روايات

رواية حلاق الميتين الفصل الأول 1 بقلم محمود الأمين

رواية حلاق الميتين الفصل الأول 1 بقلم محمود الأمين

 

 

البارت الأول

 

الجزء الأول
انا عارف إني غلطت كتير بس انا مستحيل اقتل.. لكن خلاص انا في الحجز وهيتحكم عليا بالإعدام.. قولت كتير إني مقتلتهوش لكن محدش صدقني.. قطع تفكيري صوت بيقولي:
“اخدت مني شعر ليه؟ عملت بيه إيه؟”
اتلفت لمصدر الصوت وجسمي تلج.. شوفت واحد قاعد جنبي، واحد انا عارفه كويس بس الراجل ده المفروض ميت دلوقتي.. لكن فجأة وشوش المساجين بقت وشوش الميتين اللي اخدت منهم شعر واديته لنصار الدجال.. وكلهم جايين ناحيتي.. صرخت وفضلت اضرب فيهم.. دخل الظابط واتنين أمناء شرطة وقالهم: “خدوه حبس انفرادي.”
خدوني ورموني في الحبس الانفرادي أو في أوضة يعني عشان انا كنت في قسم شرطة.. بدأت الكوابيس تطاردني في الليلة دي وكنت بشوفهم، أيوه الأموات وهما بيهاجموا عليا.. تاني يوم اترحلت للنيابة وحكيت هناك حكايتي، محدش صدقني واتقال عليا مجنون.. والنيابة أمرت بنقلي لمستشفى الأمراض النفسية والعقلية للكشف على قوايا العقلية.
وفعلا دخلت المستشفى وسط المجانين ودخلي واحد وقالي:
_انا الدكتور سامي المسؤول عن حالتك وعاوزك تعرف إني مش ضدك، انا هنا عشانك عشان اساعدك.
_لا، هتقول عليا مجنون زيهم.
_لا متخفش، هصدقك بس انت خليك واثق فيا واحكيلي كل حاجة حصلت بصدق.
وفعلا بدأت احكي… احكي أغرب حكاية ممكن تسمعوها في حياتكم.
…..
انا اسمي مدحت سلام عندي 27 سنة، متجوز أمل وعندي منها ولد اسمه سمير.. وزي كتير من الشباب مكملتش تعليمي، وصلت لمرحلة الثانوي وبعدها قررت إني هسيب التعليم واشتغل.. وكان الشغل متوفر بصراحة اشتغلت مع أبويا.. أبويا كان عامل مشرحة وقررت إني هساعده واتعلم الشغل رغم صعوبته.. أبويا علمني احترام الأموات وقالي إن الشغلانة دي ليها أصول، وإني لازم قبل ما ادخل المشرحة اخبط حتى لو عارف إن مفيش حد جوه، ونفس الأمر لما اجي افتح التلاجات عشان اخرج جثة لازم اخبط واخد الإذن.. وقالي إني لازم اتعامل معاهم زي ما بتعامل مع الناس العايشة، مش معنى إنهم أموات إننا نتعامل معاهم باستهتار، لا دول ليهم حرمة واحنا مش قدهم.
المهم إني اتعلمت بسرعة وبعد 3 سنين كنت متجوز ومخلّف سمير.. وأبويا كان اتوفى وقتها وانا بقيت مكانه، ورغم إن الناس كانت شايفة شغلي صعب انا كنت بحب شغلي جدا، لكن أكتر حاجة كانت مضايقاني المرتب.. المرتب كان ضعيف جدا مقابل المجهود اللي بقوم بيه وكنت بوفر طلبات البيت بالعافية.. وعشان اعرف أعيش محتاج قدّه 3 مرات.
بس خليني أقولك في الأول طبيعة شغلي: انا المسؤول عن إخراج الجثث للتشريح أو حد جاي يتعرف على جثة مجهولة واستلام أي جثة وتخليص الإجراءات.. وطبعا بيكون فيه زي تيكت على رجل الجثة عشان نعرف جثة مين.
لحد كده مفيش حاجة والدنيا كانت ماشية طبيعي، لكن القصة الحقيقية بتبدأ في يوم زي أي يوم نزلت الشغل وكان فيه جثة لشاب وصلت المستشفى.. الدكتور طلب مني مدخلش الجثة التلاجة عشان هتتشرح دلوقتي وفعلاً دخلتها المشرحة وسبتها.
ورجعت لمكتبي، عملت كباية الشاي وقعدت وانا بشتغل سمعت صوت بيقولي: “السلام عليكم”.
اتلفت لمصدر الصوت.. كان راجل في الأربعين من عمره، لابس جلابية وعمّة فوق راسه، عنده دقن سودا كثيفة وليه هيبة كده.. قولتله:
_أفندم اقدر اساعدك بحاجة؟
_انا اعرفك كويس بس انت متعرفنيش يا مدحت.. انا واحد ربنا اداله هبة إنه يساعد الناس ويجيب حقوقهم.
_تمام بس انا مالي بده كله؟
_عشان انت وقع عليك الاختيار إنك تساعدني في الخير ده يا مدحت وترضي ربنا.
_اختيار إيه؟ واساعدك في إيه؟ هو انا اعرفك؟!
_انا الشيخ نصار وجاي النهاردة أعرض عليك عرض لو قبلته هتكون من اللي ربنا اختارهم عشان يعملوا الخير.. انا طالب حاجة بسيطة جداً، طالب منك شعر من أي جثة عندك في المشرحة، خصلة واحدة بس.
_اه قول كده بقى.. يبقى متقولش شيخ، انت دجال نصاب جاي عاوز تخليني أغضب ربنا واساعدك في أعمال النصب والدجل.. امشي من هنا يا راجل انت بدل ما اطلب الشرطة.
_اوعي تقول كده تاني.. انا مش دجال، انا الشيخ نصار، انا اللي بجيب للناس حقوقها.
وعشان انا فاهم انت عاوز إيه.. خد دول وليك زيهم كل مرة.

انا شوفت الفلوس مبقتش عارف ارد ولا اتكلم.. فلوس كتير ولقيت نفسي بقوله:
_كام دول؟
_5 آلاف جنيه اظن مبلغ مش قليل على خصلتين شعر.
_طيب عدي عليا بليل الساعة 1 كده عشان الجو يكون هدى شوية وهجبلك الأمانة.

مشي نصار وانا في حيرة من أمري.. مش عارف اتصرف ازاي ولا هعمل إيه.. بس ده مبلغ مش قليل، انا بوفر اللقمة لعيالي بالعافية ومستحيل ارفض عرض زي ده.. سامحني يا أبويا، تتحرق المبادئ قدام الفقر وناس مش بترحم.. استنيت الدنيا هديت.
ودخلت المشرحة مفيش حد وكلهم مشيوا.. انا مش أول مرة ادخل المشرحة بس انا المرة دي خايف.. خايف بجد وجسمي بيتنفض.. فتحت درج تلاجة عشوائي وطلعت منه جثة وكنت واخد معايا مقص، وقصيت خصلتين ورجعت الجثة مكانها، مكنتش مصدق إني عملت كده.
خرجت، قعدت على مكتبي وانا ندمان إني عملت كده لكن مع ندمي كنت بفتكر قد إيه احتياجي للفلوس مهم.. على الساعة 1 لقيت نصار جيلي وبيقولي: “ها، جبت الشعر؟”
_اه اهو.. فين الفلوس؟
_اتفضل الفلوس اهي.

