رواية ظلام الصعيد الفصل الخامس 5 بقلم نور الشامي - The Last Line
روايات

رواية ظلام الصعيد الفصل الخامس 5 بقلم نور الشامي

رواية ظلام الصعيد الفصل الخامس 5 بقلم نور الشامي

 

 

البارت الخامس

 

الفصل السادس
ظلام الصعيد
ساد الصمت الممر لبرهة والعيون معلقة بجسد جبل المستلقي والقلق ينهش القلوب. وقف الجميع متوترين، حتى قطع أسد الصمت بصوتٍ حاول أن يبدو مطمئنا:
حادثه بسيطه… متخافوش… هو بخير اهه إن شاء الله
وفي تلك اللحظة تحرك جفن جبل ببطء، ثم فتح عينيه المطفأتين، فارتفعت همسات القلق إلى دعاءٍ صامت. واقتربت منه عمته جهاد وبجانبها صفية، وهما ترتعشان خوفا، ومدت صفية يدها تلامس كفه بحذر وهي تقول:
إنت كويس يا جبل؟ طمني يا ابني
ابتسم ابتسامة واهنة وقال بصوت خافت:
متخافوش.. أنا كويس الحمد لله
وفجأة اندفعت سلمى من الغرفة المجاورة تركض نحوه، والهلع باد في ملامحها، ثم انحنت بجانبه، ووضعت كفها المرتعش على وجهه، كأنها تتأكد أنه حي. فـارتجف قلب غفران لرؤيتها، وشعرت بحرارة الغيرة تلسع صدرها لكن أسد تدخل سريعا وهو يرفع يده بحزم:
كفايه… هو محتاج يرتاح دلوجتي. يلا كلنا نسيبه ينام
ترددت سلمى ثم همست برجاء:
انا هفضل معاه، مش هعمل صوت.. بس مجدرش اسيبه لوحده اكده
رفع أسد حاجبيه وقال بنبرة حادة:
مرته موجوده. يلا يا سلمى
شهقت سلمى بخيبة، وانسحبت بخطوات ثقيلة، فيما خرج الجميع خلفها، وبقيت غفران وحدها معه واقتربت بحذر وجلست إلى جواره، وعيناها تتأمله بقلق وهمست بصوتٍ مبحوح:
اي ال حوصلك…. انت كويس دلوجتي؟
أدار رأسه نحوها فجأة، وصوته خرج جافا صارما:
إنتي… إنتي ال حاولتي تجتليني صوح
شهقت غفران، وارتجفت كلماتها وهي تهتف:
اجتلك إي هو انت حد حاول يجتلك
أومأ برأسه، وقال بنبرة جازمة:
ايوه حد حاول يجتلني بس معرفش
اغرورقت عيناها بالدموع، ورفعت يدها تحلف قائلة:
والله ما أنا… مستحيل أفكر أعمل اكده فيك
حاول أن ينهض عن السرير رغم تعبه، فانحنت بسرعة تمسك بذراعه تسنده، وقالت له بصوت قلق:
استنى… إنت لسه تعبان
زفر بحدة، ثم قال وهو يبتلع أنفاسه المتقطعة:
أنا مسافر بره… عندي شغل مهم
نظرت إليه بصدمة وهمست:
ازاي يعني لوحدك؟! إنت مش شايف حالتك
أطلق ضحكة مريرة وقال:
حالتي؟ إن أنا أعمى ومش بشوف يعني ؟ متخافيش أسد هيكون معايا… وفي الفتره دي، اقنعي صاحبتك ترجع لجوزها وتبطل الدلع ال هي فيه اسد بيحبها
رفعت غفران رأسها بإصرار وهمست بحرقة:
هي مش مدلعة… هي خايفه عليه
قطب جبينه وقال بصوتٍ قاطع:
ال بيحب حد… مبيسيبهوش مهما حوصل
ثم دفع يدها عنه ببطء، وهو يردد ببرود:
ابعدي… أنا بجيت كويس. مش محتاج مساعده
تقدمت خطوة نحوه، وصوتها يخرج بلهفة لم تستطع إخفاءها:
مستحيل أسيبك… إنت لسه تعبان
ثم ارتبكت فجأة، وخفضت صوتها محاولة إصلاح كلماتها:
