدلف إلى صدرها هذا الكم من الدفء والأمان..
أستسلمت ورفعت الراية، ستتركه يقترب حتى تنعم بحلاوة هذا القرب، ضم شفتيها مستمتعا بها لأبعد الحدود، فتاة صغيرة جميلة مثل قطعة البسكوت يحركها بين يديه كما يشاء ماذا يريد أكثر؟!.. هذه هي حياته القادمة وهو أكثر من مرحب بها..
همس إليها بنبرة متحشرجة :
_ أفتحي عينك مش عايزك تغمضي الليلة دي ابدأ..
ابتسم بنشوة وهو يرى عينيها البنية تنظر إليه بخجل، أبتلعت لعابها وهي تبحث عن كلمة واحدة مناسبة لما يحدث ولسانها عجز عن الحديث، مرر أحد أصابعه على شفتيها مردفا :
_ أسبوع واحد خليتي كل حتة في جسمي عايزاكي يا بنت علام..
صغيرة ولكنها ذكية الي أبعد الحدود، رسالته وصلت إليها ليخرج صوتها ببحة مميزة أثر ما تمر به من مشاعر :
_ جسمك بس اللي عايزني؟!..
بكل صراحة أومأ إليها بتأكيد على سؤالها ثم همس بنبرة لعوبة :
_ لحد دلوقتي هو بس اللي عايزك وخدي بالك ده أهم من قلبي بكتير خليه بقى يفضل عايزك على طول..
ماذا كانت تنتظر إن يحبها، الجميع يرغب بها مثلما يرغب هو، أعتادت على هذا وربما أصبح لديها الكثير من النضج حتى تعلم من أين تستطيع السيطرة على رجل، لفت يديها حول عنقه تقربه منها أكثر ثم قالت بدلال أنهى الباقي من صبره :
_ عارفة خليه بقى ينفذ اللي نفسه فيه..
______ شيما سعيد ____
بقصر لا يقل فخامة عن قصر علام وهو خاص بعلي الحسيني صديق محمود..
جلس بغرفة مكتبه وأغلق عينيه مع شعور بصداع رأسه يزيد، لا يصدق الي الآن ان كل تفكيره بزوجة أحد المهندسين اليه بالشركة، رسمت على شفتيه إبتسامة تلقائية مع تذكره لأول مرة رآها بها بداخل شركته..
فلاش بااااااك…
ضرب على طاولة الاجتماعات بغضب أعمى، أكثر ما يكرهه بحياته هو الخطأ وهذا ليس أي خطأ سأل المهندس سيد بنبرة صوت قاتلة :
_ يعني إيه تصميم المشروع نسيته في البيت يا باشمهندس، الوفد الكوري هيبقى هنا خلال ساعة إنت فاهم أنت بتقول ايه يا بني أدم؟!..
أنتفض جسد سيد برعب، كارثة هو الآن بداخل كارثة ولا يعلم كيف يمكنه الخروج منها، أشار لعلي بيده مردفا بدفاع :
_ عشر دقايق والمدام بتاعتي هتيجي بالتصميم يا باشا وهنلحق نراجع قبل ما الوفد يوصل..
أطلق علي ضحكة ساخرة ثم قال :
_ المدام معاها التصميم لأ بجد أنا كدة اطمنت، من امتا في تصاميم بتبقى في البيت وفوق كدة تبقى في ايد حد غيرك حد غيرك شاف التصميم يا حيوان..
صرخ بآخر كلمة وهو يقوم من محله ليهجم على الآخر، ثم قطع هذا فتح باب المكتب ودخول فتاة بطول مناسب وبشرة بيضاء، وجه مستدير، عيون واسعة سوداء، خصلاتها ما هذا لماذا تخفي خصلاتها عليه بحجابها الأسود، عاد خطوة للخلف مبتعدا عن سيد وعينيه تمر على جسدها المرسوم باحترافية تحت عباءة سوادء ضيقة من أماكن مهلكة..
ظهرت معالم الإعجاب على وجهه الوقح، علي الحسيني الأعزب الوسيم صاحب الاثنين والأربعين عاما، عض على شفتيه بخبث ثم نظر إلى سيد مردفا :
_ دي المدام؟!..
أومأ اليه الآخر بتوتر قائلا :
_ ايوة يا باشا المدام..
مرر عينه عليها من جديد ثم قال بضحكة ارعبت قلبها :
_ لأ حلوة المدام..
أتسعت عيناها من تلك الوقاحة ونظرت إلى زوجها منتظرة ردة فعله لتكون صدمتها الأكبر مع ضحكة زوجها وحديثه :
_ هي فعلاً حلوة يا باشا وحلوة اوي كمان، تعالي يا أروى وهاتي التصميم خلي الباشا يتفرج..
كان لحديثه معنى آخر فهمه الباشا على الفور وفهمته هي أيضا، أقتربت بخطوات ثقيلة ونظرات رغم قوتها إلا أنها مقهورة ثم قدمت التصميم الى علي مردفة :
_ التصميم يا فندم عن إذنكم همشي أنا..
تجمدت على أثر جذبه ليدها المقدمة إليه حتى تبقى بين يديه مردفا :
_ تمشي تروحي فين مش لما نشوف التصميم يبقى ناقص حاجة كدة والا كدة..
تحدث سيد :
_ لأ يا باشا اطمن أنا كل حاجة تحت ايدي بتبقى كاملة معنديش حاجة ناقصة…
حدق به مردفا بسخرية :
_ كفاية إنت ناقص هتبقى أنت واللي في أيدك كمان هتحملك أنا على ايه وقتها..
أستغلت حديثه مع سيد وفرت بخفة خارج غرفة المكتب لتنتهي لحظة مميزة جداً بالنسبة إليه..
انتهى الفلاش بااااااك..
فاق على صوت باب غرفة مكتبه ليأمر الخدامة بالدخول، دلفت وقالت بهدوء :
_ الباشمهندس سيد وصل يا باشا..
_ خليه يدخل..
دلف سيد بعد عدة لحظات بخطوات متوتر قائلا :
_ أنا عملت حاجة غلط يا باشا عشان تطلبني؟!..
لعب علي بالقلم الموضوع بين يديه قائلا :
_ هو يوم ما تعمل مصيبة هطلب أقابلك في بيتي تفتكر إنك بالأهمية دي عندي؟!..
أبتلع الآخر تلك الإهانة بصمت ليمد علي يده اليه بشيك جذبه سيد بتعجب مردفا :
_ ده ايه ده يا باشا؟!..
_ شيك على بياض أكتب فيه المبلغ اللي يعجبك وأنا همضي..
_ مقابل إيه يا باشا؟!…
_ شهر مع مدام أروى مش إسمها أروى برضو؟!..
_____ شيما سعيد ____
عودة لشقة محمود وسارة..
أخيراً تركها، رغم أنه كان مرغما على الخروج من جنتها إلا أنه فعلها، دلف إلى المرحاض كي تأخذ مساحتها بالغرفة، ظلت تحدق بباب المرحاض وبعدها بكت، لا تعلم لما بكت هل من قوة هذا الرجل وسيطرته عليها أم خائفة..
جذبت شرشف الفراش ووضعت على جسدها بالكامل حتى وجهها أخفته، شعور غريب يتغلغل بداخلها، لطالما رسمت لنفسها قصة حب تليق بجمالها لتكون صادقة هي فازت بزواجها من محمود علام ومع ذلك مقهورة، ما حدث منذ قليل فوق قدرتها على التحمل..
خرجت منها شهقة حاولت كثيرا كتمانها أغلقت عينيها بقوة تجبر نفسها على الصمود حتى تصل إلى ما تريده، خرج من المرحاض ليلقي نظرة سريعة عليها، حرك رأسه بابتسامة ساخرة مع اختفائها تحت الغطاء..
أقترب منها ثم أزاحه عن وجهها مردفا :
_ في حاجة بتوجعك للعياط ده؟!..
أومأت إليه ببراءة ملامحها ثم قالت بغضب :
_ في قطر عدى عليا خلى كل حتة فيا في حتة لوحدها..
ضحك من أعماق قلبه ثم غمز إليها مردفا :
_ كل حتة لوحدها بس سلميه شهرين بالكتير وكل حتة هتتجمع مع أختها وترجعي زي الأول..
جزت على أسنانها بغيظ من أستفزازه وقبل أن تنطق بكلمة واحدة أقترب من أحد الأدراج وأخرج منه علبة حبوب وقدمها إليها مردفا :
_ عايزة منه والا لأ؟!..
حدقت به عدة لحظات بحزن، تعلم ما هذا فكانت وهي صغيرة تأتي به لمريم ” شريط مانع للحمل”، رفعت بصرها لمحمود مردفة :
_ وده سؤال والا أنا مجبرة أنفذ؟!.
حرك كتفه بهدوء وأجابها :
_ مش مجبرة لو مش عايزة هتصرف أنا بأي طريقة تانية، وقبل ما تقولي أي كلام أحنا متجوزين في السر للدلع مش هينفع يكون بنا أولاد أنا عندي ولد ومش عايز غيره وأنتِ..
منعته من إكمال حديثه وأخذت الحبة ووراها كوب من الماء دفعة واحدة ثم قالت ببعض التعب :
_ ساعدني أستحمي وأغير هدومي حاسة اني تعبانة ومحتاجة أرتاح شوية..
يكفي لهنا محمود يكفي على الصغيرة هذا الكم اليوم، حملها بين يديه بخفة ثم دلف بها للمرحاض ابتسمت بسخرية وهي ترى المرحاض مجهز لاستقبالها شهقت بخفة بعدما وضعها بحوض الاستحمام قائلة :
_ أهي دي من مميزات الجواز براجل خبرة..
رد عليها بوقاحة :
_ هي دي بس المميزات ما…..
وضعت يدها على شفتيه وقالت :
_ ممكن أطلب منك طلب صغير خالص؟!..
أؤمأ إليها لتكمل حديثها :
_ عايزة مهري مش أنا برضو عروسة والمفروض يبقى ليا مهر؟!..
أزاح كفها من على شفتيه وأجابها وهي يضع بعض الشامبو على خاصتها وبدأ بغسل شعرها :
_ طبعاً عروسة وأحلى عروسة كمان عايزة مهرك كام بقى؟!..
_البيت ده عايزاه يبقى بأسمي..
أكمل ما يفعله بهدوء رغم بوادر النيران التي بدأت بالاشتعال بداخله وسألها :
_ أشمعنا البيت ؟!..
