رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل السابع والعشرون 27 بقلم ياسمين عادل
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)
رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل السابع والعشرون 27 بقلم ياسمين عادل
البارت السابع والعشرون
^^ليلة في منزل طير جارح^^
الفصل السابع والعشرون :-
“وإذ بها تتعلم كيف تحرق أحدًا، فكان الحريق من نصيب معلمها.”
____________________________________
خرج من غرفة صغيرتهِ مسعورًا، وصوتهِ يرج جدران المنزل رجًا عنيفًا، حتى أتت “حِراء” أثر صوته مهرولة، وقد فرّت الدماء من عروقها، وشحبت بشرتها گالتي رأت شبحًا.
وقفت أمام الدرج وسيقانها تتخبط في بعضها البعض، حتى سألها “هاشم” بصوته الذي أفزع جميع من سمعه :
– ليلـى فـين ؟؟.. البنت فـيـن قبل ما اوديكي ورا الشـمس؟!.
ارتعشت أطرافها وهي تشير للأعلى :
– فوق والله.. كانت في أوضتها، هطلع أجيبهالك حالًا.
أمسك برسغها قبل أن تتحرك، يكاد يعتصره بين أصابعه وهو يهدر في وجهها :
– مش في البـيت كُـله.. قـلبت عليها الدنيـا مش موجـودة.. كنتي فين لما ست رحيل مشيت؟؟.
تماسكت لئلا تتلوى من ألم ذراعها أمامهِ :
– كنت هنا والله، خرجت بشنطها بس أنا فضلت واقفة لحد ما خرجت.
ضاعف “هاشم” من ضغطهِ على ذراعها فصرخت متأثرة بالألم العنيف، وقد بدأ ذراعها يندمل كأن الدماء توقفت في عروقها :
– آآآآآآآه… أبــوس إيـدك ياهاشـم بيه والله ما أعـرف حاجــه! والله آ……
– أخــرسـي.
دفعها دفعة قوية، سقطت على أثرها أرضًا، لا تصدق إنه أفلتها، وكانت خشيتها الوحيدة أن يتطاول عليها بالضرب والإهانة؛ لكنه خرج من المنزل متعجلًا وكأن له حساب آخر.
حضر جميع الحرس إلى أقدامهِ، فشملهم بنظرة قاسية ممتعضة قبل أن يسأل :
– الهانم الصغيرة فين يابهـايـم!.. إزاي تخـتفـي من البـيت وانتوا واقفين زي التيـران على البـاب؟.
بدأوا ينظرون لبعضهم البعض، قبل أن يجيب أحدهم :
– محصلش ياباشا!.. احنا مشوفناش الهانم الصغيرة من الصبح!.
– ولا خرجت مع المدام ولا أمها؟.
أجابوا في أصوات متداخلة مع بعضهم البعض :
– محصلش.. لأ مخرجتش.. النهاردة مشوفناش الهانم الصغيرة خالص والله ياباشا!.
أشار لأحدهم :
– جهزلي الكاميرات دلوقتي هنراجع اليوم كله من أوله.
تبخر الجميع من حوله لإطاعة أوامرهِ، وهو گالقدر المغلي الذي يطرد الغليان من حوله، على وجهه أمارات الغضب المقيت الذي سيأكل الأخضر واليابس، ولو يطالها بين يديه لن يتركها تتنفس حتى، وكأنه أجزم على إنها هي التي أخذتها، بل اختطفتها من أحضان والدها، وهو الذي ظنها وديعة گالحمل الصغير، لا تعض ولا تنغز، لا تؤذي ولا تحرق، وإذ بها تتعلم كيف تحرق أحدًا، فكان الحريق من نصيب معلمها.
***************************************
كان بين الأمواج، يتدحرج يمينًا ويسارًا بين تياراتها العاصفة، متلذذًا بتلك البرودة المائلة للدفء، وكأنه نسى أمر السباحة منذ زمن، حينما سئم غدر البحر الذي خطف طفل صغير لا يتعدى الأربعة الأعوام أمام عينيهِ. ها هو يعود للرقص أسفل سفح البحر، منتشيًا بشعوره به، وبلذة الصعود للسطح لرؤية قرص الشمس وهو يعانق الخط الأزرق الناعم، ثم تبتلعه الأمواج معلنة صفحة ليلية جديدة.
