رواية ظلام الصعيد الفصل الرابع 4 بقلم نور الشامي - The Last Line
روايات

رواية ظلام الصعيد الفصل الرابع 4 بقلم نور الشامي

رواية ظلام الصعيد الفصل الرابع 4 بقلم نور الشامي

 

 

البارت الرابع

 

الفصل الرابع
ظلام الصعيد
كان الصباح قد تسلل بخيوطه الخافتة إلى الغرفة، يوقظ الجدران الثقيلة من صمتها، فيما غفران ما زالت جالسة إلى جوار السرير. لم يغمض لها جفن طوال الليل، لم تهرب كما كانت تنوي، إذ منعها مرضه وحرارته المرتفعة، وظلت تراقب أنفاسه المتقطعة، بينما جملته الغامضة عن جمال تدوي في رأسها بلا توقف حتي تحرك جسد جبل فجأة و أهداب عينيه الرمادية ارتجفت قبل أن يفتحها ببطء، فتشبث قلبها في صدرها. وحاولت أن تنهض بهدوء لتخرج قبل أن يلاحظ وجودها، لكن صوته الجهوري، الخشن من أثر التعب شق الصمت:
استني… خارجه ليه زي الحراميه؟! كنتي بتعملي إي فـ أوضتي
تجمدت مكانها ونظراتها مضطربة، قبل أن تلتفت نحوه بارتباك:
إنت… إنت عرفت إزاي إني أنا ال اهنيه
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة، وأجاب ببرود:
هو كل حاجه تسألي فيها اكده… بطلي صداع بجا شويه
وفجأة، مد يده بخفة، سحبها نحوه بعنف غير محسوب، فسقطت فوق صدره على السرير، وأنفاسها تتلاحق ووجهها احمر من التوتر. فـحاولت أن تتماسك، لكن عينيها سرحت رغما عنها في عمق عينيه الرماديتين وتسمرت بلا حراك وردد:
كنتي بتعملي إي اهنيه
سألها بنبرة جافة تقطر أمراً لا سؤالاً فـارتبكت، وحاولت أن تدفع نفسها لتنهض، لكن قبضته كانت أقوى وهمست متلعثمة:
سيبني… بالله عليك سيبني
قربها أكثر حتى شعرت بحرارة أنفاسه على وجهها، وصوته يزمجر بصرامة:
جاوبي كنتي بتعملي إي
انهمرت الكلمات من فمها المرتجف وهتفت :
انت… انت كنت تعبان طول الليل. جعدت جمبك… معملتش حاجه والله … ولا سمعت حاجه
ابتسم بسخرية لاذعة وردد :
بس أنا مجولتش إنك سمعتي حاجه
تجمدت ملامحها، والتوتر يتضاعف، بينما هو يضيف ببرود قاتل:
ومش هتفرق… حتى لو سمعتي. أي كلمه بجولها وأنا مش فـ وعيي، مش فارق معايا مين يسمعها ومين ميسمعش
همست غفران بخوف وهي تحاول الإفلات:
سيبني… مينفعش اكده… انت بتخوفني اصلا
رمقها بابتسامة ساخرة، وقال بنبرة مستفزة:
ربنا يسامحك… وبعدين اسيبك ليه؟ هو إنتي مكسوفة ولا إي… ال زيك مش بيتكسف اصلا
وفي تلك اللحظة انفتح الباب فجأة، ودخلت سلمى بخطوات مترددة، وعينيها تتسعان دهشة وهي ترى المنظر. تجمدت في مكانها، وصوتها خرج مرتجفا:
أنا… كنت جايه أطمن عليك… إنت كويس
أرخى جبل قبضته قليلا، لكنه لم يترك غفران تماماً، وأجابها بلهجة هادئة جافة:
الحمد لله كويس جوي … ومعلش يا سلمى، علشان عايز أغير هدومي. اجفلي الباب وراكي وانتي خارجه
وقفت سلمى لثواني كأن الكلمات طعنة في صدرها، قبل أن تومئ برأسها وتغادر بخطوات مثقلة، تغلق الباب وراءها بصوتٍ خافتٍ لكنه موجع وما إن انغلق الباب، حتى أفلت جبل غفران من قبضته. فـ اندفعت واقفة بسرعة، تحاول أن تهرب من توترها، لكنه أمرها بصوت حاسم:
اوعي تخرجي دلوقتي… أنا داخل أخد دش. ولما أخرج… تكوني حضرتيلي هدومي بعد اذنك
ثم أخذ عصاه، واتجه إلى الداخل بخطوات واثقة رغم جرحه، تاركا غفران وحدها في الغرفة، قلبها يخفق بجنون ويدها ما زالت ترتجف من أثر قربه وفي مكان اخر كان الغروب يوشك أن يبتلع الأفق، والسماء تصطبغ بلون برتقالي حزين، حين توقفت سيارة سلمى على جانب طريق مهجور تحيط به الحقول. ونزلت بخطوات متعثرة، ودموعها تنهمر بغزارة، ووضعت يدها على صدرها كأنها تخشى أن ينفجر قلبها من شدة القهر، وأنفاسها تتلاحق بصعوبة حتي أطلقت صرخة مكتومة، ثم راحت تجهش بالبكاء وهي تضرب كفها بكفها، تهتف بصوتٍ متحشرج:
ليه… ليه بيوحصلي اكده؟! هو أنا عملت إي عشان أستاهل كل دا… يحبها… ويكون معاها… وأنا خلاص مبجاش ليا أي لازمة… نساني… نساني بعد كل الحب دا … نسي كل حاجة كانت بينا
اهتز جسدها مع كل كلمة، وكأنها تفرغ ما تبقى من روحها على هذا الطريق الخالي، إلى أن قاطعها فجأة صوت رجولي هادئ لكن غامض مرددا :
وال يساعدك تنتجمي
تجمدت في مكانها وارتبكت، ومسحت دموعها بظهر يدها ثم التفتت ببطء، لتجد أمامها مشهدا غير مألوف رجل مسن يجلس على كرسي متحرك، وخلفه يقف حارسان ضخام البنية كأنهما من عالمٍ آخر، يحيطان به بصمتٍ مهيب فـاتسعت عيناها دهشة وصوتها وهتفت:
إنت… إنت مين؟ وعايز مني إي عاد
ابتسم الرجل ابتسامة باهتة تحمل بين طياتها سخرية وغموضا وردد:
أنا… انا هجولك أنا مين.. بس اسمعيني كويس جوي
وفي عمق الليل…. في بيت اسد كانت تقف حورية أمام الموقد منشغلة بإعداد الطعام، يعلو وجهها ضوء خافت يتراقص مع لهب النار. وفجأة، أحاط بها دفء غير متوقع، حين اقترب أسد من خلفها، وضمها إلى صدره بقوة، ثم طبع قبلة طويلة على عنقها جعلت أنفاسها تختل. وارتجفت قليلا وهمست وهي تبتسم بخجل:
انت جيت امتى
أجاب بصوتٍ عميق يحمل مزيجا من الشوق والدلال:
ـ دلوجتي… وحشتيني، جولت أجي أشوف مرتي الحلوة وبعدين انتي تاعبه نفسك ليه عاد.. مش جولتلك اجيبلك شغالين
التفتت نحوه ببطء، وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة ساخرة، ثم شبكت ذراعيها حول عنقه، وهمست:
لع.. انا بحب اعمل كل حاجه لوحدي وبعدين….انت بتثبتني بكلمتين، فاكرني هنسى إنك كنت عايز تحبسني
ضحك أسد ضحكة قصيرة صافية وقال بمرح:
خلاص بجا… سماح
لكن اللحظة انقلبت في طرفة عين إذ مدت يدها فجأة داخل جيبه، وسحبت مسدسه ثم صوبته مباشرة إلى صدره ورددت :
لع…. مش مسامحة
ابتسم أسد رغم فوهة السلاح الموجهة نحوه، وقال بصدق عجيب:
هو أنا أطول إنك انتي ال تموتيني؟ وأخر حد أشوفه في الدنيا يبجي إنتي
مد يده بخفة خاطفة وانتزع منها السلاح دون مقاومة تذكر، ثم رفعها بين ذراعيه بسهولة، فضحكت بخجل والتفتت حول عنقه، بينما صوته يخفت بحرارة:
أنا جاي ساعتين وممكن أمشي تاني… فخليني أفضل جمبك فيهم….. جوليلي طبخالي إي بجا
أطلقت ضحكة قصيرة وهي تهمس:
طيب نزلني وأنا أجولك.
أنزلها برفق لكن ابتسامتها تلاشت فجأة، وارتسمت على وجهها علامات ألمٍ مباغت و وضعت يدها على بطنها وهي تتأوه، فاقترب منها أسد بخوف، وصوته يعلو:
مالك؟ في إي يا حوريه و
وقبل أن يكمل كلماته، اتسعت عيناه رعبا وهو يرى الدم يتسرب من جسدها، وفي لحظة سقطت أرضا فاقدة الوعي. وركع بجوارها، يمسك بيديها المرتجفتين، وصوته ينفجر بنداءٍ يائسٍ مجروح:
حورية جووومي و
وفي منزل اسد كانت غفران واقفة في فناء البيت، وجهها شاحب وعينيها متورمتان من البكاء، أمام صفية زوجهزعم جبل ونجاة عمة جبل والصياح ينساب من أفواه النساء كأنه لسانُ نارٍ ونجاة تهتف وهي تقبض على طرف العباءة:
إنتي معملتيش حاجه.. دا انتي سبب كل المصايب ال في عيلتنا
هتفت غفران بصوت مكسور تحاول أن تدافع عن نفسها:
أنا معملتش حاجة، انتوا جوزتوني جبل غصب عني .. أنا مكنتش عايزاه اصلا انتزا ال دايما بتحطوني في دماغكم
تقدمت نجاة خطوة ووجها احمر وأخذت نفسا عميقا وهتفت :
إنتي السبب في موت ابن أخوي….. جمال مات علشانك ولازم تموتي… هعذبك زي ما عذبته، وبعدها هجتلك
،القن نجاه كلماتها واشارت الي احدي الحراس فتقدم أحدهم ممسكا بسكين يلمع وقد أشعل طرفه بالنار حتى صار يتوهج بلون أحمر مخيف. ورمشت غفران بعينيها مرتعبة، وصاحت بصوت مبحوح:
إي دا… ابعدوا عني… بالله عليكوا ابعدوا عني
لكن نجاة لم ترحم توسلاتها وأمسكت السكين بيدها، وقربتها من ذراع غفران بينما الحرس أمسكوا بها ليمنعوها من الحركة. وفي لحظة واحدة قبل أن يلمس الحديد جلدها، إذا بيد قوية تمسك بمعصم نجاة بعنف. كان جبل يقف بينهم، ووجهه محتقن وصوته يعلو بغضب هادر:
انتي إزاي تعملي اكده في مرتي… انتوا اتجننتوا ولا اي عاد
القي جبل كلماته وسحب السكين بعيدا، ثم أدار جسده نحو غفران يتحسس مكانها بيديه المرتجفتين، وصوته ممتلئ بالقلق:
انتي كويسه… حوصلك حاجه
كانت غفران منهارة بالبكاء، لا تستطيع الرد سوى بالنشيج المتقطع، فاقترب منها جبل أكثر زجذبها إلى صدره واحتواها بذراعيه، وهمس بجانب أذنها:
متخافيش… أنا معاكي.. اهدي
ثم رفع رأسه نحو عمته وبقية العائلة وعينيه الكفيفتين تشعان بقوة غاضبة وصاح بصوت يهز المكان:
محدش مسموح ليه يلمس مرتي أو يقرب منها غيري! وال هيتعدى حدوده معاها تاني… أنا ال هتصرف معاه
تقدمت سلمى بخطوة وعينيها مليئتان بالدموع والغضب، وقالت بحدة:
انت بتحمي ال جتلت جمال وخدته مننا
صرخ جبل، وصوته ارتجف وهو يدوي كالرعد:
لع أنا بحمي مرتي… وحتى لو هي السبب في موت جمال، فأنا ال هحاسبها، مش إنتوا! واعتبروا دي آخر مرّة… ال هيقرب من مرتي مش هسكتله. وعلى فكره… أنا هعمل العمليه جريب حبيت اعرفكم يمكن حد فيكم يفرح مع اني اشك
ثم مد يده يبحث عن غفران. قبض على يدها المرتجفة بقوة وقبل ان يكمل حديثه قاطعه صوت اتصال هاتفب فاجاب وبعد ثواني تحدث بصدمه:
نعم؟! ماتت و

 

 

____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *