روايات

رواية نجوت بك الفصل الثامن 8 بقلم مي مصطفي

رواية نجوت بك الفصل الثامن 8 بقلم مي مصطفي

 

البارت الثامن

 

 

الفصل الثامن”وُجِدَ من يُنصِفُني”

قبل أن تغوص في هذا الفصل…
توقّف لحظة، خذ نفسًا عميقًا،
و-بكل خشوع-ردّد معي:
اللهم صلِّ على محمد، عددَ ما خطّت الأقلام، وما رفرف السلام، وما تنفّس الأنام.
صلِّ عليه حتى يُطمئن القلب، وتُفتح الأبواب، وتُروى الأرواح.

+

بسم الله نبدأ…
وبنور الصلاة عليه، نُزيّن الحروف ونُغلف المعاني…
فما طابت الكلمات إلا حين اقترنت باسمه، وما سكنت القلوب إلا حين صلّت عليه.
صلِّ على الحبيب… ثم اقرأ.✨

+

————-
خرجت “رفيدة” من الحمّام بخُطى خجولة، وقد لفّت ذراعيها حول نفسها في حياءٍ أنثويّ ، كأنّها تخشى أن يُلامسها الهواء بنظراته. كانت البيجامة الشتوية التي أهدتها إياها “رنا” واسعة قليلاً، بلون ورديّ باهتٍ كبتلات الربيع الأولى، وتنسدل بنعومة على جسدها، فتزيدها رقةً لا تكاد تُوصف.
خطت نحو الباب ببطء، ثم فتحته، لتجد “رنا” و”رباب” تنتظرانها، وما إن وقعت أعينهما عليها حتى ارتسمت الدهشة على وجهيهما، وتعلّقت الأنفاس في الحناجر للحظة قصيرة صامتة، لكنها ناطقة بكل ما عجز اللسان عن قوله.
كان شعر “رفيدة” مسدولًا على كتفيها كستائر من الشوكولاتة المُرَطّبة، لون داكن عميق يتخلله خيوط ذهبية خفية تظهر كلما لامسه الضوء، وكأن الشمس ذاتها خبّأت شيئًا منها في خصلاته. شعر ناعم، منسدل، كثيف، لا يحتاج إلى زينة ليجذب الأنظار.
أما ملامحها، فقد انكشفت أخيرًا بلا حواجز. وجه بيضاويّ تكلّله براءة حزينة، وجبهة عالية تشي بالسكينة، وأنف صغير دقيق كأنه مرسوم بحذر، وشفاه وردية ممتلئة، تنغلق كأنها تخشى أن تنطق بشيء يُثقل اللحظة.
لكنّ الأجمل في وجهها كان عيناها…
عيناها الواسعتان، بلونهما الكستنائيّ المائل للعسل في الضوء، تحملان ألف حكاية وألف وجع وألف لحظة صمت لم تُفهم من قبل.
نظراتها ليست من هذا العالم؛ فيها حياء المراهقة، ووجع اليُتم، ونضج من ذاق الخذلان ولم يسقط.
قالت “رنا” بدهشة مازحة، وهي تقترب منها:
– “يا شيخة… ليكي حق تخبي جمالك ورا النقاب ماشاء الله.”
ضحكت “رباب” وهي تفتح ذراعيها وكأنها تستقبل ابنةً طال غيابها:
– “سبحان من صوّرك يا بنتي… بسم الله ما شاء الله، دي جمالك هادي وكأنه ساكن في القلب مش في العين.”
احمرّ وجه “رفيدة” خجلًا، وعضّت على طرف شفتها السفلى، وهي تهمس:
– “ربنا يخليكم متحرمش من ذوقكم أبدًا”
قضوا السهرة يتقاسمون الضحكات والذكريات، ما بين سردٍ شيّق من “رنا” عن أوّل أيامها في لندن، ومواقف طريفة أضفت على الجلسة خفةً لطيفة، وبين حنينٍ عذبٍ من “رباب” إلى أرض الوطن، تستعيد معه صورًا دافئة من مصر، وتغزل من الشوق خيوطًا من الحنين لا تنقطع.
وحين انسدل الليل بسكينته، ودّعتهم رباب بكلماتٍ حنونة، ودخلت “رفيدة” إلى غرفة “رنا”، تتردد في الخطو، كأنها تستأذن المكان.
همست بخجلٍ دافئ:
– “أنا آسفة إني هشاركك الأوضة النهارده…”
فردّت “رنا” بحماسة طفولية:
– “يا نهار أبيض! أنا أطول الجمال ده كله ينام جنبي؟! وبعدين، أنا أصلاً مليش إخوات… واعتبرتك أختي، والله العظيم!”
توقفت الكلمات في صدر “رفيدة”، ثم خرجت منها بنبرة صادقة، متأثرة:
– “وأنا… لأول مرة أحس إني مرتاحة كده… وكأني بعيش في دفء وأمان…”
ابتسمت “رنا” بحنان، وأطفأتا النور، وتوسّدتا هدوءَ الليل… لكن الدفء لم يطل كثيرًا.

+

 

 

في منتصف الليل، أفزع “رنا” صوت أنينٍ خافت يتسلّل من جوارها. فتحت عينيها بسرعة، التفتت ناحية “رفيدة”، وإذا بها تتقلب في فراشها والألم ينهش ملامحها.
– “مالك يا رفيدة؟! في إيه؟!”
قالت بصوتٍ مخنوق:
– “أنا آسفة… آسفة إني صحيتك، حاولت أكتّم وجعي على قد ما أقدر…”
نهضت “رنا” ووضعت يدها على كتفها:
– “يا خبر! تعبانه وساكتة كل ده ومصحتنيش؟! فيه إيه؟!”
– “رجلي… شادّة عليا أوي…”
– “طب ليكي علاج؟!”
– “أيوه… بس مش معايا هنا في السكن.”
وقفت “رنا” بتوتر:
– “هصحي سليمان يشوف لو نروح المستشفى.”
فزعت “رفيدة” وجذبت نفسها رغم الألم، وهي تصرخ:
– “لا …آااه! لا… لا، بلاش! كفاية عليه كده، بجد، لو سمحتي، سيبيه يرتاح… أنا شوية وهرتاح، لو في بس أي مسكّن، وخلاص…”
دقّ الباب فجأة، ودخلت “رباب” بقلق:
– “فيه إيه يا بنات؟ سمعت صوت صريخ!”
ارتسم الألم على وجه “رفيدة” بوضوح، فركضت إليها “رباب”:
– “مالك يا بنتي؟! إيه اللي حصل؟!”
قالت “رنا” بحزن:
– “دي رفيدة يا ماما، تعبانه، ورجلها واجعاها، وساكتة طول الوقت، ومش راضية تصحي حد!”
نظرت “رباب” لها بعتاب:
– “كده برضو يا رفيدة؟”
ثم التفتت لـ”رنا”:
– “روحي صحي سليمان حالًا!”
توسّلت “رفيدة”:
– “أرجوكم… بلاش. مش مستاهلة. أنا بس محتاجة مسكّن… والعلاج أنا ماخدتوش في ميعاده.”
أسرعت “رنا” لـ”سليمان”، الذي كان قد غفا بعد أن تلقّى رسالة من “رنا” تطمئنه على رفيدة، واستغرق في النوم بعد يومٍ شاق ومليء بالوعود المؤجلة.
استفاق على طرقٍ متسارع على الباب، قفز من سريره، وقلبه يسبق خطاه. فتح الباب ليجد “رنا” وعينها تملأها القلق:
– “رفيدة يا أبيه تعبانه أوي…”
لم يمهلها لتكمل. عبر الشقة بخطى سريعة، ووقف في منتصف الصالة:
– “مالها؟!”
– “رجلها واجعاها جدًا، ومُصرّة تاخد أي مسكن وخلاص!”
شدّ على كلماته بجدية:
– “إزاي يعني تاخد أي حاجه كده؟! لو سمحتي، خليها تلبس… وإنتي كمان البسي، وتعالوا معايا حالًا!”
دخلت “رنا” وأبلغت “رفيدة” بنيّتهم، فرفضت برجاء:
– “صدقوني… أنا كويسة، محتاجة بس العلاج بتاعي… هو مسكن أصلًا لو فيه حباية مسكن هنا تكفي والله ”
خرجت “رنا” تنقل رسالتها، فأومأ “سليمان” برأسه بحزم:
– “خليها تستريح… أنا هروح أجيبه. أنا فاكر الصيدلية دي،،وهنا معظم الصيدليات بيكون عندهم نُسخ من الروشتات.”
خرج في البرد القارس، يجوب شوارع لندن المظلمة، متدثرًا بإصراره وقلقه. عاد بعد قليل، وقد لفّت يداه عبوة الدواء كما يُلفّ الرجاء.
رنّ الجرس، فأسرعت “رنا” لتفتح، تناولت منه العلاج، فقال بصوتٍ متوتر:
– ” هي عامله إيه دلوقتي؟”
– “لسّه تعبانة.”
شدّ على أنفاسه:
– “خدي العلاج، وأنا هستنى هنا… لو مرتاحتش، هوديها المستشفى غصب عنها.”
دخلت “رنا”، وساعدت “رفيدة” في تناول الدواء، ومرّت الدقائق كأنها تنتظر إذنًا من السماء. هدأ الألم أخيرًا، وغفت “رفيدة” في سكينة، بعد أن خمد اللهيب.
خرجت “رباب”، فوقف “سليمان” فورًا:
– “طمنيني؟!”
ابتسمت بود:
– “الحمد لله، أخدت العلاج، ونامت.”
أطلق زفرةً عميقة، كأنها نزعت عنه ثقل الكون، فقالت بحنان:
– “نام يا حبيبي… متقلقش.”
أومأ برأسه، لكن عينيه بقيتا مفتوحتين، كأن قلبه يبيت حارسًا خلف الجدران، لا يهنأ بنومٍ ما دامت هي تتألم.

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية قطار الأقدار علاء وريم الفصل الأول 1 بقلم عادل عبدالله

+

 

في صباح اليوم التالي، وبينما بدأت أشعة الشمس تتسلّل بتؤدة من خلف الستائر، كان “سليمان” قد استيقظ باكرًا على عادته، استعدادًا ليوم عمل جديد. أمسك بهاتفه، وطلب رقم “رنا”، وقلبه لا يزال معلّقًا حيث ترك “رفيدة” بالأمس.
– “صباح الخير، رنا… رفيدة صحيت؟”
جاءه صوتها ناعسًا دافئًا:
– “لأ، لسه نايمة، شكلها مرهقة.”
قال بهدوء ولكن بحزمٍ لطيف:
– “ممكن تصحيها؟ الدوا اللي خادته بينيّم، وفيه اجتماع النهاردة.”
– “حاضر، هصحّيها دلوقتي.”
استدارت “رنا” برفق على السرير، وهمست وهي تلمس ذراع “رفيدة”:
– “رورو، صباح الخير… قومي حبيبتي، عندك اجتماع النهاردة، فاكرة؟”
فتحت “رفيدة” عينيها بفزع، كأنها انتزعت من حلم ثقيل
– “يا نهار أبيض! أنا اتأخرت؟!”
– “اهدي، سليمان لسه فوق، ولسه بدري. عندك وقت.”
تنهدت “رفيدة” وغمغمت:
– “أنا محتاجة أروح السكن أغيّر هدومي.”
ابتسمت “رنا” وقالت بثقة أخت كبرى:
– “طب ما تاخدي طقم من عندي، والبسي النقاب اللي كنتي لابساه امبارح.”
قالت “رفيدة” بخجل:
– “أنا آسفة، والله مش حابة أتقل عليكي…”
قاطعتها “رنا” بسرعة، وهي ترفع حاجبًا ممازحة:
– “تاني يا رورو؟! مش معتبراني أختك ولا إيه؟!”
أحسّت “رفيدة” بحرارة الحب تغمر صدرها، فاندفعت نحوها تعانقها بقوّة، وهمست قرب أذنها:
– “أنا فعلًا ممتنة ليكي… امبارح، بالرغم من كل اللي حصل، والموقف اللي وجعني جدًا… إلا إنه أحلى يوم عشته في حياتي.”

+

بعد دقائق، كانت “رفيدة” قد ارتدت جيبة طويلة رمادية، ضيّقة قليلًا عند الفخذين لاختلاف الأجسام، وفوقها جاكيت كحلي أنيق، وتحته بيزك خفيف، ثم وضعت نقابها على رأسها وغطّت وجهها به في وقار.
خرجت مع “رنا” إلى الصالة، حيث كانت “رباب” تقف وهي تجهّز الطاولة الصغيرة.
ابتسمت لها قائلة بحزمٍ أمومي:
– “أبدًا مش هتخرجي غير لما تفطري… انتي وسليمان ،رنا رني على أخوكي خليه يجي يفطر”
– “حاضر، ثواني.”

+

رنَّ جرس الباب رنينًا خافتًا، فقطع سكون الصالة الهادئة، فانطلقت “رنا” بخفة نحو الباب لتفتحه.
في تلك اللحظة، كانت “رُفيدة” تقف داخل المطبخ الأميركي الذي يطلّ على الصالة، ظهرها للباب، منشغلة بتحضير بعض الأطباق الصغيرة، غير مدركة لمن دخل.
دخل “سليمان” بخطوات ثابتة، يلفّه وقار البدلة الرسمية التي زادته وسامةً وهيبة. لم يكن في نيّته أن يلاحظ، لكنه دون قصد، تلاقت عيناه بجيبة “رُفيدة” التي بدت ضيّقة، وجاكيتها القصير لم يمنح الأمر سترًا كافيًا. فغضّ بصره سريعًا، واستغفر ربه في قلبه، لكن شعورًا بالضيق تسلل إليه دون أن يعرف له سببًا محددًا.
– “صباح الخير.”
قالها بهدوء وهو يزيح نظره بعيدًا.
التفتت “رُفيدة” فورًا، وقد ارتسمت على ملامحها ابتسامة أسفل نقابها:
– “صباح النور.”
ردّت “رباب” التحية أيضًا، وأشارت له بالدخول.
جلس الجميع إلى السفرة، وحاول سليمان كتم ذلك الشعور العالق بداخله، لكن عيناه بين حين وآخر تعودان دون إرادة إلى ذلك الضيق في ثوبها.
– “رجلك عامله إيه الوقتي؟ لسه حاسه بوجع؟”
سألها باهتمام صادق.
– “لا، الحمد لله كويسة. وشكرًا جدًا إنك نزلت إمبارح بالليل، أنا بجد مش عارفة أشكركم إزاي.”
قالتها بابتسامة امتنان.
رفع حاجبيه قليلًا وهو يرد:
– “أنا تعبت من كلمه شكرًا اللي بتتقالي منك أكتر من السلام.”
ضحكت “رُفيدة” بخجل، وانحنت برأسها قليلًا، ثم جلست معهم.
انتهى الفطور، وبدأت “رنا” تجمع الأطباق، وحين حاولت “رُفيدة” مساعدتها، منعتها “رنا” بحسم لطيف. بقي “سليمان” في مكانه، ينظر لفراغ الطاولة وقد ثقل صدره بشيء لم يستطع تجاهله. تنحنح قليلاً، وحين التفتت إليه “رُفيدة” مستفسرة، خفض بصره، وراح يتحدث ببطء وكأنه يُحاكم نفسه على كل كلمة.
– “أنا آسف إني بتدخل في حاجه زي دي من غير ما يكون ليا أي صفة… وآسف أكتر لأني… أنا والله ما بصيت، بس هي حاجه لفتت نظري غصب عني…”
صمت لحظة، ثم تابع بارتباك:
– “الجيبة اللي انتي لابساها… ضيّقة… ومش مناسبة ليكِ.”
توقّف، وكأن الحرج خنق صوته، ثم تمتم وهو لا يزال يحدّق في الأرض:
– “أنا آسف بجد… بس حسّيت إني لازم أنبّهك، يمكن مش واخده بالك.”
ارتبكت “رُفيدة” بشدّة، ورفّت جفونها، ثم ردّت بصوت خفيض يفيض حياءً:
– “أنا فعلاً ماخدتش بالي، ومركزتش… رنا كانت جابتلي لبس ولبسته بسرعة علشان الاجتماع…”
رفع “سليمان” رأسه قليلًا، وقال بنبرة أكثر دفئًا:
– “قولتلك قبل كده، طول ما أنا موجود، الوقت كله مُتاح ليكِ… مفيش داعي للسرعة دي. هطلب من رنا تجيبلك جيبة أوسع… أو نوع تاني يناسبك أكتر.”
وأمام خجلهما المشترك، اختفت “رُفيدة” داخل الغرفة، وغيرت ملابسها إلى جيبة “بليسيه” واسعة وأنيقة، مناسبة لجسدها الرقيق دون أن تُظهر شيئًا.
خرجت إليهم، و”سليمان” غصبًا عنه نظر نظرة سريعة، وكأنه يريد الاطمئنان. ارتسمت على وجهه ابتسامة خفيفة، وداخل قلبه قال:
هي دي بالذات… بحيائها ده واحتشامها… أكتر حاجة ملفتة للنظر.
حين حان وقت الوداع، احتضنتهم “رُفيدة” بودّ حار، فبادلتها “رنا” و”أمها” الترحيب مجددًا:
– “خلاص يا بنتي… البيت بيتك، وهنشوفك كتير إن شاء الله.”
ثم خرج “سليمان” معها، وما زال في قلبه طيفٌ من خجلها، وهمسها، وحياءٍ لم يعتد رؤيته… لكنه منذ أن رآها، لم يعد يعتاد إلا عليها.

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية الطفلة والوحش الفصل السادس 6 بقلم نورا السنباطي

+

 

نزل “سليمان” برفقة “رُفيدة” إلى السيارة. سبقها بخطوتين وفتح لها الباب الأمامي، إلا أنها توقّفت فجأة، تنظر إليه بثبات لم يعهده منها.
– “لو سمحت يا بشمهندس، ممكن أطلب طلب؟ وأرجوك تفهمني من غير جدال.”
التفت إليها بدهشة، ورفع حاجبيه قليلًا:
– “اتفضلي، خير؟”
قالت بصوت خفيض لكنه واضح:
– “ممكن بعد إذنك… أروح الشركة مواصلات؟ آخد تاكسي يعني.”
اتسعت عيناه باستغراب:
– “ليه؟! لو علشان موضوع إننا بنركب لوحدنا، فقولتلك اعتبريني تاكسي، ولو عايزة تقعدي ورا مفيش أي مشكلة إطلاقًا عندي. الأهم عندي راحتك وأمانك.
لكن ليه تاكسي؟ وإحنا أصلاً رايحين نفس المكان؟”
تنهدت، ووضعت يدها على قلبها كأنها تكتم قلقًا:
– “أرجوك، خليني أروح لوحدي. مينفعش نروح سوا الشركة… لو حد شافنا……، أنا مش عايزة مشاكل ولا كلام. على ما أشوف مصيري النهارده.
أنا كده هكون مرتاحة أكتر… ممكن؟”
نظر إليها بعينين يغمرهما العجز، وكأنه لا يريد إيذاء مشاعرها ولا فرض نفسه عليها:
– “ممكن… بس بصراحة هنا في المنطقة دي مفيش تاكسي بيعدي في الشارع. لو عايزين لازم نطلب من تطبيق زي أوبر أو كريم في مصر كده، وده هياخد وقت.
ممكن أوصلك أنا لـ مكان فيه مواصلات؟”
هزّت رأسها بالإيجاب، فهمت أنه يحاول مساعدتها دون فرض. أغلق باب المقعد الأمامي بلطف، وفتح لها الباب الخلفي لتجلس، لكنها ـ في لحظة غريبة ـ تقدّمت وجلست بجواره في المقعد الأمامي.
حرّكت يدها لتُغلق الباب بنفسها، بينما هو نظر إليها بدهشة وابتسامة فيها إعجاب وتقدير، ثم انطلق بالسيارة خارج المنطقة السكنية، متجهًا نحو شارع رئيسي.
وقف عند أول ناصية يمر بها تاكسي، أوقف السيارة، ثم نزل، وفتح لها الباب بنفسه، وأشار لسائق التاكسي. نزلت “رُفيدة” بخطوات خفيفة، وهمّت بالركوب، لكن حين أغلق الباب، تعلق طرف الجيبة بالقائمة الحديدية للباب، فانحنى “سليمان” سريعًا، وأعاد إدخالها برفق، ثم قال:
– “استني… كده تمام.
متقلقيش، أنا هكون وراكي بالعربية.”
أغلق الباب ثانية، وأشار لها بيده مودّعًا، فلوّحت له بابتسامة امتنان. تحرّك التاكسي أمامه، وبدأ يسير خلفه بحرص، يراقب المسافة، ويطمئن لقلبها دون أن تقول كلمة.
كانت “رُفيدة” للمرة الأولى في حياتها تركب تاكسي بلا خوف، بلا ارتباك. لم تكن المسافة قصيرة، لكن وجوده خلفها جعلها كأنها بين جدران من أمان لا يُرى.
وصلوا إلى الشركة، فترجّلت من التاكسي، ولوّحت له من بعيد، ثم صعدت الطوابق بخطوات متسارعة.
دخلت القاعة، وكانت “ندى” تقف هناك، تنظر إليها بنظرات كراهية صريحة، وعينين تمتلئان بغيظ مكتوم. تجاهلتها “رُفيدة”، وجلست بعيدًا عنها، تُخفى قلقها بابتسامة صغيرة.
وبعد دقائق، دخل “سليمان” القاعة بهدوئه المعهود، وخطواته التي تحمل ثقة المعتاد على السيطرة. لمح “ندى”، فعقد حاجبيه، وتعمّد أن يرسل إليها نظرة قاسية فيها توعد، ثم التفت إلى “رُفيدة” ونظر إليها نظرة طمأنينة صامتة.
“After the final presentations and evaluations,
one candidate stood out clearly.
They showed exceptional effort, intelligence, and perseverance throughout the training.”

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية ظلمها عشقا الفصل السادس 6 بقلم إيمي نور

+

بعد العروض النهائية والتقييمات،
برز مرشّح واحد بوضوح.
أظهر جهدًا استثنائيًا، وذكاءً، ومثابرة طوال فترة التدريب.

+

“The person who received the highest score from the panel,
and impressed everyone with both technical and ethical standards…
is…”

+

الشخص الذي حصل على أعلى درجة من اللجنة،
وأبهر الجميع بالمعايير الفنية والأخلاقية…
هو…

+

سكت برهة، والوجوه كلها متأهبة، والقلوب تنتظر النطق:
“Engineer Roufida Mohsen El-Badry.”
المهندسة رفيدة محسن البدري.

+

رفعت “رُفيدة” رأسها ببطء، ويدها على صدرها، تشعر بدقات قلبها تكاد تُسمع في القاعة، نظرت إليه وكأنها تطلب تأكيدًا، فأومأ برأسه مؤيدًا، ثم تابع بصوت فيه فخر واعتزاز:

+

“We’re honored to welcome such a brilliant, dedicated engineer to our team.
Someone who kept going, despite all the obstacles and… conspiracies.”
نحن فخورون بانضمام مهندسة ذكية ومتفانية كهذه إلى فريقنا.
شخص واصل الطريق، رغم كل العقبات… والمؤامرات.

+

سرت همسات إعجاب في القاعة، بينما كانت “ندى” تمسك بيدها مقعدها بقوة، وجهها يحترق غيظًا.

+

“But there’s also a second announcement.
For the first time in this program,
a participant will have their certificate revoked.”
لكن هناك إعلانٌ ثانٍ أيضًا.
لأول مرة في هذا البرنامج،
سيتم سحب شهادة من أحد المتدربين.
ضجّت القاعة بالدهشة، وتعلّقت الأنظار ببعضها البعض، من المقصود؟ ومن يستحق هذا العقاب العلني؟
This individual has shown behavior that contradicts our core values.
Toxic competition, manipulative actions, and unethical sabotage.
Engineer Nada… your certificate is officially revoked.”

+

هذا الشخص أظهر سلوكًا يتعارض مع قيمنا الأساسية.
تنافس سام، أفعال خبيثة، وتخريب غير أخلاقي.
المهندسة ندى… شهادتك مسحوبة رسميًا.

+

– هي السبب! هي اللي المفروض تتسحب منها! دي شيطانية!”

+

لكن “سليمان” ـ ولأول مرة ـ يتكلم بصوت مرتفع، وبحدة لم يعهدها أحد منه من قبل، وقال:

+

– “مفيش حد شيطان زيك.
أنتي الشيطانة اللي عملت مكايد، وقلّبت الدنيا علشان تباني الأفضل.
وسبحان الله…
“ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.”
أنتي اللي حطيتي حبوب في العصير علشان تفضحيها…
وسبحان الله، الحبوب جات في كوبايتك بإيدك!
وكشفتي مؤامرتك القذرة.
وربنا مش بيرضى بالظلم أبدًا.
ودايما بينصر المظلوم.”

+

أشار نحو الباب:
– “اتفضلي برّه.
أنا ميشرفنيش إن شخص زيك يخرج من شركتي بشهادة شرف.
أنتي وصمة عار لأي جهة تحط اسمها جنب اسمك.”
خرجت “ندى” بخطوات مهزومة، لكن قبل أن تبتعد، نظرت إلى “رُفيدة” بعينين تقدحان شرًا، وهمست:

+

– “صدقيني… هندمك. وهآخد حقي منك.”

+

لكن “رُفيدة” هذه المرة لم تُخفض نظرها. بل نظرت لها بثبات، وفي عينيها هدوء المنتصر، وقلبها يتمتم بيقين:
إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

+

 

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *