رواية ظلام الصعيد الفصل الثامن 8 بقلم نور الشامي - The Last Line
روايات

رواية ظلام الصعيد الفصل الثامن 8 بقلم نور الشامي

رواية ظلام الصعيد الفصل الثامن 8 بقلم نور الشامي

 

 

البارت الثامن

 

 

الفصل الثامن
ظلام الصعيد
كان الممر باردا على غير العادة… أضواءه البيضاء الخافتة ترسل ظلا متعبا على الجدران ورائحة المطهرات تزاحم أنفاس من يقفون فيه حيث وقف جبل أمام باب غرفة العمليات، وعيناه معلقتان بذاك الباب المغلق، كأنه بوابة بين الحياة والموت. يديه ملطختان بالدم، قميصه غارق في آثارها، وعيناه شاردتان في فراغ أسود لا نهاية له.
لم يتحرك، لم يتنفس إلا بصعوبة، وكأن الزمن توقف عند تلك اللحظة فـ اندفع أسد في الممر بخطوات متسارعة، ووجهه يحمل مزيجا من القلق والدهشة، وما إن لمح جبل حتى أسرع إليه، ينظر إليه بعينين مذعورتين. لكن قبل أن ينطق، ظهرت حورية من آخر الممر… ركضت وهي تلهث، وحين وقعت عيناها على جبل، تجمدت لحظة ثم انفجرت صرختها المدوية:
إنت السبب….. انت السبب في كل دا… هي جوه هتموت بسببك ؟! إنت متستاهلش الحب ال هي حبتولك… انا اصلا مش

 

 

فاهمه ازاي نحب واحد جلبه جاسي زيك اكده. … إنت مشوفتش فيها غير إنها ست تاخد منها بتار واحد حقير زي جمال طيب تعرف بجا الحمد لله إنه مات… الحمد لله إننا خلصنا منه
ارتج جبل في مكانه وصوته محبوس في صدره، ووجهه شاحب كأنه حجر منقوش عليه العذاب فـ حاول أسد أن يمسك بكتفها ليوقفها، لكن غضبها كان أقوى من أي محاولة وردد :
اهدي يا حورية… مش شايفة جبل حالته عامله إزاي… كفايه بجا بلاش تضغطي عليه اكتر من اكده
استدارت نحوه بعينين ملتهبتين، وصاحت:
ميهمنيش حالته.. زي ما هو مكنش بيهمه حاله غفران وهو بيعذب فيها كل يوم… شايف الدم ال مالي هدومه؟ دا دم غفران..صاحبتي ال بتموت بسبب واحد زيه….بس جسما بالله لو حوصلها حاجة… أنا هحمله هو النتيجة كلها… هو وبس وما هسكت بجا
القت حوريه كلماتها واقتربت أكثر ووقفت أمام الباب مباشرة، كتفها ملتصق بالحائط، كأنها تحمي غفران بجسدها، أو كأنها تتحداه أن يقترب فـ ظل أسد صامتا للحظة، عيناه تنتقلان بينهما، ثم استدار نحو جبل الذي لم يرمش منذ دخل الممر، وقال بصوت حاول أن يجعله ثابتا:
هي هتبجى كويسة يا جبل… متخافش والله… هتبجي كويسه ان شاء الله
بدا وكأن جبل استيقظ من غيبوبة… رفع رأسه ببطء، وعيناه ممتلئتان بغبار الحزن، وصوته خرج مبحوحا كأنه يجرح حنجرته:
كل حاجة كانت كدب… كل ال عاشته كان وهم… وهي كانت مظلومة…. أنا لو حوصلها أي حاجة… مستحيل أسامح نفسي طول عمري
ارتجف صوته عند آخر كلمة، حتى أن أسد لم يجد ما يرد به، فاكتفى بوضع يده على كتف صديقه في محاولة صامتة للتهدئة.. لكن حورية لم تلين بل أشاحت بوجهها بحدة ودموعها تسيل على وجنتيها وهي تهمس بغضب:

 

 

غفران دفعت تمن كذبكم كلكم… تمن كذبك إنت قبل أي حد
ساد الممر صمت ثقيل، لم يكسره إلا أصوات الأجهزة القادمة من خلف الباب المغلق. كل دقيقة مرت كأنها ساعة، وجبل يقف في مكانه بلا حراك، وعيناه مسمرتان على الباب وفجأة، فتح الباب، وخرج الطبيب منهكا، يرفع كمامته عن وجهه فـ اندفع جبل نحوه بجنون وأمسك بذراعه بكل قوته، وصاح بصوت مبحوح:
يا دكتور… غفران عاملة إي… طمني بالله عليك
ألقى الطبيب نظرة سريعة على الجميع، ثم قال بجدية وهدوء:
الحمد لله… جدرنا نسيطر على النزيف، وأنقذنا حياتها. لكن حالتها النفسية صعبة جداً… أكيد هيبجى فيه تأثير نفسي، لسه منعرفش اي ال ممكن يوحصل بالظبط
تسارعت أنفاس جبل…. عروقه بارزة في عنقه، وصوته خرج مرتجفا وهو يسأل:
ممكن… ممكن أشوفها دلوجتي… لو سمحت
لكن الطبيب هز رأسه ببطء، وصوته خرج حازماً:
لع يا حضرت الظابط لااسف مينفعش مش دلوجتي هي محتاجة ترتاح. بـ الليل تجدروا تشوفزها وتطمنوا عليها إن شاء الله
ثم تركهم ومضى، خطواته تتلاشى في عمق الممر، تاركا خلفه ثلاث قلوب مشتعلة بالوجع….. حورية التي تنظر إلى جبل بعيون متقدة باللوم و أسد واقف بينهما لا يعرف أي جرح يضمد أولا وجبل يقف مكانه، يده ما زالت ترتعش، وعيناه متعلقتان بالباب كأنه ينتظر أن يفتح من جديد ويعيد له شيئاً من روحه التي نزفت معه وفي غرفةٍ واسعة يكسوها السكون، جلست شوق على كرسيها المتحرك، أمامها طاولة ممتلئة بأوراق متناثرة…. شهادات ميلاد….وصور قديمة باهتة وأوراق رسمية تحمل أختاما تشهد بسنواتٍ طويلة من الخداع…. كانت عيناها معلقتين بتلك الأوراق… وصدرها يعلو ويهبط كمن يحاول أن يستوعب زلزالا ضرب حياته فجأة فـ رفعت ورقة بين يديها المرتعشتين، وعيناها تغرورقان بالدموع وهي تهمس بذهول:
يعني إي… جبل ابني؟! وأنا طول السنين دي فاكره إن جمال هو ابني… يعني أنا… أنا كنت واحده من الأسباب ال خلت ابني ميجدرش يشوف بعيونه طول السنين دي
ارتبك الحارس الواقف أمامها واقترب خطوة وقال بصوتٍ مهدئ:
يا ست هانم… جمال هو ال عمل اكده مش انتي
لكن كلمات الحارس لم تهدئها بل أشعلت نارا جديدة في صدرها فصرخت بصوتٍ مبحوح و دموعها تنهمر على وجنتيها مردده :

 

 

بس كان حد مننا بيلعب في دماغه علشان يعمل اكده وأنا… أنا السبب…. كنت عايشه في وهم… وسيبت ابني يضيع جدام عيني ومشيت ورا الكدب والخداع
انحنى الحارس قليلا، وصوته خرج أكثر جدية:
جمال يا ست هانم طول عمره طماع. كان بيغير من جبل بيه … وعايز ياخد كل الفلوس وال مش من حقه. حتى نجاح جبل كان بيكويه من جوه
ارتجفت أنامل شوق وهي تسند رأسها بيدها، ثم همست بصوتٍ مكسور:
هعمل إي دلوجتي؟! الحل إي… هعترف لابني إزاي… أجول لجبل إني أمه بعد العمر دا كله واني كنت من ضمن الاسباب ال خلوه يخسر نظره طول الفتره دي
ظل الصمت يسيطر لحظة، قبل أن تمسح دموعها ببطء، وعيناها تتحولان إلى جمرتين مشتعلتين حتي رفعت رأسها بغضب مكتوم، وقالت بنبرة حادة:
لع.. مش هفضل مستخبيه تاني. كفاية… كفاية كدب. لازم أواجه. لازم آخد حقي. وصفيه وجهاد… لا يمكن أسامحهم… هما السبب في ال حوصل، وهما ال ضيعوا ابني من حضني سنين وسنين
تنهدت شوق ثم ضغطت على مسند كرسيها بعزمٍ، وصوتها ازداد صلابة:
من النهارده… كل حاجة هتتغير. حضر نفسك يا عزت
ارتسم التوتر على ملامح الحارس، لكنه أومأ برأسه في صمت، بينما ظلت شوق تحدق في الأوراق أمامها، مزيج من الصور والحقائق والذكريات الكاذبة، كأنها تتعهد لنفسها ألا تنحني بعد الآن وفي الصباح الباكر كان جبل واقفا أمام باب الغرفة، عيناه معلقتان بما وراء الزجاج، حيث غفران نائمة على سريرها الأبيض، أنفاسها هادئة لكنها متقطعة، كأنها ما زالت تصارع في أعماقها ظلال الأمس وإلى جوارها جلست حورية على الكرسي، عيناها ساهرتان بلا نوم، ممسكة بيد صديقتها، كأنها تخشى أن يبتلعها الغياب مرة أخرى وظل جبل واقفا مكانه، كأن خطواته مقيدة بسلاسل من الذنب، لم يجرؤ على الدخول، فقط يكتفي بالنظر إليها بعينين مثقلتين بالحزن والندم حتي اقترب منه أسد في صمت وهمس وهو يضع يده على كتفه:
مالك واجف اكده ليه ؟ ادخل يا جبل… هي محتاجاك جمبها
هز جبل رأسه ببطء، وصوته خرج متقطعا:
هدخل أجولها إي يا أسد؟… بعد كل ال عملته فيها؟… أنا لو دخلت دلوجتي هتتعب أكتر… هخليها تفتكر كل حاجة تزعلها وتتتعبها تاني . أنا هستني تحت… يمكن ده أهون ليها.
استدار جبل ليمضي، لكن فجأة اخترق سكون الغرفة صوت ضعيف متعب لكنه واضح:
جبل
توقف في مكانه كأن السقف هبط فوق رأسه، عيناه اتسعتا دهشة، فالتفت إليه أسد على الفور وقال بلهجة حاسمة:
سامع؟! بتندهلك… ادخل يلا واجف ليه اكده
ترددت قدماه لحظة، ثم خطا نحو الباب بخطوات ثقيلة، فتحه ببطء ودخل، كأن الهواء صار أثقل من احتماله.
واقترب من السرير.. قلبه يخفق بجنون، ووجهه ممتلئ بتوتر غريب فـ رفعت غفران عينيها المتعبتين نحوه ونظرت اليه نظرة شاحبة لكنها مملوءة بصدق لم يعرفه من قبل وقالت بصوت مبحوح:
هو انت مش عايز تشوفني؟

 

 

تفاجأ الجميع من كلماتها حتى حورية التي كانت ممسكة بيدها ارتبكت وأبعدت نظرها، بينما أسد وقف صامتا ومدت غفران يدها المرتجفة نحوه، كأنها تبحث عنه بين الضباب، فأمسكت يده بقوة رغم ضعفها، وهمست برجاء:
متسبنيش… خليك جمبي… متسبنيش
ارتعشت أنامله بين يديها واقترب أكثر وجلس على حافة السرير، عينيه تغرورقان. رفع يده الأخرى ليمسح بخفة على وجهها الشاحب، كأنه يحاول أن يعيد له الحياة، وصوته خرج مخنوقا بالندم:
سامحيني… بالله عليكي سامحيني يا غفران… أنا آسف
نظرت إليه غفران بعينيها المرهقتين، لكنها ابتسمت ابتسامة باهتة، ثم هزت رأسها وقالت:
على إي… انت معملتش حاجه علشان أسامحك يا جبل
ساد الغرفة صمت مشبع بالدهشة، نظرات حورية وأسـد ارتفعت نحوهما في استغراب شديد، لم يصدقوا رد فعلها، كيف تحولت كلماتها إلى دفء وطمأنة، بدلا من اللوم والعتاب وفي تلك اللحظة، انفتح الباب فجأة، ودخلت صفية تتبعها جهاد…. ما إن وقعت عينا جبل عليهما، حتى تبدلت ملامحه كليا، غضبه اشتعل في عروقه، ووجهه تغير وكأن بركانا يثور داخله. لم يري أمامه إلا خيالات الماضي، وجدران السجن الذي صنعوه له فـ شهقت حورية بخوف من ملامحه، وأسـد تحرك بخطوة مترددة بينه وبين الداخلين، لكن جبل لم ينطق بكلمة، فقط نظر إليهما نظرة كفيلة أن تحرق كل ما تبقى من هدوء في المكان وقبل ان يتحظث اسد قاطعه دخول شوق علي كرسي ماحرك فنظروا الجميع بصدمه وبالتحديد جهاد التي اقتربت منها ورددت بخوف:
انتي اي ال جابك اهنيه… جايه ليه عاد وكنتي فين
جبل بضيق؛
انتي مين عاد… وعايزه اي اتفضلي
ابتسمت شوق بدموع وهتفت:
انا امك يا جبل و

 

 

 

____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *