روايات

رواية استثنائية في دائرة الرفض الفصل السابع والأربعون 47 بقلم بتول عبدالرحمن

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

رواية استثنائية في دائرة الرفض الفصل السابع والأربعون 47 بقلم بتول عبدالرحمن

 

 

البارت السابع والأربعون

 

 

 

فريدة كانت قاعدة على الكرسي في طرقة المستشفى، ضهرها متقوّس وإيديها متشابكة كأنها بتحاول تمسك نفسها من الانهيار، وشها شاحب وعينيها حمره، قلبها بيخبط في صدرها بعنف وكل اللي في بالها في اللحظه دي هو تيم وبس.
جنبها، إيناس قاعدة ملامحها مضطربه وزعلانه جدا.
أما صابرين، فكانت حالتها أصعب، واقفه جنب الباب، بتحاول تتماسك وهيا راسمه على وشها معالم البرود، بس من جواها نار.
فريده فونها رن وكان حسام، راحت بعيد شويه وردت بصوت مبحوح
“ألو…”
جالها من الناحيه التانيه صوته اللي باين فيه القلق
“فينك؟ مش طايق أقعد في البيت وانتي مش فيه.”
بلعت ريقها بالعافية وقالت
“حسام… ”
سكتت لحظه وبعد كده قالت
“تيم تعبان جدًا… واتنقل المستشفى.”
اتفاجئ وقال بسرعه
“بس إزاي! يعني كان كويس جدًا الصبح، إيه اللي حصل لكل ده؟”
فريدة عضّت شفايفها وقالت بخفوت
“معرفش… عمومًا إحنا في المستشفى اللي أنا بشتغل فيها لو هتيجي.”
رد من غير ما يفكر
“طبعًا! هاجي طبعًا… مسافة الطريق.”
قفلت الخط وعينيها راحت على باب أوضة الطوارئ اللي وراه تيم، رجعت ببطء قعدت مكانها وهيا بتدعي بصمت يكون بخير.
عند يونس
كان قاعد في أوضته، حاسس إن في حاجة مش مظبوطة، الباب اتفتح ودخل محمود ومعاه الأكل.
يونس بصله وقال بلهجة فيها توتر
“محمود، إيه اللي بيحصل في البيت؟ وتيم فين؟”
محمود وقّف مكانه ثانية وبصله وقال بهدوء
“معنديش أي معلومات، بس البيت كله فاضي، مفيش حد.”
يونس رفع حواجبه وسأل
“يعني متعرفش هما فين؟”
محمود هز راسه بالنفي من غير كلام وخرج من الأوضه.
يونس مسك الموبايل بسرعة ورن على سالي، أول ما ردت قال بسرعة
“سالي، كلّمي ماما وشوفي هيا فين.”
سالي استغربت وقالت بقلق
“في إيه يا يونس؟ حصل حاجة؟”
قال بصوت متوتر
“مش عارف في إيه… بس عايز أعرف، عرفيني في إيه أول ما تعرفي.”
سالي حسّت بقلق، قفلت معاه علشان تعرف في ايه.
عند تيم
بعد شوية باب أوضة تيم اتفتح والدكتور خرج، أول ما شافوه جريوا ناحيته بقلق، القلق باين على وشوشهم، صابرين سألت بقلق
“إيه يا دكتور؟ ابني عامل إيه؟”
الدكتور أخد نفس عميق وبصلهم كلهم وقال
” للأسف حالته مش مستقرة، هو دلوقتي في غيبوبة عميقه، التحاليل والأشعة مبينتش حاجة عضوية خطيرة، يعني جسمه سليم، بس اللي واضح إن اللي حصله ده سببه نفسي أكتر من إنه عضوي.”
كلهم اتصدموا، فريده قلبها وقع في رجليها، الدكتور كمل
“الغيبوبة ساعات بتحصل لأن العقل بيهرب من الواقع، كأنه مش قادر يستحمل اللي بيحصل حواليه فبيدخل في حالة رفض، بيقفل على نفسه وبيرفض يكمل أنه يعيش، هو شايف الدنيا سودا جواه ومش قابل يفتح عينيه ويواجه الدنيا تاني”
صابرين سألت
“يعني إمتى هيفوق؟”
الدكتور هز راسه بأسف وقال
“مقدرش أحدد، الموضوع كله راجع لإرادته هو، لازم هو اللي يقرر يرجع لينا، إحنا هنا هنفضل نتابعه ونحاول نساعده، بس
القرار ليه هو.”
سكت لحظة وكمل بتعاطف
“اللي تقدروا تعملوه دلوقتي إنكم تفضلوا جنبه، يمكن صوتكوا أو وجودكوا يحسسه بالأمان ويشجعه يرجع.”
وبعدها مشي بهدوء، وأول ما مشي، الجو بقى تقيل أكتر من الأول، صابرين حاسه بصدمه، اخدت نفس عميق وهيا بتحاول تستوعب، قلبها بيصرخ من جواها بس مش عايزة تنهار قدام حد، قربت من الكرسي وقعدت عليه تسند نفسها.
أما فريده، كانت واقفة متسمرة مكانها، حاسة إن رجليها مش شايلة جسمها، كلام الدكتور بيرن في ودانها، عينيها دمعت ودموعها على وشك النزول، دلوقتي هو في حاله صعبه، وصل لاخره خلاص وهو الوحيد اللي في أيده القرار، يا يرجع، يا يفضل كده وقت طويل، السكوت كان مالي المكان، بس كل واحد فيهم جواه عاصفه.
وصل حسام المستشفى، عينيه بتدور في كل الاتجاهات لحد ما لمحهم، شافهم كلهم حالتهم لا يرثى لها، قرب من فريده بخطوات سريعة وقال بلهفه
“هو فين تيم؟ عامل إيه؟”
فريدة بصتله، ردت بصوت واطي مبحوح
“تعبان أوي يا حسام، الدكتور بيقول دخل في غيبوبة، ومحدش عارف هيفوق امتى.”
حسام اتجمد مكانه، قال وهو مش مصدق
“بس ليه؟ هو كان كويس الصبح، إيه اللي حصل فجأة؟”
فريدة غمضت عينيها لحظة وقالت بخفوت
“الله أعلم، ادعي انه يكون كويس، هو محتاج ندعيله”
حسام قال بزعل
“أكيد هدعيله، ده مش بس صاحبي، ده أخويا”
سكت لحظة وبصلها باهتمام، لاحظ وشها الشاحب وتعبها، قال بلطف
“وانتي عاملة إيه؟ شكلك مش كويسه.”
ردت
“أنا كويسه”
اتنهد وقال
“لاء، مش باين عليكي كويسه خالص.”
بص حواليه وقال
“استني دقيقة.”
اختفي لحظه ورجع بعدها بعلب عصير، مدلها واحده وقال بهدوء
“اشربي ده”
فريدة اخدت العلبه من غير كلام، بصتله بامتنان وهو راح ناحية إيناس وصابرين.
بعد شوية صمت، صابرين قالت بحزم
” مفيش داعي تفضلوا قاعدين كده على الفاضي، وجودكوا هنا مش هيغير حاجه، انا عارفة إنكوا قلقانين عليه بس يا عالم امتى هيفوق”
الكلام وقع تقيل عليهم، خصوصًا فريده اللي حست بغصه بس فضلت ساكته، حسام قال بهدوء
“طيب يا طنط، ويعني لو احتاجتي أي حاجة كلميني علطول.”
صابرين اكتفت بهزة راس بسيطه، إيناس بصت لصابرين وقالت
” هكلمك وطمنيني لو في جديد”
بصت لفريده وقالت
” يلا؟!”
فريدة كانت متردده، بس في الآخر استسلمت ومشيت معاهم ببطء.
الليل عدى تقيل على فريدة، كانت قاعده طول الليل وبتفكر في الليله الاخيره اللي غيرت حاجات كتير جدا، وكل كلام تيم بيرن في ودانها ومهما حاولت تهدي نفسها مش قادرة، كانت بتفكر وبتفكر وبتفكر، ليه وصل للحاله دي وليه الانهيار ده دلوقتي وتعمل ايه علشان تساعده يرجع تاني، وبتسأل نفسها لو مفاقش ايه هيحصل، هل ممكن يفضل رافض يعيش، دموعها كانت بتنزل غصب عنها وهيا حاسه بعجز، مش قادره تعمل أي حاجه، بس جه في بالها حاجه قررت تنفذها، واكيد هتساعد تيم يكون احسن
تاني يوم الصبح
فريده كانت واقفه قدام عيادة د.آيه، وشها متوتر وبرغم ترددها دخلت، خبطت عليها ودخلتلها
آيه بصتلها وسألتها بقلق
“إيه يا فريدة؟ شكلك مش طبيعي… في إيه؟”
فريدة قعدت قدامها، إيديها بتترعش وهي بتقول
“تيم… تيم حالته وحشة اوي، امبارح وقع قدامي وانهار، بقا بيعيط زي الطفل، وقالي كلام عمري ما تخيلت أنه يطلع من بقه، وبعدها غاب عن وعيه ودخل في غيبوبه، من ساعة ما عرفت وانا مش كويسه، عايزه اساعده بس انا عاجزه”
آيه سمعتها باهتمام، اتنهدت وقالت بهدوء
“بصي يا فريده، اللي بتقوليه ده يوضح إن تيم مش بيعاني بس من ضغط، لاء هو واصل لمرحلة إن جسده وعقله رفضوا يشيلوا تاني، الانهيار اللي حصله ده مش فجأة، ده تراكم سنين من الكتمان، هو كان بيهرب من مشاعره طول الوقت، ولما واجهها انهار”
فريدة بصتلها بقلق وقالت
“يعني هو ممكن يفضل كده كتير؟ في غيبوبة؟”
آية هزت راسها وقالت
“محدش يقدر يجزم، في حالات زي دي الجسم كأنه بيعمل shut down علشان يهرب من الوجع النفسي، هو شايف الدنيا سودا قدامه ومش قادر يواجهها، وده اللي ممكن يخليه يرفض يفتح عينيه، لازم افهم أكتر، إيه اللي كان جواه طول الوقت، إيه اللي وجعه وخلاه يوصل للحالة دي، ساعديني يا فريدة… قوليلي، هو كان شايل إيه جواه؟ إيه اللي مر بيه فعلاً؟”
فريدة اخدت نفس عميق وابتدت تحكيلها كل حاجه من البدايه، آيه كانت بتسمعها باهتمام لحد ما فريده وصلت عند الجزء اللي قالت فيه إنه اعترفلها امبارح إنه بيحبها، ايه كانت ماسكة ورقه وقلم وبتكتب اللي هيا محتاجاه وهيا مركزة مع كل كلمة فريده بتقولها، رفعت راسها من الورقة وبصتلها وقالت
“اعترفلك؟ طيب هسأل سؤال مهم.”
فريده ردت
“اتفضلي.”
آيه سألتها
“هل تيم دخل في علاقة قبل كده؟”
فريده هزت راسها وقالت
“أنا أكيد مش عارفه بس معتقدش، مامته مانعاه يتعامل مع أي بنت، مفيش بنت قدرت تقرب من تيم أصلًا، فأكيد مدخلش علاقات قبل كده.”
ايه سكتت لحظه وبعد كده قالت
“مشاعره ناحيتك يا فريده مش أكيده ١٠٠٪، انتي البنت الوحيده اللي قدرتي تقربي منه بالقدر ده، انتي اللي فهمتيه كده وانتي الوحيده اللي كنتي قدامه.”
فريده بلعت ريقها وقالت بتوتر
“يعني إيه؟”
ايه ردت بهدوء
“يعني مكانش في غيرك قدامه إنه يحاول يعوض نقص مشاعره ويحبها، يمكن في وضع تاني أو في حاله تانيه لو كان بيتعامل مع بنات كتير كنت قولتلك مشاعره حقيقيه ١٠٠٪، بس انتي كنتي البنت الوحيده اللي قدامه، علشان كده قرر إنه يحبك ويديكي مشاعره، بس انتي بالنسباله مهمه مش هقدر انكر، بس لازم نتأكد”
فريده سألتها بتوتر
“وليه لما عرف إني حامل انهار كده؟”
ايه بصتلها بهدوء وقالت
“بصي يا فريدة، هو انهار مش علشان موضوع الحمل في حد ذاته، ولا علشان غيران وبس لاء، اللي حصل ده بالنسباله كان القشة اللي قطمت ضهر البعير، تيم طول عمره عايش في ضغط، مكبوت، ممنوع من إنه يعبّر عن نفسه أو يعيش حياته طبيعي، أول مره يسمح لنفسه يفتح قلبه ويعترفلك، كان حاسس إنه لقا باب نور صغير وسط ضلمه ولما سمع خبر الحمل الباب ده اتقفل قدامه فجأه، عقله الباطن مستحملش الصدمة، الغيبوبة اللي دخلها دي نوع من الهروب النفسي، جسمه وعقله بيحموه من إنه يواجه الألم وهو صاحي، يعني تقدري تقولي إن دي مش غيبوبة عضوية بس، دي كمان غيبوبة نفسيه، رد فعل طبيعي على تراكم الضغوط.”
فريدة فضلت ساكتة ثواني، بتحاول تستوعب كلام آيه، قالت بصوت مبحوح
“يعني هو هرب من الدنيا كلها؟ وهرب مني أنا كمان؟”
آيه ردت بهدوء
“متنسبيش الكلمة لنفسك يا فريده، هو منهارش علشانك إنتي، هو انهار من اللي جواه، إنتي كنتي يمكن السبب اللي خلّى مشاعره تطلع للنور، بس مش إنتي السبب اللي خلاه يقفل عليها تاني، هو لو مكانش قابلك، كان زمانه انهار في وقت تاني ومكان تاني وبرضو من غيرك.”
فريدة أخدت نفس عميق وقالت
“طب إيه الحل؟ أعمل إيه؟ أنا مش عايزة أسيبه يغرق في الغيبوبة دي، مش قادره أشوفه بيموت بالبطيء.”
آيه حركت راسها بتفكير وقالت
“الحل مش سهل، بس مش مستحيل، أهم حاجة دلوقتي إنك تفضلي جنبه، صوتك، وجودك، حتى لو هو مش واعي، عقله الباطن هيلقط ده، لازم توصليله الإحساس بالأمان، إنك مش هتتخلي عنه، ومع العلاج النفسي والدوائي، ممكن نرجّعه تاني، هو كان فاكر إنك هتكوني طوق النجاه بتاعه، هتساعديه يطلع من اللي هو غرقان فيه، ولما لقاكي بعدتي أو اتخليتي عنه حتى لو من غير قصد هو حس بعجز رهيب، حس إنه محاصر، وإنه هيفضل كده طول حياته، عشان كده لازم تساعديه يخرج من اللي هو فيه، إنتي ليكي عامل كبير أوي.”
فريدة نزلت عينيها للأرض، صوابعها بتلف في بعضها بتوتر وهيا بتقول بصوت واطي مبحوح
“أنا حاسه فعلًا بالذنب، بس لو أنا عايزة أساعده يتعالج، أعمل إيه؟ مامته أصلًا مش هتوافق.”
ايه اتنهدت وقالت بلهجة واثقه
“لازم توافق يا فريدة، إحنا خلاص وصلنا لمرحلة سدّ، مفيش مجال للتأجيل، إنتي اللي في إيدك تساعديه وتخرجيه من اللي هو فيه انتي وكل الناس اللي هو بيحبهم، وإحنا واحدة واحدة إن شاء الله هنقدر نرجّعه تاني، هو محتاج حد يكون معاه بجد”
فريدة رفعت عينيها ليها، ملامحها فيها مزيج من الخوف والعزم وقالت
“يعني لسه في أمل؟”
ايه ابتسمت ابتسامة صغيرة مطمئنه
“في أمل طول ما في نفس، بس محتاجين صبر وثبات، وأول خطوة إنك تكوني جنبه وتحسسيه بوجودك لحد ما يستجيب ويفوق”
فريدة بصت لآيه وهي بتقول بصوت مهزوز
“بس انتي قولتي مشاعره مش حب، يبقى هآثر ازاي عليه”
ايه اتنهدت، عينيها فيها جدية وهي بترد بهدوء
“فعلاً، احتمال كبير ميكونش حب بمعناه الحقيقي، بس انتي مهمه بالنسباله، ده مجرد احتمال، ولكن بعد كده بس نقدر نعرف مشاعره إيه بالظبط.”
وقفت عن الكلام لحظة كأنها بتفكر، بعدين مدت إيدها لفريده بكارت وقالت
“علشان أساعدك أكتر دي دكتورة متخصصة، بتعرف تتعامل مع الحالات النفسية اللي زي تيم، حاولي بأي شكل تخليه يتواصل معاها، حتى وهو في غيبوبته، عرفيه عليها، وهيا هتعرف تخاطبه وتفهمه، ساعتها إن شاء الله موضوع إنه يفوق مش هيبقى صعب زي ما أنتوا متخيلين.”
فريدة اخدت الكارت، بصتلها بعيون مليانه أمل وامتنان وقالت بصوت واطي
“شكراً يا دكتوره… شكراً بجد.”
ايه اكتفت بابتسامة صغيره، فريده قامت من مكانها، شدّت نفسها وخرجت من العيادة وهي ماسكة الكارت كأنه أمل جديد، وعنيها مليانة إصرار إنها مش هتسيبه يضيع أكتر
رجعت المستشفى بخطوات سريعة، دخلت أوضة تيم بهدوء، والجو كان هادي جدا، تيم كان نايم على السرير، ووشه باين عليه الإرهاق، بشرته شاحبة شوية، في ملامحه أثر تعب كبير، وإيده متوصلة بالأنابيب والسيروم، فريدة وقفت عند اخر السرير لحظه، وبعدين قربت بخطوات مترددة لحد ما بقت جنبه، قعدت على الكرسي الصغير اللي جمب السرير وفضلت تبصله فتره طويله وهيا بتفكر تبدأ منين، بصت الكارت اللي في ايديها وبعدين رجعت تبص لتيم، دخلت صابرين بخطوات ثابتة، ملامحها جامده كالعاده، فريده كانت قاعدة جمب السرير ماسكة إيد تيم، ولما شافت صابرين وقفت بسرعة.
صابرين بصتلها بحدة وسألتها ببرود
“بتعملي إيه؟”
فريده ردت بصوت هادي مهزوز
“كنت بتطمن عليه.”
صابرين قربت خطوتين وقالت بنبرة فيها سخرية
“تتطمني عليه ليه؟ سيبيه يمكن يعرف يفوق ويرجع تاني.”
فريده عضّت شفايفها وقالت بحزم
” مش أنا السبب.”
صابرين رفعت حواجبها، فريده استجمعت شجاعتها وكملت
“انتي السبب في اللي هو فيه, سيبيه يتعالج، حرام اللي عاشه كله، كل حاجة حصلتله بسببك انتي.”
صابرين قالت ببرود
” ده ابني وأنا حرة فيه، خليكي انتي بعيد، ويبقى أحسن لو مشوفتكيش عنده تاني.”
فريده رفعت راسها وقالت وهي واقفه قدامها ببرود
“مش هسمحلك تدمريه أكتر، تيم لازم يتعالج، وأنا هفضل معاه للآخر، لحد ما يكون كويس ويرجع بني آدم جديد”
صابرين قالت بتهكم
” والله؟ هتعالجيه إزاي من غير إذني؟”
فريده أخدت نفس عميق، عينيها فيها دموع وغضب
” انتي أجحد أم أنا شوفتها في حياتي، انتي إزاي مش حاسة بالذنب ناحيته؟ بصيله… شوفيه ضعيف إزاي، انتي بتدمري حياة أي حد تعرفيه، وتيم هيتعالج… وأنا هقف قدامك حتى لو نهايتي الموت.”
صابرين عضّت شفايفها وقالت بصوت واطي مليان تحذير
“بلاش تقفي قدامي يا فريده، انتي عندك زوج وجايلك ابن في الطريق، فكري فيهم.”
فريده قربت منها شوية وقالت بحزم واصرار وصوتها بدأ يعلى
” هكون مع تيم للآخر، هساعده يتعالج ويكون أحسن.”
قالت كلامها وخرجت بخطوات تقيله، مسحت دموعها بسرعه وهي بتحاول تمسك نفسها لحد ما وصلت عند يسر.
يسر وقفت أول ما شافت فريده وسألتها
“هااا، إيه أخبار تيم؟”
فريده هزت راسها بيأس وقالت بصوت مخنوق
“زي ما هو، بس ممكن يفضل كده طول عمره لو الست اللي اسمها أمه دي فضلت موجودة في حياته.”
يسر قربت منها وسألتها بقلق
“طب وهتعملي إيه؟”
فريده بصت بعيد لحظة كأنها بتفكر بصوت عالي، وقالت
“أنا مش عارفة… بس لازم أعمل أي حاجة… لو مش هكون جنبه دلوقتي، إمتى هكون جنبه؟”
يسر هزت راسها بتفهم وقالت
“متعرفيش يونس عامل إيه دلوقتي؟”
فريده ردت
“لاء… بس فتح فونه، سالي قالتلي، بس مكلمتوش لحد دلوقتي.”
يسر قالت بلهفه
“أنا هكلمه أتطمن عليه.”
فريده رفعت عينيها ليها وقالت بهدوء
“براحتك.”
يونس كان قاعد في أوضته وهو حاسس بغليان وضيق وحاسس بالعجز، وكل ما يتخيل إن تيم في المستشفى وهو مش قادر يكون جنبه بيتخنق اكتر، فجأة الفون رن، مسكه بعصبية ورد بصوت مشحون
“ألو؟”
وساعتها سمع صوت ناعم، مألوف رغم إنه مش متوقعه خالص
يسر سألت بصوت واطي
“عامل إيه يا يونس؟”
حاول يخفي اضطرابه وقال باقتضاب
“تمام.”
قالت بسرعه
“ألف سلامة على تيم.”
رد وهو بيحاول يكون طبيعي
” الله يسلمك.”
قالت بحنيه
“كنت حابة أتطمن عليك.”
قال بنبرة باردة
“شكراً.”
حسّت بفتوره واستغربت وقالت
“شكلي مكانش ينفع أرن.”
اتفاجئ بردها وقال
“ليه بتقولي كده؟”
قالت بمرارة
“شايفاك بترد عليا بالعافية.”
رد بحزم
” علشان مفيش بينا كلام.”
قالت بضيق
“وعلشان كده قولت إني غلطانة إني كلمتك، لأنك ما صدقت تتخلى عني بالسرعة دي ومتحاولش تاني، بس ده مش موضوعي، أنا بس كنت بتطمن عليك.”
يونس سكت لحظة وبعدين قال بصوت فيه حزن
” يسر، أنا لا أصلح للارتباط حالياً بجد، أنا فعلاً بمر بمشاكل لا تهيؤني إني أفتح بيت، لما كلمتك كنت مستعد بس بعد ما كلمتك حصلت مشاكل كتير، مش عايز أدخلك فيها، وكويس إن ردك كان الرفض علشان متشوفنيش واحد اتخلى عن البنت اللي بيحبها.”
يسر ردت بصوت مكسور بس حنون
“لو كنتي قولتلي إنك بتمر في مشكلة كنت هفضل معاك، ودلوقتي برضو هفضل معاك لو إنت محتاجني.”
سكت شويه وبعد كده قال بصوت مخنوق
” أنا محتاجك جداً، بس مش هجبرك.”
يسر قالت بسرعة وبصدق
“وأنا معاك يا يونس، قولي محتاجني في إيه وأنا هكون معاك.”
بالليل عند فريده
كانت قاعدة في البيت، بتفكر ازاي تقول لحسام انها حامل، وبتفكر في رد فعله، حسام جه وهو شايل مجين شاي، قرب منها واداها واحد وهو بيقول بابتسامة دافيه
“اتفضلي يا حبيبتي”
فريده أخدت المج وقالت بابتسامة صغيرة
“شكراً.”
قال وهو بيشرب من مجه
” بالهنا.”
قعد جنبها باسترخاء، قلبها كان بيدق بسرعه، حمحمت وقالت بتردد
” حسام.”
بصلها بابتسامة حنونة وقال
“إيه يا حبيبي؟”
قالت بنبرة مترددة
“عايزة أقولك حاجة.”
عدّل قعدته وبصلها باهتمام
“قولي، في إيه؟”
سكتت لحظة، بصت على الأرض وبعدين بصتله وقالت
” أنا حامل.”
حسام اتجمد في مكانه، عينيه وسعت على آخرها وقال وهو مش مستوعب
“قولتي إيه؟… فريده؟”
فريده بصتله وهزت راسها بتأكيد
قام وقف فجأة وقال بارتباك وفرحة متلغبطة
“يعني… يعني… فريده، إنتي… إنتي حامل بجد؟
قالت بخجل وهي بتضحك بخفه
“امممم… حامل.”
فجأة ضحك بصوت عالي كله فرحه
“مش مصدق نفسي!”
حضنها بقوة ولف بيها وهو بيضحك بجنون
” أنا هكون أب! وولادي من اللي بحبها! مش مصدق نفسي… فريده إنتي حامل بجد؟ حامل وهتجيبيلي ولد أو بنت شبهك!”
ضحك تاني بجنون،ضحكه حقيقيه خارجة من قلبه وقال وهو مش قادر يوقف حماسه
“اااااه يا فريده مش مصدق، لو بنت هسميها فريده… ولو ولد، لو ولد هيكون فريد”
لف حوالين نفسه زي المجنون وهو بيقول
“لازم أكلم ماما وبابا! وأقول لخالتو ومامتك! الكل لازم يعرف إني هبقى أب! فريداااااه!
صوته كان مليان فرحة وحماس كأنه طفل لسه جايله لعبه بيحبها، مش قادر يسيطر على فرحته، بيجري في الصالون زي العيل الصغير وهو بيضحك ويقول بصوت عالي
” أنا هبقى أب! أب يا فريده! انتي متخيلة!”
فريده كانت بتضحك من قلبها على حماسه، حاولت تهديه وقالت
“طيب اهدى شويه يا حسام”
وقف قدامها فجأة، ماسك وشه بإيده كأنه مش قادر يصدق
“ازاي أهدى! دي أكبر حاجة في حياتي! أكبر من أي حاجة!”
رجع قعد جنبها بسرعة، مسك إيديها وقال بعيون بتلمع
” فريده، إنتي مدركه إن فيه حتة مني ومنك هتكون عايشه معانا هنا وعيلتنا هتكبر، يا الله مش مصدق نفسي”
ابتسمت وهي بتهز راسها
” آه مدركه، بس متوقعتش رد فعلك ده”
قال وهو بيضحك بجنون
“ده أنا ممكن أطلع دلوقتي أزعق للشارع كله وأقولهم أني هبقى أب!”
شدها لحضنه تاني، وفريده حاولت تمسك ضحكتها وهيا بتقول
“خلاص يا حسام اهدى، اهدي شويه، عقلك طار كده، فكر بعقل هاا؟”
رفع راسه وبصلها بعناد ظريف
“بعقل؟! في حاجة زي دي ينفع نفكر فيها بعقل؟!”
ضحك تاني وقال
“أنا مش عايز أعقل، أنا عايز أعيش اللحظة يا فريده”
فريده مسكت وشه وقالت بهدوء
” طب عيشها، بس بجد انت فظيع”
هدي شويه بس لسه بيضحك
“حاضر حاضر، بس فين الفون عايز اقول للكل، لازم الكل يعرف”
لف حوالين نفسه وهو بيدور على فونه وهيا ابتسمت على جنانه.
تاني يوم
يسر كانت ماشيه في إيديها الفون وصوتها فيه نبرة تعب
“يونس، أنا اهو في المكان اللي قولتلي عليه.”
يونس رد بهدوء
“في شجرة كبيرة عندك؟ روحي عندها.”
يسر بصت حواليها بعصبية خفيفة، لحد ما شافت الشجرة الوحيده اللي موجوده وراحت ناحيتها وقالت بزهق
” آه وبعدين؟”
يونس ضحك وقال
“خلاص يا بنتي وصلتي، إحنا كده قطعنا شوط كبير جدًا.”
يسر اتنهدت وقالت
” بقالي ساعة بلف حوالين نفسي علشان توصلني هنا، خرجت من مكان ودخلت مكان ولفيت حرفيا حوالين نفسي”
يونس قال باعتذار بسيط
” معلش، المهم هتلاقي عندك طوبة كبيرة شكلها معوق كده، بعيدة بخطوة عن الشجره مرشوقه في الأرض”
يسر بصت حواليها وهيا مش فاهمة
” فين دي بقا؟”
يونس رد
“معلش يا يسر، اتعبي ودوري شويه”
قعدت تدور يمين وشمال حوالين الشجرة، وبعد شوية لقت الطوبة وقالت
“أهووو أخيرًا.”
يونس ابتسم وقال
“بس وصلنا أخيرًا.”
يسر علت صوتها بزهق
“وصلنا فين؟ انت عايز إيه؟”
يونس قال بهدوء
“يسر ركزي، هنا في الأوراق اللي قولتلك عليها.”
يسر وقفت ثواني وقالت
“فين دي؟ انت بتضحك عليا؟!”
يونس قال
” احفري شوية واتعبي معلش.”
يسر قالت بصدمة
“ده بجد؟”
يونس قال بترجّي
“معلش، عشاني.”
يسر اتنهدت وقالت
“طيب، خليك معايا.”
وبدأت تحفر بإيديها حوالين الطوبة، وبعد شوية قالت بتعب
“أخيرًا يا يونس لقيته، أقسم بالله عمري ما تعبت زي دلوقتي.”
يونس قال بابتسامه
“شاطرة والله، أنا توقعت أصلا إنك ما توصليش.”
يسر قالت بسرعه
“طيب وبعدين؟ عايز إيه بالورق ده؟ دول كذا ملف وفيه سي دي كمان.”
يونس قال بهدوء وهو بيفكر
“خلي السي دي معاكي، والورق هقولك تعملي بيه إيه”
يتبع….

 

 

0 0 votes
Article Rating
____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x