ماذا تقول أنها ترغب بوضع قدميها على أرض ثابتة، أنها تريد الشعور بالأمان مع وجود منزل بأسمها؟!.. صمتت ولا تعلم بماذا تجيب ليقول هو بدلا عنها :
_ عايزة بيت باسمك عشان تبقى ضامنة إنه بتاعك دايما ومش من حق حد يخرجك منه مهما حصل مش كدة؟!..
ظلت صامته ففتح الماء الدافئة لتسقط على جسدها قائلا :
_ ماشي يا سارة البيت من النهاردة هيبقى بأسمك..
بعد دقائق وضعها على الفراش ثم وضع الغطاء عليها مقبلا رأسها بحنان جعلها تقول :
_ هو أنت حنين كدة بجد والا أنا بتخيل..
ضمها لصدره وأغلق عينيها بيده ثم أغلق عينيه هو الآخر مردفا :
_ مش حنان قد ما هو أتفاق خد وهات، أنا أخدت حاجة حلوة أوي والبيت قليل قوي على اللي أخدته يا سارة..
أبتسمت ولفت ذراعها حول خصره لتنعم بنوم هادئ بوجوده، أما هو كانت ابتسامته غامضة محمود علام شخصية من الصعب فهمها أو أخذ أي شيء منها لماذا تنازل لها بتلك البساطة لا أحد يعلم، أخذ نفسا عميقا من رائحة عطرها المميزة ونام هو الآخر..
____ شيما سعيد ______
بعد يومين بمنزل سيد..
وقفت أمام زوجها بذهول، أعادت حديثه برأسها عدة مرات لعلها تفهم ما قاله أو على الأقل تتأكد من أنها مستيقظة، حركت رأسها مردفة :
_ أنت بتقول إيه يا سيد؟!..
نظر إليها بغضب ثم عاد ما قاله بنبرة لا تقبل النقاش :
_ الباشا عايزك شهر مقابل 5 مليون جنية بعدها هنبقى ملوك يا بت يا أروى وهنفتح الشركة اللي طول عمرنا بنحلم بيها هتبقى مهندسة معايا مش بتشتغلي مكاني في السر، كفاية فقر بقى.
لحظة واحدة من الصمت وبعدها أرتفع رنين صفعتها على وجهه، هل هذا من ضحت بكل عائلتها من أجله؟!.. هل هذا من فرت من قصر عائلة علام لتبقى زوجته؟!.. صدمتها به جعل شعور الاشمزاز يسيطر على تعبيرات وجهها، صرخت بقوة وهو يلف يده حول عنقها مردفا :
_ بقى بتمدي أيدك عليا يا بت الكلب، عارفة لولا إن الباشا عايزك سليمة كنت اديتك بدل القلم ده مية، فوقي معايا وركزي ربنا أمر بطاعة الزوج وأنا بقولك نامي معاه يبقى تنفذي من ساكت..
صرخت بغضب :
_ ربنا!! هو اللي زيك يعرف ربنا؟!.. طاعة ايه يا ديوث يا زبالة بقى عايز مراتك مع راجل تاني بالفلوس وتقولي طاعة، شكلك نسيت اني أروى علام كان فين عقلي وأنا بقف قدام أخويا عشان أتجوزك؟!..
أطلق من بين شفتيه ضحكة ساخرة ولأول مرة يظهر لها وجهه الحقيقي قائلا :
_ أخوكي مين محمود باشا علام؟!.. عمره ما أعتبرك أخته كنتي بالنسباله بنت واحدة أبوه غلط معاها وحطك في شقة بعيد عن الكل عشان محدش يعلم بيكي، كان بيستعر منك ومحدش غيره يعرف عنك حاجة، حتى لما هربتي مكلفش نفسه ودور عليكي، كنت فاكر لما أتجوز بنت علام هعيش في نعيم بس مخدتش من وراكي حاجة دلوقتي بقي بقولك أهو الباشا قدامه ساعة ويوصل يتبسط بمزاجك أو غصب عنك بدل ما أطلع روحك في أيدي..
عادت للخلف عدة مرات وهي تحرك رأسها برفض، يستحيل ان يكون هذا حبيبها يستحيل أن تكون تلك نهايتها، حدقت به بكره يظهر إليه للمرة الأولى مردفة :
_ بكرهك يا زبالة بكرهك وبقولك أهو على جثتي لو حد قرب مني هيبقى بموتي أو بموتك..
أومأ إليها بنظرات أرعبت قلبها ثم رفع كمه الي ساعديه مردفا بقوة :
_ يبقى هينبسط بس غصب عنك يا حلوة…
مرت عليها الساعة مثل الجحيم وهي مقيدة على فراشها سمعت صوت الباب ومن بعده صوت خشن يقول :
_ عايزك تخفي من المنطقة كلها الشهر ده مش البيت بس..
_ أمرك يا باشا بس بالراحة وعلى الهادي دي برضو عندي في الحتة الشمال..
نظر إليه باحتقار قائلا :
_ هي فين؟!..
_ في أوضة النوم يا باشا..
_ طيب يلا غور..
يتبع…..
رواية عطر سارة الفصل الخامس
دلف لغرفة النوم بخطوات سريعة، بداخله شعور عجيب ليراها، فتح الباب وظل ثابتا بمكانه لعدة ثواني، رفع حاجبه بدهشة من ما هي عليه، مقيدة على الفراش وفمها مغلق، أغلق باب الغرفة عليهما مقتربا منها أزال اللاصق من على شفتيها مردفا :
_ سيد اللي عمل فيكي كدة؟!..
أومأت إليه بخوف تحاول إخراج أي كلمة لكنها عاجزة، بكت أكثر وأشارت إليه ليزيل عنها القيود فقال :
_ هو عمل فيكي كدة عشان إيه؟!..
أتسعت عيناها من وقاحته، ماذا كانت تنتظر من رجل مثله أراد أمرأة متزوجة؟!.. خرج صوتها المتحشرج بنبرة ساخرة :
_ عشان رفضت أسافر معاه الساحل..
_ ما تلمي نفسك يا بت إحنا هنهزر..
تحركت بتعب لعل تلك القيود تتسع على جسدها قليلا ثم قالت :
_ تصدق إنك راجل بجح بقى مش مكسوف من نفسك، تبص لست متجوزة وتدي لجوزها فلوس كنت مستني ايه أول ما تفتح الباب تشوفني بطقم الممرضة..
لا يعلم لما ضحك ولكنه فعلها، خرجت ضحكة رنانة من أعماق قلبه، قطعة من الكنافة بالسمن البلدي، شهية تحركه للاقتراب منها وهو اكثر من مرحب، من يكون أمامه باب من اللذة مفتوحة ويرفض الدلوف إليه،، حرك حاجبه ثم قال :
_ على اللي أنا دافعه ده أقل واجب معايا مع إني مش بحب التنكر..
عضت على شفتيها وأغلقت عينيها، إذا أستمرت بالرد عليه ستكون نهايتها خصوصاً بعد ترك زوجها إليه، ابتلعت لعابها بصعوبة تفكر ماذا تفعل لتفتح عينيها بفزع على شعورها بشفتيه تضم شفتيها، صدمت وقهرت بلحظة، قاومت وكأنها أخر لحظات لها بالحياة، ضربته بصدره بيديها المقيدة لعله يبتعد ولكنه كان بدنيا أخرى بعيداً عنها كل البعد..
نعيم،، ما هو بداخله الآن نعيم، شفتين ناعمة، طرية، شهية، بها طعم مميز يأخذه الي الجنون، همهم بمتعة من مجرد قبلة وعقله يحثه على إكمال تلك المشاعر، يبحث عن ما هو أقوى وأجمل بكثير.
ااه، ابتعد عنها بعدما عضته بقوة ونظر إليها بغضب مردفا :
_ عارفة لو واحدة غيرك كانت عملتها كنت طلعت بروحها في أيدي، خليكي حلوة كدة بدل ما تعرضي نفسك للأذى..
حركت رأسها برفض قائلة :
_ لو أنت راجل فكني وشوف هعمل فيك ايه بدل ما تستقوي على ست ضعيفة..
نظر إلى جسدها بقلة حيلة ابتعدت بخوف وهي ترى يده تقترب منها، ابتسم إليها إبتسامة أرعبت قلبها وبدأ بكل هدوء يفك قيودها، تعالت دقات قلبها ترى بعينه نظرة تصر على ما أتى إليه، تشعر بيده وهي تمر على جسدها بطريقة تثبت لها عدم خروجها من تلك الغرفة سالمة..
أخيراً أصبحت حرة قادرة على الحركة وقبل أن تزيح جسدها من فوق الفراش جذبها من ساقيها قائلا :
_ تفتكري واحد زيي لما يدفع عشرة مليون جنيه مقابل شهر واحد من واحدة شافها مرة واحدة بس ممكن يقبل إن فلوسه تروح على الأرض..
حدقت به بكره، لن تظهر ضعفها، أروى علام مرت بالكثير والكثير ولم تضعف مرة، رفعت رأسها بكبرياء ثم قالت بقوة وهي تضربه بمنطقة تحت الحزام :
_ واطي دفع لديوث أنا بقى ماليش في الليلة دي يا باشا..
توقعت ألمه من الضربة إلا أنه ألقى عليها نظرة باردة قبل أن يقول :
_ عمري ما لمست ست لمسها غيري أصلي بقرف، لكن أنتِ بقى هتبقى أول ست ألمسها وأنا هكون آخر راجل يقرب منك..
تفاجأت من حديثه وتفاجأت أكثر من حمله لها على كتفه، صرخت برعب :
_ أنت بتعمل ايه؟!..
_ هنمشي من هنا ونبقى نكمل الليلة في بيتي.. مش عايز أسمع لك صوت لكن لو حابة الفضايح أصرخي وخلي الشارع كله يعرف إنك ست شمال وبرضو هأخدك وأمشي..
خرج بها من باب الشقة، بخطوات هادئة يعلم أنها مثلها مثل زوجها تمثل الفضيلة حتى لا تظهر امامه *****، أما هي أخذت تردد حديثه بعقلها لعدة ثواني حتى وصلت لطوق النجاة أخيراً، الفضائح لا تفرق معها كل ما يهمها الآن التخلص منه..
خرج بها من العمارة وقبل ان يصل إلى سيارته صرخت بكل قوتها :
_ الحقوني يا ناس عايز يخطفني الحقوني يا خلق الله عايز يخطفني يااااااااااه..
اقترب منهم شباب ونساء الحي بسرعة لتقول ام أحمد جارتها :
_ مالك يا أروى يا بنتي؟!..
_ الراجل ده دخل بيتي وجوزي مش موجود عايز ياخدني، الحقوني وبلغوا البوليس..
تحدث أحد الشباب بغضب :
_ ليه يا حيلة أمك فاكر ان الشارع مفهوش راجل، ده أنت مش هتطلع من هنا حي..
صرخت برعب مع إنزال علي لها وسحبه للشاب من عنقه ضاغطا عليه بقوة :
_ شكل البدلة غرتك في تعالي بقى يا روح أمك..
أقتربت منه برعب قائلة :
_ أبعد عنه ده عيل غلبان أمه معندهاش إلا هو..
نظر إليها نظرة مرعبة عادت على أثرها للخلف عدة مرات ثم قال بسخرية :
_ مش بدأتي بالفضايح اركني بقى لحد ما أفضى لك يا روح أمك..
ماذا تفعل لا تعلم، رغم تدخل أهل الحي ومحاولة الجميع من إخراجها من يده هي وهذا الشاب بأقل الخسائر ولكنه فاق الكل، أتسعت عيناها بذهول وكأنها تشاهد أحد الأفلام الهندية، قلع جكيت وقميص بذلته ليبقى عاري الصدر بدأ بحرب من يراها يتوقع من العدد أنه الخاسر والآن الصدمة الكبرى حدثت، لم يرفع أحد يده عليه إلا وكانت مكسورة، لم يصيبه خدش واحد.
قررت الفرار وسط هذا الزحام وقبل ان تخطو خطوة واحدة جذب كفها مردفا بجبروب :
_ مكانك يا بت عيني عليكي أخلص منهم ومش هسيبك إلا في الجبس سنتين قدام..
أومأت إليه عدة مرات برعب ولم تجد أمامها إلا الحل الأخير وهو الاتصال بالشرطة…
______ شيما سعيد _____
بمنزل علام..
غاب عن المنزل يومين وها هو الآن يدلف إلى قصر علام وبيده الصغيرة، ارتجف كفها لينظر إليها نظرة حنونة هامسا :
_ متخافيش أنتِ كنتي عند أختك وأنا لما رجعت من السفر بعد ما جدتي بلغتني بغيابك روحت جبتك فيها حاجة صعبة دي..
حركت رأسها برفض ثم قالت بتوتر :
_دي أول مرة في حياتي أحس إني بعمل حاجة غلط..
جذبها للداخل بخطوات واثقة قائلا :
_ أحنا مش بنعمل حاجة غلط، دي حاجات خاصة مش عايزين حد يعرف بيها يبقى أحنا أحرار اهدي بقى..
دلفت خلفه لغرفة المعيشة بعدها ترك كفها، بداخلها شعور بالعار لا تعلم مصدره أو ربما تعلم ولكنها تحاول الهروب من حقيقتها، ركضت لجدتها التي فتحت ذراعيها إليها بشوق، ألقت نفسها بين أحضانها الحنونة وبكت، حك مقدمة ذقنه بضيق من هذا التصرف وجلس بجوار والدته التي قالت :
_ حمد الله على سلامتك يا حبيبي، كويس إنك أول حاجة عملتها لما رجعت إنك روحت جبت سارة، دي بقت حتة مننا وطنط مش بتقدر تقعد من غيرها ولا أنا كمان بصراحة..
أومأ إليها و عيناه معلقة على الأخرى المتشبثة بجدتها، مررت ألفت كفها بحنان على ظهر سارة قائلة بحب :
_ بس يا قلب تيتا قوليلي عمل فيكي إيه وأنا أوعدك إن محمود هيجيب حقك لحد عندك..
محمود يأتي بحقها؟!!!.. كم أنتِ طيبة القلب يا ألفت يبدو أنها لا تعلم محمود بعد، تدخل بالحديث بغيظ قائلا :
_ خلاص يا سارة كفاية عياط مكنتيش في معتقل ولسة خارجة..
قالت ألفت بعتاب :
_ سيبها تطلع اللي في قلبها أنت مكنتش معاها ولا عارف عمل فيها ايه الندل ده، كنت فاكرة إنه غلبان بس طلع ندل..
ابتسم بهدوء مردفا :
_ معملش فيها حاجة يا ألفت اطمني حفيدتك زي الفل، هي بس بتحب تدلع علينا عشان تعرف مقامها عندنا..
ضحكت حنان قائلة :
_ دي قمر تدلع براحتها..
_ وماله يا ست الكل هدلعها زي ما هي عايزة بس نأكل بقى لأني جعان وبعدين نبقى تحت أمر الست سارة..
أومأت إليه والدته وقالت :
_ دقايق والسفرة هتبقى جاهزة بس اطلع أنت أطمن على عايدة ، إنت عارف هي حساسة قد إيه خصوصاً لما بتبعد عنها… لدرجة انها بقت مهملة في العلاج اليومين اللي فاته
قام من على المقعد وألقى نظرة سريعة على سارة، توقفت الأخرى عن البكاء ونظرت إليه نظرة لم يفهمها ولم تفهمها هي الأخرى ولكن بداخلها شعور بشع يأكلها، قبل رأس والدته وبعدها جدته ثم قال :
_ مش هتأخر نشوف دلع عايدة هانم ونطمن عليها ونرجع ندلع اللي محتاج دلع…
يقصدها ووصل إليها الحديث، لم تنظر إليه وضعت رأسها على صدر ألفت وقالت :
_وحشتيني أوي يا تيتا اليومين اللي فاتوا كانوا أبشع يومين مروا في حياتي كلها..
_____ شيما سعيد _____
بغرفة عايدة..
وضع قبلة أعلى رأسها ثم قال بعتاب وهو يمرر أطراف أصابعه على كفها موضع الحقن :
_ أسافر في شغل يومين أرجع ألاقيكي بالشكل ده لا بتأخدي علاجك ولا حتى بتأكلي هو إحنا أطفال يا عايدة؟!..
أومأت إليه بملامح حزينة، ترى بداخل عينيه لمعة سعيدة تجهل سببها أو ربما ترفض تصديق قلبها الذي يقول لها السبب بكل صراحة بكلمة واحدة ” سارة”، أشار إليها بعينه يحثها على الحديث لتسقط دموعها قهر قائلة :
_ كان نفسي يبقى عندي صحة عشان بس أكفيك، عشان لما أشوف النظرة دي في عينك أقول عليك خاين لكن دلوقتي مش قادرة أقول كدة، كتر خيرك بقى لك 15 سنة عايش معايا كأني أختك، ماليش عين ألومك يا محمود..
زفر بضيق ، منذ طفولته وهي تفهمه من نظرة عين، رسم على شفتيه إبتسامة حاول أن يجعلها طبيعية ثم وضع قبلة أخرى على رأسها مردفا :
_ بتقولي إيه يا مجنونة، اللي يسمعك كدة يقول إني دخلت عليكى بضرة كل ده عشان غبت عنك يومين هي أول مرة أسافر والا ايه يا عايدة؟!..
نفت بحركة سريعة من رأسها ثم قالت :
_ لو مدخلتش عليا بيها النهاردة هتدخل بكرا يا إبن عمي، خدني في حضنك يا محمود أنا مش عايزة أي حاجة دلوقتي إلا حضنك بس..
صمت لا يوجد كلمة واحدة يقدر على أن يرد عليها بها، جذبها لتنام بين أحضانه مثلما طلبت، لفت يديها حول خصره وأغلقت عينيها بتعب مستسلمة استسلام جزئي لما وصلت إليه، لطالما كان بين يديها تعلمه جيدا وتعلم أن هذا العناق فاقد حرارة الإشتياق، ذهبت في نوم عميق تركته مع القليل من تأنيب الضمير..
وضعها على الفراش ثم خرج من الغرفة سريعاً، وجوده معها ورؤيته لها بتلك الحالة تشعره بقلة الأصل، نزل لغرفة السفرة ليري معذبته الصغيرة، سبب ما هو به، عاد على يدها يرغب بالنساء يبحث عن حلاوة الزواج..
توقف محله وهو يراها تجلس بين شقيقه وابنه كلا منهما يغازلها تارة، تحدث معتز بحماس :
_ الحاج صاحب البيت رجع من السفر حمد الله على السلامة يا محمود باشا..
أجابه محمود وعينه معلقة بسارة :
_ بتتكلم وأنت قاعد كأني كنت نايم في حضنك.
نظر معتز لسارة بهيام قائلا :
_ مش هقدر أقوم من مكاني يا حاج لحسن حد يأخد الكرسي..
ضحكت بعفوية جعلت الثلاث رجال بعالم آخر، كلا منهما يتخيلها بوضع مختلف، ألقى معتز رأسه على كتفها مردفا :
_ جوزني سارة يا بابا..
ضربه طارق على رأسه ثم جذبه ليبتعد عنها قائلا :
_ تتجوز مين يا واد!! عمك أولى وبعدين إنت أصغر منها لكن أنا أكبر..
أجابه معتز بغيظ حقيقي :
_ الموضوع مش بالسن بالحب وأنا خلاص قلبي دق، وبعدين فيها إيه يعني، دي بيني وبينها 5 سنين..
ماذا؟!.. وقعت الجملة على محمود مثل مياه النار، خمس سنوات فرق بين زوجته وابنه؟!.. هل ينظر إليها معتز تلك النظرة أكمل طارق الكارثة عندما قال بغضب :
_ محمود لم ابنك وقوله دي هتبقى مرات عمك عيب يتكلم عليها كدة..
هذا ما كان ينقصه طارق يريدها، حدق بالاثنين ليري معالم الصدق والإصرار بكل منهما، نظرت إليه ألفت وقالت :
_ سيبك منهم يا حبيبي وتعالى كل..
ضحكت حنان قائلة :
_ بصراحة طارق عنده حق يا طنط سارة قمر أيه رأيك في طارق يا حبيبتي هو يبان طايش بس طيب وقلبه أبيض..
إلى هنا وكفي بلا لحظة تفكير واحدة، تحكمت به مشاعر لم يفهم معناها إلا أنه يريدها بعيدا عن الكل الآن، جذبها من كفها وجرها خلفه خارج الغرفة وذهب بها لغرفتها، أدخلها بغضب وأغلق الباب خلفهما بالمفتاح قائلا بغضب :
_ جنابك قاعدة ده يفعص فيكي شوية وده شوية عاجبك أوي القاعدة دي مش كدة؟!..
عادت للخلف بذهول من تعبيرات وجهه الإجرامية وقالت :
_ إيه اللي أنت بتقوله ده؟؟ طارق كان بيهزر ومقربش مني اللي نام على كتفي معتز وووو..
قاطعها وهو يجز على أسنانه :
_ ومعتز ينام على كتفك ليه؟ عيل بيرضع!!..
حركت رأسها بقلة حيلة قائلة :
_ لأ مش عيل بيرضع بس أصغر مني…
للمرة الثانية يقاطعها، دفعها للخلف بقوة لتشهق بألم مع ضرب ظهرها بالحائط وضع كفه على شفتيها مردفا :
_ أخرسي تعرفي تخرسي كلامك لوحده بيعصبني بزيادة، الأصغر منك ده قالها بنفسه كلها خمس سنين مش خمسين، أنتِ شوفتي نظرات الواد ليكي عاملة إزاي؟ ده ابني وانا عارف تفكيره كويس..
تنهدت بضيق من أسلوبه بالحديث وقالت :
_ شكلك ناسي إني بقيت محرمة أبديا على ابنك ريح نفسك، لو تفكير ابنك زبالة يبقى خد من وقتك خمس دقايق وربيه…
رفع حاجبه إليها وكأنه يقول حقا، مال بجسده عليها حتى حاصرها مردفا بنبرة خبيثة :
_ والله أنا محتاج أخد من وقتي خمس دقايق وأعيد تربيتك أنتِ من أول وجديد..
حدقت به بغيظ قائلة :
_ ده ليه بقى إن شاء الله؟!..
_ دخلتي عليا بالدلع والإثارة وكان كله تشويق في تشويق وبعد الجواز بيومين أتنين كله راح وواقفة تردي عليا الكلمة بعشرة يبقى تتربي ولا أعمل فيكي إيه؟!..
ابتسمت بنعومة وعادت إلى دلالها المثير، رفعت كفيها لتضم بهما وجهه الرجولي ثم زادت جرعتها وأعطت له قبلة قصيرة على شفتيه هامسة على بعد مسافة معدومة :
_ مهو أنت اللي بتزعلني وبعدين هو في عريس بدل ما يدلع عروسته يتعامل معاها بالطريقة بتاعتك دي..
_ ترضي أنزل من عند عايدة أشوف الاتنين بيبصوا عليكي كدة..
عايدة لما أتى بتلك السيرة الآن؟!.. تذكرت تركه لها وتذكرت لما لعبت على وتر طارق ومعتز، أومأت إليه بابتسامة مستفزة :
_ اه يرضيني..
دق هاتفه لينقذها من بين يديه، فتح الخط عندما رأي المتصل عليه لتتبدل ملامحه 180 درجة مع سماعه لصوت السائق الخاص بعلي فقال :
_ بنت مين اللي دخلت علي القسم أنا جاي حالا وهحبسها هي وعيلتها كلها..
يتبع…..
رواية عطر سارة الفصل السادس
بقسم الشرطة..
دلف محمود ليجد علي يجلس بغرفة الضابط صامت والدماء منتشرة بالمكان، اقترب من صديقه بلهفة قائلا :
_ إيه اللي حصل والدم ده بتاع مين إنت كويس؟!..
أومأ إليه علي ثم قال بشرود :
_ ده دم الظابط البنت عملت فيه كدة..
_ بنت مين؟!..
_ أروى..
جذب محمود خصلاته بغيظ مردفا :
_ ما تقول القصة كلها هتفضل تنقط كدة كتير..
ماذا يقول وهو إلى الآن لم يستوعب ما فعلته تلك المجنونة، زفر بضيق وقص كل شيء حتى وصلوهم للقسم فقال محمود بغضب :
_ إنت سامع نفسك بتقول إيه، عايز ست متجوزة ودفعت لجوزها، مستوعب الوساخة اللي طلعت من بوقك والا دي تهيؤات..
رد الآخر بهدوء :
_لما تشوفها هتعرف إني عندي حق وبعدين جوزها راضي وكنت فاكر إنها كمان راضية بس بتتقل، المصيبة مش هنا إنت متعرفش هي عملت إيه لما جينا هنا..
سأله محمود ساخرا :
_هو في أسوأ من كلامك ده قولي خليني أفكر إزاي أعيد تربيتك إنت كمان..
فلاش باااك..
وقفت بحالة من الذهول، تحولت من صاحبة حق لأخرى يجب عليها الإعتذار من علي الحسيني، جلس بالمقعد المقابل للضابط وظلت هي واقفة أمامهم، ألقى عليها نظرة غاضبة قبل أن يقول :
_ جوزها على وصول وهيقول حصل إيه بنفسه..
أومأ إليه الضابط بإبتسامة واسعة مردفا :
_ من غير ما حد ييجي يا باشا أنا عارف إنك مستحيل تكذب، أتفضل إنت وهي هتمشي لما ييجي حد يستلمها..
ما هذا بحق الجحيم ما هذا؟!.. دلف الي قلبها شعور باليتم قهرها لم تجد بحياتها شخص واحد بداخله ولو قليل من الضمير، نظرت لضحكته المنتصرة ولم تتحمل أكثر بكل الأحوال هي الخاسرة فتأخذ حقها أولا، تحدثت بقوة :
_ هو ايه أصله ده، بتكذبوا الكذبة وتصدقوها انتوا الاتنين، الراجل ده أتهجم عليا في بيتي وحاول يعتدي عليا ده غير جاري الغلبان اللي مرمي في المستشفى بعد ما أستقوى عليه وضربه، يبقى يمشي إزاي يا باشا..
ضرب الضابط على سطح مكتبه بقوة قائلا بغضب :
_ هما مين دول اللي كدابين يا بت ما تفوقي، بقى عايزة تقولي إن علي باشا الحسيني عايز يقرب منك أنتِ..
_دي الحقيقة هكدب ليه؟!..
أجابها بسخرية :
_ يمكن عايزة قرشين ما أمثالك رخيصة..
تحولت معالم وجه علي مع سماع حديث الضابط لها، حدق به بغضب لا يعلم لما شعر به وقبل أن يفتح فمه بحرف كانت أتت هي بحقها، أخذت طفاية السجاير من فوق الطاوله المقابلة لعلي وبكل قوتها ضربت الضابط بها بمنتصف رأس، رفعت رأسها بكبرياء قائلة وهي ترى الدماء تسيل منه :
_ كدة بقى أنا أخدت حقي ولما تحبسني هيبقى على حاجة أنا عملتها يا باشا..
انتهي الفلاش باااك..
_ الظابط راح المستشفى وهي دخلت الحجز..
أتسعت عينا محمود من كم المصائب التي فعلها صديقه، حرك رأسه مردفا :
_ البنت دي بنت راجل وطلعت أرجل منك ومن الظابط ومن الكلب اللي هي متجوزاه، خليك جنبها هنا يا علي ووصي الكل عليها لحد ما أروح المستشفى أشوف الظابط وأوصل لفين، مش هسيبها تبات هنا كفاية عليها اللي شافته النهاردة وحقيقة جوزها..
خرج من غرفة المكتب وترك علي بمحله، يسأل نفسه سؤال واحد يتركها وشأنها أم يقترب أكثر خصوصاً بعد شجاعتها تلك وبعد تفكير عميق قال :
_ بصراحة أنا عيل زبالة وهستغل الموقف لصالحي، مش هسيبها هي خلاص بقت بتاعتي، هتخرجي من هنا على قصر الحسيني يا أروى..
_____ شيما سعيد _____
بمنزل علام..
بداخل مرحاض غرفة سارة، أغلقت الماء ورفعت وجهها للمرايا، حدقت بانعكاس صورتها بإرهاق جسدي ونفسي، بدأت عينيها تسير على ملامحها الجميلة بحسرة، رأت بحياتها الكثير والكثير وإلى الآن تدفع ثمن زواج أبيها من والدتها، عادت ذكريات ليلتها مع محمود تطاردها، ليتها أغلقت عينيها ورفضت أمره برؤية كل ما حدث..
طبول تضرب رأسها بقوة، صرخات كثيرة تسمعها بقوة تذكرها بكل لحظة مرت عليها بحياتها، سقطت دموعها ومازالت تحدق بنفسها قائلة :
_ يا خسارتك يا سارة حلوة، حلوة أوي بس الدنيا أخدت منك كل حاجة وسابتلك شوية الحلاوة بس، الله يرحمك يا ماما كنتي دايما تقوليلي بلاش تفرحي بشكلك كدة الجمال ميسواش حاجة في سوق الحظ..
أبعدت وجهها عن المرايا، يكفي ما وصل إليها من مشاعر مؤلمة إلى الآن، فتحت الماء ووضعت رأسها تحتها لعلها تغسل روحها المتألمة من الأوجاع، أخرجها رنين هاتفها من حالتها لتخرج من المرحاض والماء تتساقط على وجهها، رفعت الهاتف لتجد إسم مريم ابتسمت بسخرية وردت عليها :
_ خير لسة فاكرة إن ليكي حد تتصلي بيه..
وصل إليها صريخ الأخرى الحاد لتجلس على فراشها وتأخذ تنهيدة عميقة ثم قالت :
_ اتكلمي بصوت واطي عشان أفهم أنتِ عايزة تقولي إيه يا مريم أو أقفلي لأني مش ناقصة صداع..
_ أختك اللي ربتك وفتحت بيتها ليكي بقت صداع دلوقتي يا ست سارة، عاملة نفسك هانم وخليتي البيه يطرد علاء من الشغل وكل ده ليه عشان شافك وهو بيبوس فيكي، صحيح رخيصة..
أتت لها بوقتها الصحيح، كانت تنتظر أحد يفتحها حتى تنفجر بوجهه :
_ لو كنت رخيصة كنت خليت الكلب بتاعك يقرب مني، الرخيصة فعلاً اللي تعرف إن جوزها بيقرب من أختها وتكذب أختها وتصدق جوزها، فاكرة لما ترني تقولي الكلمتين دول هعيط وأقولك حقك عليا كتر خيرك، لا يا حلوة أنا كبرت وفهمت الليلة ماشية إزاي، سنين وأنا بصرف عليكي إنتِ وجوزك مستحملة أعيش في بيت أقل من أوضة الكلاب في قصر أهلي عشان بس أفضل جنب أختي حبيبتي أصلي لو روحت لأهلي الخير اللي بييجي لأختي الغلبانة هيروح، العبيطة بتاعت زمان ماتت خدي جوزك وارجعي البلد خليه ينزل الغيط بدل مهو عاطل كدة والأحسن تبعدوا عني لأني من هنا ورايح لا عندي حاجة أخاف عليها ولا حاجة أخسرها وهاخد حقي من الكل..
أغلقت الهاتف بلا كلمة إضافية، لن تعود لبرائتها القديمةوحتى لو تمنت فالأمر خرج من بين يديها وأنتهى، لو لديها حق ببطن الحوت ستأخذه فهي الآن معها “محمود علام “..
زفرت بضيق عندما دق باب الغرفة ثم قالت :
_ أدخل..
دلفت الخادمة الخاصة بعايدة قائلة :
_ مدام عايدة طلبت تشوفك..
عايدة!!! تريد رؤيتها؟!.. لماذا؟!.. طلب منها عقلها رفض تلك المقابلة، لن تستطيع تحمل ضغط فوق ضغطها، حركت رأسها بقلة حيلة ثم أشارت للخادمة قائلة :
_ طيب عشر دقايق هسرح شعري وأروح لها..
بعد ربع ساعة..
خطت بساقيها أول خطوة لغرفة محمود مع عايدة، صدمت من المنظر أمامها، أمرأة يبدو أنها كانت جميلة لكن كان للمرض رأي آخر فأخذ منها ما أخذ، جهاز أكسجين معلق بجوارها و بجواره محلول يصل إلى كفها، الغرفة كانت عبارة عن مشفى صغيرة..
ابتلعت ريقها ببعض التوتر قائلة :
_ أنا سارة..
كانت الأخرى مغلقة العينين تائهة بدنيا غير الدنيا، مع صوت سارة الناعم فتحت عينيها، رأتها ويا ليتها لم ترها، جميلة جداً وجذابة جداً جداً، فتاة خلقت بقدر عالي من الفتنة، أخذت نفسها بتعب ثم قالت :
_ طلعتي حلوة أوي يا سارة..
ابتسمت إليها مردفة :
_ شكراً كلك ذوق، حبيت كتير أشوفك بس قالوا إنك بتحبي تبقى بعيد عن الكل، رأيك إيه ننزل نقعد تحت سوا..
رفضت عايدة بحركة سريعة من رأسها مردفة :
_ بحب أفضل في أوضة نومي مع محمود عشان لما أموت أموت فيها وآخر حاجة أشوفه هو والأوضة اللي عشت معاه فيها، وفيها كل ذكرياتي..
أشفقت سارة على حالها، فجلست على الفراش بجوارها ووضعت قبلة حنونة على رأس عايدة قائلة :
_متقوليش كدة ربنا يشفيكي وتفضلي مع جوزك وإبنك..
ابتسمت إليها عايدة بتعب ثم قالت :
_ مهو بقى جوزك أنتِ كمان..
صدمتها الجملة، انتفض جسدها على إثرها، نظرت لعايدة لتراها تبتسم كما هي، حاولت الحديث والإنكار لتكمل عايدة حديثها بهدوء :
_ شميت ريحة حريمي على بدلة جوزي أكتر من مرة، عشان كدة طلبت أشوفك، ريحتك نفس الريحة اللي على الهدوم، محمود مش بيعمل حاجة حرام..
قامت من مكانها يجب عليها الفرار الآن، لا لا قولي أي شيء يثبت عكس حديثها قبل الفرار، ضحكت ضحكة متوترة وقالت بنبرة حاولت أن تبقى قوية :
_ ابية محمود ده أخويا الكبير مفيش أي حاجة من الكلام ده، لو حاسة إن وجودي هنا هيشكك في جوزك أنا همشي..
_ يا ريت مشيك من هنا هيحل المشكلة، انزلي أنا محتاجة أرتاح شوية..
_____ شيما سعيد ______
بعد ساعة بقسم الشرطة..
عاد محمود ودلف للمكتب الموجود به علي،، وجده نائما على الأريكة بكل هدوء، جز محمود على أسنانه بغيظ من الآخر، اقترب منه وضرب على ساقه بقدمه قائلا :
_ اصحى يا بغل بدل ما أطلع بروحك في ايدي..
فتح علي عينيه بضجر وبعض الألم من شدة الضربة، نظر لمحمود بطرف عينه ثم مرر يديه على عينيه ليفيق مردفا :
_ في إيه هو في حد يصحي حد كدة يا جدع إنت..
أزاحه ليجلس بجواره مردفا :
_ في دي عندك حق اللي زيك لازم يصحى بالجزمة..
علي :
_ تشكر يا ابن الأصول، قولي عملت إيه؟!..
سند ظهره على المقعد ليأخذ بعض الراحة ثم قال :
_ اتنازل عن المحضر بعد ما أخد 100 ألف جنيه، البنت الغلبانة هتطلع دلوقتي هاخدها لحد بيتها يا علي وإياك تقرب منها..
قطع حديثه نغمة هاتفه، فتح الخط سريعاً مع رؤيته لاسمها مزين للشاشة مصاحب بأحد صورها، قبل أن ينطق بحرف سمع صوتها المرتجف :
_ محمود تعالى في الشقة بتاعتنا دلوقتي حالا..
أغلق الخط وقام سريعاً فسأله علي بقلق :
_ ايه اللي غيرك كدة في إيه؟!..
_ مفيش حاجة بس أنا لازم أمشي دلوقتي، علي خلي البنت تروح بيتها وخليك بعيد عنها..
ذهب بخطوات سريعة فتح باب المكتب ورحل، بنفس اللحظة رأت أروى طيفه أمامها، توقفت محلها قائلة بخوف :
_ محمود وهو ده محمود بجد والا أنا بتخيل؟!..
_ يلا يا بت امشي خلي أم اليوم ده يخلص بقى..
فاقت على صوت العسكري لتمشي معه بصمت للمكتب، أول شيء وقعت عيناها عليه إبتسامة الآخر السعيدة، اقتربت منه بقوة وحاولت رفع يدها عليه قائلة :
_ مشفتش في حياتي واحد واطي زيك..
وضع ساقا على الآخر ثم أشار إليها بهدوء مردفا :
_ تعالي ارتاحي أكيد اتعلم عليكي جوا أصلي بصراحة كنت موصي عليكي جامد..
كتمت غيظها من نبرته المستفزة ثم جلست على المقعد المقابل إليه واضعة ساقا على الآخر بنفس طريقته، قبل أن تأخذ راحتها بإسناد ظهرها قائلة ببرود :
_ اه تقصد جوز البقر اللي حاولوا يمدوا ايدهم عليا جوا؟!.. عموما هما دلوقتي في الأوضة اللي جنب الظابط لو حابب تلقي نظرة عليهم..
أتسعت عيناه بعدم تصديق مردفا :
_ إنتِ ضربتي دول إزاي؟!..
_ زي الناس ما أنا ست قادرة ومفترية وأيدي ولساني أطول من بعض، حاول تقرب مني وإنت تجرب..
ضحك ضحكة مستمتعة بالحديث معها رغم كل ما قالته، حك ذقنه وعينيه تتجول على جسدها أسفل العباية مردفا :
_ تستحقي أخوض عشانك التجربة، هديكي فوق اللي أخده جوزك ونتفاهم بالود..
رأت بعينه الإصرار عليها، زوجها اللعين أدخلها بمعركة كبيرة تركها تواجه بمفردها، يبدو أن الفرار الآن أصبح مستحيلا ولابد من الدخول بالمعركة وتقبل الفوز والخسارة، تحركت بالمقعد لتقترب منه وجذبته من مقدمة ملابسه لينزل لمستوى طولها هامسة :
_ عايزني جامد إنت يا باشا مش كدة؟!..
أومأ إليها مثل المسحور من تأثير قربه منها لتكمل هي بعدها عادت الي محلها بعيداً عنه :
_ يبقى تنفذ شروطي وتأخدني بالرضا..
شروط!!.. من تلك التي تجرأت ووضعت شروط لعلي الحسيني؟!.. فاق من حلاوة اللحظة وعاد إلى جبروته مردفا :
_ لسة متخلقش اللي يحط ليا شروط، فوقي بدل ما أرجعك التخشيبة تاني..
أطلقت ضحكة رنانة قبل أن تقول :
_ لأ اتخلق وقاعد قدامك كمان تحب تسمع والا نمشيها بالبقاء للأقوى؟!..
_ رغم إني الأقوى بس هسمعك..
_ سيد تاخد منه الفلوس اللي دفعتها وتطرده من الشركة وتخلي أي شركة تانية ترفض تشغله، عايزة صاحب الشقة اللي كنت ساكنة معاه فيها يطرده، من الآخر ينام في الشارع ويأكل اللقمة من الزبالة..
_ اممم وبعدين؟!…
_ خلينا ماشيين خطوة خطوة، نفذ ده الأول وبعدين نشوف بعدين..
______ شيما سعيد ______
بمنزل محمود وسارة..
دلف لغرفة نومه صافعا الباب خلفه بقلق، رآها تجلس بالشرفة المطلة على الحديقة الصغيرة، مظهرها بمفرده لا يبشر بالخير، جسدها يرتجف، تفرك كفيها ببعض بقوة غريبة، اقترب منها بلهفة قائلا :
_ سارة في إيه ومالك مش على بعضك ليه؟!..
رفعت رأسها إليه ثم قالت بنبرة صوت متوترة مصحوبة بالكثير والكثير من الندم :
_ مراتك عرفت إننا متجوزين..
جملة صغيرة هزت كيانه، يستحيل أن يستوعب عقله تلك الحقيقة، عايدة كيف علمت بزواجه من سارة وكيف هي حالتها الآن؟!.. تغيرت معالم وجهه لتفوح منه النيران ثم سألها بنبرة صوت مريبة :
_ مين اللي عرفها إننا متجوزين؟!..
أنكمشت حول نفسها بخوف، شعرت ببوادر الخطر تدلف إلى أعماقها ليرتجف قلبها رعبا ولا تعلم لما، همست بتقطع تتمنى أن يأخذها بين أحضانه الآن ويجعلها تشعر ولو بقليل من الأمان :
_ الصبح كنت قاعدة في أوضتي والخادمة بتاعتها جات وطلبت مني أروح لها، روحت لها واتكلمت معاها عادي فقالت فجأة إني مراتك قولتها إيه الكلام ده قالتلي إنها شمت على هدومك ريحة معينة وطلبت تشوفني عشان تتأكد وتأكدت فعلاً لما شمت ريحتي، طردتني برة الأوضة بتاعتها قبل ما أقول أي حاجة..
تركها تتحدث مثلما تريد، أومأ إليها وعلى تعبيرات وجهه غضب أعمى، جذبها من فوق المقعد لتقف أمامه، نظر إليها نظرة كانت كفيلة تجعلها تفقد الوعي ثم قال من بين أسنانه :
_ اممم، بقى هي دي لعبتك، تعرفي عايدة وتحطيني قدام الأمر الواقع، طيب كنتي استني شوية على الأقل أتعلق بيكي وأبقى باقي عليكي، كنتي اعملي حاجة واحدة تخليني أقف قصاد مراتي عشانك..
حركت رأسها بنفي وقالت :
_ إنت بتقول إيه؟! أنا مستحيل أعمل حاجة زي دي، هقول لست مريضة جوزك اتجوز عليكي؟!..أنا مش زبالة للدرجة دي..
عض على شفتيه وأخرج هاتفه مردفا وهو يقوم بالاتصال على الخادمة :
_ هنشوف دلوقتي البنت طلبت إنك تروحي لعايدة والا لا، لأني قولتلها ممنوع دخولك لعايدة حتى لو عايدة طلبت ده..
فتحت الخادمة الخط وقالت ببكاء :
_ عايدة هانم تعبانة جداً يا محمود بيه، آنسة سارة دخلت لها غصب عني وقالت لها إن حضرتك متجوزها عليها..
كانت بحالة من الذهول وهي تسمع تلك الكلمات، للمرة المليون تتعرض للظلم، حركت رأسها عدة مرات برفض قائلة :
_ والله العظيم ده كذب صدقني أنا..
قطع حديثها قائلا بنبرة محتقرة :
_ إنتِ طالق…
يتبع…..
رواية عطر سارة الفصل السابع
جملة مكونة من كلمتين قدرت على تحطيم كبريائها، قالها بكل بساطة وبلا لحظة تفكير واحدة، يبدو ان محمود علام كان ينتظر تلك اللحظة حتى يتخلص منها، صدمتها كانت كبيرة، شعرت بشي يسقط من صدرها تعلم ما هو قلبها سقط مع كبريائها، حدقت به لتجده ينظر بعيدا، وضعت كفها فوق كفه مردفة بنبرة تائهة :
_ ازاي كدة، معقولة صدقت إني أقول لست مريضة خبر زي ده وأنا عارفة صحتها مش هتتحمل، ازاي بالبساطة دي رميت عليا اليمين هو للدرجة دي أنا رخيصة عندك؟!..
حديثها غير مرتب بالمرة، لا تشعر بما تقوله ولا حتى كيف تقوله، كل ما كانت تشعر به فقط تخلي الجميع عنها، فكرة انها دائماً أنها لو وضعت باختيار مع أي شخص يستحيل تكون الفائزة، صدمت أكثر من إجابته الهادئة وكأن الأمر لا يستحق منه حتى القليل من الحزن :
_ عارف إنك مقولتيش بس عايدة عرفت ودي حاجة مكنتش في اتفاقنا، عرفت منين أو ازاي مش مهم لكن المهم مشاعرها هي..
مشاعرها هي؟!.. عادها عقلها مئة مرة وكأنه يزيد من جلدها، تركت يده وأبتعد عنه خطوة للخلف ثم أشارت على نفسها مردفة :
_ ومشاعري أنا بالنسبة لك إيه؟!..
نظر إليها بتعجب مردفا :
_ مشاعر ايه اللي بنا يا سارة؟!.. أنا بالنسبة لك بنك فلوس تطمني لما يدفع أكتر وأنتِ عارفة أنتِ ايه بالنسبة ليا كويس بلاش ندخل المشاعر بنا لأنها مالهاش مكان، أنا مراتي عندي أهم من لعب العيال ده وانتِ معاكي البيت وهحط مبلغ كويس بإسمك في البنك اصرفي براحتك، اظن دول كتير أوي على الكام يوم اللي كنا فيهم سوا..
لم تسمع منه أكثر يكفي ما سمعته الي الآن، اعتادت على الإهانة ولكن تلك المرة كانت قاسية قاسية جدا وفوق قدرة قلبها الصغير على التحمل، حملت حقيبتها ورحلت بخطوات مهزومة تجر خلفها خيبة أملها للمرة المليون..
فاق من شروده باللحظات الماضية، مر على هذا اللقاء يومين، يومين وهو مازال يجلس ببيته معها داخل غرفة النوم، قامت عايدة بالاتصال عليه أكثر من مرة وهو لا يرد ربما يرفض الحديث معها وربما لا يجد ما يقوله..
دق هاتفه فزفز بضجر ورفعه أمام عينيه ليري من المتصل، وجدها والدته، حرك رأسه مردفا :
_ ازاي نسيت اطمنها عليا؟!..
فتح الخط ليسمع صوتها الذي يدل عن مدى قلقها :
_ أنت فين بقى لك يومين يا محمود، قلقتني عليك يا حبيبي..
أخذ نفس عميق ثم قال بتعب :
_ معلش يا أمي اضطريت أسافر في شغل مهم هرجع النهاردة بإذن الله..
_ ماشي يا حبيبي بس تعالي بسرعة يا محمود سارة عايزة تمشي من هنا وجدتك صحتها مش هتتحمل كدة أنت عارف انها اتعلقت بيها جدا الفترة اللي فاتت دي..
لماذا انتفض قلبه هكذا مع خبر رحيلها؟!.. لماذا شعر بانسحاب جزء من أعماق قلبه لا يعلم ما هو؟!. هب من فوق الفراش مردفا بهمجية :
_ إيه العبط ده يعني إيه تمشي هي كانت وكالة من غير بواب، اهدي يا أمي وطمني جدتي ساعتين وهكون عندكم والامن مش هيخرجها من الباب..
نظرت حنان لسارة التي كانت تحمل حقيبتها فأقتربت منها مردفة بعتاب :
_ كدة برضو يا سارة عايزة تسيبي البيت بعد ما اتعودنا عليكي، أنتِ مش عارفة مكانتك في قلبي وقلب تيتا دلوقتي..
إجابتها بتعب ظاهر على صوتها :
_ معلش يا طنط كدة أفضل أنا مش عارفة اتأقلم هنا هرجع بيتي أحسن..
قبل أن تتحدث حنان اتي إليها صوت محمود الغاضب عبر الهاتف :
_ أديها الموبايل يا أمي..
وضعت حنان الهاتف على اذنها مردفة :
_ خدي كلمي محمود يمكن تغيري رأيك..
حركت رأسها برفض وقبل أن تلقى الهاتف بعيداً عنها صرخ بها مردفا :
_ إياكي ترمي الموبايل من ايدك، زي الشاطرة كدة تاخدي شنطتك وترجعي أوضتك لحد ما أجيلك، وخدي بالك مفيش حد من الأمن هيخرجك..
_ أنا…
_ قولت ولا كلمة على أوضتك لحد ما أرجع، يلاااااا..
عضت على شفتيها بقهر من سيطرته عليها، سقطت دمعة حزينة من عينيها ثم أعطت الهاتف لحنان وذهبت لغرفتها كما أمرها، حدقت حنان في أثرها بتعجب ونظرت للهاتف وجدت محمود أغلق الخط فقالت :
_ هو في ايه بالظبط؟!..
____ شيما سعيد ____
بعد مرور ساعتين وعدة دقائق فتح محمود باب قصر علام، وجد جدته تجلس على مقعدها وبجوارها والدته تحاول التخفيف عنها، زفر بضيق قبل أن يمسح على خصلاته مقتربا منهما مردفا بنبرة حنونة :
_ ألفت هانم بتعيط ليه؟!.. إزاي تنزل دمعة من عينك وأنا عايش يا جدتي..
نظرت إليه بعتاب لم يفهمه ثم قالت :
_ سارة عايزة تمشي يا محمود دي الحاجة الوحيدة اللي بشم فيها ريحة أحمد إبني مش هقدر اسيبها تمشى بعد ما اتعودت على وجودها معايا في نفس المكان، قولها أي حاجة تخليها تقعد إن حاسة انك قريب منها وهي بتسمع كلامك..
أوما إليها بشرود، يبدو أن الجميع يلاحظ قربه منها الا هو، وضع قبلة حانة على جبين ألفت مردفا بابتسامة :
_ ماشي يا ستي اطمني هي مش هتمشي، المهم دلوقتي تأكلي وتأخدي علاجك ده لو مش عايزة نزعل من بعض..
حركت رأسها عدة مرات بقبول أي شيء طالما ستظل سارة معها، أشار الي والدته لتذهب خلفه بعيداً عن ألفت قليلاً فقالت بقلق :
_ عايز تقول ايه بعيد عن جدتك..
رفع عينيه حتى يرى باب غرفتها المغلق ثم قال :
_ خدي جدتي واطلعي الجنينة يا أمي لو انقلبت الدنيا جوا مش عايزها تحس بحاجة..
_ يعني إيه الكلام ده يا محمود..
قرص وجهها مردفا بابتسامة :
_ نفذي اللي بقولك عليه يا حنان وبعدين هنقعد سوا وأقولك كل حاجة..
فتحت فمها بتعجب لكنه سبقها وذهب بخطوات سريعة، وقف على باب غرفتها ولأول مرة يشعر بتوتر، لا يعلم كيف سيقف أمامها أو ماذا سيقول، تعجب من حاله منذ متى وهو يفكر هكذا منذ متى وهو يشعر بسيطرة أحد عليه؟!..
وضع يده على مقبض الباب ليسمع صوت خادمة زوجته تقول :
_ محمود بيه..
_ خير؟!..
_ مدام عايدة عرفت ان حضرتك موجود وطلبت تشوفك..
تنهد بضيق عايدة ستنهار بين يديه الآن هذا ما كان ينقصه، تحرك بخطوات ثابته حتى وصل لجناحه فتح الباب ليراها تجلس جلستها العادية، ابتسمت إليه بإشتياق مردفة :
_ هونت عليك يعدي يومين كاملين من غير ما أشوفك يا محمود..
جلس أمامها على الفراش ورفع كفه ليمسح به على خصلاتها مردفا :
_ حقك عليا بس كنت مشغول جامد اليومين دول، قوليلي بقى عيونك الحلوين دول لونهم أحمر ليه؟!..
أبتلعت ريقها بتوتر، يود فتح الموضوع معها وهي يستحيل أن تسمح بذلك، رسمت على معالم وجهها الحزن مردفة :
_ مفيش يا حبيبي أنت عارف إن من أول ما تعبت وأنا بعيدة عن الكل ورافضة اي حد يدخل يشوقني غيرك، لما بعدت عني اليومين دول حسيت إني ماليش حد وزعلت على نفسي اوي، طول الوقت كنت بقولك أتجوز وعيش حياتك مش هتفضل الباقي من عمرك من غير ست، بس لما بعدت عني أكتشفت إني مقدرش أعيش من غيرك، أنا أيامي في الدنيا مش كتير زي ما استنيت 15 سنة اللي فاتوا استنى شوية كمان ولما أموت أعمل اللي أنت عايزه..
حديثها مبطن، جذبها ليضمها إليه، قدرت بكلمات بسيطة بث الذنب بداخله، أغلقت يديها حول ظهره بقوة رغم تعبها مردفة :
_ طول عمري أنانية في حبك ودلوقتي بقولك إني وصلت لمرحلة التملك خليك جانبي على طول أنا أستحق إن تعيش على ذكرى السنتين اللي كنت فيهم مرات الباقي من عمرك صح؟!..
_ صح..
_ أنا جعانة أوي يا محمود..
_ حالا هيكون عندك الأكل وهأكلك بأيدي كمان وهو أنا عندي كام عايدة..
_____ شيما سعيد _____
بقصر علي الحسيني..
أمر الخادمة بطلبها ونصف ساعة من الانتظار أتت سيدة الحسن والجمال، دلفت إليه بطلة تخطف الأنفاس، يبدو أنها جميلة جداً وبأي شيء، حبست أنفاسه بعبائتها السمراء وها هي الآن تعيدها للمرة الثانية بفستان چينز خامق بحجاب أبيض أعطى لوجهها جاذبية اذبته، سحر بعقله يتخيلها بأوضاع يتمنى أن يراها بها ويعيشها معها، ضربت على المكتب بقوة مردفة من بين أسنانها :
_ بيقولوا إن حضرتك عايزني ناوي بقى تحلى عني وتخليني أروح والا هنفضل نفرهد في بعض كتير؟!..
أجابها بإبتسامة واسعة زادت من جرعة الاستفزاز بداخلها :
_ وده كلام هنفرهد بعض طبعا وأنا أموت في الفرهدة..
ألقت عليه نظرة لو كانت تقتل لكان انتهى بنفس اللحظة، وتحركت من مكانها توقفت بضيق مع وضع يده على الباب يمنعها تخطو خطوة إضافية، شعرت بانفاسه على رقبتها لتبتعد سريعاً حتى التصق جسدها بالباب همس بنبرة رجولية دافية :
_ يومين معايا تحت سقف واحد ومش عارف أشوف عيونك الحلوين بذمتك كدة ينفع؟!..
دارت بوجهها إليه ودفعت بقوة ليبتعد عنها، تصنع الألم مردفا :
_ يا بت خفي أيدك شوية أنا مش قدك أنتِ شكل صحتك جامدة..
بسخرية قالت :
_ شكلك بتحب قلة القيمة وبصراحة أنا من ساعة ما شوفتك وليا مزاج أقل منك..
تحولت نظراته بلحظة، للأمانة دلف القليل من الخوف بداخلها تحول برعب مع جذبه إليها من فكها، نظرت عينه كانت ملتهبة جعلتها تغلق عينيها هروبا منها فقال :
_ عجبتني في الأول لكن شوفت في عينك نظرة وقت ما سيد قدمك ليا بتقول إن شرسة، وعجبتني أكتر ما لفتي من أيدي وكمان حطيتي شروطك، لكن تفكري تطلعي ضوافرك أقطع لك أيدك مش بس أقص ضوافرك، فاهمة..
كلمته الأخيرة كانت بنبرة حادة جعلتها تخضع إليها مع شعورها بأنها ليس بمركز قوة، أومات له عدة مرات ومازالت تغلق عينيها ليقول بأمر :
_ أفتحي عينك وردي عليا وأنتِ باصة جوا عيني..
نفذت أمره ونظرت داخل عينه، نظرة جامدة منها قابلتها هي بأخرى بها بريق من التحدي حتى لو قل من رجفتها بين يديه ثم قالت :
_ مفهوم، ممكن أخرج بقي مش معقول تكون منادي عليا عشان تسمعني الكلمتين دول..
عاد ليجلس على مقعده ثم أشار إليها بالجلوس، بداخلها جزء كبير يطلب منها ضربه بالمقعد الذي أشار إليها بالجلوس عليه أو على الأقل صفعه عدة صفعات لعلها ترتاح ولو لقليل، ضرب على المكتب مردفا :
_ مش قولت أقعدي تبقى تترزعي..
_ الله ما طولك يا روح..
همست بتلك الجملة من بين أسنانها قبل أن تجلس مثلما قال مرغمة، رسمت على وجهها إبتسامة باردة مردفة :
_ خير حضرتك عايز ايه يا علي بيه؟!…
أخرج ثلاث ورقات من درج مكتبه واعطاها إليها بقوة قائلا :
_ خدي دي قسيمة طلاقك، والتانية جواب رفده من الشغل، أما التالتة بقى عدة الشقة اللي كنتوا عايشين فيها بالايجار هي حالياً باسمك وهو انطرد منها من بالليل، لسة عندك طلبات…
أخذت منه الأوراق وحدقت بهم بنظرة نصر، رغم كل ما فعلته حتى تبقى مع سيد الا إنها الآن يتغلغل بداخلها مشاعر عودة الحق، قدرت أخيراً على أخذ جزء ولو بسيط من حقها عنده، توقفت عينيها أمام قسيمة الطلاق وتذكرت جملة محمود الأخيرة قبل أن تترك منزله وتذهب مع الآخر :
_ الواد ده بيضحك عليكي عايز فلوسك مش أكتر يا غبية لو يلزمك تنسى خالص إن بنت علام..
سقطت دموعها وارتفعت شهقاتها وهي تتذكر ردها عليه :
_ وأنا من أمتي كنت بنت علام، بالعكس أنا طول عمري منبوذة أبويا رافض يشوقني وأنت يا دوب بتيجي هنا كل شهر ترمي ليا قرشين كأني شحاتة مش أختك، سيد بس اللي حبني وحسسني اني بني ادمة..
اااه والف آه حتى سيد كان مجرد خدعة كبيرة أسقطت نفسها بداخلها لتشعر ولو بقليل من الحب، انتفض جسدها على أثر صوت علي الغاضب :
_ أنتِ بتعيطي على إيه أنتِ لسة عايزة كلب زي ده باعك بالرخيص..
رفعت عينيها الغارقة بالدموع وقالت :
_ بعيط على نفسي، وبعدين إيه الفرق بينك وبينه واحد باع مراته وانت يا دوب اشتريت، حطيت عينك على حاجة أنت عارف كويس انها مش بتاعك، يمكن هو اتربي في بيئة خلته يجري ورا الفلوس ساعات الفقر بيعمل أسوأ من كدة لكن أنت يا باشا عزرك إيه، معاك كل حاجة تقدر تقولي بصيت على الحاجة الوحيدة اللي معاه ليه.
قامت من محلها بجسد يعلن بكل صراحة انه فقد قدرته على التحكم وسيسقط بين لحظة والثانية، تحملت على نفسها مقررة الفرار تركته يصارع أفكاره وذهبت هي لسجنها لتصرخ بداخله دون أن يسمعها أحد..
أغلقت باب الغرفة عليها والقت بجسدها على الأرض صارخة :
_ يا رب أرحمني يا رب مش قادرة أكمل والله العظيم ما انا قادرة أكمل، حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا سيد ربنا يكسر قلبك زي ما كسرت كل حاجة فيا..
____ شيما سعيد _____
أطمئن انها نامت بعمق وراحة فأخذ نفس عميق وخرج من الغرفة، فتح باب الغرفة سارة بلهفة لا يعلم لما ولكنه يود رؤيتها، وها هو يقف أمام فراشها، تابعها بصمت وهي تحدق بهاتفها بتركيز شديد، مرت دقيقة كاملة عليه وهو فقط يتأملها، صغيرة نعم خبيثة ولكنها صغيرة، تحدث بهدوء :
_ مش ناوية ترفعي عينك وتبصي لي؟!..
ظلت على وضعها اجابته بهدوء :
_ مش عايزة أشوف في عينك حضرتك شايفني ازاي يا أبية..
أقتربت منها بخطوة سريعة وجذب الهاتف من بين يديها ثم ألقى به على الفراش وجعلها تقف أمامه، مردفا بجدية :
_ ارفعي عينك يا سارة..
حركت رأسها برفض شديد ليرفع وجهها إليه بأحد أصابعه قائلا :
_ لو بتعرفي تقري العيون كويس بصي لي وقوليلي شايفك ازاي..
تائهة، هي بالفعل تائهة وهو بارع ذو خبرة عالية تجعلته يقدر على اللعبة بها جيدا، تنهدت بتعب ثم قالت :
_ مش هيفرق في حاجة يا أبية كتر خيرك أنت ادتني قمتي كويس يا ريت بس تكمل جميلك معايا وتشوف ليا شغل في اي مكان بس مش عند حضرتك..
يبدو أن الصغيرة تريد التحرر والهروب بشكل كامل، مسح على وجهها بثبات حاول الحفاظ عليه ثم قال بنبرة لا تقبل النقاش :
_ مفيش كلام من ده، أنتِ هتفضلي هنا في البيت ده مع جدتك تكملي دراستك وكل طلباتك عندي..
رفعت رأسها بكبرياء مكسور تجبر عينيها على الصمود لعل دموعها تظل مكانها لو سقطت أمامه ستنتهي، كتمت أنفاسها عدة لحظات ثم قالت :
_ أنت اتجوزتني عشان حاجة في دماغك وأخدها وأنا اتجوزتك عشان حاجة في دماغي وأخدها وجودي هنا مالوش لأزمة..
أستفزته لأقصى درجة فقال بغضب :
_ وأنتِ بتسمي اليوم اللي أتجوزتك فيهم دول يعوضوا راجل محروم 15 سنة؟!..
_ وأنا مالي أنا رضيت وعشت أنت اللي طلقتني كفاية قلة قيمة بقى..
صمت الأثنين بذهول مع هذا الصوت الذي تحدث بصدمة :
_ جواز إيه وطلاق إيه أنت أتجوزت سارة بجد؟!..
يتبع…..
رواية عطر سارة الفصل الثامن
مر شهر..
تركت به سارة قصر علام وذهبت للعيش بمنزلها، عادت بعد يوم شاق من المكتبة التي أصبحت تعمل بها، أغلقت الباب عليها بالمفتاح أكثر من مره ثم أزالت حبات العرق من فوق جبينها والقت بجسدها على اقرب مقعد مردفه بانهاك:
_ آه ياني كل حته في جسمي بتوجعني طلع أكل العيش مر فعلا وانا مش واخده بالي، بس أنتِ قويه يا سرسوره وهتقدري تكملي كفايه اللي وصلتي له لحد هنا..
انتفضت بالقليل من الخوف على رنين جرس المنزل نظرت للساعه وجدتها العاشره مساء فوضعت كفها محل قلبها المرتفع دقاته هامسة:
_ إيه ده معقوله يكون حرامي بس الحرامي هيخبط ليه؟!.. مهو كمان محدش يعرف مكاني عشان يجي يزورني ..
قامت بخطوات مرتجفه حتى وصلت للباب، وضعت عينيها امام العدسه لتجده معتز، رفعت حاجبها بتعجب، من أين علم في عنوانها وماذا اتى به لهنا؟!.. أخذت نفس عميق بعدما شعرت بالامان وفتحت اليه ليبتسم اليها ابتسامه واسعه مردفا بنبره مشتاقة:
_ بقى كده يا ساره أفضل شهر كامل أدور عليكي إزاي تعملي فيا حاجه زي دي وتسيبي البيت وتمشي على الاقل كنتي قولي مكانك عشان ابقى اطمن عليكي..
ابتسمت بسعادة وهي تري أمامها الشخص الوحيد الذي سأل عليها بعد جدتها منذ رحيلها من قصر علام أفسحت إليه المجال ثم اشارت لغرفه الصالون مردفة:
_ تعالى يا معتز ادخل انا بجد مبسوطه انك سألت عليا بس انت عرفت مكاني منين؟!..
دلف للداخل ثم قال بحماس:
_ من تيتا، ها بقي قوليلي مشيتي ليه إحنا كلنا بنحبك مين زعلك ؟!..
حركت رأسها بهدوء قائلة:
_ ما حدش زعلني يا معتز بس كده هيبقى احسن كتير انا معرفتش اتاقلم مع الاجواء هناك..
وضع يده على كفها مردفا بابتسامة حنونة:
_ انا عارف ان بابا صعب وبيتحكم في النفس اللي احنا بنتنفسه بس هو بيعمل كده عشان خايف علينا وأنتِ خلاص بقيتي واحده مننا فلو عمل كده معاكي يبقى خايف عليكي، لمي هدومك ويلا نمشي يا ساره انا مش مطمن عليكي وانتِ قاعده لوحدك هنا وبعدين كمان تيته صحتها بقت في النازل من يوم ما مشيتي يرضيكي يعني اللي بيحصل ده..
لم تقدر على التحمل أكثر، سقطت دموعها من بين عينيها، بكت مع شعورها بأنها كانت تحتاج فقط أخ تحتمي به، ربما هي من بدأت اللعبة ولكن لم تتخيل أن تكون النهايه بهذا الشكل المؤلم القاسي.
شهر كامل ولم يكلف نفسه عناء السؤال عليها، يبدو أنها كانت ولا شيء تحت سيطرة محمود علام، بين وجعها وبكائها لم تشعر بمعتز الذي قام من محله وجذب جسدها بين أحضانه هامسا:
_ بس كفايه دموع أنتِ دموعك غاليه لو تقوليلي بس في ايه يمكن اقدر اساعدك؟!..
_ وجنابك بقى هتساعدها إزاي وأنت هربان من مدرستك..
انتفضت من محلها برعب على صوته الذي كان مثل الرعد أبتعد عنها معتز ونظر لوالده بتوتر مردفا:
_ انا ما كنتش هربان ولا حاجه يا بابا اخدت اليوم اجازه عشان اطمن على ساره هي مش من العيله برضو والمفروض نعرف هي عايشه ازاي..
نظر للصغيره وهو يقرأ ما بعينيه منذ اتى معتز على الدنيا ومحمود يعلمه من نظره عين، لذلك ضرب الفازة المجاوره اليه بقوه ثم اشار له بامر قائلا:
_ امشي من هنا دلوقتي وليا انا وانت قاعده طويله عشان لو اللي شايفه في عينك ده حقيقي مش هيبقى خير..
والاخر أيضاً يفهم أبيه لذلك انسحب من المكان دون ان يضيف كلمه أخرى، أغلق محمود الباب خلفه بقوه اهتزت على آثارها هي بخوف ورفعت قدميها لتضم جسدها على المقعد الصغير لعلها تشعر ببعض الحمايه ثم قالت بتقطع:
_ انت ايه اللي جابك هنا، وبعدين مالك بتبص لي كده ليه كاني عامله جريمه لو سمحت.. في إيه أنت بتقرب كدة لية ؟!..
بداخله نيران مشتعله لو اطلقها عليها لخرجت روحها بنفس اللحظه، مشاعر ولده واضحه وهذا ما يزيد الامر جنونا بداخله، ربما تكون مراهقه ومع الوقت ستنتهي ولكن ليست مع سارة، سحبها من كفها لتقف امامه وبيده الاخرى ضم ذقنها اليه مرضفا بنبره ناريه:
_ أنتِ عايزة توصلي لايه بالظبط ليه مصممه تطلعي اسوء ما فيا وانا مش عايز اعمل كده مش عايز اؤذيكي ولا اوجعك..
رسمت بتلقائيه ابتسامه ساخره على ملامح وجهها المختنق وقالت من بين شفتيها المرتجفه:
_ كل ده ومش عايز تاذيني امال انت كنت بتعمل ايه طول الفتره اللي فاتت ما انت اذيتني والموضوع خلاص خلاص..
حدق بها بتعجب مشيراً على صدره ثم سألها:
_ انا باذيكي؟!.. عملت لك ايه انتِ اللي من اول ما دخلتي حياتي وقلبتيها كانت لعبتك من البدايه انك تخربي بيتي انا كل اللي عملته اني ما سمحتلكيش تعملي كده..
صرخت بوجع فقلبها لم يعد يتحمل كم هذا الضغط العائشة بداخله :
_ ما كنتش عايزه اخرب بيتك انا عرفت من الكل ان مراتك تعبانه وانها مش… مش بتديك حقوقك، حسيت للحظه ان انا ممكن اكمل اللي ناقص عندها واعيش وسطيكم وانا حاسه بالامان مش باخد حسنه منك كل اول شهر لجوز اختي اللي بيسرقها مني، انا عشت سنين طول عمري بسمعها صريحه إني عايشه عندهم ضيفه تقيله ولولا فلوسك كانوا رموني بره، لما جيت عندكم البيت سألت نفسي أمتا هيزهقوا هما كمان ويبقوا عايزين يرموني بره، ما كانش قدامي حلول غير اني اخد حته صغيره من راجل كل حاجه بالنسبه له مراته، كانت الحته الصغيره دي هتكفيني كنت موافقه اعيش على الهامش مقابل عيشتي معاكم في أمان، اضمن ان يكون عندي بيت وحياه ما احسش للحظه إن ممكن اترمي في الشارع لما اللي قدامي ما يبقاش حبيب وجودي… وانت بصراحه كتر خيرك عملت كده بسرعه قوي يومين بس وزهقت ولو ما كنتش كتبت لي الشقه دي بطلب مني يوم الصباحيه كان حالي دلوقتي في الشارع انا مش وحشه انتوا اللي كلكم وحشين وانت كمان انسان وحش واستغلتني لمصلحتك وخد بالك انت ما خسرتش حاجه انا بس اللي طلعت خسرانه..
صدم من كم القهر الظاهر على ملامحها، تألم من وجعها الواضح بعينيها الباكيه وجسدها المرتجف، لا يعلم لما بداخله رغبه شديده بضمها إليه، هو ليس سيء لتلك الدرجة، شديد يعلم وقاسي ببعض الاحيان ولكنه لم يكون ظالم بحياته ابدا سألها بنبره تائهه:
_ أنتِ شايفه ان انا استغليتك؟!..
اطلقت ضحكه مذهوله ودموعها تمطر على وجهها ثم ضربته بصدره عده مرات صارخه بغل:
_ ايوه استغلتني انا جيت لحد عندك وقولت لك ان كل اللي يهمني الفلوس لو كنت راجل كويس وبتحب مراتك زي ما بتقول كنت هتامن مستقبل بنت عمك وتحسسها بالامان من غير ما تاخد منها حاجة لكن انت اللعبه عجبتك واستغليت ده كاني واحده من الشارع وانا كنت راضيه عشان بس اعيش لكن حتى العيشه استخسرتها فيا، أنت مش ملاك ولا انا ملاك بس ارجوك ارحمني واطلع بره حياتي بقى، انا سبت لكم البيت وسبت لكم كل حاجه ومشيت ارحمني مش طالبة أكتر من كدة..
هل هو مثلما وصفته ام انها ترى الموضوع فقط من وجهه نظرها؟!.. لاول مره بحياته يقف امام أحد ولا يستطيع الدفاع عن نفسه، ربما لانها وضعته امام الحقيقه او لأن ما بداخله يصعب عليها فهمه، ظل صامت لعده لحظات ينظر لها فقط يرى انهيارها ولا يعلم ما بيده..
جذبها من جديد وأغلق ذراعيه حولها لتزيد في البكاء مردفة:
_ أبعد عني أنا مش عايزاك تقرب مني، كفاية بجد مش قادرة أتحمل وجع وقهر وقلة قيمة لحد كدة، أنت مش أول واحد توجعني بس أنت الوحيد فيهم إللي قدرت تكسرني وتطلعني خسرانة، أنا بكرهك يا محمود بكرهك..
حرك رأسه برفض لتلك الكلمة، لن يتقبل منها الكره كل ما يريده منها تعويض عن كل ما ضحي به بسنوات عمره الماضية، رفع كفه ليضعها على رأسها بصدره أكثر لو بيده لجعلها بين عظمه وجلده، قرب شفتيه من أذنها هامسا بتملك واضح:
_ ماينفعش أنتِ بذات مش هقبل منك الكلمة دي، لو كنتي مظلومة في سنينك إللي فاتت فأنا كمان كنت ميت، بعد ما لقيتك رجعت فيا روحي وشبابي، مش مسموح لك بعد كل ده تهربي لأني مش هقبل مفيش بأيدك حاجة غير أنك تعوضيني فاهمة تعوضيني وبس..
ابتعدت عنه وعينيها متعلقة بعينيه، وجدت بهما اصرار غريب على ما قاله، أبتلعت لعوبها بخوف هامسة:
_ يعني إيه ؟!..
_ يعني أنا رديتك لعصمتي يا سارة..
يتبع…..
رواية عطر سارة الفصل التاسع
الفصل التاسع من الرواية لا يزال قيد الكتابة، لو عايز يجيلك أشعار أول لما الفصل يتنشر سيب تعليق على الصفحة دي.