رواية اجنبي مغرم الفصل العشرون 20 بقلم الهام رأفت - The Last Line
روايات

رواية اجنبي مغرم الفصل العشرون 20 بقلم الهام رأفت

رواية اجنبي مغرم الفصل العشرون 20 بقلم الهام رأفت

 

البارت العشرون

 

 

انتفض بدنها من أثر ما بلغها من أقوال مدنسة في حقها، وودت لو هشّمت تلك القيود المحجوزة بداخلها، فليس بعد معاناة ضارية واجهتها مع هؤلاء الفَجَرة يكون ذاك حظها، الذي لطالما أجزمت بِسُوئه. لمحت السيدة هنية علامات تذمر ابنتها حين أخبرتها بما قاله المحقق، ثم ربتت في لطف على جبيرة كتفها وخاطبتها:
-متزعليش نفسك يا شهد كفاية اللي إنتِ فيه، أنا من وقت ما شوفتك وأنا هموت خلاص!
ثم بكت بحرقةٍ على حال ابنتها، فتضايق الحاج منصور مما تفعله زوجته ثم أبعدها عن ابنته قائلًا:
-قولنا أيه يا هنية، دا بدل ما تهوّني عليها جاية تزيدي همها كمان وكمان
وقفت السيدة هنية جانبًا تبكي في صمت وظلت كما هي لم تتحمل الصمود فها ابنتها أصبحت في حالة يرثى لها، وما زاد الطين بلة زوجها الذي ذهب وتركها، فتوالي المصائب زاد من بؤسها الذي لم يقل عن شهد التي تحدق أمامها في تيه كبير، مشدوهة من استغناء الأخير، نافرًا هو من بقائه معها، وانقلب الوضع بينهما، ثم في نفسها ابتسمت لسخرية القدر منها، ورأت أن ما حدث ما هو إلا عقاب على ذنبها فيما اقترفته سابقًا، فبعد أن كانت تهزأ ممن تجهضهن أصبحت في وضعٍ مشبوه في أمره.
تأمّلت ورد أختها في ضيق، ثم زجرت زوجها حين قالت ساخرة:
-فين جوزك اللي كان بيقول مراتي ومسؤول عنها ورفض إني أقف جنبك يا أختي يا حبيبتي!
كان الحاج منصور يحاول تجاهل ورد قدر الإمكان، بعكس رغبته المُلحة في ضمها واكتنافها داخل أحضانه ووجد أن مصلحة ابنته المسجيةِ تلك هي الأهم الآن. فـ ورد كانت تتحدث لتخبر الجميع مدى إخلاصها لهم ومحبتها التي لم تنتقص. فردت عليها السيدة هنية تمدحها:
-كتر خيرك يا ورد، ما هي أختك برضه
أغمضت شهد عينيها في يأس من وضعها فليكفي ما هي فيه، ولم تنتبه لـ حسين الذي ولج الغرفة بوجهه البشوش ونوح من خلفه، ثم فتحت عينيها فجأة حين تحدث حسين مسرورًا:
-نوح لقى مستشفى كويسة لـ شهد وهتتنقل دلوقتي!
التقت أعينها به لفترة قصيرة، فنظر لها نوح مبتسمًا قليلًا، فرغم ما سمعه لم يستطع تركها هكذا، ووجد أن عليه أن يكمل دوره كزوج مخلص. وانهالت عليه عبارات الشكر من السيدة هنية والحاج منصور الذي خاطبه معجبًا:
-راجل يا قدري يا ابني، واحد غيرك كان صدق كده في مراته وسابها.
ودت شهد البكاء ولكنها تجشّمت، ورأت أن ما فعله ليس فضلًا منه، فهي لم تفعل شيء مما حدث، لكن تذكرت الأسوأ حين يعلم الجميع بعلاقتها بهذا الوغد وما كانا يفعلانه، بالطبع سوف تثبت التهمة السابقة التي أنكرتها، وسوف تتجدد إهانته لها، وأضحت قاب قوسين لتخرج من تلك الورطـة.
