روايات

رواية أرشد فؤادي الفصل الرابع 4 بقلم سارة فتحي

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

رواية أرشد فؤادي الفصل الرابع 4 بقلم سارة فتحي

 

 

البارت الرابع

 

 

الفصل الرابع ساره فتحي

أرشد فؤادى

لازالت صرختها تشق عنان السماء حزنًا على رفيقة عمرها..
بينما هو يقف فى الخارج يمسك خصلات شعره بعنف
لا يعرف كيف يخفف عنها فهو لا يستوعب ما حدث بعد
أنقلبت حياتها.. فلا شئ يوصف الحزن العنيف الذى
بسط سلطانه على عالمها.. دقائق وكان يخرج الطبيب
لوالدتها وأختها فتقدم هو يسأل الطبيب بلهفة:

-إيه الأخبار طمنى

أجابه الطبيب بأسف هاتفًا:

-حالتها صعبة.. إدتها مهدأ بس دا مش هيخفف من ألم
روحها.. محتاجاكم جنبها أكتر وبلاش ضغط عليها

جلست والدتها على المقعد خلفها بوهن هاتفة:

-ياربى كان مستخبى لي فين دا كله يارب

جلس بجوار عمته يربت على كتفها برفق على الرغم من الوجع الشديد الذى يسكن قلبه من كلمات أبنتها هامسًا:

-وحدى الله كده يا عمتى كل شيئ هيتحل وربك
هيظهر الحق

هزت رأسها فى صمت وأرجعت رأسها للخلف تغمض
عيناها فتحرك هو يقف بجوار الشباك وينظر للسماء
دقائق وكانت سنا تقف بجواره.. فقطب حاجبيه بصدمة

-انتِ ايه اللى نزلك فى الوقت دا؟!

-جيت أطمن عليكم ومامتك بعتت أكل ليهم

صمت مستنشقًا نسمات الصباح فقطبت حاجبيها تسأله:

-مالك شكلك متضايق

-هو اللى أحنا فيه شوية

-لأ فى حاجة تانى

تنهد وأجابها بنبرة منخفضة محاولًا مداراة مرارة العلقم

-أنا طلبت إيد نادين من عمتك وطبعًا كان ردها صعب

رمقته بتأنيب وعتاب شعر بالذنب من نظراتها فسرعان ما أجلى صوته قائلًا:

-عمتك كانت بتقولها ياريتك كنتِ عملتى زى فاتن.. قلبى وجعنى وخفت عليها تعمل فى نفسها حاجة فطلبت إيدها
تبقى فى بيتى وقدام عينى لكن مش قصدى اللى وصل ليها

مرر يده على جبينه وهو يجاهد صداع رأسه الشديد لحظات ثقيلة من الصمت القاسى حتى همست هى

-مدين أنا حاسة بيك.. بس معلش اتحمل منى الكلمتين
دول أنا عارفة انه صعب اللى بتمر بيه وخايف عليها..
بس نادين أقوى من الإنت- حار.. ودلوقتى فى حاجات
أهم وهى أنك تثبت براءتها وتقف مع عمتك ودا واجب
على فكرة يا مدين بغض النظر عن اى حاجة

هز رأسه فى صمت وقلبه يرتجف من فكرة خسارتها
ثم همس بنبرة تمزق القلوب:

-أكيد ودي محتاجة كلام دي عمتى وأنا أفديها بروحى
هى لحظة خوف خلتنى أتهور كدا ما أنا عارف أنها طول
عمرها رفضانى ومش طيقانى عشان كدا عمرى ما تجرأت
أخد الخطوة دي.. ولا أفرض نفسى عليها.. بس كلمة عمتى
رعبتنى.. حسيت وكأنى عايز أصرخ فى عمتى وأقولها
مش من حقك تقوليلها كدا.. نادين تخصنى أنا بس

نظرت إلى عيناه العسلية الذابلة.. وعروق رقبته النافرة
فهمست بقلق:

-مدين شكلك تعبان رجعت من السفر وبقالك يومين
مانمتش ايه رأيك تروح تنام وتريح نفسك وبعدين ترجع

طال الصمت وتبادلا نظرات القلق ثم أبتسم بوجع هاتفًا

-أنا حاسس إنى فكابوس وكأن الراحة عمرها ما
هتنكتب لي.. على العموم الدكتور قال تفوق ونخرج

فى المساء

دلفت من باب الشقة خلف والدتها.. منكمشة على نفسها
أسرعت إلى غرفتها تختبأ بها.. لا تقو على مواجهة أحد
الآن كل ماتريده أن تستوعب ما حدث.. حتى ثيابها الرثئة
لم تغيرها

جلست منكمشة فى تلك الغرفة المظلمة.. تضم ركبتيها لصدرها ورعشة قوية تسرى بجسدها لا
تعلم أن كانت من البرد أو من صوت القرآن المنبعث
من إحدى مكبرات الصوت الخاصة بعزاء صديقتها
ظلت تبكى وتنوح بصوت عالى هاتفة:

-يارب فاتن صاحبتى غلبانة.. هما السبب يارب
يا فاتن ليه سيبتينى لوحدى

فى الأسفل جلس مع رجال الحى يستمع للقرأن.. بوجه
شاحب.. وعقل تائه وروح مذبوحة.. عقله لا يدرك ولا
يستوعب ما حدث نيران تلتهم صدره وروحه.. أنتهى
العزاء وصعد للأعلى جلس بجوار والدته بصمت
يحتاج أن يبكى.. يحتاج أن يرتمى فى حضن يواسيه
لكن لا سبيل لذلك فوالدته لم تتقبل فكرة إنهياره من
أجل نادين.. وعليه أيضًا أن يكون قويًا مهما كان صعب
عليه.. لابد أن يكون سندًا لنادين

بعد مرور أسبوع

– عاملة أيه؟!

قال هذه الكلمات المعيد فرفعت رأسها تبصر ذلك المتطفل الذى أقتحم خلوتها كان يرتدى سروالًا من القماش وقميصًا اسودًا كانت ملابسه كلاسيكيه بسيطة.. جلس بجانبها فقطبت حاجبيها تسأله

-أنت مين؟! وإزاى تقعد كدا جنبى؟!

-أنا ياسين لاشين

حاولت التسلح بالصبر وأجابته بسخرية هاتفة:

-والله بجد لا سين لا شين اختار أنا من الحروف حضرتك جاى تهزر أنت مين أصلا؟!

-أنا ياسين لاشين

تنفست بعمق محاولة ضبط اعصابها:

-ألش رخيص جدًا حضرتك فاكر انى ممكن اضحك
انا هجبلك الامن لو ماقومتش يلا قوم من هنا لو سمحت

رمقها بإستنكار هاتفًا:

-انتِ فعلًا مش عرفانى أنا المعيد
اللى بيدرس ليكِ مادة حضارة مصر

توسعت عيناها بصدمة لقد تعرفت عليه أخيرًا أغمضت عيناها وهى تهز رأسها هامسة بنبرة منخفضة لكنها وصلت له:

-ضعتى يا سنا وضاعت السنة

ابتسم على كلماتها.. لكنها فتحت عيناها مسرعة تحدثه بإمتعاض ولم تهتم لمنصبه:

-اسفة بقى بس بما أن شلت المادة ودا أكيد يعنى.. انت فعلا ألشك رخم أوى

أجابها بنبرة منخفضة وابتسامة جذابة:

-أنا اللى أسف بس أنا أسم والدى لاشين وأنا ياسين يعنى مش ألش خالص.. إسمى ياسين لاشين.. أما بخصوص المادة متقلقيش

شعرت بالإحراج ثم أجابته بهدوء:

-أصلى أنا مش بحضر كتير ومش مركزة
اليومين دول.. وبعدين عم الحج مالقش غير ياسين
هى ناقصة مزاولة

-هو الله يرحمه.. بس لو كان عايش كنت بلغته اعتراضك

عضت على شفتاها بحزن ثم همست:

-أسفة بجد.. أنا بتكلم كتير ومش باخد بالى

لاحظ التوتر الذي ملأ ملامح وجهها فتحمحم يسألها:

-عادى ولا يهمك.. ممكن اعرف أسمك أصلك يوم ما اتكلمتى
فى المدرج خرجتى على طول

-إسمى سنا.. وهتقولى سنا ولا سنتين وألش رخيص صح

ابتسم بهدوء هاتفًا:

-لأ طبعا اسمك مذكور فى القرآن فى سورة النور ومعناه
النور.. أسم جميل جدًا

خفق قلبها بقوة من تحليله لإسمها.. بينما هو أسبل عينيه المظللتين برموش كثيفة داكنة.. وبشرته القمحاوية كانت تلمع تحت ضوء الشمس.. وجنتيه منحوتنين اعطته شكلاً كلاسيكيًا فريدًا.. ابتلعت ريقها بإضطراب ما الذى أصابها لماذا تتدقق به هكذا تحمحم هو هاتفًا:

-أنا فعلًا حزين على اللى حصل لقريبتك وصاحبتها الموضوع صعب فعلًا.. بس يعنى تفتكرى ليه حد ممكن
يعمل معاهم كدا.. معلش أعذرينى أيه الإفادة أن
حد يؤذيهم بالشكل البشع دا

هزت رأسها بالنفى ثم همست بحزن هاتفة:

-معرفش أنا لحد دلوقتى مش مستوعبة

-بس حملة الفيسبوك اللى عملتيها الكل بيتابعها جامد
والحقيقة الكل متعاطف معاها

تنهدت بحرقة هاتفة:

-ياريت الكل يهتم الموضوع كبير أوى

-أكيد بنت عمتك يعنى زى أختك

-لا أختى إيه أنا لا بطيقها ولا هى كمان أنا بتعامل معاها
كحالة إنسانية مش أكتر.. لكن لو سألتنى أنا كسنا سورى
يعنى.. بس شبشب جميل كدا وأنا وهى فى اوضة لحد
لما يبنان ليها صاحب

توسعت عيناه من تبدل حالها وظل يرمقها كأنها برأسين
أمتعضت ملامحها ثم همست:

-عارف أنت هى فيها كل العبر إلا إنها تعمل اللى فى فيديو
ياجدع البت الأنا عندها عالية

ضيق حاجبيه وهو يشير لنفسه يسألها باستنكار:

-ياجدع؟!

أنكمشت على نفسها وهى تغمض عيناها هاتفة:

-شلت المادة بسبب نادين صح؟!

قهقة وهو يهز رأسه هاتفًا:

-متقلقيش طول ما أحنا بره المدرج انتِ فى أمان

-يسترك يا شيخ

-يا شيخ وياجدع

نطق الكلمات بصدمة ثم أستقام فى وقفته وهو يهز رأسه من هذه الفتاة غريبة الأطوار

بعد مرور عدة أيام

مقعد يتحرك يمينًا ويسارًا.. يجلس عليه شخص ذو هيبة مرعبة.. لاسوداد ملامحه بقسوة كان يضع ساقاً على الأخرى فوق مكتبه.. وبصره الحاد كالصقر يجعل من يطالع جسده يرتعش رعبًا.. يتابع المقاطع الموجودة على حساب نادين الخاص بها ثم ينظر إلى اعترفاتها بدأت بعض الشكوك تراوده.. ضغط على زر ما جانبه.. طرقات على الباب قبل
أن يدلف أحد الضباط ويحيه بنبرة رسمية هاتفًا:

-تمام يا فندم

-حضر يابني البوكس عندنا طالعة

فى تلك اللحظة ولج زميله يحيه بمرح:

-عم الدنيا والحتة التقيلة فى الداخلية

شد أجزاء سلاحه وصوبه نحوه بصمت أرتسم على
صفحتي مقلتيه.. بتعبير جاد ابتلع صديقه ريقه
بتوتر هاتفًا:

-السلاح يطول يا هارون

ظل للحظات أخرى يتناظران حتى همس هارون بجدية:

-سبب واحد يخلينى مخلصش عليك دلوقتى

-عشان أنا حبيبك

كان يجيبه بنبرة مرحه المعتادة.. وضع هارون سلاحه
فى جرابه الخاص هاتفًا:

-أنت واخد اجازة اسبوعين جاى بعد شهر

-الجواز طلع حلو يا جدع وبعدين ياعم الدنيا بكرة
تتجوز الحب كله وأنا اشيل مكانك

حك هارون مؤخرة رأسه وتبدلت ملامحه يسأله بخبث:

-حلو ودلع الجواز صح؟!

اجابه صديقه بحماس زائد:

-مسخرة الجواز كله حلاوة وشقاوة

ارتسمت الجدية على ملامحه سريعًا وحدثه بجمود:

-الأسبوعين هيتحسبوا عليك وتكدير شهر
ومافيش مرواح البيت غير لما تطلع ثغرة القضية دي

قبل أن يجيبه كان ينتشل سترته المعلقة بعناية على مقعده متجهًا للخارج.. فألتو فم صديقه بسخرية هاتفًا:

-أموت وأعرف مين إللى يستحملك اصلًا أسبوع واحد؟!

قبل أن ينهى جملته كان هارون يدخل المكتب ثانية
ليتناول نظارته السوداء هاتفًا بهدوء حاد كنصل السيف
فى حدته اللامعة:

-أنت.. رجلك مش هتعتب بره القسم الأسبوع دا عشان
نشوف هتقدر ولا تقلب ..

صمت ثم تابع بلفظ بذيئ:

-مر.ة

أرتدى نظارته السوداء ثم اتجه للخارج فهمس صديقه:

-يارب دون عن ظباط العالم مافيش غير دا اللى اخدم معاه

رأسه سينفجر من شدة التفكير والتعب.. مشاعر مبعثرة لأقصى حد.. قلب متألم بشدة ووجه جامد وعينين
مشتعلتين حتى همس لوالدته:

-ما تريحى نفسك ياما وتقولى اللى عندك ليه اللف دا
كله

أبتلعت غصة مؤلمة ثم سألته:

-هو الكلام اللى قولتوا دا حقيقة أنت طلبت إيد نادين

-ايوة

همست والدته بنبرة حزينة:

-ليه كدا يا مدين ليه؟! بعد كل إللى حصل منها أنت
كنت مسافر لما رفضتك جاى دلوقتى تطلبها بعد الفضايح
دي كلها.. طب مفكرتش فى أخواتك البنات وشكلهم قدام
أجوازهم صدقنى لو هى تستاهل كنت قولت ماشى

أجابها بحزم وهدوءه المعتاد هاتفًا:

-أممم.. أخواتى البنات وأجوازهم قولتيلى يا أم مدين
أنا مقصرتش مع وحدة فيهم خالص تعليم عالى وكملوا
أحسن جهاز وجيبته.. مافيش وحدة دخلت أقل من حد
أما أجوازهم ليهم عندى احترام مش أكتر

غلبتها دموعها وبكت قهرًا هاتفة:

-بقى بعد تعبى وكسرتى عليكم تتفرقوا يامدين بقى دي
آخرتها يا أبنى لو هى بتحبك وعايزاك كنت أنا اللى وقفت
ليهم لكن أنا وهما عارفين هى بتشوفك إزاى يبقى لزمته
أيه؟! أما أخواتك مش بس عشان اللى حصل معترضين
عشان هى مش عارفة قيمتك

يعلم أنها محقة وكل الحق معاها.. يريد لو يخرج قلبه
من بين أضلعه ويدهسه بقدميه عقابًا على هذا الحب
المسمم.. أغمض عيناه بألم ثم فتحها فى محاولة لطرد
الدموع التى يكرهها.. لكن قلبه يعشقها ويعشق كل شئ
بها.. سيحاسبها على كل شىء لكن الآن يتخلى عن روحه
ولن يتخلى عنها.. همس لوالدته:

-وأنا مقدرش أتخلى عنها دلوقتى ياما

فى المساء

-منورين يا جماعة

قالت هذه الجملة بإقتضاب والدة نادين لنساء الحى
فاردفت إحدى النساء بملامح خبيثة:

-قلبى عندك فى مصيبتك دي والله

دائمًا الشدائد تفضح النفوس الخبيثة همست الأخرى بشماتة:

-آخرة الجامعات والموبايلات مش كنتِ جوزتيها مدين
أهو أبن أخوكِ وكان شارى.. دا أنا عرفت أنه طلبها تانى
وأمه وأخواته البنات رافضين نهائى عشان الفيديوهات
والله اخواته دول

تنهدت والدة نادين بثقل ثم أجابتها بحزم:

-أخواته دول بنات أخويا متربين على إيدى وميفرقوش
حاجة عن بناتى.. أما مدين طلب أيد نادين من زمان ودي
أمور عائلية بينا وربنا يصلح حال الجميع

عم الصمت بينما تسللت نادين إلى غرفتها بعد ما سمعت
حديثهم الذى ذبحها ونبرة صوتهم الشمتانة والحاقدة

فى صباح اليوم التالى

دلف مدين إلى ورشته بوجه متجهم خلع قميصه وبدأ
فى العمل فورًا لايضيع وقت فهذا المكان الوحيد الذى
يحاول نسيانها به لكن هيهات فهى مستحوذة على تفكيره وعقله.. المقطع الذى أنتشر لها ينهشه من الداخل
يدمى قلبه نظرات كل من حوله تحرقه.. لن يرحم من فعلها
سمع صوت خطوات واثقة ثابتة فرفع عيناه ليجد أمامه
هذا الجبل الشامخ هتف:

-خير مين أنت؟!

-الظابط اللى ماسك قضية نادين.. اول ما سألت فى الحى
عنها دلونى عليك عايز أطلع ليها

رفع مدين شفاه العليا بسخط وإستنكار رمقه بنظرة حادة:

-يعنى أيه تطلع ليها؟!

أجابه بتهكم شديد هاتفًا:

-يعنى أطلع بدل ما أطلبها فى القسم وديه سهل اوى
على العموم خليك أنا أعرف أوصل

أزدرد لعابه برعب شديد وقلبه إنقبض بقوة من تهديده
لكنه أخفي هذا الشعور سريعًا.. وتناول قميصه هاتفًا:

-مفيش داعى ياباشا تطلبها دا مجرد سؤال

فى الجهة الأخرى

كانت تطلق صرخات مختنقة.. مكتفة الإيادى تحارب
للهروب.. فجأة هبت جالسة فوق الفراش وقد تبلل جسدها
تمام بالعرق.. نظرت حولها لاهثة فى الغرفة ثم نهضت
نحو مفتاح النور لتضيئ الغرفة ثم أنهارت جالسة على
أرضية الغرفة ترتجف بقوة.. تجاهد أن تتنفس.. تقوقعت
حول نفسها وهى تتذكر ذلك الكابوس مجددًا.. لا تعلم
الوقت الذى قضته تلملم شظايا روحها.. قبل أن تستجمع
شجاعتها وقوتها وتقف مواجهة ضعفها.. مقررة أن هذا
ليس الوقت المناسب بالمرة.. طرقات على الباب جعلتها
تنهض من الأرضية وتمسح عبراتها بأناملها.. ولجت أختها
تهتف بحزن

-نادين غيرى هدومك وتعالى فى ظابط بره مستنيكِ

خرجت من الغرفة عيناها متورمة من البكاء واصبحت تحاكى لون النار المشتعلة؛ حمراء كالدم
من فرط البكاء.. نظراتها المتألمة أصابت قلبه مباشرة
رؤيتها هكذا تذبحه.. أول مرة يرى ضعفها هكذا قطع
نظراته صوت هارون هاتفًا:

-تعالى يا نادين أقعدى

جلست تنظر له بحزن لكنها حاولت أن تكون قوية فهتفت:

-إللى فى الفيديو دول مش أنا ولا صاحبتى

قاطعها هارون قائلًا بثبات:

-أنا متأكد من دا

رفعت بصرها تنظر له بذهول ثم هتفت:

-متأكد طب ليه مش بتقول كدا وتظهر براءتنا

صمت ثم حدثها بجدية:

-دليل البراءة موجود معايا بس فى حاجة أهم عندى
وهى مين السبب وليه؟! عشان كدا حابب أتكلم معاكِ

هزت رأسها بسرعة كالغريق الذى يتعلق بالقشة فسألها

-مين ممكن يكون بيمسك الفون بتاعك.. حد قريب منك
الفترة اللى فاتت مثلا.. حد أتخانقتى معاه
عايزك تعرفينى كل تفصيلة لو صغيرة تهمنى.. وكل حاجة
تخص فيديوهاتك على التيك

أغمضت عيناها تتذكر كل الأحداث الماضية ثم تابعت:

-بس كدا حتى فى تطببق كانت صاحبتنا نهى قالت عليه
وأحنا رفضنا نهائى لما حسينا انه مش تمام

أعتدل فى جلسته يسألها بإهتمام:

-نهى دي اللى كانت معاكم صح؟!

-أيوة

-محستيش أى حاجة غريبة من ناحيتها الفترة اللى فاتت

صمتت تنظر أمامها بشرود فتابع هارون بنبرة خشنة:

-خدى بالك أى حاجة هتخبيها وتحسى أنها مالهاش أهمية
ممكن تكون سبب فى براءتك أتمنى مضطرش أعملك إستدعاء وتتبهدلى فى القسم

هزت رأسها وأجابته بتوتر هاتفة:

-أيوة كان لينا زميل أسمه مجد يادوب أتعرفنا عليه
من شهرين

أكملت سرد كل ما يخص مجد بالتفاصيل بينما هو كان
يجز على أسنانه بقوة حتى سمعت صوت إحتكاكه الغاضب

أما هو لم تفِ الكلمات بوصفه الأن.. تحكى
علاقتها مع رجل أخر أمامه حتى وأن كان يجمعها
به مجرد صداقة عابرة.. قبض يده بعنف محاولا
التحكم فى غضبه.. بينما هارون كان يرمقه بطرف
عينه ثم هتف بخبث:

-كدا مش ناقص غير عرضك على الطب الشرعى

أنفجر مدين مسرعًا هاتفًا:

-لأ لأ بلاش طب شرعى.. مفيش حل تانى أى حاجة

نهض هارون بطوله الذى يعطيه هيبة قوية وقد تأكدت ظنونه من ذلك العاشق.. الذى يتعذب بجمرات العشق
إبتسم بخبث هاتفًا:

-إحتمال

-نعملها أى حاجة بس مفيش لكدا لو أمكن

ربت على كتفه بدعم ثم مال يهمس له:

-فى حاجة كدا ممكن تخلينا منضطرش بس
دي جدعنة منى أنا كهارون عشان أنا حاسس بيك

إستقام ينصرف فأوقفته نادين بتوسل:

-لو سمحت حضرتك أنت قولت فى دليل للبراءة ممكن
أعرف لو سمحت.. لو سمحت أنا بموت فى اليوم
ميت مرة

تنهد بأسف هاتفًا:

-المفروض متكلمش بس لأن عندى أخت بنت هاقولك
دليل البراءة هى فاتن

تلألأت الدموع بعيناها وهمست بإستنكار:

-فاتن

-ايوة تقرير الطب الشرعي طلع فاتن لسه بعذريتها
يعنى اللى فى فيديو دي مش هى

أنصرف وتركها خلفه لتنهار باكية بحرقة على صديقة
عمرها.. صوت بكاؤها وشهقاتها توجع القلوب بل تدميه دموعها تتساقط بقوة.. حتى والدتها هبطت دموعها وأختها التى جثت
بجوارها تضمها لكنها ابتعدت عنها
لتقف امام نادين هاتفة:

-سمعت بودنك أنا مش اللى فى الفيديو.. يعنى دور الجدعنة اللى نزلته أنتهى وأسمع كلام أمك وأخواتك
البنات وأبعد عن وحدة مشبوهة زى ما صدقتوا فرصة
عشان الكل ينهش فيا

ظل ينظر لها لأكثر من دقيقة دون أن يرف رمشه مرة واحدة.. ووجهه جامد يخفى خلفه تشنجات قلبه..
نظر نحو عمته ثم نظر لها وأقترب منها بشدة قائلًا
بملامح قاتمة:

-أخرسى يا نادين اخرسى كل اللى إحنا فيه دا بسببك
بسبب دماغك وتصرفاتك.. حتى عمتى متعرفش حاجة
بخصوص الفيديوهات.. أما طلبى للجواز دا مش دور
جدعنة دا طلب لإيدك وما زال مستمر لحد ما عمتى
تدينى الرد.. أما أمى واخواتى استحالة يشمتوا فيكِ
أو فى أى حد تانى

-وأنا موافقة يا مدين وفرحكم يوم ما تظهر البراءة
بتاعتها وتحت فى الشارع

فى هذه اللحظات سمعوا صوت سفقات من الخلف فأستدار مدين ليجدها سنا فرمقها بحدة فتحمحمت
هاتفة:

-سمعت موضوع الفرح قولت أسقف عشان أنا مش بعرف ازغرط

-أنا نازل يا عمتى

تحرك مدين وهو يسحب يد سنا معاه وهبط بها للاسفل
ثم تركها متساءلا:

-أيه اللى جابك؟!

حركت ذراعيها بلامبالاة قائلة:

-جيت اشوفك فى الورشة قالوا كانوا معاك رجل ودخلت
بيت نادين.. قولت يا مصيبتى الواد اتجن وجاب مأذون
وهيتجوزها وهيبقى مدين العاق بس الحمدلله مطلعش
هو.. وبصراحة بعد ما سمعت كلام نادين السم دا ورد عمتى عايزة اقولك يا خويا ما تنفد بجلدك أصل الفيس كله متعاطف معاها والبراءة هتظهر
وانت هتلبس كدا كدا والصراحة لسانها تتلف بيه اهرب

فرك وجهه بنفاذ صبر هاتفًا:

-بس يا سنا افصلى أنا تعبت صدعت عايزة أي

ألتو ثغرها بسخرية:

-أنا بس أفتح بؤى تقولى أسكتى يا سنا لكن بؤها اللى بيطلع حمم بركانية عادى كشفت رأسى ودعيت عليك

-عايزة أيه؟!

-بص بصراحة فى معيد كدا مهتم معايا بموضوع نادين
بس أيه نوتيلا كدا يا مدين رغيف واحطه فى السندوتش وأكله قمر أوى وأبن ناس.. وأنا حاسة أن هتبدأ الحكايات

رمقها بحدة ونظرات مشتعلة فابتلعت ريقها بخوف هاتفة:

-بس رخم كدا وشايف نفسه

-هقص لسانك دا ومش هتشوفى الجامعة تانى
والمعيد دا إياكِ تكلميه قال حكايات قال.. لسه مخلصتش
من مصيبة عشان ادخل فى تانية

طوت يدها بعصبية ثم همست:

-العصبية دي مش بتطلع غير عليا

رمقها بطرف عيناه ثم همس:

-اسكتِ يا سنا عشان لو مسكتها فعلًا ممكن اموتها

ألتو ثغرها هاتفًا بسخرية:

-هتموتها من البوس والاحضان يا خويا عارفة

-بتقولى أيه؟!

هزت رأسها بالنفى هاتفة:

-بقولك لا يا مدين متتهورش اعقل كل شئ هيتحل

-فى أيه يا مجد شغال تتصل كل شوية ليه مش قولنا نخف شوية

قالت هذه الكلمات نهى بينما أردف مجد بتوتر:

-أنا قلقان الظابط اللى مسك القضية مكهرب القسم
كله مش مخلى حد عارف ياخد معلومة ولا حد من
معارفى عارف يشتغل.. كل اللى بيتقال قضية رأى عام
والسوشيال ميديا مقلوبة والوضع ميطمنش

-بقولك أيه أن مكلمتهاش من ساعتها وإزاى هروح دلوقتى
يعنى؟! وبعدين أنا عايزة
ابعد عن الدوشة دي الموضوع فيه إنت ..حار وشبهة
وأنا قلقانة

زفر بحنق هاتفًا:

-اسمعى منى قوليلها أن أهلك كانوا مش بينزلوكى
وروحى ليها تطمنى عليها اول ماسمحوا ليكي بنزول
وهى أكيد هتحكى كل حاجة وساعتها أحنا هنعرف
نتصرف وهنسبق خطوة

 

 

 

 

0 0 votes
Article Rating
____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x