اخدت الفلوس وانا مش مصدق إني ماسك المبلغ ده حتة واحدة.. نصار شاف فرحتي وفرح وقال: “مش أول ولا آخر تعامل ما بينا يا مدحت.”
مردتش عليه.. الفلوس مكانتش مخلياني سامعه اصلا ومشي نصار.
رجعت البيت شوفت إيه الحاجات اللي ناقصة مراتي وابني.. حاجات بسيطة جداً لناس عايشة يوم بيوم.. مبلغ زي ده قدر يفرحهم.
لكن مكنتش مرتاح.. احساس إنك عملت حاجة غلط احساس وحش جداً.
رجعت المستشفى تاني يوم وبدأت ارجع اشتغل واحاول أنسى الغلطة دي وقلت إنها مرة وخلاص.. ونصار مجاش يوم والتاني والتالت.. مجاش.. الحمدلله.
لكن بدأت الفلوس تخلص ورجعت مراتي تطلب ورجعت الدنيا صعبة من تاني.
وفي اليوم الرابع لقيت نصار جاي وبيقولي:
_ازيك يا مدحت، اظن الفلوس ظبطت الدنيا معاك؟
_اه الحمدلله بس انا مش هعمل كده تاني.
_ليه بس كده يا مدحت؟ هتزعلني منك ليه؟ خلي بالك انا زعلي وحش.
_يعني إيه؟ انت بتهددني يعني ولا اي؟ مش فاهم.
_لا يا مدحت بس انت مش هتزعلني انا.. انت هتزعلهم هما.
_هما مين دول؟
_الأسياد اللي بتساعد الناس ترجع حقوقها يا مدحت.. لو حد فكر يمنعهم من الخير اللي بيعملوه بيعتبروه ضدهم.. ودول انتقامهم صعب يا مدحت.
_هترجع تاني تقولي الخير ومساعدة الناس.. بقولك إيه؟ انت ليك الشعر وانا ليا الفلوس.. تمام.
_يعني موافق.. طيب هعدي عليك بليل عشان اخد الشعر.

ايوه وافقت مضطر اعمل كده ما هو مفيش حل تاني.. اللي عمل الحرام مرة هيعمله مليون مرة وانا خلاص رجلي جت في الحرام.. دخلت المشرحة من تاني وجبتله الشعر المطلوب واستنيته لحد ما جه.. واخد مني الشعر واداني الفلوس وقالي:
_المرة دي مش هغيب وهرجعلك قريب جدا، بس انا عاوزك تفكر دايما في مصلحتك وتسيبك من موضوع حلال وحرام ده.. فاهم؟
_فاهم.. شوف انت هترجع امتى وانا جاهز.

خلاص مبقاش فارق معايا حاجة.. كل حاجة اتعلمتها من أبويا كانت بالنسبالي مجرد كلام ملهوش قيمة.. القيمة الحقيقية في الفلوس اللي هقدر بيها اعيش واصرف على بيتي واكبر ابني واعلمه كويس.. خلاص أيام الفقر راحت.. وفعلا نصار متأخرش المرة دي.. غاب يوم واحد ورجع تاني وقالي:
_اظن ملحقتش تصرف الفلوس.. مش كده؟
_لا ملحقتش.
_انا كنت عارف، بس الشغل كتير والناس الغلابة عاوزة حقوقها.
_حاضر.. بس انا عندي سؤال؟
_انا عارف سؤالك كويس.. كنت هتقولي ليه جاي تاخد الحاجة دي من المشرحة، ما الترب موجودة صح؟
_انت عرفت منين إني هقولك كده؟
_افكارك كلها عندي.. حتى تأنيب ضميرك واحساسك بالذنب وكلام والدك اللي بيرن في ودانك.. بس انا عارف انك ذكي ومش هتضيع الفرصة عشان شوية كلام اهبل ولا اي.
_مش عارف اقولك إيه.. انا هبتدي اخاف منك.
_مدحت متخفش انا جتلك عشان اساعدك عشان تعرف تعيش انت ومراتك وابنك حياة كريمة.
_الساعة 1.. استنى هدخل اجبلك الأمانة.
….
دخلت وهو واقف بره، كنت بجد بفكر في كلامه وإن افكاري عنده، هو بيقراها وعنده القدرة دي.. فتحت درج التلاجة وقصيت خصلتين الشعر بالمقص.. وقفلت الدرج والمشرحة واديته الشعر واخدت منه الفلوس.. وخلاص بقيت شغال قدام الناس عامل مشرحة ومن ورا الناس حلاق، ومش أي حلاق.. ده حلاق ميتين.
نصار كان بيجيلي كل يومين تقريباً يطلب مني الشعر واجيبهوله واخد الفلوس واستمر الوضع على كده 6 شهور.. الفلوس معايا كترت اوي وبقيت قادر اعيش واصرف على البيت.. لحد ما حصلت حاجة:
في يوم كنت قاعد على المكتب وكانت الساعة 2 بليل ولقيت نصار داخل وبيقولي:
“ازيك يا مدحت؟”
_اهلا يا مولانا، اهلا نورت.. اقعد على ما اجبلك الأمانة.
_لا يا مدحت انا جيلك النهاردة عشان سبب تاني.
_سبب تاني ازاي؟
_شغلانة هتاكل منها عيش أحسن من موضوع الشعر وفيها فلوس اكتر.
_ايدي على كتفك يا مولانا.. شغلانة ايه دي؟
….
حط نصار ايده في جيبه وطلع حاجة قماش متخيطة على شكل مثلث عاملة زي الحجاب كده وقال:
_انا عاوزك تحط الحجاب ده في بوق جثة مكملتش 3 أيام عندك في التلاجة.. بس هي دي الشغلانة.
_انت بتقول ايه.. انت عارف انت بتطلب مني ايه؟ انا مستحيل اعمل كده.. دي حرمة أموات.
_يا سلام! ولما اخدت منهم الشعر مكنتش حرمة أموات؟ بقولك إيه بلاش تعيش دور البريء دلوقتي.. انت هتاخد ضعف المبلغ اللي كنت بتاخده.. انا بساعدك وانت مش عايز تساعد نفسك.
_ضعف المبلغ؟ انت بتتكلم بجد؟!
_اه طبعاً بجد.. ها قولت ايه؟ موافق؟
_موافق يا شيخ نصار.
_الله ينور عليك.. ايوة كده، يلا خد الحجاب ومتنساش جثة معداش عليها 3 أيام.
_وليه المدة دي بالذات؟
_يا جدع عيب عليك ده انت خبرة في الشغلانة.. بس انا هقولك باختصار، بوق الجثة بيكون سهل فتحه في أول 3 أيام.. لكن بعد كده بيكلبش وبيكون رافض يتفتح وطبعا كده هتضمن إن محدش هيفتح بوقها ويكتشف السر.. وفي سبب تاني، بس ده يخص شغلي انا ويفضل انك متعرفهوش.
_فهمت يا شيخ نصار.
_انا همشي دلوقتي وهستنى النتيجة.. والفلوس اهي خدها.. بس خلي بالك لو منفذتش هعرف.

مشي نصار وانا في حيرة.. المبلغ اللي انا ماسكه في ايدي دلوقتي مبلغ كبير.. وفي نفس الوقت بقي عندي فضول.. ايه اللي هيحصل يعني لما احط الحجاب في بوق الجثة؟ هو هيستفيد ايه يعني؟
دخلت المشرحة عشان فيه جثة كانت لسه واصلة المستشفى وهتتشرح بعد اربع أيام.. فتحت التلاجة وفتحت بوق الجثة وانا بترعش ومرعوب من اللي بعمله وحطيت الحجاب في بوقها وقفلته وقفلت باب التلاجة.. بمجرد ما قفلته سمعت صوت خلع قلبي من مكانه.. كان صوت.. صوت…
يتبع الجزء الثاني

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية شهاب وغزال - غزالة الشهاب الفصل السابع والعشرون 27 بقلم دعاء احمد

 

 

____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *