رواية عائلة الشناوي الفصل الثالث 3 بقلم مصطفى محسن
رواية عائلة الشناوي الفصل الثالث 3 بقلم مصطفى محسن
البارت الثالث
من بعد الليلة دي… البيت بقى غريب.
الهوا بقى تقيل، والهدوء مش طبيعي. أمي بقيت تقول إنها سامعة تلاوة قرآن مقلوبة… كأن حد بيقرأ الآيات بالعكس.
في يوم الجمعة… بعد الصلاة، رجعت بدري من الشغل.
وأنا داخل الشارع لقيت عيال صغيرة بتعيط، وواحدة ست من الجيران بتقول:
ـ “ابعدوا عن بيت الشناوي… البيت فيه حاجة مش كويسة.”
الناس بقوا يخافوا يعدّوا من جنب البيت.
وأول ما دخلت، لقيت ريحة بخور غريبة ماليّة الصالة… ريحة تقيلة وتخنق.
سألت أمي:
ـ “إنتي ولّعتي بخور؟”
قالتلي بخوف:
ـ “لا يا ابني… البخور ده بيظهر لوحده كل يوم.”
بدأت أدور على مصدر الريحة… لحد ما لقيت تحت السلم طبق فخار صغير، جواه رماد أسود وقطع ناشفة كبيرة.
الطبق ماكانش بتاعنا… حد حاطه جوه البيت من غير ما نحس!
في نفس الليلة… وأنا نايم، صحيت على صوت خبط شديد على الباب.
جريت، فتحت… ما لقيتش حد.
لكن لقيت قدام البيت، على الأرض، مرسوم دايرة كبيرة بالطباشير، وجواها عظام طيور متكسّرة.
في اللحظة دي، سمعت صوت من بعيد… ضحكة عمي حمدان.
كنت متأكد إنه شايفني من بعيد وهو بيتفرج، ومعاه عمتي سماح.
رجعت جوه البيت، وأنا مش عارف أعمل إيه.
أمي بصّتلي وقالت:
ـ “مش هيسيبونا في حالنا.”
وقبل ما أرد… سمعت صوت همس واضح بيقول:
ـ “سيب البيت… وإلا مش هنسيبك حي.”
تاني يوم… المدير سألني على العقود بتاعت الشركة الجديدة، وأنا دورت عليها ومالقتهاش.
ندهني وقال:
ـ “فين العقود اللي طلبتها؟”
قلتله:
ـ “والله العقود كانت عندي في المكتب… معرفش اختفت فين.”
المدير بصلي وقال:
ـ “يا عادل… إنت إنسان مهمل. إزاي تضيع عقود مهمة كده؟!”
رجعت البيت وأنا متوتر… لكن المرعب بجد إن اليوم اللي بعده لقيت نفس الملفات اللي اختفت من الشركة، محطوطة على طرابيزة الصالة في بيتنا!
متشالين بنفس ترتيبهم، وعليهم خيط أحمر مربوط على شكل عقدة.
أمي أول ما شافِت الملفات، قالت:
ـ “إزاي وصلوا لحد هنا؟”
قلت لها:
ـ “فيه حاجات غريبة بتحصل يا أمي… وبقت بتأذيني في شغلي كمان.”
في نفس الأسبوع… وأنا راجع بالليل من الشغل، الطريق للبيت بيعدي من جنب أرض زراعية.
شُفت في الضلمة عمي حمدان وعمتي سماح قاعدين مع راجل غريب… لابس جلابية سودا، ووشه متغطي.
سماح لمحتني من بعيد… وضحكت ضحكة باردة جمدتني في مكاني.
الراجل اللي معاهم رفع راسه وبص ناحيتي… عيونه كلها كانت سودا، من غير بياض.
جريت على البيت وأنا مش فاكر نفسي.
—
تاني يوم في الشغل… لقيت اللي أصعب.
عمي حمدان جالي المكتب ومعاه عمتي سماح.
