رواية جريمة المصنع الفصل الأول 1 بقلم محمود الأمين
رواية جريمة المصنع الفصل الأول 1 بقلم محمود الأمين
البارت الأول
الجزء الأول
في ليلة من ليالي الشتا، كنت قاعد على مكتبي بشرب فنجان القهوة ومستمتع بقراية رواية جديدة، أنا من عشاق روايات الجريمة. الرواية كانت بتحكي عن أسطورة يابانية كانت بتقتل الرجالة في الشوارع. اللي كان عاجبني في الرواية هو أسلوب السرد الخاص بالكاتب. في الوقت ده خبط الباب ودخل الرائد سعد واتكلم وقال:
_ في واحد بره يا فندم مصمم يقابل سيادتك.
= واحد مين يا سعد؟ أنا مندمج في الرواية، شوفوا عاوز إيه؟
_ ده رجل أعمال يا فندم، بس شكله مش طبيعي خالص ومصمم يقابل سيادتك.
..
في الوقت ده دخل رجل الأعمال عاشور الصوفي، ما كانش محتاج يعرف نفسه، واتكلم وقال:
_ حضرتك المقدم نبيل صح؟
= اتفضل اقعد يا فندم، خير إن شاء الله؟
_ مش خير… أنا مش عارف أبدأ كلامي منين؟!.. أنا رجعت من السفر امبارح وقلت هرجع أفتح المصنع بتاعي وارجع الشغل تاني. روّحت أنا والرجالة على المصنع، بس أول ما وصلنا هناك شمّينا ريحة وحشة أوي جاية من جوه. فتحنا الباب عشان نتفاجئ بمنظر ما حدش يتحمله.
= منظر إيه يا باشا؟
_ حضرتك بص على الصورة دي وهتفهم.
…
مسكت التليفون وبصيت. في الحقيقة من الصدمة ما كنتش عارف أتكلم.. صورة كانت بشعة بما يكفي، أكتر من 10 جثث على الأرض. في منهم اللي وصل لمرحلة التحلل الكامل، وفي منهم اللي وصل لمرحلة التعفن، وفي منهم اللي لسه سليم. المشكلة الأكبر إن الجثث السليمة واللي ملامحها المفروض موجودة كانت متشوّهة، أو بمعنى أصح: ما فيش جلد.
القاتل ده بعد ما قتلهم سلخ جلدهم!
أنا عارف إنه الكلام صعب ومقرف، بس هي دي الحقيقة.
رجعت التليفون للراجل وأنا مش عارف أقوله إيه؟!!
وعلى طول اتحركنا على المصنع، ومعانا قوة من المديرية، وكمان بلّغت رجال المعمل الجنائي.
وصلنا هناك والمكان اتحاصر بالكامل. دخلنا أنا والرائد سعد، وطلعنا مناديل وحطيناها على مناخيرنا وبوقنا من بشاعة الريحة. ووصل رجالة المعمل الجنائي وبدأوا بفحص مسرح الجريمة… أو خليني أقول: مكان تواجد الجثث.
….
اتنقلت الجثث للمشرحة، عشان تتشرح بواسطة الطب الشرعي. صحيح في جثث اتحللت تماماً، لكن دور الطب الشرعي مهم برضه في الحالات دي. بيعرف معلومات زي وقت الوفاة، والجنس: راجل ولا ست، وحاجات تانية كتير.
وبعد ما خلصنا شغلنا، رجعت على المكتب وكان معانا عاشور الصوفي. وبدأت الكلام وقولتله:
_ تفتكر مين الشخص اللي ممكن يقتل الناس دي كلها ويحطهم في مصنعك انت بالذات؟.. هل ليك أعداء ممكن يعملوا كده؟
= أكيد ليا أعداء، بس ما توصلش للدرجة دي! اللي عمل كده بني آدم مجنون، لا يمكن يكون طبيعي.
_ في جثث لسه ما وصلتْش لمرحلة التعفن، يعني جثث جديدة. وده معناه إن في جريمة قتل حصلت قريب جداً، وده طبعاً هيبان في تقرير الطب الشرعي. بس اسمحلي أسألك:
حضرتك قفلت المصنع ليه من الأساس وسافرت بره؟ وليه رجعت دلوقتي بالتحديد وعاوز تفتح المصنع؟
= المصنع ده بتاع والدي الله يرحمه. كان مصنع تصنيع بلاستيك، وكان بيكسب كويس جداً، لكن حصلت فيه حريقة وفي ناس كتير ماتت. والدي دفع تعويضات كبيرة لأهالي الناس اللي ماتت وبعدها اتوفى. وأنا في نفس الوقت كان معايا شغل في أوروبا، ولما حسبتها لقيت إني مش هينفع أسيب الشغل اللي في أوروبا وأجي هنا، والمصنع من يومها فضل مقفول.
= عموماً إحنا مراقبين المصنع، بس أكيد القاتل عرف إننا وصلنا للمصنع ونقلنا الجثث، وما اعتقدش هيقرب من هناك دلوقتي. وإحنا هنستنى تقرير الطب الشرعي الخاص بالجثث، وعشان نعرف كمان البصمات اللي هناك بصمات مين؟
_ تمام يا فندم.
…
مشي عاشور الصوفي من عندي، وطلبت من الرائد سعد يعمل فحص لبلاغات التغيب اللي في الفترة الأخيرة. فرد عليا وقال:
= أيوه يا فندم، بس الجثث اللي لسه سليمة أصحابها في التلاتينات والأربعينات من عمرهم، يعني ناس واعية مش ناس صغيرة هتتخطف.
_ لا عادي يا حضرة الظابط… ممكن الناس دي تكون اتاخدت على خوانة. لسه مش عارفين القاتل ده نفذ جريمته إزاي!.. هستنى منك نتيجة فحص البلاغات، ولو لقيت في حاجة مطابقة، كلم أصحاب البلاغات يجوا يشوفوا الجثث السليمة، جايز يتعرفوا عليها. وقبل ما تقولي الجثث مشوهة، ممكن تكون في علامة مميزة يعرفوا بيها أهاليهم.
= تمام يا فندم تحت أمرك.
….
خرج الرائد سعد من المكتب. الموضوع كان شاغل دماغي، وفي مليون سؤال كنت بسألهم لنفسي.
وأهمهم: إيه اللي يخلي شخص بعد ما يقتل بني آدم يسلخ جلده؟.. ده أكيد بني آدم معقد نفسياً.
كنت هتجنّن. طلعت تليفوني وبحثت عن مصنع البلاستيك اللي كان بيملكه والد عاشور الصوفي، مدحت الصوفي. وأول حاجة ظهرتلي في نتائج البحث:
هي الحريقة اللي حصلت في المصنع. كان مكتوب إن في خمسة ماتوا وسبعة حصلهم حروق خطيرة وتشوهات في الجسم، وإن مدحت الصوفي دفع تعويضات مالية كبيرة لأهالي الضحايا والمصابين، ومن بعدها المصنع اتقفل.
…
مسكت تليفوني واتصلت بسعد، وقولتله:
_ سعد، أنا عايز تحريات مفصلة ومستوفية عن مصنع البلاستيك من أول ما اشتغل لحد ما وقف. وعايز أعرف أسامي الناس اللي توفّت في الحريق ده، وأسامي الناس اللي اتصابت كمان.
= حاضر يا فندم تحت أمرك… بس ده هيفيد في إيه؟
_ عاوز أعرف إيه سبب الحريق اللي حصل!.. ممكن يكون في رابط بين الحريق اللي حصل زمان والجرايم اللي حصلت دلوقتي. أصل موضوع إن القاتل لقى المكان فاضي فقرر يحط فيه الجثث… مش داخل دماغي.
= حاضر يا فندم. في خلال 48 ساعة كل حاجة هتكون على مكتبك.
_ تمام يا سعد.
….
للأسف تاني يوم الموضوع كان اتسرب للصحافة، والمنشت الرئيسي كان مكتوب: 10 جثث مجهولة في مصنع مهجور.
وكان مذكور اسم مدحت الصوفي وابنه.
كنت متضايق طبعاً، ومش عايز الخبر ده يطلع في الوقت الحالي. إحنا مش حمل ضغوطات.
لكن وأنا قاعد لقيت تليفوني بيرن… واللي كان بيتصل هو الدكتور هشام، دكتور الطب الشرعي، واللي قال كلام في منتهى البشاعة والغرابة.
_ ألو.. إزيّك يا دكتور هشام؟ عامل إيه؟
= الحمد لله بخير يا باشا. كنت عايز أبلغ حضرتك حاجة كده اكتشفتها وأنا بشرّح الجثث.
_ خير يا دكتور إن شاء الله؟
= هو مش خير خالص. طبعاً حضرتك عارف إن الجثث اتسلخت وما بقاش ليها ملامح. الأصعب بقى إن القاتل سلخ قبل القتل!
_ ده إزاي ده؟!.. هو في كده؟!
= في الحقيقة أنا شرّحت جثث كتير، بس عمري ما شوفت قاتل بالبشاعة دي. وواضح إن الناس دي هو قتلها بغرض الانتقام.
_ لا حول ولا قوة إلا بالله… طيب معلش يا دكتور استعجلنا شوية التقارير. أنا من الصبح طالع عيني بسبب إن الموضوع اتسرب للصحافة.
= حاضر يا فندم تحت أمرك.
….
فاتت 48 ساعة… وإحنا في تحريات وتحقيقات مش بتخلص، لحد ما لقيت الرائد سعد داخل من الباب وعلى وشه الذهول. فسألته:
مالك يا سعد؟ في إيه؟.. ما تتكلم؟
= تقرير البصمات… بيقول إن البصمات كلها لشخص واحد. والشخص ده إحنا عرفناه، وكمان عملت تحريات عنه عشان أعرف تاريخه… وعرفت.
_ طيب هايل… إيه المشكلة بقى؟
= هي مش مشكلة يا فندم… هي كارثة! أصل الشخص ده يبقى…
يتبع الجزء الثاني…
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية جريمة المصنع)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)