جصدي يعني… علشان لو احتاجت حاجه بس
وبعد فتره وقفت سلمى مقابل صفية بعينين مليئتين بالتحسر والغضب، وصوتها يخرج مقطعا:
إزاي جمال مش ابنك؟!
ارتعشت صفية، وارتسم على وجهها صدمة عميقة، فتعثرت كلماتها:
مين جال اكده؟! مين يجرؤ يجول الكلام دا؟
صرخت سلمى بصوتٍ يكاد يكسر الهدوء:
واحدة… واحدة عايزة تنتجم منكم كلكم هي ال جالتلي الكلام كله… وهي ال عاوزه تفضحكم
وفي تلك اللحظة دخلت جهاد مسرعة، وبدون تردد ضربت سلمى بقوةٍ جعلتها تتأوه وتحرك يدها عن وجهها، وقالت بغضب:
إنتي بتجولي إي ؟! اخرسي وبلاش تفتحي الموضوع دا. اسمعي الكلام واطلعي بره فورا والله هسفرك من غير تفكير ومش هتيجي اهنيه تاني. ولو شوفتي الست دي تاني والله هاخدك واسفرك علطول من غير نقاش
انسدحت سلمى على الباب تبكي، وصوت بكائها يقطع الصمت وهي تخرج متلعثمة بين الدموع. بعد خروجها، جلست صفية على الكرسي، ووجهها محمل بالخوف والحيرة، والدموع تتسلل من عينيها بينما تقول بهمس مرتعش:
هنعمل إي لو الحقيقه اتكشفت؟ كل حاجه هتضيع… كل ال تعبنا فيه هيروح
رفعت جهاد رأسها بنظرة حازمة، وصوتها صار باردا كالسيف:
مفيش حقيقه هتتكشف. هي فاكرة إن جمال ابنها ومش عارفة إن جبل هو ال ابنها. سيبيها على اكده أحسن محدش لازم يعرف حاجه، لا جبل ولا أي مخلوق في الدنيا. أما الست دي… أنا هتصرف معاها.
توقفت لحظة وكأنها تذكرت شيئا مظلما في صدرها، ثم أكملت بصوتٍ تئن منه العزيمة:
لازم اجتلها… بس لازم أعرف مكانها الأول علشان انا متاكده انها مستحيل تظهر جدامنا
انتهت كلماتها كما لو أنها لا تدرك ثقل ما نطقت به، ولم تشعر بوجود أحدٍ آخر. اما خارج الغرفة فوقفت غفران متمسكة بمقعد الممر، قدميها مكبوتتان وقلبها يطرق صدرها بعنف. كانت قد خرجت لتبتعد عن الضجيج لكنها لم تستطع، فبقيت هناك تسمع كل كلمةٍ تلقى داخل المنزل كلمات مزقت صدرها حد الصدمة. اما. عند جهاد فقفلت عينيها للحظة، ثم نظرت إلى صفية بصرامةٍ مكملة عزمها:
متتكلميش في الموضوع تاني. أنا هتابع الموضوع دا بنفسي
وغادرت الغرفة، تاركه خلفهما صفية تبكي بهدوءٍ، وغفران واقفة في الظل وقد امتلأ صدرها بعاصفة من الأسئلة والخوف وهي تعلم الآن أكثر من أي وقتٍ مضى، لكن لم يجرؤ لسانها على أن ينطق وفي صباح يوم جديد استقر الصباح فوق الدار بنفحاتٍ خفيفة من نور وجلست غفران إلى جانب حورية في حجرةٍ صغيرةٍ مغمورةٍ بظل الحزن. كانت حورية ممسكة بمنديل تبكي، وتكرر بين شهقاتها كلماتٍ يملؤها الحنين:
أنا بحب أسد… ومش جادرة أعيش من غيره. بس عايز يخلف ويفرح، ده كل ال يهمني والله سعادته بس
مسحت غفران دموعها بهدوء، وجلست أقرب إليها، وأمسكت يدها بحنان محاولة أن تطمئن قلبها المهتز:
سعادته معاكي يا حوريه؟ ده واضح. هو مش عايز غيرك. فكري في ده شويه… أسد مش هيتجوز أي واحدة تانيه. هو بيحبكِ إنتي وحتى لو اطلجتوا مش هيتجوز غيرك
خف ضوء البكاء عن وجه حورية ولامع الأمل في عينيها وهي تنهض بابتسامةٍ صغيرةٍ تمسح أثر الدموع وهتفت:
سيبك من الهم دا، إن شاء الله يتحل… المهم إن جبل مكلمكيش؟
رفعت غفران بصرها، وابتلعت ريقا ثقيلا قبل أن تقول بنبرةٍ مرتعشةٍ تعلن بخفةٍ عن حقيقةٍ لم تقر بها لنفسها بعد:
لع متكلمش من ساعة ما سافر… وانا خايفة عليه والله. أنا.. مش عارفة. بس حاسة إن فيه حاجة ناجصاني لما سابني، ولما بيبجى معايا بحس إني متوترة… يمكن ده دليل إنه… يمكن إني بحبه بس لسه معترفتش لنفسي تمام.. انتي فاهماني
جلست حورية مبتسمة بحزن وغمزت بعينها كما لو تهمس لها بالحقيقة القاسية:
ايوه ده ال واضح. بس اسمعي الكلام مني هو بيبصلك بعين انتجام، مش حب دلوجتي. هو بيكرهك وعايز ينتجم. دي فرصتك.. امشي واهربي، محدش هيجدر يمنعك دلوجتي. لسه هيفضل يعرضك للخطر لحد ما يجتلك
جفت أنفاس غفران ومر صمت قصير كأنه يقيس لها خطواتها ثم رفعت رأسها بوجهٍ لا يخلو من قسوةٍ وحزمٍ غامض:
ممكن كل الكلام دا يكون صحيح… وممكن أنا فعلا بخاف. بس مش هرجع ولا ههرب دلوجتي. مش ده الوجت ال أمشي فيه.
رمقتها حورية باندهاشٍ وخوفٍ، وقالت بصوتٍ منخفضٍ:
إنتي متأكدة؟
أجابت غفران بعينين ملؤهما قرار خافت وثابت:
مش متأكدة خالص. بس جلبي مش هيسيبها اكده… لو الموت قدامي، هواجهه، بس مش ههرب
وفي صباح جديدٍ اجتمع الجميع أمام الدار، ينتظرون عودة جبل بقلوب متوترةٍ وعيون مترقبة. كانت غفران تقف في آخر الصف يديها متشابكتين بعصبية، تحاول أن تخفي ارتجافها كلما اقتربت أصوات السيارات من بعيد. وأخيرا، توقفت سيارة أمام الباب، ونزل منها جبل بخطواتٍ ثابتةٍ، رغم أن وجهه كان متعبا أكثر من ذي قبل. ما إن رآه أهل الدار حتى اندفعت نحوه عمته جهاد وزوجة عمه صفية تعانقانه بحرارةٍ ودموع في الأعين.
فـ ابتسم جبل ابتسامة واهنة وهو يقول بصوتٍ مبحوح:
أنا كويس اهه الحمد لله.. واحشتوني جوي
وفي تلك اللحظة تقدمت غفران ببطء، قلبها يخفق بعنف وهي تحدق فيه بـ شيء غريب كان يكسو ملامحه، نظراته لم تكن عادية، بل كأنها تخترقها وتفحص أعماقها. شعرت بقشعريرةٍ تسري في جسدها وهمست لنفسها:
هو بيبصلي ليه اكده.. كانه اول مره يشوفني
اقتربت خطوة منه بتردد، كأنها تريد أن تسأله شيئا لكنه ظل يطيل النظر إليها بصمتٍ مثقل. وفجأة تجمدت في مكانها حين رأت فتاه زدخل بخطواتٍ واثقةٍ، تقترب من جبل دون تردد، ثم مدت يدها تمسك بيده أمام الجميع.
وساد الصمت وغفران ظلت واقفة في مكانها، عيناها معلقتان بالمشهد، وقلبها يطرق صدرها بعنف و
توقعاتكم ورايكم وتفاعل وادعوا لجدتي لو سمحتوا ربنا يشفيها ويعافيها علشان هي تعبانه جامد

 

 

 

____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *