رواية اجنبي مغرم الفصل الرابع عشر 14 بقلم الهام رأفت
رواية اجنبي مغرم الفصل الرابع عشر 14 بقلم الهام رأفت
البارت الرابع عشر
سردت لأختها عبر الهاتف وقاحة المدعو زوجها، وأنها باتت تخشى المكوث معه، لربما يستغل الوضع ويتجاوز الوعد المُبرم، فهي لن تتحمل أن تصبح لشخصٍ قبيح مثله كما تراه، وتلقي أحلامها وراء ظهرها بفتى رسمت معالم رائعة للارتباط به.
ولجت شهد المشفى لأول مرة بعد الحادثة وهي ما زالت تتحدث مع أختها، ولم تلقي بالًا لهؤلاء الذين يطالعونها بنظرات متفحصة، حيث ظلت تتحدث دون اهتمام تصنّعته لتوحي لهم بمدى ثقتها بنفسها وأن ما حدث لم يضرهـا. جلست شهد على مكتبها الصغير وخرج تأففها بعدما اختفت عن أنظارهم، هتفت لتغيّر الموضوع متبرمة:
-لو تشوفيهم يا ورد وكلهم بيبصوا عليا، أنا عاوزة الأرض تنشق وتبلعني.
ردت عليها ورد ناصحة:
-واجهيهم وطنشي، هتفضلي طول عُمرك محبوسة، وكمان لازم تبيّني إنك اتظلمتي ومعملتيش حاجة.
نفخت شهد وقد ضجرت من كل ما يصير معها، هتفت:
-متخافيش عليا، هقدر أمشي حالي في وسطهم
ثم تذكرت الخبيث زوجها فأردفت:
-المهم عرّفي حسين إنه أوقات بيزودها معايا ويقل أدبه، ولازم يلزم حدوده أحسنله.
خبّأت ورد عنها ما مرت به ولم تخبرها حتى عن هروبها الآن؛ بسبب تحذيرات والدتها، لذلك ردت في حذر:
-الأفضل بلغيه إنتِ، علشان ياخد الموضوع باهتمام.
هتفت شهد بقسمات مكفهرّة:
-أنا لو عليا مجيش المخروبة دي تاني، بس علشان اللي بيعمله معايا، بحس عاوز يقرب مني وهو زي الحيطة مقدرش عليه.
-كويس إنك عملتي كده، الله يكون في عونك
ثم أكملت بشيءٍ من التردد:
-بس خدي بالك إنه أمريكي، يعني الجنسية يا حلوة!
صاحت شهد في نفور ملحوظ:
-تغــور معاه، يا واخد القــرد
قهقهت ورد على وصف أختها للأخير وأضافت على وصفها الساخر:
-يا ريته قرد، دا فيــل!
تحيّرت شهد تضحك أم تنعي حظها المعقوف، قالت في تخمة:
-خليني أتابع شغلي يمكن أنسى القرف اللي أنا فيه.
ثم أنهت معها الإتصال لتبدأ في عملها متجاهلة همسات البعض ونظرات الشماتة في البعض الآخر.
وعن ورد انتبهت لوقوف سيارة والدتها أمام مبنى فخم في منطقة راقية هادئة، حيث صباحًا تسلّلت لتهرب من بيت والدها بعد أن قرّر حبسها لحين الزواج، ولجأت لوالدتها التي لم تتأخر في الاستجابة لها. ابتسمت لميس لها وقالت:
-باين علاقتك بأخواتك حلوة، وقريبين من بعض.
توترت ورد من استماع والدتها للحديث رغم أنها أخفضت صوتها قدر الإمكان، ردت في اقتضاب:
-مش متربين مع بعض!
ضمرت لميس غِيرتها من بنات زوجها السابق، ثم تأمّلت ابنتها في إعجاب وقالت:
-بس إنتِ الأجمل، وأحلى واحدة فيهم!
ابتسمت ورد في خجل وقالت:
-كلنا حلوين، وشهد كمان تجنن
شدّدت لميس من رأيها حين أكّدت بهيئة حادة:
-قولت إنتِ الأحلى، ومش علشان أنا مامتك.
لم تناقشها ورد وفرحت من محبة والدتها، ثم ترجّلت من السيارة حين أمرتها الأخيرة. أمسكت لميس بيدها ليدخلا المبنى فخورة ومبتهجة بأنها معها الآن، وأن ما تخوّفت منه أصبح في طي النسيان كما تعتقد.
وهما في المصعد تعالت دقات ورد من رهبة ذاك المكان الفخيم، سألتها مرتبكة:
-هو أنا هعيش هنا؟!
أدركت لميس رهبتها، فأكدت وهي تحفزها على الصلابة:
-أيوة، المكان هنا أمان ليكِ، وهتعيشي براحتك.
-هكون لوحدي؟!
سؤال أشعر لميس بمدى التقصير غير المتعمّد الذي تمنحها إياه، رغم الاجتهاد منها في إعطائها ما تتمناه، لامست بشرة وجهها وظهرت بسمتها كاسفة، قالت في حنوٍ:
-غصب عني، إنتِ عارفة إني متجوزة ومقدرش أبعد عن بيتي.
أومأت ورد متفهمة وقد كبتت حزنها، فاستأنفت لميس لتزيد من حماسها:
-هنا هتعيشي براحتك، محدش هيضايقك، أنا كمان هجيلك على طول، وأغلب الوقت هنكون مع بعض.
أظهرت ورد قبولها وتبدد قلقها إلى حدٍ ما، ثم انتبهت لوقوف المصعد عند أحد الطوابق، جذبتها لميس من يدها فرحة لتأخذها عند الشقة المنشودة.
ولجت وهي بجانبها فأطلّت ورد بنظراتها على روعة ما تحويه من أثاثٍ وتُحف. لاحظت لميس انبهارها مما ترى بعكسها، تضايقت قليلًا كونها لم تحظى بحياةٍ كتلك، ولكن فرحتها الآن بوجودها محت ذاك الضيق.
تعمّقت ورد للداخل ولم تتخيّل أنها في يومٍ وضحاه سوف تصبح ممن يعيشون في تلك الأماكن. ابتسمت ممتنة لوالدتها ثم ارتمت في أحضانها، ضمّتها لميس بقوة وشعور مبهج تخلل لداخلها، هتفت في ود:
-لسه مشوفتيش حاجة، خليكِ جنبي ومش هتندمي!
أشرق وجه ورد من فضل والدتها عليها، وكأن تلك المغريات أنستها بعض الأمور، ومنها ذاك الذي كانت فقط ترغب في قبوله إيـاها……….!!
*****
في ورشة حُسين..
استمر يعمل في وجومٍ ظاهري ويجتهد في تصليح ما بيده، ويستمع لخاله الجالس أمامه وهو يخبره بأن ابنته قد هربت، في البداية انزعج حسين من فعلتها، وتملك منه اغتمام فظيع، كون أن الأمر تكرر مرة أخرى معه، ولم يعرف من أين تنبع المشكلة، وظن أنه السبب، وأنه كرجلٍ لا يُطاق أن تحبه امرأة أو تشاركه الحياة وتضاءلت ثقته بنفسه؛ لكن بعد ذلك نفض الأمر من فكره، وعاد باتفاقه القديم، بأن زواجه منها لن يكتمل، وأنه عابر لا جدال، وقرر تنفيذ انفصاله، فزجره خاله على تلك الخطوة، واستمر يجادله ويحثه على تنفيذ رغبته حين ردد:
-هتبقى لا ابن أختي ولا أعرفك، واللهِ يا حسين لو طلقتها أختي نفسها مش هسأل عنها.
ترك حُسين ما بيده متجهّمًا فهو غير راضٍ عن ذلك، هتف:
-مش هنغصبها يا خالي، كفاية اللي أنا فيه واللي حصل معايا!
نهض الحاج منصور وأخذ يقترب منه، بات الرجاء في نبرته وهو يخاطبه:
-ورد أنا اللي دلعتها، وفلوس أمها هي اللي بوظتها، علشان خاطري متسيبهاش ليهم هناك، خايف تتغيّر وتبقى نفس حياتهم.
كَرِه حسين تذلل خاله له، ودون جدال وافق على رغبته، حتى وإن ضرّه الأمر، هتف:
-مش هطلقها يا خالي، مبسوط كده!
ربت الحاج منصور على كتفيه في امتنان كبير وتهلل وجهه، خاطبه مسرورًا:
-ربنا يباركلك يا حسين، جوازك منها هو اللي مريّح قلبي.
علق حسين مستنكرًا حالته:
-بس دي هربت يا خالي، يعني كلامنا ولا ليه لازمة، واللي خايف منه هيحصل.
تقطّب وجهه فجأة وهو يقول في عزيمة:
-أنا هعرف أوصلها، وإنت كمان متسكتش إن مراتك تبعد عنك، ساعدني نكون سوا نرجعها.
غلب على حسين التبرم، فإن كانت لا تريده ما الفائدة في استمرار ارتباطه بها، وإن أرادت الانفصال سيرحب برغبتها، ورغم تكليف خاله، بداخله استاء من زواج إجباري كهذا، وتعاهد على استمرار الأمر لحين معرفة مجرى الأمــور بينهمــا…………!!
*****
نزعت يدها من قبضته حين تجرأ وأمسك بمعصمها، ثم أحدت إليه النظر وقد استشاطت من وقاحته حين تجرأ ولمسها، نظرت لمن اعتبرتها صديقه في احتقار حين لمحت في عينيها بُغض تجاهها، ثم تجاهلتها لتعيد النظر لذاك الصفيق، خاطبته محذرة:
-إيدك الوسخة دي هو لمستني تاني هقطعهالك!
ابتسم كريم في استخفاف واضح ضايقها، هتف:
-فكري إنتِ بس ترفعي إيدك عليها تاني، ووقتها مش هسكتلك، إنتِ لسه متعرفنيش
بالفعل تتفاجأ شهد من سفاهته يوم بعد يوم، لكن الأغرب صدمتها من صديقة دربها، وارتباطها بشخصٍ وضيع الأخلاق مثله، فعلّقت شهد في نفور:
-اللي زيك ميشرفنيش أعرفه!
ضحك في سخرية وهتف:
-على أساس الدكتورة المحترمة ماشية بما يرضي الله، نسيتي ولا أفكرك!
ثم نظر في استعلاء لها حين أدرك بأنها تغلي الآن، فتدخلت آية لتنهي الجدال الذي رفضته وقالت:
-كفاية كريم يلا، وإنتِ يا شهد خليكِ بعيد عننا
حملقت بها شهد في صمت عجيب، هي بالفعل لن تترك حقها وما فعلاه في تدمير سُمعتها المهنية والاجتماعية، حتى أضحت متزوجة رغمًا عنها، وتأنت في انتقامها منهم. بينما ألقى كريم نظرة أخيرة عليها وهو ينبّه بشدة:
-زي ما عرّفتك، لو بس فكرتِ تعملي حاجة كده ولا كده أنا مش هسكتلك، ووقتها هتشوفي واحد تاني!
ثم جذب آية من ذراعها وتركها بالغرفة بمفردها تحدق بالفراغ، وما هي إلا لحظات وولجت أماني في حرس. نظرت لها شهد في سكون حتى تحدثت الأخيرة وهي تتلفت بنظراتها:
-هما بيعملوا معاكِ كده ليه؟!، أنا سمعت كل حاجة!
خشيت شهد أن تكون قد علمت بماهية بما تفعله بمعاونتهم، لكن حين تابعت أماني ارتاح قلبها:
-أكيد إنتِ شاكة إنهم اللي لبسوكِ التهمة دي!
خلعت شهد الروب الأبيض وقد تهيأت للرحيل، قالت في ملل:
-هما ولا مش هما، أنا خلاص مبقتش عاوزة أعرفهم
دنت منها أماني وهي تهتف في حماس:
-أنا سمعت إنك متجوزة واحد أمريكي، يعني يا بختك هيبقى معاك الجنسية.
لوت شهد فمها متهكمة من ذاك الشرف المنتظر ولم تعلّق، فاستأنفت أماني مبتهجة:
-أنا لو مكانك، استغل جوزي الأجنبي وأطلع عينهم، عارفة إن الدولة هنا بتحترمهم عننا.
قالت أماني جملتها الأخيرة ساخرة من ذلك، بينما جذب الحديث شهد لتفكر به جيدًا، لما لا يمكنها استغلال زوجها لتنفيذ بعض الأمور، بدلًا من وجوده دون فائدة في حياتها، على الأقل تستفيد من تلك الزيجة المشؤومة، ثم عزمت على أمرٍ ما شيطــاني…………!!
*****
بمقهى الحارة، عدّ ما أعطاه له من نقود في عدم تصديق، فلم يتخيل أن يمسك بمبلغٍ كهذا يومًا، و ورأى أن ما فعله لا يضاهي كل ذلك، فالأمر بسيط، ثم نظر له مستنكرًا كل ذلك اللطف:
-كتير قوي يا أدريان، أنا كنت ممكن أعملك كده من غير حاجة إحنا أهل دلوقتي
تعجّب نوح من اختطاف بصره لما منحه إياه قائلًا:
-ما فعلته ذو قيمة لدي، وأنا أيضًا وعدتك قبل مجيئي أن أساعدك!
اغتبط رامي وتفاخر بمعرفة شخص مثله، فها هو الآن ينفذ وعوده السابقة، فقد ظنّه تناساه في ظل الظروف التي مرّت. ولشدة ودّه تجاهه قال:
-لو عاوز أي حاجة بلغني، وإن شاء الله هقدملك شغل متفرقوش عن الحقيقي.
مدح نوح عقله الذي دلّه عليه، فقد حان استخدامه في أموره الخاصة ويغدقه من أمواله، ويظهر له مدى العطف والكرم فقد جاء هنا بفضله.
حضر أندرو لمكان المقهى بعد بحثٍ، انضم لهما ثم جلس وهو يخاطبهما:
-Good afternoon
رد الاثنان عليه وفهم رامي من هيئتهما أن بينهما حديث مختزن لا داعي لوجوده أو سماعه، ثم نهض قائلًا:
-همشي أنا علشان عندي محاضرة
ابتسم نوح له وهو يودّعه، ثم التفت لـ أندرو وخاطبه في غلاظة:
-Why are you late?! I have been waiting for you since the morning!
-لماذا تأخرت؟!، من الصباح وأنا انتظرك.
رد الأخير متأففًا:
-Since morning I have been looking for a home for you, and I finally found it
-منذ الصباح وأنا أبحث لك عن منزل، ووجدته أخيرًا
عقد نوح جبينه وهو يسأله مهتمًا:
-And what did you find?!
-وماذا وجدت؟!
أظهر أندرو إعجابه بما أنجزه قائلًا:
-I found a wonderful villa, spacious and in a quiet location away from prying eyes.
-وجدت فيلا رائعة، واسعة وبمكان هادئ بعيد عن الأعين.
-Good!
-جيد!
أعلن نوح أيضًا رضاه عن ذلك، أضاف في جد:
-Did you see my picture that I posted today?!
-هل رأيت صورتي التي وضعتها اليوم؟!
تذكر أندرو أمر الصورة على حسابه وهتف مبهورًا:
-You damned, how did you do it, are you here or there?!
-أيها اللعين، كيف فعلتها، أنت هنا أم هناك؟!.
تجاهل نوح صدمته من الصورة المُختلقة، وأعلن حنقه من وصفه له:
-Watch your words Andrew, no one talks to me like that
-انتبه لكلامك أندرو، لا أحد يتحدث معي هكذا
وعي أندرو لما قاله من لفظٍ غير مناسب وتأسّف قائلًا:
-Sorry Noah, it’s unbelievable!
-اعتذر نوح، فالأمر لا يُصدّق!
ظن أندرو أنه ما زال غاضبًا منه فطلعته ما زالت مقطّبة، فعاد يعلن أسفه:
-I say sorry, what is the matter man?!
-قلت لك أعتذر، ما الأمر يا رجل؟!
تنهد نوح مزعوجًا وقال:
-I’m not upset with you, there’s something else!
-لم اتضايق منك، هناك شيء آخر!
What?!
-ماذا؟!
سأله مهتمًا، فضغط نوح على نفسه بألا يخبره، فإن فعلها أصبح محل سخرية منه، وأنه بات كاللُعبة في يد فتاة لا تهتم لأمره. غيّر الأمر لآخر حين هتف:
-I want it all to end here, it’s hard
-أريد أن ينتهي كل شيء هنا، فالأمر صعب
هو الآخر يدرك صعوبة ما جاءوا من أجله، ويعرفه أحيانًا يتعامل بمزحه مع الأمور الصارمة، فهتف جادًا:
-I know the seriousness of what happened, and in light of this, you are doing funny things to me and to you with what we wear
-أعلم خطورة ما حدث، فأنت في ظل ذلك تفعل بي وبك أمور مضحكة بما نرتديه.
استنكر نوح ذلك في تأكيد:
-Didn’t I tell you that this is a disguise, you idiot, so that no one will see us?
-ألم أخبرك أن هذا تنكر أيها الغبي، حتى لا يرانا أحد
اقتنع أندرو قليلًا، لكن حين أكمل نوح زاد اقتناعه:
-Our presence here is better to facilitate the task, as I know that Hamza is dying to come here
-وجودنا بالقرب هنا أفضل لتسهيل المهمة، فأنا أعلم أن حمزة يموت شوقًا ليأتي هنا!
دُهش أندرو من عدم حضوره للمكان فمن قُتلت عمته، وكان يأتي إليها كثيرًا برفقة والده، وأدرك أنه يختبئ في مكانٍ ما وسوف يجده بالطبع. ثم تفاجأ بـ نوح ينهض وقد انتوى أمرًا، فسأله وهو ينهض أيضًا:
-Where, are you going to leave me?!
-إلى أين، هل سوف تذهب وتتركني؟!
صمت نوح ولم يرد عليه بل حاسب صبي القهوة على المشروبات، ثم تحرك من المكان وتبعه أندرو متعجبًا من أمره، فهب يسأله حانقًا:
-Where man?!
-إلى أين يا رجل؟!
وصل نوح سيارته وقد قرر الذهاب لزوجته المتمردة التي خرجت دون أن تخبره. ركب السيارة ورد عليه في حدة:
-You’re talking to me today. It is better to go and look for Hamza
-لا تتحدث معي اليوم. والأفضل أن تذهب وتبحث عن حمزة………!!
*****
بأحد النوادي الشهيرة..
وقف على حوض الاستحمام مشغول بهاتفه، حيث أتت فرصته السانحة دون مجهود، ومن شدة مفاجآت القدر أن تكون هذه الفتاة ابنة أخ للسيدة المتهمة بالقتل. لم يتوانَ حمزة في التودد إليهـا، حيث اتصل بها ولكنها لم تجيب، ثم أرسل رسائل خاصة لها، يعرب عن مدى إعجابه بجمالها، ويرغب في وجود صداقة تجمعهما، ثم انتظر أيضًا أن تجيب ولم تفعل، وكان يشعر بالفشل حين تأخّر ردها عليه.
لمح تقدُّم بيتر منه ويبدو عليه حماسة عجيبة، فالتفت له مهتمًا بما جاء به، خاطبه الأخير مرحبًا:
-أهلًا سيد حمزة
تأمله حمزة متسائلًا:
-خير يا بيتر، شكل فيه حاجة حصلت؟!
أومأ مؤكدًا وهو يرد:
-السيد نوح بعد أن فتح جواله قبل يومين، اليوم قام بوضع صورة له مع احتفال الهالوين القائم بالبرازيل
دُهش حمزة وتأججت حيرته فاستفهم:
-ودا معناه أيه؟!
لم يختلف حال بيتر عنه حين هتف متعجبًا:
-ظننت الصورة مزيفة، لكن هي حقيقية، لم أفهم شيء!
نظر حمزة للفراغ كأنه يفكر في شيء، وفجأة بات غير متفهم لما حدث، وظن أن نوح يتلاعب به، أو هناك شيء غير معلوم ينويه فقد ظنه هنا، ولذلك أوجب على نفسه الحذر، فـ نوح شخص داهية وخطواته غير متوقعة، خاطب بيتر في جد:
-أنا مش مرتاح، شوف حد من عندنا يتأكد من وجوده هناك، ولازم تكون حريص في أي حاجة تخصنا.
أطاعه بيتر دون نقاش، فتنهد حمزة وما زال فكره مشغول للحظات، ثم جاءت ورد على باله ولاح اهتمامه بها فأمره:
-ورد بنت لميس غالب، عاوز أعرف عنها كل حاجة……….!!
*****
وهي بالصالون، توترت من رسائل هذا الشخص الغريب المادح لجمالها، خاصةّ وصفه الجريء لها، ولم تستطع الرد وشعرت بالخجل، لم تعتاد ذلك لتجيب، فنفضت فكرة الرد عليه، فهو شخص ذو مكانة كما علمت وكان يعيش بالخارج، وخشيت أن يستغلها بصورة غير مستحبّة بفكره الأوربي.
وضعت ورد الهاتف أمامها على المنضدة الصغيرة وقررت التجاهل، ثم نظرت أمامها وشعور الفخر بما هي عليه زادها إشراقًا، فأخذت نفسًا عميقًا لتعلن عن غبطة ملأت روحها وهي تتأمل مكان سكنها الجديد. وعمدت أن تبقى هنا، وبطريقة أو بأخرى سوف تأتي بـ حسين ليشاركها النعم، فتهلل وجهها وداخلها يتمنى:
-أكيد بابا مش هيخليه يطلقني، وبكده هقنعه يكون هنا معايا ونعيش سوا.
رن هاتفها فارتبكت فجأة، فقد خشيت أن يكون هذا الشخص المدعو حمزة، أو والدها، فهي منذ الصباح تتجاهل اتصالاتهم جميعًا. حين نظرت للهاتف ووجدت اسم زوجها الوسيم تعالت ضربات قلبهـا واتسعت بسمتها، ولم تفكر طويلًا وأجابت على الفور. وحين استمع لصوتها خرجت نبرته الغاضبة وهو يحادثها:
-أيه اللي عملتيه ده، تقصدي أيه بهروبك، عاوزة تخليكِ عندك
تفهّمت ورد مدى استيائه من فعلتها، لذا حدّثته في رقة:
-طيب إهدى شوية، أنا بعمل كده علشان نكون مع بعض
تغابى عن ردها وأمرها في صرامة:
-ارجعي يا ورد، أبوكِ اللي رباكِ مش دا جزاؤه تعملي فيه كده!
-بس أنا مع ماما مش حد غريب!
قالت مستنكرة، فكما هو عاتبها في ضيق:
-خالي مش عاوزنا نطلّق، وأنا مقدرتش أرفض
ما خمّنته كان الصواب وابتسمت، فقالت متمنية:
-خلاص تعالى نعيش سوا هنا، كل حاجة هتبقى لينا.
ملّ من استمرارها لذاك العناد فهتف محتجًا:
-مقبلش أعيش على قفا واحدة ست.
كلحت تعابيرها وتبرمت:
-أومال هنعيش إزاي، هنحشت سوا، هتقدر تشيل مسؤولية بعد ما خسرت كل حاجة.
أهانته بصورة غير مباشرة، لكن وصل المعنى له وابتلعه فهي محقة ولم يلومها، فرد عليها في هدوء غريب:
-أنا قولتلك قبل كده إني مش جاهز اتجوز، وإنتِ عارفة اتفاقنا، فأنا مش بإيدي حاجة.
ثم صمتت للحظات كأنه يفكر متضايقًا، استأنف متهورًا:
-هعمل معاكِ اتفاق، هنطلق من غير ما نقول لخالي!
نهضت من مكانها مذبذبة من قراره وبالطبع ترفضه، ولم تجد بُدًا من إعلان محبتها، فهتفت:
-أنا بحبك يا حسين!
شعور غريب سبح بداخله وهو يستمع لها، وصدق حدثه حين أدرك محبتها، فشكه السابق تحوّل لتأكيد. رفض أن ينصاع لكلامها المعسول، فسبق وأحبّ وتمت خيانته. بينما انتظرت ورد أن تعرف وقع كلامها عليه في شغف، فصدمها حين قال في يأس:
-وأيه يعني، بكرة علشان حاجات تافهة هيبقى مافيش حب
عارضت تشبيهه لها بالأخرى حين هتفت:
-أنا غير أي حد، أنا بحبك إنت وبس!
-طيب ارجعي لو كده!
كان طلبه كأنه يستغل ما قالته، ليس كرغبة في وجودها معه، هو لم يحبها ولم تشعر بذلك منه، وكلما يغلب عليها ذاك الإحساس تريد انتزاع قلبه لتخرج تلك البغيضة التي استولت عليه، وضمرت حنقها من بروده تجاهها. انتظر حسين ردها الذي طال، وفهم أنها لن تمتثل بسهولة، فسلك طريق آخر وقال في لؤم:
-طيب لو عاوزاني أجيلك قوليلي العنوان……….!!
*****
جاءت لتفتح باب الشقة وهو من خلفها يوتر أعصابها حتى فشلت في وضع المفتاح بمكانه، فانتزعه نوح من يدها ليفتح هو مما زاد من اضطرابها فهيئته غير مبشّرة، ثم تفاجأت به يدفعها من ظهرها للداخل في قلة ذوق، فنظرت له شهد مستاءة وزجرته:
-أيه مش تحاسب يا لوح، كنت هتكفي على وشي
تقدّم منها بنفس وجهه الكالح، فتراجعت لا إراديًا وتخوّفت من اعتدائه عليها؛ لكن هيئته أوضحت شيء آخر فسألته منفعلة:
-عاوز أيه مني؟، هو أنا عملتلك حاجة!
لم يجيب على سؤالها الأحمق، فرد محذرًا وهو ما زال يخطو نحوها كلما ابتعدت:
-عليك باحترامي، إن تحدثتي معي بتلك الطريقة مرة أخرى لن تجدي ما يسُرك يا زوجتي!
ابتلعت ريقها وهو يقترب منها ولم يتوقف، وفي سرعة جنونية ركضت خلف الأريكة لتتخذها حاجزًا بينهما، فسخر نوح من أفعالها حين هتف:
-هل هذه من ستحميكِ مني!
نفخت شهد وصاحت في خوف ظاهر:
-عاوز أيه مني؟!، إنت شكلك عاوز تضربني!
ثبت نوح موضعه وسلط نظراته عليها، هتف في جمود:
-لما خرجتِ دون أخذ الإذن مني، أليس من حقي أن أعلم أين زوجتي؟!
لحظات وفهمت سبب ضيقه وهدأت قليلًا، فبررت مستنكرة:
-مش اتفاقنا كل واحد في حاله!
هز رأسه في عدم قبول ذاك الهراء الخارج منها وقال:
-من شأني كل شيء، أنت زوجتي، ومن واجبك نحوي ألا تخرجي دون إذن
وجدت شهد صعوبة في التعامل معه، فلم تأخذ في اعتبارها قوته التي تفوقها من ذاك الداهية، ولعدم الدخول معه في مشاجرة ستخسرها بالتأكيد هتفت تبدي ندمها:
-أسفة، أنا كنت رايحة الشغل عادي يعني مش رايحة الكباريه عندي نمرة!
أخفى بسمته ورسم صلابة مزيّفة، ولشعوره بالضيق طيلة اليوم من تمردها قرر معاقبتها ولن يتغاضى، فأشار لها بسبابته أن تأتي إليه، فارتجف بدنها من تطاوله بأي صورة كانت، فهي تشمئز من النظر فقط إليه. جاء حديث أماني على بالها في استغلال زواجها منه، فتبدّلت ملامحها كليًا حتى أنه استغرب ذلك. فتحركت شهد لتقف أمامه في طاعة جلية لم يرتاح لها؛ ورغم ذلك أحب القُرب منها. خاطبته في نعومة مزيّفة:
-اتفضل قول اللي إنت عاوزه!
نظر خلفه ظنًا منه أن تخاطب شخصًا آخر، ثم عاود النظر لها مستنكرًا اللطف منها تجاهه، فأمس كانت تعلن نفورها منه. فنظرت له شهد متيقنة أنه متفاجئ من رقتها معه، فخاطبت نفسها ساخرة:
-طبعًا مش مصدق نفسك يا ابن البغلة!
ثم لاحظت نظرات غير مريحة من عينيه، وتأكد شكها حين قال في غموض:
-أي شيء أريده!
تجمدت شهد موضعها، فمن الواضح فهمه الوقح لجملتها، وتلعثمت في الرد بشدة حد أن الكلمات قد اختفت من على لسانها، فابتسم نوح على حالها، فانزعجت شهد من حركاته المستفزة وهتفت في شدة:
-عاوز أيه!
رفع يده ليلامس صدغها فانكمشت في رهبة، وبدا عليه أنه يريد تقبيلها، فازدردت ريقها وأحس بارتجافها، وتمنى لو أنها أحبت شخصيته لا هو، لكنها ما زالت تكن له البُغض، وكما هي مغرورة، فأنزل يده ورسم معالم جادة، مما جعلها تتنفس في راحة ملحوظة. ثم خاطبها في حزم:
-لن تخرجي دون إذن، وكأي زوجة سوف تفعلي المطلوب والواجب فعله
أملى أوامره عليها وما كان عليها سوى الطـاعة، فهتفت:
-طيب مش هيحصل تاني!
وضع نوح يده على بطنه يشعر بالجوع، فتكشّر وجهه وهو يخاطبها:
-بالطبع ذهبتي للعمل ولم تطهي الطعام!
تأففت من شراهته الدائمة وهتفت مختنقة:
-هو أنت على طول همك على بطنك…………!!
*****
تساقطت عبراتها رغمًا عنها والخادمة تقص عليها ما استمعت إليه من حوار بين والدها وعمها، فقد ظنت انتهاء تلك الفترة، لكن خدعها سكوت والدها. واختفت معالم الأُلفة تجاهه فهو يريد التخلّص من ابنتها، وقبوله المُعلن كان مؤامرة. أمرت لميس الخادمة بالرحيل للقصر مع استمرار المراقبة، ثم توجّهت لغرفة المكتب حيث زوجها، فتحت الباب دون استئذان ولم يعلّق في فؤاد على ذلك، وقفت أمامه مبتئسة وهتفت:
-لسه بابا زي ما هو، عاوز يتخلّص من بنتي ويحرمها من كل اللي ماما سابته!
نهض فؤاد وتحرّك صوبها حين لمح خوفها، قال:
-إهدي بس وفهميني!
أنجزت لميس في ردها محتفظة ببعض الأمور حين هتفت:
-وصلني إن بابا بيخطط إنه يخلص من بنتي عن طريق سيف، وأبوك متفق معاه!
اختنق فؤاد من تلك الأجواء العدائية، فهدّأ من وجلها قائلًا:
-المفروض تكوني عارفة إن أبوكِ مش هيتغيّر، عاوزاه في يوم وليلة يقبل بنتك، قد كده ساذجة
وجدته محق في ذلك فقد خُدعت، ثم سألته في رجاء:
-طيب قولي أعمل أيه، أنا عارفة إنك غيرهم وهتقف جنبي!
أخذها فؤاد لأحضانه وهو يرحب بطلبها:
-أكيد يا عمري، إنتِ بس تؤمري!
حمدت الله على وجوده في حياتها، ودون تردد طلبت:
-عاوزة أحمي بنتي، قولي أعمل أيه!
ثم نظرت له مترقبة، فتخوّف فؤاد من إعلان اقتراحه، ولكنه اضطر ، فقال حذرًا:
-خليها عند أبوها زي ما كانت، هناك أمان ليها أكتر.
أبعدته عنها في غلظة من رده الخائب واحتجت عليه، هتفت:
-قول كده، عاوز تبعدها علشان سيادتك بتغِير من وجودها، أنا ملاحظة من وقت ما جت.
استاء فؤاد بشدة وبرر موقفه:
-لا أنا ولا إنتِ هنقدر نعمل حاجة، اللي مسؤول أبوها وهو اللي هيحميها بعيد عننا.
-أنا أمهــا!
صاحت مُنكرة ما قاله، فاغتم فؤاد للغاية من عنادها، هو الآخر لا يريد وجود الفتاة منعًا لتأزّم الأوضاع بسببها، ودون وعي هتف:
-لا مش أمها، ومافيش حاجة تثبت
تصلّبت أعضاؤها وأحست بأن هناك ما حاكه والدها دون علمها، فسألته مبهوتة:
-يعني أيه مش أمهــا………………………….!!
____________________
______________
________
يُتبع
- لقراءة باقي فصول الرواية اضغط على (رواية اجنبي مغرم)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)