نفض “مراد” الماء عن شعرهِ وعينيه، ثم نظر من حوله بحثًا عنها، كانت ممدة على طوق منتفخ بالهواء ورأسها نحو السماء، على ما يبدو إنها غافية، كانت في حالة سكون شديدة، مستسلمة للأمواج التي ترنحها يمينًا ويسارًا، مغمضة العينين سابحة في عالم آخر، إلى أن أحست بحركة تقترب ملامسة الطوق الخاص بها، فـ انتفضت من رقدتها لتسقط في المياة فجأة، خمسة ثوانٍ حتى صعدت للسطح لكي تستمع إلى صوت ضحكته، فأدركت إنها گالعادة فزعت بدون داعي، مسحت عيناها من أثر الماء المالح ثم نظرت إليه في استهجان لتقول :
– أخس عليك يامراد لسه فيك نفس العادة!.
قطع ضحكته ليجيب عليها :
– أعمل إيه في حاجات مبتتغيرش.
ثم نظر بإتجاه الشاطئ ليقول :
– مش هنطلع بقى ؟؟.. الشمس خلاص غابت.
كانت نبرتها أقرب للدلال وهي ترجوه :
– أستني شويه كمان، أنا ملحقتش أشبع من أنطاليا والصبح هنكون في اسطنبول مش هاجي هنا تاني إلا بعد فترة.
– طب أنا هخرج دقيقتين أشوف تليفوني وآجي.
أومأت رأسها بتقبل، حينما خرج هو بإتجاه الشاطئ، والفضول يحك رأسه حول ما وصل إليه “هاشم” بخصوص حادثة طلاقهِ، حيث حدثه الأخير بشأن المأذون وطلب الطلاق من “رحيل”؛ لكنه لم يعاود الإتصال به أو أخباره بأي شئ آخر.
تناول “مراد” منشفتهِ الزرقاء وجفف بها بعضًا من ماء البحر الذي علق بجسدهِ، ثم جلس فوق المقعد وبدأ الإتصال بـ “هاشم”، وعقله قلقًا مترقبًا حيال الأخبار التي سيتلقاها.
أجاب عليه “هاشم”، وقبل أن يسأله كان الأخير يحكي كل شئ بعصبية مفرطة :
– أهدى بس عشان أفهم!.. إيه دخل ليلى في الحوار!؟.
استمع منه للنهاية ما رواه على مسامعه، مصدومًا من ردّ الفعل الذي اتخذتهُ “رحيل” قبل أن تغادر منزله، وما الذي سيدفع إمرأة مثلها لفعل عدواني گهذا إلا إذا كانت قد تأذت.. بلى، هي بالفعل تأذت وكان عليها رد الصاع صاعين، على الأقل لا تغادر وهي تشعر بإهدارها عبثًا، بينما هو يعيش حياته الحرة بكل طمأنينة.
– طيب يا هاشم، حاضر هنزل في أول في طيارة.. سلام.
أغلق الهاتف وعيناه تنتقل نحو البحر، حيث كانت “رقية” تنتظره بالداخل على إنه سيعاود النزول للبحر مرة أخرى. نفخ “مراد” بضيق بعدما فسدت أجازته، أو فترة الهدنة التي أعطاها لنفسه من أجل أن تستمر حياتهِ؛ لكنها لم تدم گالعادة، وعليه أن يغادر أراضي تركيا العزيزة في أقرب وقت عائدًا لأرض الوطن الذي احتضن كافة آلامه وذكرياتهِ البائسة.
****************************************
كانت ممدة فوق الفراش، تنظر لصندوق الهدايا الذي كانت أعدته مسبقًا لتهديهِ إياه؛ لكنها عادت به ومعها قلب مملوء بالخذلان. أسوأ ما في الأمر إنها – بالرغم من قلقها منه وشكوكها التي تحاصرها – إلا إنها زرعت بذور المحبة في قلبها لكي يسقيها هو بحنانهِ ورعايته، وبالفعل كان حنونًا رقيقًا معها، لا تصدق إنه نفس ذات الشخص الذي يسعى خلف مطامعه من خلفها، وإنه قرر الإستغناء النهائي عنها بدون أن يعير للأمر أي اهتمام، بدون أن يسأل أو يحاول الإصلاح.
بدأت تشعر إنها قليلة الحظ، مكتوب على جبينها ألا تسعد أو تكتمل سعادتها، حتى في غمرة الفرح حطت التعاسة على قلبها المسكين گالطير المشؤوم، فلم تكتمل الليلة التي سعت من أجلها كثيرًا، وضاع معها مستقبل كامل كانت تحلم به معه.
طرقت “جليلة” بابها قبل أن تدخل، فرأتها تمسح بقايا الدموع عن وجهها لكي لا تراها، دنت منها ومسحت على شعرها برقة وهي تواسيها :
– اوعي تضايقي نفسك يارحيل، ميستاهلش يابنتي.. وبعدين الزعل وحش عليكي.
ثم جلست لجوارها وهي تتابع :
– دي إرادة ربنا إنه يكشفهولك دلوقتي، قبل ما تتعلقي بيه أكتر.
نظرة مكسورة التمعت بها عيناها، فتراجعت “جليلة” عن عبارتها لتقول :
– عارفه انك اتعلقتي خلاص.. بس برضو الحكاية لما تكون في أولها بتبقى أسهل، وربنا يعوض عليكي يابنتي.
تنهدت “رحيل” وهي تنهض عن الفراش، تناولت العلبة ووضعتها بأحد الأدراج لكي تكون بعيدة عن رؤيتها، ثم هتفت بـ :
– ست صباح جايه القاهرة بكرة عشان نوثق عقود المحلات في الشهر العقاري.
لم تكن “جليلة” موافقة تمامًا على هذا الرأي :
– ما بلاش يا رحيل.. دي برضو الحاجه اللي فاضلة من ريحة المرحوم الله يرحمه.
رفضت “رحيل” التمسك بأي شئ قد يربطها بـ آل طحان :
– مش عايزاهم خلاص.. خليني أقطع أي أمل أو محاولة لعمي وعياله، احنا مش ناقصين يا ماما كفاية علينا الهم اللي احنا فيه.
ثم جلست على طرف الفراش لتتابع :
– خليني أفوق لنفسي وأشوف هعمل إيه الفترة الجاية، أنا لازم أفكر في مستقبلي انا وانتي.
– طب وهاشم!.. فكرك هيسيب بنته ومش هيدور عليها.
أشاحت “رحيل” بوجهها للجهة الأخرى وهي تجيب :
– ميهمنيش، خليه يدور ويحفى عشان يلاقيها.. يمكن ساعتها يحس هو عمل إيه فيا!.
نهضت “جليلة” وجلست إلى جوارها، ثم ربتت على كتفها وقد بدا عليها التردد وهي تقول :
– طب و… يعني….
فهمت “رحيل” على الفور إلى ماذا ترمي والدتها، فـ انتفضت من مكانها بتشنجٍ لتصيح بعصبية متشددة :
– أنـسـي يا ماما.. اللي بتفكري فـيه مش هيحـصـل أبـدًا.. على جـثتـي.
****************************************
خرج “حمدي” مع ولده كتفًا بكتف، بعدما دفع له كفالة مبلغًا وقدره من المال، لم يكن الأمر سهلًا، فقد استغرق أيام طويلة ومحاولات عديدة مع العديد من ذوى السلطة، من أجل التدخل في الموضوع، الأمر الذي كلفه الكثير من المال بإضافة الكثير من الخدمات المشروعة وغير المشروعة، فقط من أجل أن ينقذه مما وقع فيه جِراء الفـخّ. ربت “حمدي” على ظهر “حسين” حتى رأى الغبار يتطاير عن ملابسه :
– كفارة يا ولدي.. الحمد لله إنها جت على كده.
كانت عيناه محمرة بشكل غير طبيعي، ووجهه شاحب وباهت، كما خسر الكثير من الوزن بشكل واضح نتيجة عدم اشتهائه للطعام. فرك وجهه بأصابعه وهو ينظر من حوله، ثم التفت لوالده يسأله :
– عايز أعرف كل اللي جرى وانا في السجن يا حج.. كل حاجه بالحرف.
فكر “حمدي” مليًا، هل يحكي له أن يدس عنه الأمر حفاظًا على حياته وأمانه؟!.. تلك اللحظات كانت كفيلة لأن يقرأ “حسين” ما يجول في ذهن والده، فقطع عليه ذلك الطريق قائلًا :
– ما تفكرش كتير يابا.. كده كده هعرف، يبقى تيجي منك انت أحسن.. إيه اللي حصل؟.
سحبه “حمدي” بعيدًا عن المخفر وهو يقول :
– بس تعالى وهقولك في الطريق.. لسه الليل طويل ياولدي.. تعالى.
****************************************
لقد شاهد تفريغات الكاميرات بالخارج لأكثر من مرة، عسى أن يرى شيئًا يُطلعه على مكان ابنته، ثغرة تركتها “رحيل” تخبره بأي شئ عنها؛ لكنها لم يجد شيئًا، وحتى رقم السيارة التي أخذتها لم يستطع الوصول لإرقامها. يكاد الجنون يتمكن من عقله بحقّ، وجسدهِ گكتلة من نار إن لامست الأخضر جعلته رمادًا محترقًا، وعيناه گالشرر الحامية، تؤذي بشدة من ينظر إليها.
كان رجال الحراسة يراقبون المشاهد معه، في محاولة لتقديم العون إلى ربّ عملهم، إلى أن لاحظ أحدهم حقيبة كبيرة، كان قد حملها بنفسه فوجدها ثقيلة بشكل زائد عن بقية الحقائب، فأشار إلى الحقيبة الظاهرة أمامه على الشاشة وهو يقول :
– الشنطة دي سعادتك كانت تقيلة أوي وانا بشيلها، غير باقي الشنط!.
التفت إليه “هاشم” يسأله بحدة :
– قصدك إيه!.. بنتي خرجت من البيت في شنطة الهدوم؟ ؟.
نكس الرجل رأسه بحرج :
– باين كده يافندم!.
حمل “هاشم” إحدى الشاشات وقذف بها أرضًا لتسقط متهشمة لمئات الجزيئات وهو يصيح :
– هايـن عليـا أولـع فيـكوا كـلكـوا بـجــاز.. غــوروا من وشــــي.
ركض الجميع من أمامه گالجرذان، حينما صعد هو للأعلى، قد يفيده البحث مرة أخرى لأي اكتشاف يقوده لابنته، حتى ينتهي هذا الجحيم، وإلا أصبح كل شئ من حوله حريقًا. رنّ هاتفه وهو يدخل للغرفة التي كانت تمكث بها، فأجاب عليه بسرعة وهو ينظر من حوله بتدقيق :
– معالي الباشا، طمني.. يعني مسجلتش دخول في أي فندق ولا مستشفى! ولا في أي أثر لبياناتها!.. مش عارف أشكرك ازاي تعبتك.. ولا أي حاجه ياباشا تسلم أنا هتصرف.. القانون على راسنا طبعًا متقلقش، دي مراتي.. مش هأذي مراتي يعني ياباشا!.. تسلم.
وأغلق المكالمة بعدما فشل في الوصول لأي معلومات يستدل منها على مكانها، فقذف بالهاتف وهو يكز على أسنانه قائلًا :
– آه يا بنت الـ ***** بس أطولك وانا هخلي حياتك جحيم، أوصلك بس!..
راحت يداه تتجول في كل مكان هنا وهناك مرة أخرى، عسى أن يجد ثغرة تركتها من خلفها؛ لكنها نظفت المكان جيدًا قبل أن تغادر، صرخ في عصبية مفرطة وهو يطيح بزجاجات العطور الفاخرة خاصتهِ، ليتهشم أغلبها أيضًا وتفوح الروائح في كل مكان، وإذا بعيناه تلمح شيئًا ملفتًا للأنظار، بداخل صندوق القمامة الصغير، بطاقة خط محمول جديدة قد تم استخدامها مؤخرًا ملقاه في المهملات، انحنى ليأخذها من الصندوق، فـ بُهت وجهه أكثر وأخذت عيناه تتسع في ذهولٍ وصدمة، مدّ يده وأخذ ذلك الشئ الذي يعرفه جيدًا، ونظر إليه غير مصدقًا، وقد تجمدت حواسهِ وأعصابهٍ كافة، حتى عجز عن مجرد التفكير، إنه اختبار للحمل وعليه علامتين باللون الأحمر، أي كان الإختبار إيجابي!.
لم يصدق، أيعقل؟.. هل غادرت وهي تحمل طفله!.. هل ذهبت وأخذت معها أطفاله الأثنين!؟.. هل وصل بها الحد للإنتقام منه بتلك الصورة البشعة!؟.
لقد أصبح قاب قوسين أو أدنى، گالذي حُشر بين المطرقة والسندان، بعدما علم إنه ينتـظر طـفل جـديـد!…..
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية ليلة في منزل طير جارح)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)