رواية جريمة المصنع الفصل الثالث 3 بقلم محمود الأمين
رواية جريمة المصنع الفصل الثالث 3 بقلم محمود الأمين
البارت الثالث
الجزء الثالث
جثة عاشور الصوفي، ورغم إن الجلد مسلوخ، بس دي نفس الساعة والخاتم اللي كان لابسهم لما جالي. الجثتين اتنقلوا على المشرحة، وأنا بقيت محتار، مين اللي بيرتكب الجرايم دي؟
في الأول كانت كل الأدلة بتقول إن القاتل هو أسامة الطوخي، ولما قبضنا عليه اتقتل حتى من قبل ما نركبه البوكس وناخده على المديرية. بس اللي كان جايب الشوال لحد المصنع هو أسامة، وده ملهوش غير حل واحد.. إن أسامة كان شريك القاتل، القاتل هو اللي بيخدر وبيسلخ الجلد وبعدها بيقتل، وبيطلب من أسامة إنه ياخد الجثث يوديها المصنع، وأسامة بينفذ.
يا ترى مين الشخص ده؟ وبيعمل ده كله ليه؟
دوامة من الأسئلة اللي كانت إجابتها قربت جدًا، لكن القدر كان ليه رأي تاني.
رجعنا المكتب أنا والرائد سعد، وطلبت منه يعمل استدعاء لصاحب أسامة الطوخي المقرب “فريد طه”.
_ هو حضرتك شاكك فيه ولا إيه؟
= ما فيش حد بعيد عن الشك يا سعد، أنا بس عايز أسمع منه وجايز أستفيد بمعلومة وأفهم مين القاتل ده وبيعمل كده ليه؟
…
وفعلًا في محضر راح باستدعاء لفريد عشان يجي ويدلي بأقواله، لكن المحضر راح وما لقاش حد هناك، ولما سأل عليه الجيران كان محدش يعرف عنه حاجة.
قلقت ليكون القاتل وصل له هو كمان، وعشان كده جبت إذن نيابة بتفتيش بيته واتحركنا بقوة من المديرية على هناك.
وصلنا بيت في حارة ضيقة، وطبعًا الناس الشعبية معروفة لما بتشوف الحكومة داخلة منطقتها لازم تعرف في إيه؟
لقيت واحد بيقرب مني من أهل الحارة، راجل كبير في السن وبيسألني:
_ هو في حاجة يا باشا ولا إيه؟
= هو مش ده بيت فريد طه؟
_ آه هو، ومن شوية في محضر جاله بس ما كانش موجود برضو، ودي مش من عادته، دايمًا بيروح ويرجع ومش بيتأخر، بس أنا قاعد على القهوة من صِباحِيَّة ربنا وهو ما رجعش.
…
كلام الراجل زوّد شكوكي أكتر، وده خلاني أمرت الرجالة بكسر الباب، وفعلاً نفذوا الأمر.
دخلنا الشقة، كانت مكتومة وريحتها وحشة، شقة صغيرة مكونة من أوضتين وصالة وحمام ومطبخ، العفش اللي فيها قديم.
دخلت الأوضة الأولانية كان فيها مكتب وسرير ودولاب، وعلى المكتب كان في ورق وكتاب.
لفت نظري الكتاب اللي موجود على المكتب، دي الرواية اللي موجود منها نسخة معايا:
“الأسطورة اليابانية”.
واضح إنه فريد مثقف شوية، لكن الأوراق اللي على المكتب كانت صور مطبوعة للناس اللي ماتت.
وفي لحظة جه في دماغي هاجس غريب، وده خلاني أخرج من الشقة ونرجع تاني على المديرية، وطلبت من الرائد سعد يعملى تحريات عن فريد.
والرائد سعد فهم إني شاكك في فريد، بس كان عاوز يفهم، فأتكلمت وقلتله:
_ أنا لقيت ده عند فريد.
= إيه ده يا باشا؟ ده كتاب، إيه علاقته بجرائم القتل؟
_ دي رواية عن أسطورة يابانية، الرواية بتحكي عن ست جميلة جدًا كانت عايشة مع جوزها حياة في منتهى السعادة، لحد ما جوزها اتعرض لحادثة اتسببت في تشوه بالوش، ووقتها كان فاكر إن زوجته هتتخلى عنه، لكنه اتفاجئ برد فعلها، زوجته قالتله إنها مش بتحبه عشان شكله وإن الشكل مش مهم.
لكن الزوجة كانت بتشوف كل يوم جوزها وهو واقف قدام المراية وبيتحسر على شكله اللي اتبهدل، فقررت الزوجة إنها تعمل حاجة مجنونة، حرفيًا شوهت وشها، عملت جرح كبير في وشها خلاه مخيف، وكانت منتظرة من جوزها يتقبل شكلها زي ما هي اتقبلت شكله، لكنها اتفاجأت من رد فعله إنه رفض شكلها وسابها.
وقتها الزوجة ما كانتش مصدقة نفسها، وكرهت كل الرجالة، وخرجت للشارع وهي لابسة كمامة على بوقها ومعاها سلاح أبيض، وكانت بتوقف الناس في الشارع وبالتحديد الرجالة، وبتسألهم: “هو أنا شكلي حلو؟”
واللي كان بيقول لها: “آه”، كانت بتشيل الكمامة، وبتسأله: “وكده إيه؟”
طبعًا الشخص كان بيتصدم من شكلها، واللي كان بيتصدم ويحاول يهرب أو يقول: “لأ” كان بيتقتل، والحل الوحيد إنك تنجو من الموضوع إنك تقول: “آه جميلة” وبكل ثقة.
= رواية حلوة فعلًا يا باشا، بس برضه إيه علاقتها بفريد؟
_ لما تعمل التحريات عنه هقولك.
…
قعدت في المكتب وأنا بفكر، هل ممكن يكون فريد عاش نفس حكاية الست اللي في الرواية؟ ولا ده مجرد تنبؤ مني؟
بعد ساعات من الانتظار، دخل عليا الرائد سعد وفي إيده ملف التحريات، كان بيضحك وهو بيقول:
حضرتك قريت عن الأسطورة اليابانية، ودلوقتي هتعرف حكاية الأسطورة المصرية.
_ فريد كان موظف غلبان في المصنع اللي اتحرق، بس حكاية فريد مش بتبدأ من هنا، بتبدأ من عند مراته “هدى” الست اللي كان عندها عيب خلقي في وشها، وكان بيتسببلها في كلام وتنمر من الناس كلها، وكان دايمًا فريد واقف في ضهرها وبيـدعمها، واللي كان بيدوسلها على طرف كان بيندموا على اليوم اللي اتولد فيه.
فريد كان بيحب مراته جدًا، لحد اليوم اللي حصلت فيه الحريقة، شهادة الموجودين وقتها قالوا إن فريد كان بعيد عن النار، لكنه اختار إنه ينقذ صاحب عمره “أسامة الطوخي” وما يهربش، وفعلاً نجح في ده، لكن فشل في حماية نفسه، وده تسبب في تشوه جزئي في الوش خلّى منظر فريد صعب جدًا.
بس هو كان فاكر إن مراته هتقف جنبه، لكنه اتفاجئ بالعكس، وكأن كتاب الأسطورة اليابانية بيتعاد، ولكن النسخة المصرية؛ مراته رفعت عليه قضية “خلع” وكسبتها وخلعته.
بس فريد ما طلعش ينتقم من الستات، فريد راح لأصحابه اللي طلعوا من الحادث بدون أي تشوهات، ولقوا شغل وعيشتهم ارتاحت، لكن كلهم رفضوا يساعدوا فريد، وأظن ده كان الدافع للانتقام؛ عشان حسب التحريات فريد راح لـ 10 أشخاص، وأكيد هما دول العشرة اللي ماتوا.
= دلوقتي الرؤية اكتملت، فريد لجأ لصاحب عمره “أسامة الطوخي” اللي شايل جميل إن فريد أنقذه، فوافق أسامة على المساعدة، وبقى فريد يخدر ويسلخ ويقتل، وأسامة ياخد الجثث يوديها المصنع، وطبعًا هو كان بيديهم بنج ويشوههم عشان يحسوا بالعذاب اللي هو حس بيه.
ولما أسامة اتمسك خاف يعترف عليه ويروح في 60 داهية، فقتله.
_ هو ده السيناريو المنطقي فعلًا يا فندم.
= يبقى لازم نوصل لفريد ده في أسرع وقت، لازم يتقبض عليه عشان نقفل القضية دي.
…
شهرين في تحريات وتحقيقات عشان نوصل لـ فريد طه اللي ارتكب كل الجرايم دي، وبصراحة هو واحد من أذكى المجرمين اللي أنا اتعاملت معاهم.
لحد ما وصلنا بلاغ عن انتحار واحد مأجر شقة في منطقة المرج، ولما روحنا هناك لقينا الشخص ده هو فريد طه.
كان شانق نفسه في الصالة، وكان سايب جواب مكتوب فيه:
(أنا مش هدافع عن نفسي وهقول إني ضحية، ما فيش ضحية بتقتل، بس أنا اتظلمت كتير في حياتي، حلمي كان بسيط إني أعيش عيشة كويسة وأكون مرتاح البال، كنت راضي بالتشوه اللي عند مراتي، ورفضت كل محاولات أهلي إني أطلقها، بس لما حصلي أنا التشوه، هي اختارت تبيعني.
ما كنتش لاقي شغل، لجأت لكل الناس اللي نجوا من الحريق، بس كلهم اتريقوا عليا واتنمروا على شكلي، ولما عرفت إن عاشور بيه الصوفي رجع البلد روحتله على أساس إنه يساعدني، أنا ما كنتش بشحت ولا طالب منه حسنة، طردني طردة الكلاب، ولقيت نفسي لوحدي، الكره ملا قلبي وخلاني مش شايف غير الانتقام، خلصت عليهم كلهم، حتى صاحب عمري اللي أنا أنقذته من النار وضحيت بنفسي عشانه، جه في يوم يقولي إن اللعبة كبرت وإنه مش هيقدر يساعدني تاني، ومع آخر جثة حطها في المصنع قدرتوا تقبضوا عليه، وأنا كنت مراقب الوضع وقتها، وكنت عارف إنه مع أول قلم هيعترف، فقتلته.
والسؤال اللي بيدور في بالك يا حضرة الظابط: هو انت ليه كنت بتسلخ جلدهم؟
هقولك: عشان لما يصحوا ويشوفوا شكلهم قدام المراية يحسوا باللي أنا حسيت بيه، وبعدها كنت بقتلهم بدم بارد.
عارف دلوقتي إنك شايفني إنسان مريض، بس هما اللي وصلوني لكده، آه صحيح هتلاقي جثة الخسيسة اللي باعتني بعد ما اشتريتها مدفونة في شقتي في الأوضة الصغيرة، خرجوا جثتها وادفنوها هي كمان.
أنا خلصت، وكده كده نهايتي هتكون الإعدام، فقررت إني أنفذ في نفسي الحكم ده، قررت إني ما أدوّقش عذاب الانتظار).
خلصت الجواب، وفعلاً لقينا جثة مراته مدفونة في الشقة بتاعته، خرجناها واتدفنت حسب الشرع، وخلصت القضية، وبجد مش عارف أقول عليه ضحية ولا قاتل.
إحنا للأسف بنتخدع في أقرب الناس لينا، وكل واحد بيتعايش مع صدمته بأسلوبه، في ناس بتسكت وبتكتم جواها، وفي ناس بتنتقم من كل حد سببلها ألم نفسي..
ربنا يتولانا.
…
تمت
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية جريمة المصنع)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)