روايات

رواية لحن الأصفاد الفصل الثاني 2 بقلم أسماء

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

رواية لحن الأصفاد الفصل الثاني 2 بقلم أسماء

 

 

البارت الثاني

 

 

“في أغنية الموت
الكلمات لك… و اللحن لي!”.
14
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
لاس فيغاس السفلية…
3
حرَّك داجيو يده يرفعها عن ذراع الكرسي الوثير القاتم، و كان ذلك هو عرش منظمة “الويد” الأعلى، الكرسي الذي لوثته الدماء المسفوكة حتى إسودَّ، و تراكمت فوقه أطنان الأرواح المغدورة… حتى ثقُل!
3
أجلى صوته… و خاطب الثلاثة الذين إتصلت بهم مساعدته مارفل قبل ساعة بنبرة تبدو و كأنها تصدر عن حلق شخص يُحتَضَر:
“إدريك… سيريا… مايلس… أريدُ أن أحتسي نخبي ليلة الغد… و رأس ذلك الوغد تحت قدمي!”.
6
تركَ كأسه تنزلق من بين أصابعه، و لم يكترث لتهشمها و إنتشار الفوضى على الأرضية الزلقة، و كانت تلك كأسه الأولى التي يفتتحُ بها الليلة…
ثم أضاف مستقيمًا عن كرسيه دون أن يترنح:
“… و لا عجبَ أن أضيف قطرةً من دمه في كل كأس أحتسيها حتى أشفي غليلي!”.
7
اندفعت سيريا قائلة بثقة متوحشة، و كانت من أشرس سفاحي المنظمة، شابة فاتحة البشرة، بشعر بني غامق، و عينين باهتتي الزرقة، في الثالثة و العشرين من العمر، بولندية الأصل (حسب تحليل الحمض النووي الذي أجرته مؤخرًا) عُثِرَ عليها قبل ثلاثة و عشرين سنة من طرف إدريك في مكب قمامة بإحدى شوارع لاس فيغاس العلوية، و لا يُعرَفُ عنها أي شيء آخر:
“فقط قُل الإسم اللعين، و سأصنع من دمه شرابًا فاخرًا لك أيها الزعيم!”.
8
بدا على الرجلين مايلس و إدريك الترقُّب نفسه لمعرفة هوية الوغد الذي جعل زعيمهم يظهر بذلك القلق، و السماء وحدها تعرف أنه لم يكن مجرد قلق يطل من عينيه الثاقبتين، بل كان الرعب بعينه يتفاقم داخله، و يطارد روحه ناهشًا إياها بأسوء الخواطر، و أسوء الخواطر في عقله الآن… هو فشل هؤلاء الثلاثة أيضا كما فشل كروفر ليلة أمس!
7
تذكر داجيو الجثة التي ٱرسِلت له في كيس أسود قبل أن يأمر مارفل بإجراء الإتصال الإضطراري، العفو! لم تكن جثة، بل كتلاً متراصَّة من اللحم البشري المشوه، لا ملامح، لا ثياب مألوفة، و لا أي شيء واضح فيها… عدا خاتم فضي بحجر أسود كبير منقوش عليه حرف «C» إعتاد أم يلمحه حول إصبع السفاح «كروفر»… و هذا إن عنى شيئا… فلن يكون المعنى سوى… أن كروفر قضى نحبه على يدي دارك ريغان… دون أن تكون لديه أدنى فكرة أو صورة ملموسة في خياله عن تفاصيل حدوث ذلك!
8
و الفكرة الأوضح… أن دارك الوغد تعمَّد ترك الخاتم مع الجثة كبصمة تعريفية… لأن كروفر فقط من كان يمتلكُ واحدًا مثله!لم يسأل أحدٌ كروفر لِمَ يرتدي خاتمًا بنقش خاطئ لا يناسبُ حرف إسمه الأول «K» فقد إعتاد الجميع في الويد على تقبل شخصيته الغريبة… و عدم وضوح خلفيته، أعني… بالأساس… الخلفيات لا معنى لها في الأسفل بالنسبة للسفاحين، في العالم الطبيعي… قد يكون بالغ الأهمية أن تكون ذا أصل مرموق و نسل عريق… لتحظى بحياة الأحلام؛ أما في العالم السفلي… فلا شيء أبلغ أهمية من أن تكون واحدًا من العشائر القوية التي تحمل الدم الأبيض… أو أن تكون حاملاً للدم الأسود… و هؤلاء هم من لا أصل لهم و لا ينجيهم من السحق تحت الأقدام سوى كونهم قادرين على القتل دون توقف!
و هذه أهم قاعدة في قانون الويد…
و لعل داجيو يرى أنها نهاية مستحقة لكروفر كونه لم يتصرف في لحظات حياته الأخيرة كسفاح محترف، و أبدى رُعبًا واضحًا من دارك حين تلقى أمر تصفيته، لكن… اللعنة! فيمَ يُلام كروفر… إذا كان الزعيم شخصيا يخشى ذلك السفاح الذي أزهق 999 روحًا في ظرف قصير بعدما إكتشفه من فم كروفر العفن…
5
دمدم داجيو مصحِّحًا لنفسه بتقطيبةٍ قاسية و ذقن منكمش:
“لقد أغلق الألفيَّةَ بسببكَ كروفر! سأقتصُّ منك في الجحيم جراء هذا دون شك!”.
12
“بماذا تتمتم أيها الزعيم؟ إجهر بالإسم، فقد مضى وقتٌ طويلٌ لم تعبر فيه رصاصة واحدة فوهة مسدسي، و أخشى أن يطاله الصدأ!”.
حاول مايلس أن يكون فكاهيًّا ليلطف الجو السوداوي الذي غمر مكتب الزعيم، و كان شابا أمريكيا يصغر إدريك بعقد و نصف من العمر، يبلغ الخامسة و العشرين، و يفضل أن يسرح خصلاته السوداء بمنتجات الشعر الفاخرة، و أن يخفي عينيه القاتمتين خلف نظارات طبية! يريحه شكل الطالب الجامعي الذي يتخذه، يمنحه شعورًا بالركود و الهدوء، حتى إن أيًّا من البشر لن يصدق أن شابًّا أنيقًا و ودودًا مثله يخفي تحت كنزاته الصوفية الملونة سلاحًا ناريًّا! لا سيما الفتيات اللاتي كُنَّ يلاحظن شكله الفريد أسرع من مما يلاحظن الغبار على أحذيتهن الملمَّعة، و يلقِّبنه بأيقونة الوسامة!
4
و هذه أيضا واحدة من أبرز قواعد الويد… فهم لا يشبهون أي تشكيل عصابي يظهر في السينما عادةً، إنهم عاديو المظاهر إلى حد يجعلك تجزم أنهم قديسون على عتبات المعابد… لذا لا تصدق كل ما يُشاع عن رجال المافيا هنا و هناك، السائرون في الظلام ليسوا بحاجة ليضعوا أوشاما دامغة تغطي أكبر قدر من أجسادهم… و لا هم مهووسين بإجبار أنفسهم على إرتداء الجلد الأسود طوال الوقت كي يتأكد العالم أنهم مافيا…
4
المافيا في هذه المنظمة لا يكترثون للعالم… و لا لآرائه!
1
لأنهم بأنفسهم يشكلون عالمًا مغلقًا… يحاذي عالمك، يتلامس معه في لحظات عابرة، و ليس طيبًا أبدًا أن تطرق أبوابهم… أو أن تفتح بابك و أنتَ على يقين أن لا طارق غيرهم!
5
و بذكر الأوشام فهناك رموز خاصة يحرص أفراد العشائر النبيلة ذات الدم الأبيض على وضعها أبًا عن جد، و هي محرمة على السفاحين و غيرهم من رجال المافيا ذوي الدم الأسود مهما كانوا مميزين و محترفين، هذا بإستثناء دارك ريغان طبعا، فقد إعتاد أن يضع الوشم الذي يروق له، و يتحرك وفقًا لمشيئته النافذة و فلسفته الخاصة!
2
ساندت سيريا زميلها مايلس في دعابته، غير أن الزعيم لم يفرد شفتيه في إبتسامته الخبيثة كما إنتظر الثلاثة، بل فرج بين ساقيه متجاوزًا فوضى الزجاج و الخمر، و سار ببطء نحو فسحة من الضوء تفِدُ عبر إنارة السقف… كأنه يزحف، يوقن في تلك اللحظة أن الوقت حان كي يأتي بما عنده و يخمد نيران فضولهم بجوابه دون أن ينظر لأي منهم:
2
“أريدُ رأس دارك ريغان…”.
16
خالت سيريا أن كابوسًا ما إقتحم واقعها، و فرك مايلس أذنيه يتأكدُ أنه أجاد إلتقاط تلك الكلمات… و أن ما من خطب قد ألمَّ بسمعه، أما إدريك فلم يستغرب ذلك الأمر، ليس لأنه كان يتوقع خبرًا مستحيلاً كهذا، و إنما لأنه الوحيد الذي يعرف الزعيم جيدا، و يميز لحظات مزاحه من تلك الني يكون فيها بمثل هذه الجديَّة الحادة!
3
فغرت سيريا فمها لفترة محسوسة من الزمن، ثم تمكنت أخيرًا من هز رأسها و التعليق بسخرية كما لو أنها تكتم ضحكة قوية:
“المزحة الأسوء على الإطلاق… حضرة الزعيم!”.
3
حذرها مايلس بهمس من خطورة ما لفظته، فهو يعرفها حق المعرفة، تفقد السيطرة على لسانها حين يتعلق الأمر بمشاعرها، و دارك ريغان بالنسبة لها أخٌ أكبر، و ليس مجرد الأستاذ الذي دربها على القتل و تجنب الموت!
4
لينطلق صوتُ الزعيم مجددا و بكل إزدراء ممكن:
“الواضح أنك أسوء من يربي طفلةً يا إدريك، في المرة القادمة لا تلتقط أيًّا كان من مكبِّ النفايات!”.
6
خيَّم الصمت على الغرفة بشكل غير مريح لأربعتهم، لم يسبق و أن شعرت سيريا بذلك القدر من القهر و المذلَّة، هي تعرف أنها ذات أصل قذر، رُمِيت في القمامة كما لو أنها ورق حمام مُلوث، غرضٌ تافهٌ لا عازةَ له! تعرف أنها ما كانت لتحيا لولا إدريك، و هذا ما يجعل الجميع يفسرون نظرتها الحالمة نحوه ولاءً و حبًّا أبويا من جانبها، غير أنه كان شيئا آخر أقرب للهوس به، لولاه لما اختبرت الحياة، و لما اختبرت الشعور بٱنوثتها كلما تسللت لغرفته ليلاً و لامست جسده المصقول راغبة به، كانت تدرك أنه والدها بالتبني، شخص محرم، غير أن هوسها بفتنته الجذابة كان أقوى من صوت المنطق، و كانت تدرك من جهة أخرى أنها ضمن منظمة خطيرة، عالم أسود لا يعرف الرحمة، و أنها لولا زعيمه داجيو لما أصبحت من أصحاب الدماء السوداء، و لما باتت ضمن لائحة السفاحين العشرة الأخطر في العالم، لكنها تحت وقع الإهانة الثقيلة الآن، لم تشعر بأي إمتنان و هي تحدق في قسمات داجيو المتغضنة، و ذقنه البيضاء الطفيفة التي كست نصف وجهه تقريبا، فحولته للون باهت متآكل كأن شيئًا ما اعتصره توًّا و شفط منه آخر قطرة دم! و دون أن تدري ما الذي إنفجر داخل جمجمتها، إستلَّت سلاحها و صوبته نحو رأسه، و قبل أن يسحب أي منهم نفسًا جديدًا، كانت طلقةُ إدريك أسبق من طلقة سيريا، لكنها إستقرت بعنق داجيو بدلاً من رأسه، و الأمر لم يتوقف هنا، و الصدمة الأكثر ترويعًا لمارفل و هي تقتحم المكتب على إثر صوت الإطلاق الناري لم تكن فقط بسبب رؤية الزعيم مغشيًّا عليه غارقًا بدمائه؛ بل كانت بسبب رؤيتها سلاح إدريك مصوَّبًا عقِبَ ذلك ناحية إبنته بالتبني… سيريا، و هباءً أتت خطوة مايلس المتأخرة لمنع ما سيحدث، فقد أصابت الطلقة الثانية ذراعها الأيسر، مما سبب لها إرتخاء في أصابعها… و لم تعد أعصاب يدها المتضررة قادرة على التواصل مع رسائل الدماغ المضطربة جراء الصدمة العنيفة و سيل الدماء الذي تدفق بغزارة مخيفة!
13
قفز مايلس يمسكها قبل أن تسقط، يعاني هو الآخر صعوبة في إستيعاب الجنون الذي جرى أمامه، بالنسبة لسفاح… الصدمة شيء من الغرابة بمكان أن يعيشه، لكن… هذه سيريا… و هذا إدريك… الجميع يعرف أن هذين الإثنين يجسدان أسرة تكاد تكون أكثر متانة من الحقيقية… و إذا أضاف دارك و نفسه يصبح الأربعة التعريف المثالي للعائلة! ما شهده منذ لحظات أسوء من لعنة… و أفظع من كابوس! نظر نحو إدريك بعتب و هو يضغط بيديه على جرح سيريا محاولاً بكل ما ٱوتي من جهد و خبرة لمنع تدفق المزيد من الدماء، كأن عينيه القاتمتين تنطقان لومًا و حسرة: «كيف كُنتَ سخيًّا بدماء صغيرتك؟»…
10
أما إدريك… فلم يكترث للأمر كثيرا، أو لم يظهر الإكتراث! دنا قليلاً من مسرح الدم، و بمجرد نظرة باردة لا تشف أي شعور واضح… عاين وجه سيريا الشاحب بعدما فرت منه الدماء، ثم علق و هو ينتقل ببصره إلى جسد الزعيم الذي لا زال يتنفس ببطء رغم فقدانه الوعي:
4
“الطلقتان جانبيتان… لا داعي لأفلامكَ الدرامية مايلس!”.
1
“و ما الداعي لهما؟”.
صرخ مايلس يستنكر أنه يكون ذلك هو رده بعدما إقترفته يداه، فجاءه ردٌ أكثر برودًا و لا مبالاة من سابقه على لسان إدريك:
“لقد رأيتَ أنها كانت ستقتله!”.
1
“رأيتُ و سمعتُ أيضا أنه أهانها!”.
1
نظف إدريك سلاحه كأنه كان يقوم بتصفية شخص مجهول، و عقَّب بلهجة جافة:
“و أنا أنزلتُ بكليهما العقاب المناسب”.
7
“لكن سيريا إبنتك!”.
رغم محاولات مايلس كي يوقظ مشاعر الأبوة بأعماق إدريك، إلا أن هذا الأخير كان يصرُّ على النظر إلى الموقف من زاوية قاسية، فأردف دون تأثر:
“القواعد فوق الجميع يا مايلس… حتى هي!”.
6
ختم عبارته تلك ببرود قاتل، و استطرد مخاطبًا مساعدة الزعيم و مايلس معا:
“مارفل… جهزي غرفة العمليات، و أنت ٱنقلهما إلى هناك، سأتولى أنا ما تبقى!”.
“اللعنة إدريك! ما الذي ستتولاه بالضبط؟ إنقاذهما… أم قتل دارك؟”.
ضبط إدريك ربطة عنقه يتجاهل لهجة مايلس الوقحة و يجيبه بٱسلوب مظلم:
“الموت لن يكون ضيفنا اليوم، و حتى إن زارنا، فأنت تعلم أن دارك لم يُولد ليُقدَّمَ قربانا… بل ليكون الإله!”.
23
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
حلَّ الظلام، و باتت حركة المرور أثقل، الليل في فيغاس مختلف، الكازينوهات تفتح أبوابها للتو من أجل مقامرات جديدة، دائرة الفوز و الخسارة نفسها، الأعناق المترنحة ثمالةً تتكرر مع تغير طفيف في الأسماء و الملامح، روائح النبيذ و السجائر تلتف و تتصاعد حتى الأسقف، و السقاة يتحركون في دأب كبيادق الشطرنج حاملين صواني المشروبات، إحداهنَّ صفعت عشيقها لأنه قامر بنصف ثروتها في جولة واحدة، ثم غادرت الكازينو غير مصدقة أنها تحامقت إلى حد مواعدة مقامر فاشل كل ما يجيده هو تقبيلها و المسد على كتفيها كما لو كانت قطة بائسة! لم تهتم المرأة لكحلها المتحرر مع الدموع راسمًا خطوطًا قاتمة على خديها، و كذلك لم يهتم لأمرها الشرطي الذي كان ينظم المرور في ذلك المفترق الفرعي، لكنه إلتفت بحدة نحوها حين صدمتها سيارة مسرعة و هي تعبر الشارع دون إحتراس! أرسل الشرطي واحدًا من أعوانه ليلاحق السائق الفار بعدما دهس السيدة الغريبة، ثم إنحنى يفحص وريدها، قبل أن يطلق تنهيدة قصيرة مرددا لمن تجمهروا حول الحادث:
“لقد رحلت!”.
4
دسَّ دارك رأسه بين طرفي ياقته السوداء، و إستدار مشيحًا بظهره للمشهد المأساوي، و بعد بضع خطوات سارها وسط شارع ضيق لا يطرقه أي ضوء، ورده إتصال، فأجاب دون أن يتكلم، بينما سارع أحدهم للتصريح على الطرف الآخر من المخابرة:
“إنتهى أمر عشيقة داجيو كما أمرت!”.
1
“عظيم!”.
ألقى دارك نظرةً على ساعة يده، لاحظ أن ثلاثين ثانية فقط متبقية لبلوغ منتصف الليل، فأنزل ساعده يغمد أصابعه الغليظة في جيب بنطاله، و إستأنف قوله مبتسمًا:
“المكافأة أسفل مقعدك!”.
7
دفع الطمع السائق لرمي الهاتف على المقعد الثانوي دون قطع المكالمة حتى، مد يده فورًا أسفل مقعده، و هو يعي أن سيارة الشرطة لا زالت تتعقبه مصممة على إعتقاله، لكن من يكترث الآن؟ المال تحته مباشرةً، و لا شيء أفضل من هذا التحفيز كي يضغط بقوة أكبر على دواسة البنزين، لكنه لم يكن يتوقع أن تعثر يداه على شيء مختلف، شيء لا يشبه رزمة المال التي تعود على نيلها بعد كل مهمة دهس يوكله بها شخص من رجال الويد! كانت علبة بحجم رزمة المال فعلاً، لكن… مع زينة خاصة… و أضواء… و تكتكة!!
3
“اللعنة!”.
لم يسنح له الوقت كي ينزل زجاج النافذة و يلقي ذلك الشيء من السيارة، فقط إنتهت الثلاثين ثانية الأخيرة، و حلت الساعة الثانية عشرة مصحوبة بصوت إنفجار قوي جعل البشر في تلك المدينة يمسكون أنفاسهم للحظات طويلة متسائلين برعب أي كارثة حلَّت؟ أما الشرطي الذي كان سلاحق المجرم، فقد جعلته كتلة النار التي ولدت من العدم ينحرف يسارًا و يفرمل بحدة ليقضي اللحظات التالية و هو يحدق في كومة المعدن المشتعلة مذهولاً!
2
و آنذاك فقط… رأى دارك أن المخابرة بلغت نهايتها! و بينما يدس هاتفه الخلوي في جيب سترته القاتمة، و يستأنف طريقه، مر بشيء مألوف جعله يتوقف بحدة، و يرسل نظرات ثاقبة صوب صورة معلقة على الجدار المحاذي للرصيف! كانت صورة رهينته روكسان فارغاس، تعلوها كلمة بالبند العريض «مفقودة منذ أيام!» و تحتها الكثير مما لم يرغب في قراءته عنها، فقد تعلقت عيناه فقط بوجهها الأبيض المستدير، و الشفاه الممتلئة التي تجعل الشياطين ترقص في عقله كلما نظر لها، في عينيها براءة استفزته و حزن راق له، و من أهدابها المائلة شهبٌ تتساقط إلى أعماقه! قست قبضتاه فجأة، و مد يده يمزق الجزء العلوي من المُلصق، آخذًا صورة روكسان لنفسه، تاركًا ما تبقى من الكلمات للجدار البارد، كأنه يخشى أن تنظر عينان غير عينيه إلى وجهها اللعين!
11
كانت روكسان على وشك أن تسلم نفسها لغلالة النوم حين دار مفتاح في القفل الخارجي، باتت تتنفس بتوتر، حضوره في عقلها فقط يدمر كل خلية فيها ترغب بالبقاء على قيد الصمود، فكيف بحضوره الفعلي…؟
لحظات فقط… و أصبح كل ما حولها مغمورًا بعطره، تأكدت بسمعها المرهف أنه توقف لبعض الوقت كي يتأمل شيئًا ما، و الأكيد أنها كانت ذلك الشيء، ثم إنبعث صدى دعساته على الأرضية مجددا، و أضحت أقوى و أقرب! كلا! إنه يدنو منها، يريد لمسها مجددا، يريد العبث بجسدها مرة أخرى، صحيحٌ أنه في المناسبات الفارطة إكتفى بتمزيق شفاهها بأسنانه الجائعة، و نشر يديه على صدرها الغض يستلذُّ إستباحته بضغط همجي، لكنه لم يتحاوز حاجزًا أكبر، و ظلت رهينته عذراء حتى اللحظة! و الآن… من هالة الرعب التي تملكتها، و رعشات أطرافها و إهتزاز شفتيها… تأكد دارك أن كل ما تخشاه ٱنثى مثلها هو خسارة الشرف اللعين!
ظل يخطو إليها حتى إصطدمت مقدمة حذائه بأصابع إحدى قدميها الصغيرتين، فسحبتها على الفور منكمشة، تجمع ركبتيها لصدرها، تتمنى لو لم تكن مصفدة اليدين لتستطيع على الأقل ستر نهديها العاريين بكفيها. إنحنى عليها دارك ببطء مميت، و أرجع خصلات من شعرها الطويل خلف أذنها، ليهمس:
2
“لا تقلقي! ذلك الشيء الصغير الذي بين ساقيكِ ليس رمزًا للشرف!”.
34
سحب من جيبه قلادة الصليب التي كانت لا تفارق عنقها، ثم مضى يداعب بها بشرة صدرها البيضاء، كأنه يكتب على جسدها ما يفكر به عقله السادي، ارتعشت من ملمس الصليب البارد، بينما يتمتم بضوت مريب:
“المحافظون أكثر الأشخاص حُبًّا للعُهر! هل تعرفين هذا؟”.
20
صمتت ترفض إجابته، فكفَّ عن تمرير الصليب على تفاصيل نهديها المتصلبين من شدة البرد، أصغت لصوت ولاعته و هي تقدحُ لمرة واحدة بين أصابعه، ظنت أنه رام أن يدخِّن، غير أن عدم إنبعاث رائحة السجائر لوقت طويل أقلقها، بللت شفتيها تتساءل في قرارة نفسها بإرتياب… إذا لم يشعل سيجارة فما الذي أشعله إذن؟!
لم تمرَّ فترة واضحة من الزمن… حتى صرخت روكسان فجأةً إثر لسعة النار بين نهديها، كان دارك قد سخَّن الصليب الصغير، و كوى به جلدها، غير متأثر بصرخاتها، ثم دفن وجهه هناك لاثمًا آثار الكي، و بين نفس و آخر يأخذه يردد بهمهمات مكتومة:
12
“سيذكِّركِ هذا أنكِ عبدتي فقط! و أن الصلاة الوحيدة التي يجوز لكِ تأديتُها… هي الإستلقاء بخضوع تحتي!”.
37
ساعة… أو ربما هو وقت كبير قد مرَّ دون أن تشعر روكسان بشيء عدا لسان رطب يلعق جلدها في غدو و عودة من الجيد حتى مشارف السرَّة، و أسنان حادة تعض حلمة أذنها حينًا، و تُغرز بشفتيها حينًا آخر، و يدان عنيفتان تغتصبان حرمة معالم أنوثتها برغبة جامحة كانت تتزايد و تتفجر من جسده المصقول بمرور الدقائق! جعل إحدى يديها المصفدتين تلمسه رغمًا عنها، مرر أصابعها مطوَّلاً على صدره و بطنه، ثم ألفته يتخلص من حزامه الجلدي، و سمعت صوت سحاب يُفتح، فازدردت ريقها بامتعاض محاولةً تمالك يدها، غير أنه كان الأكثر تفوقا و سيطرة، و تناول يدها مجددا مرغما أصابعها الرشيقة على لمس جزء حساس من جسده الفائض رجولةً و قوة! وجدت في نفسها رغبة عارمة بالتقيؤ، و كالت له ألف شتيمة في تلك اللحظة، لكن المرارة التي تجاوزت مرارة دموعها كانت حين دفع يدها بعيدًا، و إعتصر خصرها بيديه القاسيتين هامسًا:
“هذا يكفي! أمقتُ أن تلمسيني أكثر من ذلك، لا يجب أن أنسى أنكِ مجرد شيء يقززني!”.
29
رفع جسده الثقيل عنها، تاركًا إياها عارية على الأرضية الباردة، و أدركت بعد قليل من صوت صفق أحد الأبواب… و رقرقة المياه… أنه يأخذُ حمَّامًا!
رائع…. يلوثها هنا… و ينظف نفسه هناك!
1
أكثر ما حزَّ في نفسها أنه لم يكن إغتصابًا كاملاً للجسد، فرغم أنها لا تزال عذراء الجسد، لكن أعماقها لُطِّخت بأوحال العار، و فقدت نهائيا عذرية الروح!
توقفت رقرقة المياه داخل الحمام، أنفق دارك لحظات هناك، قبل أن يخرج إلى الغرفة حيث تجلس روكسان هادئة تحاول مقاومة النعاس، عجزت عن تبين أي شيء بسبب ظلام عينيها، لكنها كانت ذكية إلى أدهشه حين علقت ببرود جديد عليها:
“لاحظتُ أنك تنفق وقتًا طويلاً في تجفيف نفسك بعد كل حمام، هل تخشى أن تتلوث أرضيتُكَ حتى بقطرات شفافة تنزلق من جسدك المبلل؟”.
6
إسودَّت عينا دارك لوهلة، ذكرته كلماتها الساخرة بشيء يود لو يمحوه من الذاكرة بأي شكل، غير أنه فطن، و أيقن أنها جريئة كفاية لتخطر لها فكرة التلاعب بعقله، لكنها و اللعنة تحمل داخل جمجمتها عقلاً يجيد التفكير و ربط الأشياء ببعضها! و لو أنها كانت تستطيع النظر إليه حينها لأرعبتها الإبتسامة التي تشكلت على شفتيه، لا سيما و هو يلقي بالمنشفة على الفراش، و يتحرك ببطء نحو جهاز الٱسطوانات القديم الذي يحتفظ به لمثل هذه الأوقات، إستغربت روكسان عدم تعليقه على ما قالته، و انتظرت بقلق ما سيحدث تاليا، حتى تفاجأت به يضع ٱسطوانة غريبة، و الحق أنها أنزلت في قلبها رعبًا غير مسبوق، ليس و كأن ما سمعته كان مرعبًا، بل لأن تلك الموسيقى الدينية لا تُعزفُ إلا في لحظات خاصة!
إنتشى دارك بسوداوية اللحن، و إسترخى على حافة السرير ملقيا رأسه للخلف، عيناه مغمضتان، و شفتاه تتحركان بإسم المقطوعة:
“لاكريموزا…!”.
12
كيف لا يرنُّ ذلك الإسم في أذنيها، و هي تعرف تماما ما يتحدث عنه، «لاكريموزا»… قِدَّاس الموت… المقطع البارد الذي يُعزفُ في الكنائس لتوديع أحدهم إلى الأبد!
3
بدت كلمات الٱوبرا كما لو أنها تزحف على جسد روكسان مصطحبة في نهاياتها لحنًا مأساويًّا، اعتادت أن تسمعها مرارًا و تكرارًا كلما حضرت الصلوات أيام الأحاد و صادفت رحيل شخص ما! لكنها المرة الٱولى التي تشعر فيها بالخوف و التلاشي، خاصة حين سألته لِمَ يضع الآن هذه المقطوعة بالتحديد؟ و أجابها بنبرة داكنة:
“رهينتي متدينة… و لا يجوز أن تمضي جنازتها دون لحن الوداع الأخير!”.
7
شعرت روكسان بكامل جسدها يتخدَّر إثر ما سمعته، دنا منها دارك محدثًا بشيء حاد جرحًا عرضيا على جبينها، فشهقت تحس بوخز غريب، و همس لها بينما ترتفع أصوات أفراد الٱوبرا لطبقة أعلى:
“رغم أني مهووس بتأمل مفاتنكِ الصغيرة و لا أحب أن تستترَ عني بالدماء، لكن… أصلِّي أن تنزفي حتى آخر قطرة تحت نظري!”.
14
خلص من الهمس بتلك الكلمات، و مضى يدندن مطلع المقطوعة ممررا نفسه الحار على عنقها:
“مليءٌ بالدموع سيكون ذلك اليوم…
عندما يخرجُ من الرماد…
الرجلُ المذنبُ لكي يُحاكَم!!”
6
بدأت تدرك أن شيئًا لزجًا أخذ يسيل على وجهها ببطء وصولاً لعنقها و صدرها العاري، الجلوس الطويل على الأرضية الباردة أصابها بنزلة برد طفيفة، و كلفها حاسة الشم، لذا لم تميز رائحة الدم من رائحة عطره المختلطتين لشدة قربه منها، و رغم أنها كانت تنزف، و تفكر في الموت المحتوم، إلا أن دارك لم يمتنع عن غرز أصابع يديه بين خصلات شعرها، و إغراق شفتيها بخاصتيه في قبلة تجاوزت كل حدود اللذة و الألم!
12
نهاية الفصل الثاني.
🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤
هاللو فخامة الملوك، اليوم إتخذتم خطوة أخرى أعمق داخل سرداب دارك ريغان المظلم، ما قرأتموه ليس سوى قطرة صغيرة من سادية سفاح فيغاس…
كيف وجدتم الشخصيات التي ظهرت في هذا الفصل👀؟
9
إصابة سيريا بيد الرجل الذي تبناها و تخفي عن العالم أجمع أنها مهووسة به🥺؟!
5
ما رأيكم بشخصية إدريك و ما قام به مع سيريا و الزعيم🤔؟
10
ماذا عن وسيمنا مايلس السفاح الأنيق😩🦋✨؟
4
و ماذا عن الطريقة التي تخلص بها دارك من عشيقة داجيو و السائق🌚؟
5
القفلة😶؟ و هل ستنزف روكسان حتى الموت💔 أم لديكم توقعات مغايرة؟
7
قراءة ممتعة فخامتكم، أترككم مع «لاكريموزا»☠️ مقطوعة قِدَّاس الموت للموسيقار النمساوي العبقري موتزارت… يُفضَّل أن تقرؤوا المشهد مع هذه الموسيقى لتعيشوا اللحظة مع روكسان و دارك🖤

 

 

0 0 votes
Article Rating
____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x