رواية خذلان الماضي الفصل التاسع 9 بقلم الاء محمد حجازي
رواية خذلان الماضي الفصل التاسع 9 بقلم الاء محمد حجازي
البارت التاسع
البقاء لله يا بنتي…
نسرين لما سمعت كلام الدكتور، قلبها وقع وساعتها ما عرفتش تتحكم في نفسها. فجأة بدأت تصرخ بصوت عالي:
– لأ… لأ… ده مستحيل! انت أكيد بتكدب!
عيونها مليانة دموع، صوتها يرتعش وهي بتعيط بعنف، الناس حواليها بصت في صمت، محدش عارف يهدئها.
اكيد بتكدب،
والنبي قول انك بتكدب،أو هو بيعمل فيا مقلب علشان زعلان مني،
ارجوك ارجوك…..
أويس لاااااااااااااا
وفجأة الدنيا كلها تسود حولين منها ويغمي عليها.
عينيها بتفتح… ببطء.
نفسها بيطلع متقطع… دماغها لسه تقيلة، الصوت حوالين منها مش واضح… كأن الدنيا بعيدة، وكل حاجة بتهزّ.
رمشة…
رمشتين…
وبعدين الصورة تبدأ توضح.
إضاءة بيضا… سقف مستشفى… صوت جهاز نبض…
نسرين تبلع ريقها وتاخد نفس أعمق، تحاول تقوم… بس مش قادرة.
بتحس بضغط خفيف على إيدها… إيد ماسكاها.
قلبها يدق فجأة.
تلفّ رأسها ببطء…
وعينيها تتسع.
هو.
أويس.
قاعد جنبها.
حي… ومش ميت.
شكله مرهق… هدومه فيها تراب… دراعه مربوط …
شكله مرهق صحيح
لكن… موجود.
أول ما يشوفها بتفوق… عينه تلمع لحظة، وبعدين يسحب نفسه بسرعة، يخبي انفعاله، ويقول بصوت واطي هادي… بس عينه؟
كانت ثابتة عليها… ومليانة قلق وخوف حقيقي.
– بالراحة… إنتي كويسة؟
نسرين بتقعد بسرعة،و تحاول تقوم، مش مصدّقة…
ودموعها تلمع من غير ما تنزل، وصوتها يطلع مكسور:
إنت… إنت حي؟
إنت… ما… ما مُتّش؟
ابتسامة صغيرة تظهر على جنب بقه:
واضح إن الدكتور كان لازم يغير نظارته.
نسرين تكتم شهقة، وتبص حواليها بسرعة:
بس… قالولي… قالولي إنك…
قاطعها بهدوء:
كان في حادثة… صح.
بس مش زي ما افتكرتي.
إغمى عليّ، واتخبّطت في دماغي… لكني ما متش.
سكت لحظة…
وبصّ لها نظرة تقيلة… مليانة حاجة مش مفهومة:
إنتي اللي خضّيتيني…
لما وصلت لقيتك مرمية على الأرض…و فاقدة الوعي… وبتعيّطي باسمي.
نسرين بتنزل دموعها فجأة، من غير صوت…
تهزّ راسها… وتقول بصوت مكسور:
أنا… أنا خفت… خفت موت…
مش مستوعبة…
كنت فاكرة… أنك رُحت.
ياخد نفس عميق… يمرر إيده على جبينه… متوتر…
وبعدين يقوم يقرب الكرسي على السرير، ويقعد قبالها مباشرة:
– نسرين…
إنتي ليه كنتي بتعيّطي بالشكل ده؟
تسكت……
تشد طرف الملاية بإيديها…
وتتنفس بسرعة.
يقرب وشه منها سنة… مش كتير… بس كفاية إنها تحس بوجوده:
جاوبيني.
نسرين ترفع عينيها ببطء… ودموعها لسه بتنزل:
عشان…
كنت فاكرة إني خسرتك.
وبعدين…
اكتشفت… إنّي ما كنتش مستعدة أخسرك.
ولا هعرف…
ولا أقدر.
الصمت بيتقل بينهم.
أويس يرمش…كذا مره كأنه ما كانش متوقع يسمع الجملة دي.
يحاول يخبي صدمته… بس صوت أنفاسه اتغير.
قرب شوية، وبصوت أخفض:
نسرين…
فهميني…
إنتي حستي بإيه؟
دقايق… ثواني…
هي مش قادرة تتكلم… مش قادرة تهرب… مش قادرة تبص بعيد.
وبعدين… تهمس:
حسيت…
إن وجودك حواليا…
هو الامان
وإني… مش عايزة أفقدك.
أويس بيغمض عينه ثانية…
ياخد نفس طويل…
وكأنه بيحارب حاجة جواه.
وبعدين يقوم واقف فجأة، يلف ويدّيها ضهره…
و كمل بنبرة لطيفة:
بس…
أنا محتاج أفهم.
ومحتاجك تفهميني.
ومحتاجين الدنيا بينّا تبقى واضحة… من غير لف ولا خوف.
سكت لحظة…
وبص لها وقال:
احنا لازم نتكلم.
– نقعد هنا؟
في مستشفى؟
هز راسه:
لا.
مش المكان… ولا الوقت.
قرب من سريرها شوية، بس لسه محافظ على المسافة، وقال:
– قومي…
نطلع من هنا.
نهدي…
ونتكلم.
ونفهم بعض…
وهنفهم كل حاجة مع بعض.
كل حاجة.
نسرين بصت له…
الدنيا كلها في اللحظة دي اتهدت جواها…
كان صوت أويس ثابت…
وكلامه مطمّن…
وهي حاسة إنها لأول مرة من زمان… مش لوحدها.
سحبت نفس طويل…
وقالت:
– تمام…
نمشي.
———————
نسرين خرجت مع أويس قدّام باب المستشفى…
الهوا البارد لمس وشّها، فحسّت إنها بتتنفس لأول مرة من ساعة ما جالها التليفون.
أويس مشي قدّامها خطوة، وفتح لها الطريق…
وبعدين لفّ عليها بابتسامة صغيرة:
يلا… العربية اهي.
لمّا قربوا…
نسرين وقفت، وفتحت عينيها بصدمة:
يا نهار أبيض… هو إيه ده؟
هو انت خبطت في تريلا ولا إيه؟
أويس ضحك ضحكة قصيرة :
لا يا ستي… هي بس اتدمرت تدميرة بسيطة.
العربية ما صدقت لقيت عربية قدّامها… قالت أجرب الإحساس.
نسرين ضحكت غصب عنها…
وحست ان كل الخوف اللي جواها اتكسر… وبقا راحة فقالت بضحك:
بس ماشي حالها يعني…
– آه… تمشي بالعافية… زيي كده.
فتحت باب العربية، وقعدت جنب السواق…
شدت النفس وقالت له وهي مربطّة حزامها:
– امشي يا سواق… قبل ما أغيّر رأيي.
قعد، وقرب يدور العربية، بس وقّف لحظة:
ثانية واحدة.
طلع الموبايل…
ورن على باباها.
فتح الخط:
أيوه يا عمّي…
أيوه… الحمد لله، نسرين فاقت وبقت تمام.
بس لو تسمح يا عمي … هنقعد على البحر شوية كده… عشر دقايق… نغيّر الجو.
آه والله… أرجّعها قبل الساعة تلاتة… حاضر.
نسرين قربت ودسّت راسها قدّامه كأنها بتسمع:
– بابايا قال إيه؟
أويس قفل الخط…
وبص لها بنظرة فيها شوية لعب:
قال… خلّي بالك من بنتي.
سكت لحظة…
وبص قدّامه…
وبصوت أوطى:
وأنا هعمل كده.
نسرين اتلخبطت…
حسّت إن قلبها اتخض…
بس ما قالتش حاجة.
حرك العربية وخرج من المكان…
بعد فترة قصيرة…
وقف قدّام البحر.
الموج كان هادي…
والهوا بيلف علي وشها، وهي نازلة من العربية.
أويس نزل معاها، وحط إيده في جيبه كالعادة، ومشي جنبها لحد ما قعدوا على الرملة، قدّام الماية مباشرة.
سكتوا…
بس كانوا فاهمين إن اللحظة دي لازم تتعاش…
من غير استعجال… من غير خوف.
وبعدين…
أويس قال بنبرة هادية:
نسرين…
إحنا هنفهم كل حاجة…
وهنفهم بعض…
بس دلوقتي…
خدي نفسك.
إهدي.
بصتلّه…
ووشّها كان بين الخجل، والراحة، والكسوف اللي مش عارفة تخبيه.
——————–
نسرين سكتت لحظة… وبعدين بصت له:
أنا… أنا عايزه أفهم.
أنا عايزه أعرف… إنت عرفت موضوع… موضوع…
ما قدرتش تكمل.
عينيها وقفت عليه، مستنية منه كلمة تنقذها من الكسوف.
هو بص لها بنظرة ثابتة، من غير تردد:
قصدك… موضوع أحمد؟
هزّت راسها… من غير ولا كلمة.
أويس شد نفسه، وخد نفَس هادي…
وبص للبحر، وبعدين رجّع عينه عليها:
خلاص… هنبتديها من الأول خالص.
نسرين بصت له باستغراب…
– من الأول…؟
– أيوه… من أول يوم.
يوم ما شفتيّني في الندوة…
أنا كنت شفتك قبليها.
اتسعت عينيها فجأة.
– إزاي؟! وإمتى؟
ابتسم ابتسامة هادية وقال:
يوم كنتي قاعدة مع أحمد.
نسرين قلبها وقع…
وفضلت ساكته، بتتنفس بسرعة.
أويس كمل:
قبل ما تيجي… أنا كنت قاعد على الترابيزة اللي قدّامكم بالظبط.
و… سمعت أحمد… وهو بيتكلم في التليفون.
غصب عنها اتشدّت لقدّامه.
– سمعته بيقول إيه؟
نزل عينه للحظة… وبعدين رفعها تاني:
بيقول إنه هيسيب البنت اللي بيكلمها بقاله فترة…
وإنه عايز يخطب غيرها…
وإنها هبلة… وهيضحك عليها…
وهيمشيها بكلام من نوع إن أهله مش موافقين… ومش عارف إيه.
نسرين اتصدمت…
وغصب عنها بقت بتفرك إيدها في بعضها من غير ما تحس.
– كنت هقوم… أضربه فعلاً.
وأكسر عظمه.
بس قبل ما أقوم…
سكت.
وبص لها…
نظرة ملينة حنية.
صوته واطي… وفيه دفء:
دخلت هي المكان.
نسرين رمشت ببطء…
– مين…؟
– إنتِ.
قالها كده… صريحة…
كلمة كانت محبوسة جواه ومصدق انو قالها:
خطفتِ عيني من أول نظرة.
استغفرت ربنا على طول… لأني ببصّ لحد ما أعرفش عنه حاجة.
بس… غصب عني.
لقيتني ببصّ عليك…
وبصراحة… اتصدمت لما لقيتك قعدتي على الترابيزة بتاعته.
نسرين قلبها ضرب ضربة قوية…
بصت له من غير صوت.
أويس بص للبحر لحظة… وبعدها رجّع عينه على نسرين، وكمل بنفس الحنية:
لما قعتي ولقيت نفسي كل شوية…
عيني تروح عليك…
وأنا عمال أستغفر ربنا…
وأقول في نفسي فين غضّ البصر؟
اتخنقت… حرفيًا اتخنقت.
اتنفس بعمق:
قُمت…
وطلعت أتكلم في الندوة اللي أنا أصلاً جايلها .
أنا كنت مجهّز كلام…
وموضوع…
وحاجات كتير.
وقف لحظة… وقال بصوت واطي:
بس أول ما طلعت…
لقيت نفسي مغير الموضوع فجأة.
وسيبت كل اللي كنت مجهّزه…
وبتكلم عن نفس الموضوع اللي إنتي سمعتيني فيه.
نسرين فضلت تبص له… مش قادرة تفوّت ولا كلمة.
قلت يمكن…
لعل وعسى…
تطلعي…
تسمعيني.
رفع عينه لها تاني:
وفعلاً…
طلعتي.
ابتسم ابتسامة صغيرة قوي… وكمل:
أول ما شُفت عينِك وهي مدمّعة…
وأول ما حسّيت إنك هتعيّطي…
ساعتها…
عارفت إن الحيوان ده…
قالّك نفس الكلام اللي سمعته منه.
شدت نفس خفيف وهو بيكمّل:
فقولت… خلاص.
أتكلم بقى.
أقول كل حاجة.
طول ما كنت بتتكلم…
أنا كنت حاطط عيني عليك.
مش شايف غيرك.
ولا سامع غيرك.
أويس مسح على وشه بإيده، وبص للبحر و رجّع عينيه على نسرين وهو بيكمل باعتراف صريح لأول مرة:
ولما لقيت الملف بتاعك قدّامي في الشغل…
وافقت عليه من غير ما أفكّر…
ولا حتى أسأل.
كنت عايز أي حاجة… أي فرصة…
تجيبك قدّامي تاني.
ابتسم بمرارة بسيطة:
بس اتصدمت… لما لقيته هو كمان جِه.
وقولت… يا رب.
يا رب تبقي ليا.
ضحك ضحكة هادية:
فرحت يوم ما دخلت المكتب…
وسمعتك وإنتي بتهزّقي فيه…
وتضربيه بالقلم!
بصّ لها بنظرة فيها مشاعر وذكرى:
ساعتها قولت… لأ…
أنا مش هسيبها.
مش هسيب واحدة عندها الجُرأة دي…
والقلب ده…
والنظرة دي…
وأفضل أبصلها من تحت لتحت زي المراهق.
قرب منها سنة بسيطة وهو بيكمّل:
قولت لأ… أنا لازم أخطبك.
أحط خط تحت الحكاية دي…
وأوقف قلبي اللي عمال يدق عليك كل شوية.
اتنهد:
وخطبتك فعلاً.
سكت… وبص بعيد شوية، قبل ما يرجع يبصلها بنظرة جديّة:
بس هو…
ما سكتش.
بعَت لي جواب.
قعد يشتم فيكي.
قال كلام… ما يرضيش ربنا…
ولا يرضيني أنا كراجل، ولا كخطيبك.
وشه اتشد… وكمل بنبرة جدّ:
قولت لا…
مش هسكت.
لازم أردها له…
لازم يعرف إنه مش هيلعب عليك…
ومش هيقلّل منك…
ولا من اللي بينا.
قرب أكتر… وصوته بقى أوطى:
أنا…
أنا يا نسرين…
كنت غيران.
غيران عليك…
وعلى نفسك…
وعلى كل حاجة تخصّك.
نسرين بصّت له بعيون مليانة دموع:
– أنا… اتفاجئت بصراحة… مش عارفة أقول لك إيه…
أويس بص لها بنظرة ثابتة، وهدوء رغم كل اللي حصل:
_ أنا مش عايز أسمع منك غير حاجة واحدة.
رفعت رأسها ببطء، وعيونها مركزة فيه:
_ ايه هي؟
قال لها بكل هدوء:
_ إنك موافقة على ميعاد فرحنا… يبقى بعد شهر.
نسرين لفت وشها شوية، بتضحك ضحكة خفيفة، وبتحاول تهدي دموعها:
_ بس… شهر قليل قوي… مش هنلحق نجهز كل حاجة…
ابتسم وهو بيشد شوية في كرسيه:
_ إحنا من دلوقتي نبتدي ونجهز الحاجات اللي ناقصه… كل شيء هيمشي بالراحة.
————————-
عدّ شهر كامل، شهر مليان تجهيزات وتحضيرات لكل شيء. نسرين وأويس كانوا مستغرقين في ترتيب كل تفاصيل فرحهم، من اختيار المكان، للزينة، للأكلات، وكل صغيرة وكبيرة لازم تكون على أتم وجه. كل لحظة كانت تمر عليهم كانت مليانة شوق وفرحة، وابتساماتهم ما كانتش بتفارقهم حتى وسط التعب والتحضيرات.
خلال الشهر ده، أحمد حس فجأة إنه خسر كل شيء، عمله اتوقف، مستقبله وقيمته قدام نفسه اتغيرت. الإحساس بالهزيمة والسيطرة اللي كانت عنده اختفت كلها، وقرر إنه ما يكملش الوضع ده. قدم استقالته وسافر بره، بعيد عن كل اللي كان يعرفه، بعيد عن السلطة، بعيد عن الكذب والخداع اللي كان معتاد يعيش فيه.
وبالرغم من كل الألم والخسارة، ربنا ما تركوش، لأنه دايمًا اللي بيظلم لازم يتظلم، ولازم يتذوق طعم الظلم اللي عمله.
وها هو جاء اليوم المنتظر أخيرًا…
يوم كتب الكتاب. يوم اتجمعوا فيه كل الناس اللي بيحبوه ويحبوا نسرين، يوم النور والفرحة اللي كانوا مستنيينه من زمان، يوم بداية حياتهم الجديدة سوا، بكل حب وثقة وأمان.
طلعت نسرين…
طلت بالأبيض…
بالهدوء… بالوقار… بالجمال اللي يخلي اللحظة كلها تسكت…
كانت ماشية بخطوات بطيئة، وكل خطوة منها كانت قلب أويس بيقع بعدها بخطوة.
أويس أول ما شافها…
اتصدم.
وقف ثابت…
عينه اتسعت…
أنفاسه اتلخبِطت…
وكأنه لأول مرة يشوف بشر بالشكل ده…
كأنه لأول مرة يشوف امرأة بالشكل ده…
كأنه لأول مرة يفهم يعني إيه نصك التاني.
ما فاقش…
ما أخدش نفس…
غير لما صوت المأذون قال بصوت جهوري:
“بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير.”
وهنا…
اتحرك.
جرى عليها…
من غير ما يأجّل ثانية…
مسكها من وسطها وشالها في حضنه…
ولف بيها…
لف بيها وهو بيضحك من قلبه… ضحكة أول مرة نسرين تسمعها بالعمق ده…
ضحكة رجّعت لها الروح وهدّت خوفها وطمّنت قلبها.
نزلها على الأرض…
مسك إيديها بإيدين اتخلقت علشانها…
وبص في عينيها بنظرة بتقول كل حاجة من غير ولا كلمة.
وبعدين بدأ يقول… بصوت واطي، ثابت، مليان حب…
وكأنه بيقرا من قلبه مش من قصيدة:
“صدق عمرو حسن لما قال……
مكانك عندي غير الناس…
يا ست الناس وتاج راسهم.
تعيشي وتفضلي غالية وعالية… وحابسة أنفاسهم.”
صوته اتدفّى… المشاعر خرَجت كلها مرّة واحدة:
“مافيش بعدك مكان ولا ناس ولا ليلة ف بعدك أعيش.
ولسه زي ما قابلتك… على وضعك… وما كبرتيش.”
دموع نسرين كانت بتلمع… وهو يكمل:
“يا سرّ إني لازلت سعيد وصابر لسه ع العيشة.
سعيد يومِك يا مولاتي…
يا صبح وطلّ ف حياتي.”
نسرين كانت بتحاول تمسك نفسها…
بس صوت أويس كان بيهدّها:
“مابعد سنين من التوهة
ومن قلة أمل خدني
يشاء ربك يعوضني
وتيجي حياتي تمليها أمل وحنان.”
قرب منها أكتر…
مسح دمعة من خدها بأصبعه… وكمل:
“يا أجمل خطوة ببدأها…
يا قصة مش مصدقها لحد الآن.”
كانت واقفة قدامه كأنها جزء من الكلام… كأنها القصيدة نفسها.
وهو يكمل:
“يا بنت الناس…
أنا موجوع…
وتعبان…
وهدّاني الوقت.
وأكبر حلم دلوقتي
أغمّض عيني مش قلقان…
يجمعني بعنيكي مكان.”
قرب بوشه منها وغمغم:
“بحبك قبل ما الدنيا تجمعنا…
وفتّحتي ف حياتي بيبان عاشوا عمر مقفولة.”
وبعدين وقف…
ابتسم ابتسامة مجنونة…
ورجع بصوت عالي قدام كل الناس:
“اتاري الدنيا فيها جميل…
وحلوة عكس ما اتقال لي.
وحظي الحلو مش ضايع…
وكان جواكي متشال لي.”
النااس كلها اتجنّنت…
تصفيق…
زغاريط…
وصوت الشباب صفر عالي.
وأويس؟
ماستحملش.
رجع حضنها من تاني…
وقال بصوت عالي:
مين اجمل منك دليني
مين تملي الشوق ف سواد عيني
مين زيك رقه ودفي واحساس
انتي ف قلبي وعيني حقيقي المعني الحرفي لبنت الناس.
وشالها… ولف بيها وسط تصفيق الناس…
وهو بيقول لها بصوت واطي جدًا محدش سمعه غيرها:
“انتي مش مراتي بس…
انتي عمري اللي اتصلّح…
وقدري اللي ارتاح.”
————————–
وبكده تكون خلصت حكايتنا…
وابتدت حياتهم الحقيقية.
حياة فيها فرح وفيها ضحك…
وفيها مشاكل أكيد،
لأن دي الدنيا… عمرها ما بتمشي على مزاج حد.
لكن اللي فضل مثبتهم…
إنهم ماسكين في بعض.
بيعدّوا كل حاجة سوا…
بيتخانقوا ويتصالحوا…
بيزعلوا ويرجعوا…
وبيشاركوا بعض في كل تفصيلة من أول يوم لآخره.
طول ما بينهم تفاهم…
وطول ما كل واحد شايل التاني…
الحياة فضلت حلوة عليهم.
دي نهايتهم…
ونهايتهم كانت بداية لحياة مستقرة وسعيدة،
مش عشان مفيش مشاكل…
لكن عشان هما اختاروا يكملوا بإيدين ماسكة في بعض،
مش بتفلت.
——————–
بعد كل اللي حصل لنسرين، وبعد كل وجعها وخيانته، اتعلمت درس مهم… درس لازم كل بنت تفهمه كويس: قلبك غالي، وما ينفعش أي حد يستخف بيه أو يكذب عليك. اللي بيحبك بصدق هيثبتلك حبه بأفعاله، مش بالكلام وبس. أما اللي يستغل طيبتك ويخدعك أو يلعب بمشاعرك… ربنا ما بينساش حق حد، ويومه بييجي مهما افتكر إن الدنيا سايباه.
الحياة مش دايمًا سهلة، وهتقابلك مشاكل وصعوبات، لكن أهم حاجة تعرفيها: اللي واقف جنبك بجد، واللي يشاركك كل خطوة، هو اللي يخلي قلبك مطمئن ويخلي حياتك تمشي وسط الخيبة والوجع.
وعشان كده يا بنات… قلبكم أمانة، وغالي، وما ينفعش أي حد يلعب بيه أو يدخل حياتكم من غير ما يستاهل. اللي يحبك هيجيلِك من باب بيتك، وهيحافظ عليكِ و يحترمك. خليكِ واعية، وحافظي على نفسك، وما تديش ثقتك لحد بسرعة. في الآخر… اللي ينوي على خير ربنا بيكرمه، واللي يظلم أو يخدع حقك عمره ما بيروح.
——————-
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية خذلان الماضي)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)