رواية ليلى منصور وكمال الرشيد الفصل الحادي عشر 11 – قصة رومانسية عربية
رواية ليلى منصور وكمال الرشيد الفصل الحادي عشر 11 – قصة رومانسية عربية
البارت الحادي عشر
كانت أضواء غرفة العمليات رقم 5 تتلألأ كنجوم في سماء ليلية مصطنعة، حيث يختلط ضوء الجراحة البارد بالأنفاس المتسارعة للفريق الطبي. دخلت ليلى الغرفة بخطوات سريعة، رداؤها الأخضر يرفرف خلفها كجناحي طائر جريح، وهي ترتدي قناعها الجديد بيد ثابتة رغم الاضطراب الذي يعصف بقلبها. الحادث المروري كان عنيفاً: سيارة رولز رويس – مصادفة قاسية من القدر – اصطدمت بسيارة أخرى، وكان السائق مصاباً بإصابة قلبية حادة، نبضه يتسارع كعداد ساعة معطل. “د. منصور، الضغط يرتفع بشكل غير طبيعي،” صاح الممرض، وهو يمرر لها الأدوات بسرعة.
ليلى انحنت فوق الصدر المفتوح، عيناها الواسعتان تركزان على الشق الدقيق في الشريان التاجي، كأنها ترى خريطة حياة الرجل بأكملها في نبضه المتقلب. يداها، الناعمتان اللتين أنقذتا أرواحاً لا تُحصى، تحركتان بدقة جراحية، تقطعان اللحظات الحرجة كسيف يقطع الظلام. لم تكن تفكر في كمال الآن، ولا في دموع جميلة، ولا في الكلمات التي قالها: “دعينا نتحدث…
عن كل شيء آخر.” كانت تفكر فقط في هذا القلب، الذي يشبه قلبها الخاص – مجروح، لكنه لا يزال ينبض.
“أحضروا الدعامة الاحتياطية!” أمرت بصوت هادئ، لكنه يحمل سلطة لا تُقاوم. الفريق تحرك كوحدة واحدة، والساعات مرت كدقائق، حتى استقر النبض أخيراً، منتظماً كإيقاع موسيقى هادئة. رفعت ليلى رأسها، ومسحت عرق جبينها بظهر يدها، وشعرت بارتياح يغمرها للحظة. لكن عندما التفتت، وجدت كمال واقفاً عند الباب مرة أخرى، رداؤه الأخضر يغطي جسده الطويل، وعيناه السوداوان تحملان مزيجاً من الإعجاب والقلق. كان قد تبعها، كظل لا يفارقها.
“كيف… كيف عرفتِ ما يجب فعله؟” سأل بصوت خافت، وهو يقترب، يزيل قناعه ليكشف عن وجهه الوسيم المتعب قليلاً. كانت هذه المرة الثانية في يوم واحد يعملان معاً، وكأن القدر يدفعهما نحو بعضهما في أكثر الأماكن غرابة.
ابتسمت ليلى ابتسامة خفيفة، وهي تنزع قفازاتها. “سنوات من الدراسة، كمال. وسنوات من… الصمت. أنا أرى القلوب، ليس فقط الجسدية.” كانت كلماتها تحمل إيحاءً مزدوجاً، نظرة سريعة إلى عينيه تكشف أنها تقصد قلبه هو أيضاً – ذلك القلب البارد الذي بدأ يذوب الآن.
خرجا من الغرفة معاً، يمشيان في الممر الطويل الذي يفوح برائحة المطهرات والأسرار، والصمت بينهما ثقيلاً كالحجر. أخيراً، توقف كمال أمام نافذة تطل على حديقة المستشفى الخضراء، حيث كانت الشمس تغرب ببطء، تلون السماء بألوان برتقالية دافئة. “ليلى،” قال، صوته يرتجف قليلاً لأول مرة، “أنا… أنا آسف. عن كل شيء. عن السنوات الثلاث، عن عدم رؤيتكِ. كنتُ أظنكِ… مجرد بديل، مجرد واجب. لكنكِ كنتِ كل شيء. L، الزميلة التي كنتُ أحترمها دون أن أعرف وجهها. الزوجة التي رعتْني دون أن تطلب شيئاً. واليوم… اليوم رأيتُكِ حقاً.”
نظرت ليلى إليه، قلبها يخفق بسرعة أسرع من نبض أي مريض. كانت تريد أن تصدق، تريد أن تمد يدها وتلمس وجهه، لكن الذكريات كانت لا تزال حية: الرسائل غير المقروءة، النظرة الباردة عندما استيقظ، جميلة تلتف حول خصره كالوردة الشوكية. “كمال،” قالت بهمس، “الاعتذار جميل، لكنه متأخر. أنا لم أعد تلك الفتاة التي تنتظر في الظلام. الآن، أنا د. ليلى، ولديّ حياة خارج جدران الفيلا. وأنت… أنت لا تزال متعلقاً بجميلة.”
هز كمال رأسه بعنف، يداه تمسكان بكتفيها بلطف، كأنه يخشى أن تختفي. “لا، ليلى. جميلة… كانت حباً من الشباب، وهروباً من الواقع. لكن أنتِ… أنتِ الواقع. عندما رأيتُكِ في الحانة، تلك الساقين، ذلك الجرأة، شعرتُ بشيء لم أشعر به من قبل. ورأيتُكِ في غرفة العمليات، قوية، نابغة… أنا أريدُ فرصة، ليلى. ليس طلاقاً، بل… بداية حقيقية.”
كانت كلماته كالنسيم الدافئ في ليلة باردة، تجعل قلبها يرتجف. للحظة، أغلقت عينيها، تتذكر الطفلة التي بكت خلف السيارة، والمرأة التي بنت نفسها من الرماد. “كمال،” قالت أخيراً، عيناها تفتحان لتلتقيا بعينيه، “القلوب لا تُصلَحُ بكلمات فقط. أظهرْ لي. أظهرْ لي أنكِ تستحقُ هذه الفرصة.”
في تلك اللحظة، رن هاتفه برسالة من يوسف: “سيدي، جميلة في الانتظار في المكتب. تقول إنها تريدُ المواجهة مع العائلة. والديكِ يريدونَ الاجتماع الفوري.”
تنهد كمال، ونظر إلى ليلى بابتسامة مريرة. “يبدو أن القدر لا يعطيْنا وقتاً. لكن وعدْ لي، ليلى… سنتحدثُ الليلة، في الفيلا. دونِ طلاق، دونِ جميلة.”
أومأتْ ليلى برأسها، وابتسمتْ ابتسامة صغيرة، مليئة بالأمل المحتشم. “حسناً، كمال. الليلة.”
…
في الوقت نفسه، في شقة جميلة الفاخرة المطلة على البحر، كانت الوردة الحمراء جالسة على الأرض، دموعها تجف على وجهها كندوب. كانت قد هربتْ من المستشفى بعد أن ساعدها الممرض، وهي الآن تمسكُ بهاتفها بيد مرتجفة، تتصلْ بوالدتها نسرين. “ماما،” صاحتْ بصوت مكسور، “ليلى… ليلى كاذبة! هي L، النابغة في هارفارد! كيف حدثَ هذا؟ كنتُ أظنُّها ميتةً في الريف، أو على الأقلْ غبيةً!”
من الجهة الأخرى، ترددَ صوت نسرين المتوتر: “جميلة، اهدئي. ليلى… كانت دائماً ذكيةً، لكننا أخفيناها. حازم يقولُ إنَّها سرقتْ مكانَكِ في الزواج، والآن… مع كمال. يجبُ أنْ نأخذَها منْ هناك. غداً، سنأتي إلى المدينة، وسنسحبُها بعيداً. هي ابنتُنا، لكنْ أنتِ الوحيدةُ التي تستحقينَ كلَّ شيء.”
أغلقتْ جميلة الخط، وعيناها تشتعلان بنار الثأر. نهضتْ ببطء، ونظرتْ إلى مرآتها، حيث كانت صورتُها الجميلة تبدو الآن كقناع متشقق. “ليلى،” همستْ، “ستندمينَ. سأُعيدُ كمالَ إليَّ، حتى لوْ كانَ ذلكَ يعنيْ تدميرَ قلبِكِ الذي أنقذتِهُ بيديكِ.”
كانت الشمس قد غربتْ تماماً، والليل يغطي مدينةَ البحر بستارِ أسود، مليءٍ بالأسرار والوعودِ المكسورةِ. في الفيلا، كانت أمينةُ الخادمةُ تضعُ المائدةَ لعشاءِين، غيرَ مدركةٍ أنَّ هذهِ الليلةَ ستغيّرُ كلَّ شيء.
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية ليلى منصور وكمال الرشيد)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)