لم يلاحظ أحد تأفف وتبرم ورد من عودة زوج أختها غير حسين الذي لم يجد معنى لاهتمامه بأمرها ودائمًا ما يطالعها بنظرات غير عادية، فنظرت له ورد هي الأخرى في جمود مستاءة داخليًا من كم حب زوج أختها بعكسها هي. فأبعد حسين نظراتها عنها وخاطب نوح في جد:
-أدريان يلا خلينا ننقلها علشان يعالجوها بدل ما هي كده
استجاب نوح ثم أمر المسعفون بالدخول لنقلها في حرس كبير، والجميع من حولها في حالة هادئة واهتمام معلن.
أمام الغرفة كانت تقف لميس لمتابعة ما يحدث حين خرجت شهد على السرير النقال ثم رأت حالتها المزرية، فنظرت لها في شفقة للحظات، اختفت حين لمحت طليقها يضم زوجته من كتفها ويلحقان بهم فتجهم وجهها. وقعت عيناها على ابنتها مرابطة لزوجها كظله، فتحرّكت نحوها وخاطبتها في عجالة:
-يلا يا ورد مستنية أيه، جوزها وكلهم حواليها
أكمل حسين طريقه خلفهم مزيفًا تجاهله فانقبض قلب ورد من بُعده، ثم خاطبت والدتها مستنكرة:
-ماما أنا مش هسيب أختي!
سخرت لميس حين علّقت:
-أختك برضه!
تغابت ورد عما قالته وهتفت في إصرار:
-لو سمحتي إمشي، أنا هفضل لحد ما أطمن عليها
-يعني هترجعيلي تاني!
سألتها لميس في خوفٍ ظاهر، فأكدت ورد:
-أكيد يا ماما، مستحيل أبعد عنك!
ابتهجت لميس ثم ضمتها إليها بقوة، فقالت ورد في شغف:
-عاوزة ألحقهم يا ماما قبل ما يمشوا.
تفهّمت لميس ثم سارت معها لتتبع الآخرين، حين وصلا للخارج أسرعت ورد لتقف بجانب حسين الذي يتابع مهتمًا ما يحدث، الأمر المزعج لـ لميس، ثم وقفت هي الأخرى بجانبه، واستغلّت انشغال ورد بالحديث مع أختها الصغيرة وخاطبته كابحة ضيقها:
-خلي ورد ترجعلي، وهديك اللي تطلبه!
انتبه حسين لها تتحدث إليه، فالتفت برأسه لها غير قابلٍ ما تفعله، فهتف متبرمًا:
-هتشتريني ولا أيه؟!
ازدردت ريقها وهي توضح في استياء:
-أنا مصدقت بنتي بقت معايا، سنين وأنا محرومة منها ووحدة غيري بتربيها، ومستعدة أعمل المستحيل علشان تفضل جنبي!
لمح حسين نظرات الخوف في عينيها رغم الشدة في نبرتها، وأدرك سببها حين قال متهكمًا:
-مش لما تثبتي إنها بنتك الأول!
اضطرب قلبها فجأة وبدت نظراتها الشرسة تخترقه، ثم تشددت حين هددته في قسوة:
-لو إنت هتكون السبب إن بنتي تبعد عني معنديش مشكلة أخلص منك، وللأبـد
تفاجأ حسين من وقاحتها وانفعل، جاء ليرد عليها فتركته لميس لتودع ورد ومن بعدها سارت لتترك المكان، فتعقّبها بنظراته الحانقة. لاحظت ورد أن هناك أمرًا قد حدث بينهما، فسألته في فضول:
-إنت وماما اتكلمتوا في حاجة؟!
نظر لها حسين مطوّلًا دون كلمة وكأنه يفكر في شيء متهور، فترقّبت ورد أن يخبرها، لكن تفاجأت به يمسك بيدها ويسير بها قائلًا في ودٍ أبهج قلبها:
-تعالي الأول نلحقهم ونطمّن على شهد…………!!

*****
بأحد الفنادق، وقف أمام المرآة يضبط ربطة عنقه، حين انتهى نظر لوجهه متأففًا وهو يرى كدمة صغيرة بجانب ثغره، قد أحدثها شابٌ أمسك به عند شقة عمته. زفر بضيق وهو يتذكر كيف نجا من بينهم وهو يصد ضرباتهم في تمكّن، ولذلك اختار المكوث هنا بعدما ارتاب من معرفة نوح بمكانه. التفت حمزة بجسده ثم نظر لـ بيتر الواقف أمامه ينتظره، والذي بدوره خاطبه متعقّلًا:
-أرجو ألا تتذكر ما حدث، انتهى الأمر حمزة وأنت بخير
دنا منه وقال حانقًا:
-لولا إنت كان زماني في القسم وسين وجيم وموقفي هيكون بايخ قصاد اللي يعرفوني
هتف بيتر في قلة حيلة:
-لقد أخبرتك ألا تفعل، وأنت لا تستمع لي!
يختنق حمزة كلما يتذكر، فهتف ضجرًا:
-خلاص اللي حصل، المهم يلا علشان الراجل تحت مستنيني.
سار حمزة والأخير بجانبه يلقي عليه نظرات غير راضية، ويبدو أنه يضمر شيئًا ويمرر ما يحدث دون أن يتدخل. وصل حمزة لساحة الزوار بالفندق ثم أمر بيتر بالبقاء مع رجاله في الخارج، بينما تقدم هو نحو زاوية جانبيه مزيفًا بسمة ودّية لمن نهض ليستقبله. ثم هتف مخاطبًا إياه وهو يصافحه:
-أهلًا يا فاروق بيه!
بحرارة كبيرة رحّب فاروق به ثم جلس الاثنان على الأريكة الفسيحة مع ترك مسافة معقولة تفصل بينهما، هتف فاروق في ودٍ واجب:
-قولت مبتسألش أسأل أنا.
اعتذر حمزة عن تقصيره موضحًا:
-أنا الحقيقة كان عندي شوية مهام كده وكنت بخلصهم
أجلى فاروق صوته حين قال مترددًا:
-يا رب متكونش نسيت بس اتفاقنا
-أكيد لأ!
نفى حمزة فارتاح فاروق وقال:
-خلاص خلينا نمضي العقود، أنا متشوق للشراكة بينا، وبيني وبينك عاوز أبعد عن إخواتي شوية.
رحّب حمزة قائلًا:
-يوم الجمعة على اليخت بتاعي، أنا في وفد هيكون معايا وعامل بارتي صغيرة كده، وبالمرة نمضي العقود.
تأملّه فاروق معجبًا، فرغم صغر سنه كان يدير الأمور ببراعة ويدرك أشياء لم يعيها هو شخصيًا، ولذلك تجرّأ وطلب منه على أمل:
-طيب وجوازك من ديما، فكرت فيه!
ارتبك حمزة قليلًا فذاك الأمر جِدّي وحساس، ثم زيّف بسمة وقال:
-معنديش مانع، نسب حضرتك يشرّف، بس لازم أعرفها كويس و..
قاطعه فاروق مبتهجًا:
-أكيد يا حمزة، أيه رأيك نعمل خطوبة تتعرفوا على بعض، ولو مافيش قبول صدقني مش هنزعل.
تفاءل فاروق بنسبه وانتظر رده، فلم يجد حمزة ما يقوله غير أنه نطق موافقًا:
-هكلم جدي وأشوف الموضوع معاك…………..!!
*****
على الأريكة الموضوعة بالقرب من غرفة العمليات جلست بجانبه وهي تمسك بيده في تملك أحبه منها، فمال عليها برأسه وسألها مهتمًا:
-بتحبيني قوي كده؟!
أومأت عدة مرات تأكيدًا على ذلك وقالت:
-نفسي تحبني زي ما بحبك
طمعت ورد أكثر ليغدقها بالمزيد من كرمه حين تفضّل وأظهر قبوله لها، لكن لم تعلم بمشاعره غير المتزنة، فهو للآن لم يجد مبرر لرد فعله ذاك، غير أنه في عنادٍ شديد لحديث والدتها وتهديدها الصريح له، ثم تأمل محبتها في حيرة من أمره حيث خشي أن يتلاعب بها، كونه لم يميل بالمعنى الكامل لها، وإلى الآن متوترًا من فكرة وجود علاقة تجمعهما غير أنها ابنة خاله.
وضعت ورد رأسها على كتفه وتبهّج وجهها فارتبك قليلًا من ذاك القرب وتساءل في نفسه ما أن تعجّل في ذلك أم لا؟. فقطع شروده الحاج منصور الذي اقترب منهما، حيث تابع ما بينهما متفهّمًا لما يفعل حسين ذلك معها. ناداه جامدًا:
-حسين!
نظر له حسين وكذلك ورد التي اعتدلت لتنظر إليه في ود تجاهله ثم استأنف مخاطبًا حسين:
-زبيدة عندي في البيت، كان فيه حد عاوز يدخل بيت الست عواطف بس هرب وهي خايفة وقاعدة عندي
نهض حسين قلقًا على والدته للغاية وتساءل:
-ماما كويسة ولا فيها حاجة؟!
-بخير اطمن
رد عليه الحاج ليريح فكره فتنهد حسين وجاء ليستفهم منه عن رامي فسبقه الحاج منصور متابعًا:
-رامي معاها دلوقتي!
تدخلت ورد وخاطبت حسين في لطف:
-خلينا يا حسين نروح نطمن عليها
رفض حسين تمامًا ذلك وهتف:
-بلاش ماما تشوفك، هي مش ناقصة تتعصب
دُهشت ورد من رده وحزنت، فإلى تلك الدرجة كرهها الجميع، فانتبه حسين لما قاله وتأفف فلم يقصد شيء، فخاطبها بنبرة أسف:
-مش قصدي حاجة يا ورد، بس بلاش دلوقتي
أومأت متفهمة ولم يختفي سأمها لذلك حين قالت:
-عادي لما عمتي مبقتش تطيقني، بابا نفسه مش عاوز حتى يكلمني.
كانت ورد بينهما فتاة لطيفة ناعمة في نبرتها رجاء محبب، ولصغر عمرها كاد الحاج منصور سيلقي ما فعلته من تهوّر خلف ظهره ويسامحها، لكن نظرات حسين له منعته، وذلك للضغط عليها لترجع عما هي عليه وتبدي ندمها الحقيقي، فتجاهلها الحاج متعمدًا وقال:
-هروح عند قدري واقف مع الدكاترة لوحده
ثم تحرّك ليرحل فعضت ورد على شفتيها لتمنع بكائها من تجبّره نحوها، ثم نظرت لـ حسين وجاءت لتخاطبه لكن حضور ديما منعها فأضحت نظراتها نحوها حانقة، بينما تفاجأ حسين بها وبادلها البسمة لكن ضعيفة. وقفت ديما أمامهما وخاطبته في رقة:
-مقدرتش مجيش أطمن بنفسي، هي بنت خالك عاملة أيه دلوقتي؟!
لم تمهله ورد الفرصة للرد وهتفت في ضيق:
-دخلك أيه بينا، مش من حقك تكوني هنا!
استاءت ديما من غلاظتها وكذلك حسين الذي زجرها:
-ورد عيب، الست كتر خيرها جاية تطمن، دا بدل ما تشكريها.
لم تتحمل ورد كم لطفه مع تلك الفتاة، خاصةً حين أعطى جُل اهتمامه بها وهو يخاطبها:
-تعالي اتفضلي يا آنسة ديما اقعدي.
ابتسمت ديما في ثقة داخلية مسرورة مما فعله حسين، ثم جلست على الأريكة وكذلك هو أيضًا، فوقفت ورد تتابعهما في غيظٍ واضح، فاستفزها حسين حين خاطبها:
-روحي يا ورد شوفيلك كرسي اقعدي عليه
عضت على إصبعها من سماجته ثم اعتزمت أمرًا حين جلست في المنطقة الضيقة بينهما وكادت أن تسقط ديما من الناحية الأخرى، فأثارت ورد حنقهما حين هتفت:
-فيه مكان أهو!
أدركت ديما في تلك اللحظة أنها تحبه هو، فغِيرتها واضحة، فعَمدت على غيظها أكثر وخاطبت حسين بنبرة ناعمة:
-حسين بعد ما نطمن على بنت خالك في موضوع مهم عاوزاك فيه.
نظرت ورد له لترى وقع لطافة صوتها عليه فوجدته يبتسم للأخيرة فامتعضت، ولم تلاحظ ارتباكه من وجودها هي بجانبه لتلك الدرجة الموترة، حتى أنفاسها القريبة منه ونظراتها نحوه، رغم عدم نظره إليها، تغلغل بداخله شعور غريب نحوها، ثم عاد انتباهه للواقع حين تحدّثت معه بدلعٍ مضحك:
-ما ترد يا حسين…………..!!
*****
جلس أمامها بمكتبها في حالةِ غضبٍ جمّة، فنفخت بقوة منزعجة منه هو الآخر، فليكفي ما هي عليه الآن، ثم خاطبته مختنقة:
-طالما متضايق منه قوي كده وريني شطارتك، الواد ده هيكون السبب في إني اتحرم من بنتي تاني!
حدق سيف أمامه يفكر، فجميع الطرق السابحة بعقله الآن داهية، فاستأنفت لميس متخوفة:
-بيحرّض بنتي ضدي، وبيخيّرها بيني وبينه، وهي بتحبه وممكن يأثر عليها.
نظر لها سيف مستنكرًا وهتف:
-لا مش بتحبه، هي بنفسها قبل كده طلبت مني أبعت رجالة يضربوه
صُدمت لميس بذلك ولم تقتنع، فتابع سيف ممتعضًا:
-لو تشوفيها وهي بتطلب كده مش هتقولي بتحبه.
تلجلجت لميس من هول المفاجأة وقالت:
-بس هي قالت إنها بتحبه!
احتج سيف على ذلك فيبدو أن هناك أمرًا آخرًا، فقال:
-أكيد ورد ليها غرض منعرفوش، يمكن بتعمل كده علشان متبعدش عن أهلها بس في نفس الوقت عاوزة تفضل جنبك.
فركت لميس أسفل ذقنها تفكر في ذلك، هتفت متحيرة:
-مش معقول اللي بتقوله ده، أنا مبقتش فاهمة البنت دي عاوزة أيه وليه بتعمل كده!
تجاهل سيف كل هذا وهتف في حماس:
-صدقيني مش بتحبه، ولو عملنا فيه حاجة مش هتتأثر، المهم دلوقتي نرتبط أنا وورد وقريب، وسيبك منه، لو عمل حاجة حسابه معايا هيكون كبير عليه
ظلت لميس في حيرة من ابنتها، فما أدركته هو العشق في عينيها، وما قاله سيف للتو ذبذب فكرها تجاه الأمر. ولكي تفوز بابنتها لا بُد أن تتخلّص منه، فهو أمام القانون الأحق بها منها فهو زوجها، فتنهدت وقالت:
-علشان اتأكد من كلامك لازم توديه في داهية، الواد ده اتجرأ وهددني يا سيف ياخد مني بنتي
يعلم سيف لما خوفها، فليس هناك ما يثبت أحقيتها بها، فتشدد في مد يده العون وقال في ثقة:
-يوصل كده هنا تاني وهكون محضرله مفاجأة………….!!
*****
مر يومان بعد أن قام الأطباء بفك الجبائر من عليها وإقامة عدة عملياتٍ بدلًا من ذلك، باستثناء ذراعها، لم تخفي شهد فرحتها وجسدها يتنفس مما كان فيه فالمكان هنا نظيف للغاية وتتلقى بداخله عناية لا مثيل لها، رغم حدة أوجاعها من وضعها المؤلم، خاصةً حين تمت إزالة الضمادات من على وجهها وظهور كدمات مختلفة الألوان أخفت من جمالها.
حين اشتدت قوتها قليلًا طلب المحقق الحديث إليها وأخذ أقوالها وشرح ما حدث، فدخل نوح الغرفة عليها قبل ذلك فنظرت له في هدوء لازمها الفترة الدابرة، خاطبها مترددًا:
-المحقق بالخارج يريد التحدث إليكِ!
ارتبكت شهد وابتلعت ريقها فها قد جاءت اللحظة المقلقة لها وتبرمت، قالت:
-تمام خليه يدخل!
استقام نوح في وقفته وكم رغب في معرفة الحقيقة، هو يدرك عفافها ولكن تخوّف من فكرة محبتها لآخر وهي مرتبطة به، فدائمًا ما تظهر أنه أقل منها وترى غيره أجمل. تعجّبت شهد من وقوفه وتيقنت أنه الآن لربما يشك بها، وحين جاء ليتحرّك لاستدعاء المحقق سألته مهتمة:
-أدريان إنت تفتكر إني ممكن أعمل كده؟!
التفت لها وحدق بعينيها التي تترقبه في اهتمام، وكأنها وضعته بداخل اختبار للثقة، ودون تردد قال:
-لا، لا يمكنك فعل ذلك.
لاحت بسمة صغيرة أوضحت أنه أخذ علامة جيدة في اختبارها، فسألته مرة أخرى بنبرة وجع ضايقته:
-لسه شايفني حلوة؟!
هنا اقترب منها الخطوات الفاصلة واحتج:
-لم يتغيّر شيء، أنتِ ما زلتِ جميلة، وما حدث لم يقلل منكِ!
لأول مرة يرى في عينيها تلك اللمعة تجاهه، وكأنه برده فتح باب الود بينهما، فخاطبته نادمة:
-سامحني على كل كلمة وحشة قولتها في حقك!
اتسعت بسمته فظنت أنه لربما يستبشر خيرًا في علاقتهما، فأسرعت تضيف:
-بس دا مش معناه هنكمل مع بعض!
محت بسمته بكلامها وتضايقت من نفسها؛ لكنها لم تستطع أن تتقبله، فتحرّك نوح للخارج ولم يعلّق على كلامها الغليظ، فتأففت وقالت في نفسها:
-مش معنى اللي أنا فيه ده واللي بيعمله علشاني أحبه!
لحظات وولج المحقق برفقة حسين ونوح، الذي أصرّ على متابعة ما يحدث بشرط عدم التفوّه بكلمة. حين رأتهما شهد استعدت بترتيب كلماتها، ثم جلس المحقق بجوارها وسألها بروتينية:
-مدام شهد، احكيلي اللي حصل بالتفصيل!
من خلفه جلس أحدهم يدون ما يحدث في انهماك شديد، فابتلعت شهد لعابها وقالت:
-أنا كنت في المستشفى، ولقيت واحد مش قادرة افتكر شكله أول مرة أشوفه بيخدرني، وقتها محستش بنفسي غير وأنا في الأوضة وإيدي ورجلي مربوطين
-صاحب العمارة بيقول إنك طلعتي مع واحد منهم و..
قاطعته حين عارضت منفعلة رغم ضعفها:
-كداب، العمارة لو فيها كاميرات راجعوها، محصلش، أنا مش فاكرة غير إني كنت في الأوضة و…
بترت كلماتها مترددة في التكملة، فتحفّز الجميع وبالأخص نوح لمعرفة ما حدث، ومن نظرات المحقق التي حثتها على المتابعة استأنفت في حرج:
-واحد فيهم دخل الأوضة وكان…… وكان عاوز يعتدي عليا فـ …
سكتت مرة أخرى فكلما تتذكر يزيد خوفها بالتزامن مع اشمئزازها مما كان سيحدث لها، فهتف المحقق في جد:
-قولي يا مدام شهد متسكتيش!
رمشت عدة مرات تستجمع كلماتها وتتحاشى النظر لمن حولها، ثم تابعت مترددة:
-طلبت منه يفكني، حاولت أخدعه لما لقيت مطوة في جيبه، وبعد ما فكني مفكرتش وخدتها وضربته في صدره، وبعدين كلهم دخلوا، كانوا كتير، ملقتش قدامي غير إني أنط من البلكونة، ومش فاكرة حاجة بعد كده
ثم أغمضت عينيها مرهقة، ليس من الشرح، بل تلك الذكرى سيئة، فموتها كان على المحك بين نهايتين كل واحدةٍ أسوء من الأخرى. فالتمس المحقق العُذر لها مزيفًا اللطف:
-معلش بتعبك، يعني إنتِ متعرفيش حد من الرجالة دول؟!
للحظات قليلة ظلت مغلقة عينيها، ثم فتحتهما لتنظر له وقد حسمت الأمر فيما قررته لحفظ سُمعتها بين الجميع، قالت:
-معرفش حد!
وجّه المحقق بصره للرجل الذي يكتب دون توقف، ثم تنهد ليعاود النظر إليها، قال:
-كاميرات المراقبة تحت المراجعة، وبيتم دلوقتي رفع البصمات، مش عاوزك تقلقي حقك هيرجع.
هزت رأسها ممتنة فتابع المحقق متسائلًا:
-مش عاوزة تقولي حاجة تانية؟!
نفت بتحريك رأسها وأيضًا لم تتكلم، فنهض المحقق مخاطبًا نوح وحسين:
-أنا كده خلصت، لو فيه جديد هنرجع نكمل تاني إن شاء الله.
تفهّم حسين ثم رافقه عند الخروج، بينما توجه نوح ناحيتها ليسألها مهتمًا:
-هل أنتِ بخير؟!
أومأت مؤكدة ثم تساءلت في ملل:
-هخرج إمتى؟، مش متعودة أكون عيانة، أنا اتخنقت قوي!
رد عليها في هدوء:
-حين يسمح الطبيب بذلك
ولج والداها برفقة حسين فأسرعت السيدة هنية نحوها وهي تمدحها:
-حسين حكالنا اللي قولتيه، يا حبيبتي ضحيتي بعمرك علشان تحافظي على نفسك وعلى سُمعة جوزك
تلقائيًا وجهت بصرها لـ نوح الذي توتر، فتابع الحاج منصور الحديث عن زوجته:
-وبنتي اللي مربيها مستحيل تبيع نفسها مهما حصل!
ثم خاطب شهد في إعجاب:
-أنا مصدقتش يا حبيبتي أي كلمة عليكِ، عارف قد أيه بتحافظي على نفسك إنتِ وإخواتك
شعرت شهد بالخزي، هي لم تفعل ذلك، لكن جريمتها السابقة لا تغتفر إذا افتضح أمرها بشأن الأخير، وحتى تلك اللحظة خشيت القادم، وذلك حين أرسل لها هذا الوقح السافل رسالة مع إحدى الممرضات، يهددها علنًا حين تذكر اسمه، فهو يحمل فيديو خاص بها وهي تجري إحدى العمليات المشبوهة، وتحيرت في ذلك وتساءلت متى أخذه؟، فدق قلبها ولم تعرف هل ما فعلته الصواب أم لا؟!…………
******
في حديقة الفيلا، كانت تلعب برفقة الصغيرة بمرح وتخلق جو من المتعة في روتينها اليومي، ولكي تتهرّب من أسئلتها عن والدها الذي تركها معها.
وفي لحظة لم تتوقع حدوثها استمعت لأصوات غير عادية، وعفويًا ركضت تجاه الصغيرة ثم حملتها كحماية لها، وحين جاءت لتتحرك لاحظت من على بُعد قدوم بعض الرجال، فتوترت ونظرت حولها لتستنجد بالحرس هنا؛ لكنها تفاجأت بهم من خلفهم يسيرون في هدوء، توترت ساندرا وهي تتأمل الرجل في المقدمة، ثم تعرّفت عليه على الفور، هدأت قليلًا ثم ثبتت موضعها تنتظر في ترقب ما جاء من أجله.
اقترب جوست منها ثم أمرها في حزم:
-Give me the girl!
-أعطني الصغيرة!
ترددت للحظات ثم أعطته إياها على مضض، والعجيب ذهاب الصغيرة إليه فهي تعرفه جيدًا، والتي سألته في لطافة:
-Did Daddy come Uncle Ghost?!
-هل جاء أبي أنكل جوست؟!
ابتسم لها وقال فيما معناه:
-No, it was your grandfather who came to see you, my little one!
-لا، بل جدك من جاء لرؤيتك صغيرتي!
ظهرت فرحة الصغيرة فأمر جوست ساندرا بنفس شدته:
-Prepare the girl’s clothes, she will come with me!
-جهزي ملابس الفتاة، سوف تأتي معي!
ازدردت ريقها خوفًا وقالت في حذر:
-Did Master Noah have any news?!
-هل سيد نوح لديه خبر؟!
رمقها بنظرة قاسية وهو يعيد أمره:
-Prepare what you need, and there is no need for your chatter.
-جهزي المطلوب، ولا داعي لثرثرتك.
لم تجد ساندرا ما تفعله وسط ذلك التجمهر المخيف من حولها، حتى رضوخ الحرس نفض قلبها، ثم تحركت شبه راكضة لتنفيذ المطلوب، وأثناء سيرها كانت تخرج هاتفها لمحادثة السيد نوح وإخباره بتلك المصيبة التي هي بها الآن. ظلت هكذا تحاول الاتصال ولا فائدة فالأخير قد أغلقه تمامًا، فزفرت في ضيق وهي تهتف مرتعبة:
-Where are you Mr. Noah, the situation is not good…………..!!
-أين أنت سيد نوح، الوضع ليس بخير…………….!!
*****
رفعها قليلًا ليعاونها على تناول الطعام فجُل جسدها لم تستطع تحريكه، واضطر لضمها وكانت بين يديه كدمية. وكالعادة يتسلل عطره المميز لأنفها، وتجزم أنه الأروع، ثم لا إراديًا وجّهت بصرها إليه ثم أبعدته على الفور، فطلعته ما زالت تنفر منها، مستنكرة صوته الجذاب، ورائحته المثيرة وارتباطهما بذاك المنظر. أدرك نوح ما يخالجها تجاهه، ولكن تغابى عما تفكر به، واستغل ذاك القرب المُغرِ بينهما وتلك الفرصة السانحة له.
تناولت شهد الطعام موتّرة الأعصاب فهي ليست صغيرة لتدرك احتكاكه المتعمد بجسدها وهو يطعمها بنفسه. ودت لو نهرته على ذلك، لكن ما فعله من أجلها جعلها تنفض عض يده اللعينة أو حتى غرز الشوكة في معدته رغم صعوبة أن تفعلها. مالت برأسها فوجدت وجهه بالكاد يبعد عنها سنتيمترات قليلة، فأبعدت رأسها عنه وقالت:
-إنت راجل حنين قوي!
علم نوح أنها تهزأ منه فابتسم في بلاهة، فأردفت كابحة ضيقها:
-نادي ماما تأكلني!
قال بنبرة أربكتها للغاية:
-أنا زوجك، وما تريدينه سأفعله بنفسي
تذمرت من كلامه ورفضته بشدة:
-مستحيل، أنا أأ…
تلعثمت في شرح ما سوف تريده مستقبلًا من اهتمامات شخصية ولكنه أدركها وبدت أنفاسها منفعلة. قطع حوارهما دخول السيدة هنية والسيدة زبيدة، التي جاءت لأول مرة للاطمئنان عليها، ثم دنت منها واحتضنتها برفق وهي تخاطبها في ودٍ:
-حمد الله على سلامتك يا شهد، ربنا يقومك بالسلامة يا بنتي، من وقت ما عرفت وأنا بدعيلك
ابتسمت شهد في زيف وتضايقت من أن الأخير ما زال يضمها، ولسوء حالتها لم تستطع ردعه، فاتسعت بسمة السيدة زبيدة ثم في خِفية غمزت بعينها لزوجة أخيها، تخبرها بمدى العشق بين الزوجين، ولذلك خاطبت شهد في انشراح صدر:
-هنية كانت بتقولي تاخدك عندها لحد ما تقومي بالسلامة، بس أنا قولتلها مينفعش، جوزها أولى بيها وهياخد باله منها كويس.
ابتلعت شهد ريقها من ذاك القرار المباغت لها والمثير لحنقها، ثم جاءت لتعترض فسبقها نوح معلنًا في ترحيبٍ:
-هذا واجبي، وتلك زوجتي ولن أقصر في خدمتها مطلقًا
أضافت السيدة هنية على حديثه اللطيف:
-وأنا فوقكم على طول، مش هسيبكم أبدًا
أرخت شهد أعضاء جسدها المشدودة مستسلمة، فلن يشفع تبرمها أمامهم، ودون أن تنظر إليه أدركت مدى ابتهاجه الآن، بالطبع لن يضيع موقفٍ بينهما بوقاحته التي تعيها، فاقترحت علهما يقتنعان:
-ممكن نشوف ممرضة هنا تيجي تخدمني و…
اعترضت السيدة زبيدة في عدم رضى:
-عاوزة واحدة تخش بيتك، مش خايفة عنيها تروح على جوزك!
نظرت لها شهد بفمٍ مفتوح من ذاك المبرر غير المقنع، وودت لو قالت ليتها تأخذه للأبد، فكتم نوح ضحكته بصعوبة، وأثار حنقها أكثر حين أكد متصنّعًا البراءة:
-أجل سيدة زبيدة، ربما يحدث ذلك
هنا نظرت له شهد مظلمة عينيها في غيظ، فاستفزها حين قال كعادته:
– My Good girl……………………………..!!
-فتاتي الجميلة…………………………………..!!

 

يُتبع

 

____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)