استغربت:
ـ “إيه اللي جابهم هنا؟”
ابتسم ابتسامة مرعبة وقاللي:
ـ “يا عادل… البيت تقيل عليكم. إزاي تعيش إنت وأمك لوحدكم في بيت كبير زي ده؟”
سماح كملت كلامه:
ـ “بيع البيت يا ابني… وإحنا نساعدك تلاقي شقة في أي مكان ترتاح فيها مع أمك.”
اتوترت وقلت لهم:
ـ “البيت ده مش للبيع… ده بيت أبويا وجدي. ومش هسيبه أبداً.”
سماح بصّتلي بنظرة كلها تهديد وقالت بهدوء:
ـ “اللي ما يسمعش الكلام… بيشوف اللي ما يتشافش.”
وخرجوا من المكتب وسابوني مرعوب.
بعد ما مشوا… لقيت على الكرسي اللي كانوا قاعدين عليه نفس العلامة اللي شفتها في حلمي: شجرة فرعها مكسور، محفورة بخط غريب.
—
الساعة قربت 10 بالليل… وأنا قاعد في الصالة براجع ورق من الشغل.
فجأة… الباب خبط خبطة خفيفة.
قمت افتح… لقيت ست واقفة، شكلها غريب. لابسة عباية سودا قديمة، ووشها باين عليه التعب، وعينيها حمرا.
قالت بصوت واطي:
ـ “أنا محتاجة مساعدة… ممكن أقعد مع أمك شوية؟”
اتفاجئت، قبل ما أرد… لقيت أمي طالعة بسرعة من المطبخ، وقالت:
ـ “اتفضلي يا بنتي… تعالي اقعدي معايا.”
الست دخلت وقعدت مع أمي في الأوضة.
سمعتهم بيتهامسوا بكلام واطي… ما فهمتش منه حاجة.
بعد ساعة تقريبًا… الست خرجت ماشية بخطوات بطيئة، كأنها مش بتمشي على الأرض.
أنا اتجمدت من منظرها.
سألت أمي بسرعة:
ـ “مين دي يا أمي؟”
أمي ردت وهي بتتنهد:
ـ “دي واحدة محتاجة مساعدة… وديتها اللي فيه النصيب.”
الكلام خلاني أشك… بس ما حاولتش أجادلها.
—
قعدت جنبها وبدأت أحكي:
ـ “يا أمي… عمي حمدان وعمتي سماح جولي الشغل النهاردة، وقعدوا يقولولي أبيع البيت. وأنا قولتلهم لا… البيت ده مش للبيع.”
وأنا بتكلم، عيني وقعت على أمي…
اتصدمت!
عيونها كلها بقت سودا… من غير بياض!
سودة كأنها حفرة.
فجأة قامت عليا بسرعة، بقوة مش طبيعية، وخنقتني من رقبتي.
كنت مش قادر أتنفس، مسكت إيدها عشان أبعدها.
وقلت بكل قوتي:
ـ “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم!”
وبدأت أقرأ قرآن بصوت عالي:
آية الكرسي… قل أعوذ برب الفلق… قل أعوذ برب الناس…
كل ما أقرأ، جسم أمي يهتز، وصوتها يتحول لصوت غريب، مش صوتها هي.
لحد ما عينيها اتقلبت… واترمت على الأرض وهي بتتنفس بسرعة.
سيبتها مرمية، وأنا مش مصدق.
خدت نفسي بالعافية… وروحت جاري على شيخ الجامع، الشيخ إبراهيم.
دخلت عليه البيت وأنا جسمي بيرتعش.
حكيتله كل حاجة: عن الورق… عن الدجال… عن سماح وحمدان… عن اللي حصل مع أمي.
الشيخ إبراهيم اتنهد وقال:
ـ “أنا لازم أشوف بعيني.”
ورجع معايا البيت.
أول ما دخل الصالة… وقف مكانه فجأة، اتسمر.
وشه اتغير، وعينيه اتسعت بخوف.
قال بصوت مرتعش:
ـ “أعوذ بالله… إيه ده؟! أنا شايف…”
وسكت… كأنه مش قادر يكمل من هول اللي شافه.
لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية عائلة الشناوي)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)