رواية اجنبي مغرم الفصل الثلاثون 30 بقلم الهام رأفت
رواية اجنبي مغرم الفصل الثلاثون 30 بقلم الهام رأفت
البارت الثلاثون
غطَّ في ألمه وهو يتحمل الاتهامات الموجّهة لوالدته، ورفض تصديقها جميعًا، وأنكر عنها تلك الأفعال الشائنة، ولم يحتاج أن يسمع تبريرًا أو توضيحًا من أُمّه ليواجه بدلًا عنها هذه الافتراءات.
وصل المحقق لقمّة صبره معه من اعتراضه وهو يسرد له تهمة والدته التي أكدها أحد أقارب المجني عليها، ثم هتف مزعوجًا بعض الشيء:
-حسين والدتك قبل كده كانت المشتبه فيه الأول لقتل الست عواطف، وحاليًا قريبها وجّه لها اتهام مباشر.
حدق به حسين في حنقٍ وهو يهتف مستنكرًا:
-أنا ماما مخطوفة، وفكرة إنها هربانة مش صحيحة، ماما متعملش كده، ماما مقتلتش حد.
نفخ المحقق وقال في جد:
-وجود مامتك هو الحل، لازم تقول اللي عندها
صاح حسين متهكمًا:
-ما أنا جاي علشان تلاقوها، مش دي مهمتكم.
هتف المحقق مؤكدًا:
-إحنا مش ساكتين، بس لو طلعت هربانة هتبقى بتأكد عليها التهمة وموقفها هيكون صعب.
نهض حسين ولم يستسيغ الكلام حيث فقدَ تحمّله من ذا الحديث الفظ عن والدته، قال:
-أنا كمان مش هيجيلي نوم غير لما ألاقي ماما، وبنفسي هجبها هنا علشان معملتش حاجة.
هز المحقق رأسه متفهمًا، فتحرك حسين للخارج يقاسي ويلات النوائب المتلاحقة التي تطارده هو وعائلته. أثناء خروجه من غرفة التحقيق قابلته مُنى في لهفٍ واضح، اختلطت مشاعره وهو يراها أمامه، ولأنه ليس بمزاجٍ جيد، لم يعلق على وجودها أو توددها إليه. بينما اغتبطت منى حين لم يبدي رفضًا من وجودها، ثم سارت معه ليتحركا معًا للخارج ولسان حالها يردد:
-متشلش هم يا حسين، إن شاء الله هتلاقيها وهتكون بخير.
سار تائهًا وقد ضاق ذراعه في البحث عن والدته، وتجلّد ألا يبكي، فغيابها أهرق أنينه. وقف أمام المخفر شاردًا في أي وجهة سيتخذ في بحثه غير المُجدي، فقد سأل عنها الجميع. أحست منى بالوجع لأجله، واعتزمت عدم تركه بتاتًا، واسترجعت ذكرياتها معه وحنين الماضي لتتعلق به، خاطبته في ود:
-تعالى يا حسين نروّح علشان ترتاح، وإن شاء الله هيلاقوها.
ركّز نظراته عليها ولم يستطع زجرها لتبتعد عنه فليكفي ما هو عليه، لكنه سكت وقد تغابى عن حديثها معه، قال في هدوءٍ منظور:
-عاوز أكون لوحدي
آلمها قلبها من استمرار جفائه فعارضت ما تفوّه به في رجاء:
-علشان خاطري يا حسين خليني معاك، نسيت حبنا خلاص.
تهكم من جملتها الأخيرة فهي من بدأت، ولشدة ضجره من علاقتهما هتف:
-أنا ماما مخطوفة ومش لاقيها، ومش فاضي لكلامك ده دلوقتي
أسرعت تقول موضحة:
-أنا بس عاوزة أقف جنبك، صعبان عليا أشوفك كده.
أخذ يقارن وضعها الآن بسوء أفعالها حين تركته، ألم يصعب عليها حين هدمت أحلامه وأفنت بيته، وهنا فقط أخرج تأففًا وتجاهلها رغم شغفها في الغفران. نظر أمامه يفكر في حل لمشكلة والدته، ولمن سيلجأ لطلب العون، وجاء شخصًا على باله، فهتف متفائلًا:
-أيوة هو مافيش غيره………………!!******
عاد مجبّرًا للشقة لجلب جميع ما يخصه، فبالطبع لن يظل هنا بعد فضح أمره، تحرك نوح لغرفته ثم توجّه لخزانة الملابس وأخرج منها ما يهمه من أوراق وبطاقات بنكية. حين استدار ليبحث عن شيء آخر مهم، وقعت عيناه على ذاك الكيس البلاستيكي مسنود على فراشه، طالعة في جهلٍ وتوتر، فمتى جاء ومن جلبه؟!، وبأعصاب مشدودة فتحته في حذر، ارتاح قليلًا حين وجدها ثياب، وليست أي ثياب، جميعها نسائية، مررها جميعًا في ذهولٍ سرعان ما تحوّل لإعجاب، وتلك البسمة الخبيثة تزين ثغره، وهنا أدرك سبب دخولها غرفته. لم يتوانى في وضعها كما كانت ليأخذها معه.
وعند سيره بالصالة قاصدًا باب الخروج، توقف مكانه فجأة، ثم جاب ببصره الشقة من حوله، كم أحب البقاء هنا، خاصةً برفقتها، تنهد ثم تابع طريقه، حين فتح الباب اضطرب فجأة حين وجد حسين أمامه، ولأن الأخيرة كشفت هويته، ظن أنه الآخر سيعلم، لكن ارتاح حين خاطبه حسين بنفس الألفة:
-أدريان أنا طالب منك مساعدة
وعي نوح لنفسه فهو بنفس هيئته القديمة، ثم ضبط انفعالاته وتحدث هادئًا:
-مــاذا؟!
جاء حسين ليتحدث فلاحظ ما بيده، سأله:
-كنت خارج؟!
أومأ نوح موتّر داخليًا، فأردف حسين مغتمًا:
-طيب تعالى ننزل وأقولك عاوز أيه
استجاب نوح له ثم أغلق باب الشقة، وأثناء نزولهم الدرج هتف حسين حزينًا:
-ماما بقالها كام يوم مش موجودة، وآخر مرة كلمتني قالت إنها مخطوفة.
استمع له نوح وشعر بالخيانة تجاهه، ثم وقف معه أمام العمارة متجبّرًا فهو من فعلها، وحين أكمل حسين بنفس كآبته لم يتأثر:
-ساعدني ألاقي ماما، إنت معاك الجنسية الأمريكية وأكيد هيهتموا بالموضوع.
زيّف نوح دهشته وهو يجاريه في الحديث:
-ماذا تقول حسين، من سيفعلها؟، ربما هي في مكانٍ ما!
لم يرجح حسين ذاك الأمر فهو يعلم والدته جيدًا، هتف:
-ماما بتخاف من خيالها، هتروح فين وتسيب البيت، دي مش بتخرج غير للضرورة
أراد نوح أن يثنيه عن ذا التفكير وفشل، فتابع حسين قلقًا:
-والمصيبة واحد قريب الست عواطف بلّغ عن ماما بقتلها، وبيقولوا ماما هربانة بسبب كده
تفاجأ نوح وبدا مهتمًا في معرفة التفاصيل، فمن سيفعلها غير حمزة، وهنا تيقّن أن خطوته تلك أوضحت أنه علم بخطفه لها، فسأله نوح مترقبًا:
-ومن هو قريبها؟!
لم يشغل حسين نفسه حتى بمعرفة شخصه فهتف في تأزّق:
-معرفش، وأيًا كان هو مين، أنا يهمني أُمي
لعن نوح حمزة في نفسه، فهو فعل ذلك ليزيد الأمر سوءًا عليه، والآن عليه التفكير ليخرج من تلك الورطة، رابحًا بالتأكيد. ومن سكوته ظنّه حسين لن يهتم، فهتف متوسلًا بعض الشيء:
-هتساعدني يا أدريان؟!
تجمدت نظرات نوح عليه، وبات قاب قوسين، وعليه من ناحية كسب ود حسين، كي لا يرتاب في أمره هو الآخر وينكشف، فرد دون رغبة:
-بالطبع حسين سأفعل…………….!!
1
******
فور عودتها من الشركة توجّهت لغرفة ابنتها، فقد كانت أمس مريضة، وحين دخلت عليها ملأ القلق طلعتها وهي تراها راقدة على فراشها لتلك الساعةِ المتأخرة. دنت لميس منها وعينيها عليها في خوف، جلست بجانبها وذُهلت كونها مستيقظة وهي كذلك، فسألتها:
-ورد إنتِ صاحية، أومال في السرير لدلوقتي ليه؟!
طفح الإرهاق على قسمات ورد، ناهيك من الخمول الجسدي، لتفطن أنها بوادر الحمل، وبنفس رقدتها ردت مستجمعة قواها:
-أنا تعبانة شوية، أكيد بسبب اللي حصل
ضلّلت والدتها لحقيقة عِلّتها، فشعرت لميس بالشفقةِ نحوها، فقد قاست كثيرًا، والأفظع كان من تصرّف أبيها الوخيم والمستقبح في حقها، كما عمدت على عدم فتح الموضوع كي لا تتذكر فظاعة ما حدث معها، مسحت على شعرها وقالت:
-يا حبيبتي، قد كده زعلانة!
بالفعل كانت ورد في قمّة حزنها، وتزامن الأمر مع وعكتها الآن لتضحى في ثِقَلٍ عجيب استحوذ عليها، ولتمحي قلق والدتها ذاك جاهدت لتنهض، فعاونتها لميس لتجلس. ابتسمت ورد وأحبت تلك العناية منها. خاطبتها لميس في لطف:
-مش عاوزاكِ تزعّلي نفسك، مش قولتي خلاص هنساه.
رغمًا عنها أكدت ورد كلامها السابق:
-أيوة مش عاوزاه، هو مش بيحبني وأنا عندي كرامة
استبشرت لميس خيرًا وهتفت:
-خلاص هتطلقي منه، وهجيبه لحد عندك يطلق.
وجلت ورد من حدوث ذلك، وتملك منها الرفض لتتراجع، لكن كرامتها غلبت عليها، وضغطت على نفسها لترضخ لما قالته والدتها، أما لميس استشعرت عدم رغبتها، ولأنها تريد إبعادها عن تلك الأجواء وعودتها إليها، لم تعطيها الفرصة لتغيير قرارها، فما حدث صبّ لمصلحتها بعدما كان الجفاء حليف علاقتهمـا. فابتسمت لها وقالت:
-كله هيكون تمام، ومتخافيش، لما عِدّتِك تخلص عريسك عندي، وأحسن منه مليون مرة.
رغبة والدتها وتّرتها، فأي زواج سيتم وهي بتلك الحالة، أيضًا لن تقدر على إعلان حملها، فبدون تفكير ستجبرها والدتها بأي طريقةٍ كانت للاستغناء عنه، استهانةً ونفورًا من أهل أبيها، وهي لن تفعل ذلك مطلقًا، ولا تعرف لما هي متمسكة به. فردت على والدتها حذرة:
-مش على طول كده يا ماما، أنا مش حابة ارتبط بحد دلوقتي.
لم تمانع لميس بقائها فترة، فقالت:
-المهم مش عاوزاكِ تشيلي هم، واعرفي إن ارتباطك بغيره هيخليكِ تنسيه
أجفلت عيناها وهي تتخيله أمامها، لن تجد أفضل صورةً منه، فراقبت لميس مؤشرات وجهها لتعرف أن حُب ابنتها لذاك حُسين أضحى كالعلقمِ المر في حلقها هي، فهتفت تحثها على التناسي:
-سيف حلو وقمر، وابن ناس، حياتك معاه متأكدة هتحبيها، وكمان مقالش حاجة عن جوازك
ثم ضمّتها لتبدي لها مساندتها الحقيقة وأنها فقط الملجأ لما تعرّضت له، فشردت ورد في كلامها غير مقتنعة، فجراحها لن تلتئم بسهولة، وربما تعاني مستقبلًا، بالأخص أنها تحمل طفلًا من الآخـــر………!!
……………………………………………………..
لمحها تخرج من غرفة ابنتها التي طارت إليها غير مكترثة بأي فردٍ هنا، بالأحرى كان ينتظر خروجها وهو يحمل الضيق من أفعالها.
أغلقت لميس الباب عليها حيث تركتها ترتاح قليلًا وتفكر في كلامها، ثم انتبهت لزوجها حال خروجها يقف في الرواق، تعجبت من وجوده هنا واقتربت منه، خاطبته مستفهمة:
-واقف كده ليه يا فؤاد زي ما تكون مستنيني
تلهّت لميس عن إهمالها وذلك ما كان يزعجه، هي بالفعل لم تعي تماديها في دلال ابنتها، وتلك المشكلة. لم يعلق فؤاد على ذلك وسألها:
-صحيح عاوزة سيف يتجوز ورد
فطنت من سؤاله أن ابنتها لا تستحقه، فتجهمت وهي ترد:
-ومالها ورد، لتكون مش قد المقام
لم يكن ذاك مقصده، حتى وإن صح، هتف موضحًا:
-تفتكري بابا هيوافق، ماما، كلهم.
رأت في وجهه السأم وهو يتحدث، فقالت لا تبالِ:
-سيف مش صغير، ويقدر يعتمد على نفسه، يعني مش هيستنى رأي حد.
ابتسم ساخرًا وهو يعقب:
-وسيف اللي مش مستني رأي حد ده مقالكيش إن الليلة هيكتب كتابه على ديما، وغصب عنه
انزعجت لميس لتخبئته تلك المسألة، فاستفهمت متفاجئة:
-وليه هيتجوزها؟!
لم يخُض فؤاد كثيرًا في الأمر، قال ممتعضًا:
-ما تسأليه، زي ما بتاخدي قرارات وتتصرفي من دماغك واجهي إنتِ
انتبهت لميس لتصرفاتها، هي بالفعل تفعل ذلك، وسرعان ما شعرت بتجاهلها إياه، فتلاطفت في كلامها وهي تمسك بيده:
-زعلان مني، أنا مش قصدي، لتكون مش واثق فيا
كأنها لم تمتص ضيقه قط، هتف في جد:
-مافيش حاجة سهلة يا لميس، شوفتي بنفسك عملوا أيه في بنتك، ومن مين، أبوكِ منير بيه.
عبّرت عن استيائها حين قالت:
-أنا مش هسكت على اللي اتعمل معاها، وأمجد هيدفع تمن اللي عمله في بنتي.
خشي فؤاد استخدامها سيف في تلك المهمة الضارية، فهتف معارضًا:
-سيف بلاش تدخليه في المشاكل دي، دا أخويا الصغير وخايف عليه
ضمرت لميس اتفاقها مع سيف ولم تعلنه، فجعلته يتغابى عن ذلك حين طلبت منه:
-عاوزاك تجبلي اللي اسمه حسين ده، لازم يطلق بنتي وبسرعة قبل ما ترجع في كلامها.
تذكر أمره وما حدث معه فعلق متأففًا:
-هو ناقص مصايب، أمه اتخطفت وعاوزاه يجي يطلق بنتك.
-أيه، أُمه اتخطفت…………..!!
1
******
وقفت تتابع عقد قران ابنها بفمٍ ملتوٍ وعدم الرضى ظاهر للعيان، ولذلك اتخذت جانبًا معربة عن عدم تقبُّلها لزواج ابنها كأخيه من ابنة عمه، فلطالما بغضت ذاك النسب. لاحظت شيرين حالتها النافرة ومالت على زوجها تخاطبه مستاءة:
-شايف مامتك قالبة وشها إزاي، مبيناها قوي، هي أختي واقعة للدرجة دي ولا قصدها أيه.
كعادته يمقت هشام الدخول في مشاكل، ولذلك يبعد نفسه دائمًا عنها، خاطبها في عدم اهتمام:
-المهم هيتجوزوا، سيبك من أي حاجة تانية
كبحت ضيقها في نفسها وتماشت مع الوضع كي يمر بسلام، وكان الشاغل الأكبر ملاحظتها لـ سيف، حيث جلس كالمغصوب، فقط يردد خلف المأذون كالآلة، ثم وقّع بجمود شديد، وحين باركت له زوجة عمه جاوب ببسمة ضعيفة أضوت فرحتها.
حين غادر المأذون لم يتحمل سيف فنهض يريد الرحيل، فخاطبه فاروق ممتعضًا:
-مش قادر تصبر، يعني ما اتفقتش على حاجة.
جعل السيد طاهر ابنه يجلس مجددًا بنظرة قاسية وجّهها له، وفعل سيف ذلك متأففًا، ثم رد طاهر على أخيه جادًا:
-ديما تشد حيلها شوية وإن شاء الله نعمل حفلة جوازهم
عارض فاروق متشددًا:
-لا هيشيل الليلة من دلوقت، ومسؤول عن بنتي وعلاجها وفرحهم يعملوه وميعملهوش براحتهم.
توغر صدر سيف من شروطه المجحفة، فعاد يدافع عن نفسه منفعلًا:
-ما قولت معملتش حاجة، واتجوزتها وعملت بأصلي
راقب فاروق رده في برود، وتعسّف في قراره هادرًا:
-هو دا اللي عندي، ولو فكرت تطلقها يبقى تدفع، أنت ماضي على ٢٠ مليون دولار
جحظ سيف عيناه في ذهول، فقد غاب عن تركيزه تلك النقطة، ثم نظر لوالده الذي يعرف بالأمر، فصاح في حدة:
-إحنا متفقناش على كده، قصدك أيه بالكلام ده
استشاطت شهيرة لتتدخل وتأخذ صف ابنها، وجّهت حديثها الحانق لـ فاروق:
-إزاي تعمل كده مع ابني، دا بنتك الكبيرة متجوزة ابني بنص مليون
احتدت المناقشة فنهضت شيرين ومعها هشام لمتابعة الحوار في توتر، وكذلك السيدة فوقية التي حزنت على ابنتها، فمنع طاهر زوجته من التدخل قائلًا:
-اسكتي يا شهيرة، الجوازة تمت وخلاص، وهي بنت عمه.
ثم حدق بابنه كي يكف عن تذمره وبصورة غامضة لمّح له بتمرير الأمر، وعلى مضضٍ صمت سيف فنظر له فاروق شزرًا، ولم يبالِ بنظرات شهيرة الحارقة نحوه، هتف مُصرًّا:
-اللي قولت عليه هو اللي هيحصل……………..!!
******
بنفس الغرفة التي وضعها بها، جلست جامحة الفكر، ولم يتأخر عقلها عن التفسير، وفشلت في تخمين سبب مجيئه وتخفّيه عن الجميع، والمُحيّر اختياره حارتهم، وبالأخص ابن عمتها رامي، ربما هناك صلة بذلك، فخاطبت نفسها في شرود:
-يمكن عاوز يستغل رامي في حاجة بما إنه بيفهم في الحاسبات
زفرت شهد بقوة وأخذت تلعنه وهي تنهش أظافيرها، فقد قضا سويًا فترة طويلة، ثم جاء على بالها وقت تدللت عليه ورفضها، فغمغمت مغتاظة:
-كان عامل تقيل ابن المبقعة
تابعت وهي تزجر نفسها:
-وأنا اللي صعب عليا شكله وقبلت بيه
ثم ضجرت من مكوثها هكذا دون جدوى فلا جديد تفعله، كما فكرت في حال والديها، هما بالطبع قد خُدعا فيه، وودت أن تجد وسيلة ما لإخبارهم، فمن المؤكد أنه مجرمٌ متخفٍ لغرض ما.
استمعت لصوت سيارة قد حضرت، فنهضت حذرة وهي تسير بتعثر ناحية النافذة، ومن خلف الزجاج لمحته يترجل من سيارته، ثم طغت عليها علامات الهياج المدروس وهو يرتدي ثيابه المزيفة، فهتفت تسبّه:
-يا واطي
استنتجت شهد أنه كان بالحارة، وربما قابل والديها وخدعهما كعادته، بل الجميع من أهلها، وذلك ما كان يثير غضبها. وتابعت حديثه مع رجل آخر، ومن طلّته وملامحه أدركت أنه صديقه الآخر، هتفت مذهولة:
-دا إنتوا عصابة بقى!
ثم ركزت معهما فيبدو الموضوع هام من حديث أندرو له، حيث بالأسفل وقف أندرو معه يخبره متضايقًا:
-The lady had been sick since yesterday, and had barely regained consciousness when the doctor was brought to her.
-السيدة منذ الأمس وهي مريضة، بالكاد استعادت وعيها حين جلبت لها الطبيب.
تأفف نوح قائلًا:
-We will have a hard time with her, I fear something bad will happen to her before she speaks
-سوف نجد صعوبة معها، أخشى أن يصيبها مكروه قبل أن تتحدث
هتف أندرو يترجاه:
-Noah, the lady is old, there is no need to treat her so harshly, did you see what happened to her yesterday?
-نوح السيدة كبيرة بالعمر، لا داعي لمعاملتها بتلك القسوة، أرأيت ما حدث معها بالأمس
اكفهر نوح ثم تجاهل ذا الأمر مؤقتًا، أمره في حسم:
-Leave it now, Laila will come maybe in the morning, you have to follow up on it
-اترك ذلك الآن، ليلة سوف تأتي ربما صباحًا، عليك متابعة الأمر
أوعز أندرو في طاعة، ثم لاحظ نوح شهد تقف عند النافذة وابتسم باستفزاز لها، فرمقته في نفور ثم عادت لتجلس مكانها متجاهلة سخافته.
بمجرد جلوسها وجدته يلج الغرفة، ولما الدهشة فدائمًا ما كان يصدمها بخفّته، أشاحت وجهها للناحية الأخرى لا ترغب في حديث معه، كي لا تعطيه المجال في إخراج سفالته، وربما تطاول مستهجن من قِبَله نحوها.
خاطبها بنبرة مرحة:
-ما أخبار فتاتي الجميلة اليوم؟!
لم ترد عليه فاتسعت بسمته، وبطرف عينيها لمحته ينزع ذاك الجسد فرغمًا عنها حدقت به بنظرات متوهّجة، ولخوفها منه كانت ستلقي عليه ألفاظًا نابية، رددتها في نفسها. ثم تابعت ولوجه المرحاض فاختنقت، همست مرتعبة:
-هو إيه ده إن شاء الله، ليكون هيفضل معايا في نفس الأوضة، تبقى مصيبة، هعملّه أيه ده
ثم انتبهت له يخرج فابتلعت ريقها مضطربة، حين تحرك نحوها بنفس بسمته المثيرة للحنق تحفّزت كليًا ورسمت جفاء كبير. جلس نوح بجانبها واستشعر نفورها منه، فقلّص المسافة بينهما فانكمشت لتبتعد، خاطبها مستنكرًا:
-اقتربي، لما أنتِ هكذا يا فتاة؟!
استدارت له وارتفع صوتها وهي توبخه:
-عاوز أكون أيه إن شاء، حد قالك بنات مصر هياخدوك بالبوس والأحضان زي بناتكم السايبة
صُدم نوح من ردها، هو يدرك شراستها لكن ليس لذلك الحد، فأحب عنفها قائلًا:
-أجل أعلم، ولذلك هل فكرتِ في أمر زواجنا
ألقت عليه نظرة محتقرة وهي ترد:
-مبقاش غيرك يا جـاسوس يا عمـيل اللي هرتبط بيه، تحيا مصر يا أمـريكي
من هول الرد فقد النطق وفقط تجمدت نظراته المشدوهة عليها، استجمع كلماته بصعوبة وهتف:
-ماذا تقصدين أيتها المختلّة؟!
رفعت يدها لتضربه تأديبًا على إهانته لها متناسية القوة التي يمتاز بها، والتي استخدمها بالطبع في تكتيفها، فانزعجت شهد من ضعف جسدها كونها لم تشفى بعد، استغل نوح ذاك الضعف وألصقها به واستباح النظر لها وكذلك ضمّها، فتشنجت وهي تعنفه:
-أبعد عني يا سافل
ظل كما هو ثم همس لها في ثقة:
-سوف نتزوج شهد والليلة
مطالعته لتفاصيل وجهها في جراءة أغضبتها، فنطقت في غلول من وقاحته:
-على جثتي دا يحصل.
زاد اختلاجها وهو يؤكد ما قاله:
-سوف يحدث شهد، اليوم تتزوجيني، أم الغد تكوني بالسجن، اختاري والآن.
شُدهت من تخييره لها ولم تتفهمه، فهتفت:
-سجن أيه اللي بتتكلم عنه؟!.
بكل انتشاءٍ ومكرٍ قال:
-هل تتذكري الطبيب كريم، هو معي إلى الآن
تعثّر عليها فهمه في علاقته بزواجهما حين أكمل نوح في جد:
-إن لم توافقي على الزواج الليلة سوف أجعله يشهد ضدك، والباقي أنتِ تعرفينه.
ارتخت أعضاؤها حد أنها تناست وضعها بين يديه ثم ارتاح من هدوئها، وازداد شغفًا بها، تلعثمت شهد في الرد وجاء على بالها أدريان القديم بلُطفه ومعاونته لها، وألحّ عليها سؤال فسألته:
-أسمك أيه؟!
ابتسم وقال بنظرات معجبة:
-حين توافقين على الزواج ستعرفين……………!!
******
ترقّبت مجيئه حين علمت بأمر حضوره، ثم تبهّج قلبها حين لم يأتي ويلبي الدعوة، كذلك غضب جَدّها نحوه أثلج صدرها، فربما ينتظره عقابُ في الطريق.
وقفت ليلة بين الحضور في الحفل شبه متوترة، فاليوم ستهرب بالتأكيد، وعليها الحذر الشديد، لم تلاحظ من وقف خلف وأخذ يتأملها بنظرات باتت ربما معجبة، محبة، ثم أخذ الشخص يصدر صوتًا لتنتبه له حين تنحنح، التفتت ليلة برأسها فوجدته إلياس، الذي وقف أمامها وظهرت نبرته رزينة وهو يتحدث معها:
-What’s up Laila, why are you standing alone?!
-ما الأمر ليلة، لماذا تقفين بمفردك؟!
رسمت الهدوء ببراعة وردت برقتها المعتادة:
-Nothing important, how are you?!
-لا شيء مهم، كيف أخبارك أنت؟!
رد ببسمة لطيفة:
-I’m fine, but the Ambiance here is not good, Mr. Suleiman is threatening Hamza because he did not come.
-أنا بخير، لكن الأجواء هنا ليست بخير، فالسيد سليمان يتوعّد لـ حمزة لأنه لم يأتي.
أظهرت تجاهلها ولم تعلّق رغم فرحتها بذلك، ومن نظرات إلياس نحوها خشيت أن يفتح أمر زواجهما مجددًا فسوف تشعر بالحرج، وذلك ما حدث حين عاتبها إلياس:
-As soon as my grandfather told me about your refusal, I was very sad.
-فور أن أبلغني جدي برفضك حزنت كثيرًا
تخضب وجه ليلة وتوترت، فتكراره لطلب الزواج منها أشعرها بالضيق من نفسها، ولم تجد سبب لرفضها له، فهو شاب جميل ومهذب وناجح في أعماله، بينما تشوّق إلياس أن تراجع قرارها فهو لم يرى فتاةً تشبهها لتجذبه هكذا، ولن يرضى بغيرها وإن تخلى عن كرامته في التوسُّل مرارًا حتى يدرك السبب، وحين لمح خجلها قال على أمل:
-Think again Laila, then be patient, believe me, take your time
-ليلة فكري مجددًا، سوف أصبر صدقيني، خذي وقتك
تعجِبها رصانته حين يتحدث، وإن كانت بغير وضعٍ لوافقت على الفور، وقلقت من قبول تلك المهلة، لربما تجرحه قادمًا بإثْم ردها، ولأنها لطيفة مع الآخرين ردت:
-I will think about Elias!
-سوف أفكر إلياس!
تنفس في راحة وابتسم، وحين جاء ليشكرها استوقفه صوت والدته حين قالت من خلفه:
-Leave me alone with Laila Elias
-اتركني مع ليلة قليلًا إلياس
التفت لوالدته وقابل طلبها بالترحاب، ثم نظر لـ ليلة وقال مبتسمًا:
-Excuse me Laila!
-استأذن ليلة!
أومأت في تفّهم فأخذت السيدة صابرينا تقترب منها ومن طلعتها أدركت ليلة أنها مزعوجة رغم هدوئها، ثم شددت من قوتها واستعدت للحديث معها، خاطبتها السيدة في عدم رضى:
-What’s so bad about Elias that you’d reject him for the third time? Your brother loves him, and he welcomed that relationship once before.
-ما السيئ في إلياس لترفضينه للمرةِ الثالثة، فأخيكِ يحبه، ورحّب قبل مرة بذلك الارتباط
ازدردت ليلة ريقها وهي تخفي تذبذبها، قالت:
-Marriage is linked to many things, Ms. Sabrina, including acceptance and love.
-الزواج مرتبط بأمور كثيرة سيدة صابرينا، منها القبول، الحب
-Who do you love, Laila?
-ومن تحبين ليلة؟!
ارتبكت ليلة من سؤالها المباغت ثم نفت سريعًا:
-I don’t love anyone
-لا أحب أحد
دنت السيدة أكثر منها وقد باتت أكثر استشاطة حد اختلاط أنفاسهما، مما زاد من اضطراب ليلة فهذه السيدة قوية، شديدة التعامل، هتفت السيدة غاضبة رغم انخفاض نبرتها:
-You’d better be ashamed of yourself, rejecting my son for a younger man.
-من الأفضل أن تخجلي من نفسك، ترفضين ابني من أجل شاب أصغر منك.
رمقتها ليلة بحدة ولم تسمح لها بالتطاول فهتفت تحذرها:
-Mind your own business madam, where did you get that nonsense?!
-الزمي حدك سيدة، من أين أتيتِ بتلك الخرفات؟!
1
ذاك النكران النابع منها رفضت تصديقه، فهتفت بنظرات احتقار:
-So, let’s see next Laila, but you have to think carefully, what you are doing is wrong, and Hamza is playing with you, what sane person would get involved with an older girl.
-خرفات إذن، دعينا نرى القادم ليلة، ولكن عليك التفكير جيدًا، ما تفعلينه خطأ، وحمزة يتلاعب بكِ، من عاقل يرتبط بفتاة تكبره.
لم تتحمل ليلة إهانتها وارتجف بدنها غيظًا واهتياجًا، ثم تركتها واقفة مع نفسها، فتتبعتها السيدة ببسمة حانقة، قالت متوعدة:
-You will pay the price tonight for rejecting my son…!!
-سوف تدفعين ليلة ثمن رفضك لابني…!!
……………………………………………………
خرجت ليلة للحديقة وقد تعالت أنفاسها من وهج الانفعال، فجاء غوست من خلفها مدركًا أن السيدة ضايقتها حين لمحهما سويًا، لكن لم يدرك السبب. خاطبها مترددًا:
-Miss Laila, are you okay?!
-آنسة ليلة، هل أنتِ بخير؟!
انتبهت له ليلة فحدقت به وقد لاح على تعابيرها مشاعر القهر والضيق معًا، قالت في نفاذ صبر:
-I’m ready Ghost, when are we leaving….?!
-أنا جاهزة غوست، متى سنغادر………….؟!
******
لم يحبذ مجيئه إلى هنا، فجميع أوراقه الخاصة مزوّرة، رغم براعة من قام بتزييفها، وحضوره معه كي يكسب ودّه في الوقت الحالي، ثم سار برفقته قاصدًا غرفة التحقيق، وأثناء سيرهما أراد نوح أن يردعه عن ذا القرار:
-حين تخبرهم عني اعتقد لن يفيد شيء حسين، ولن تعود السيدة زبيدة هكذا.
فعل حسين جميع المحاولات لاسترجاع والدته، فهتف في قلّة حيلة:
-علشان يهتموا شوية، أمي بقالي كام يوم مش شايفها، هموت من الوجع.
تابع نوح معه الطريق وأحسن بالضيق، ولعن نفسه على ذا التجبُّر الذي امتاز به، وتماشى مع رغبته في الحضور وتمنى عدم مجيئه يكون سببًا في نكبته بعد ذلك وعثورهم على السيدة، رغم احتراسه.
حين وقف نوح معه أمام غرفة التحقيق، لم يلاحظ تجمع بعض الرجال جانبًا، فشاغله ما سيحدث بالداخل، وحين طلب حسين من الشرطي الدخول، جذب رد الشرطي انتباهه وهو يقول:
-أستاذ حسين جيت في الوقت المناسب، الراجل اللي بلّغ عن والدتك جوة عند حضرة الظابط
ارتبك نوح فجأة لمعرفة من هو، وحين جاء ليرتب وضعه كان حمزة قد خرج وتعرّف عليه حُسين، ومن حظه السيئ حديث حسين المتضايق معه:
-ليه تتهم ماما، عندك دليل؟!
هنا أدرك حمزة شخصه وابتسم لمقابلته، خاطبه في تعالٍ:
-أنا ساكت من زمان، ومحدش هيوقفني دلوقتي، أمك لازم تظهر
فعل حمزة ذلك مستعينًا بالشرطة، فقد وصل لنهاية صبره، وخرجت زمام الأمور من يده، ثم احتقن حين هتف حسين معترضًا:
-ماما معملتش حاجة، ومش هسمح تتهمها زور
ثم تجاهله حسين منفعلًا ووجّه بصره لـ نوح، خاطبه متشددًا:
-يلا يا أدريان!
التفت حمزة فورًا للشخص الذي يخاطبه، سريعًا أدرك أنه الأمريكي الذي استعان نوح به، ثم رمقه بنظرات قوية، في الوقت الذي يتحاشى نوح حتى النظر إليه فقد توجّس من فضح أمره، خاصةً هنا، وتأجج توتره حين اقترب منه حمزة فهو سبب خطف السيدة، والخبيث يتودد. حين وقف حمزة أمامه اضطر نوح للنظر إليه، وتذكر حمزة أنه رآه قبل مرة في مدخل العمارة ولم يهتم حينها، ازداد غيظًا وهو يدقق النظر به ثم لفت انتباهه هيئته، وتلك العينين ولونهما، وحين تمعّن أكثر اشمأز من قسماته كأنه متعمدًا تبشيع منظره. بينما مرت تلك اللحظات على نوح بصعوبة، ثم تفاجأ من بسمة حمزة اللعينة وهو يطالعه، أخذ حذره خاصةً حين خاطبه حمزة، مصدومًا، مسرورًا:
-نـــوح…………………………………………..!!
يُتبع
- لقراءة باقي فصول الرواية اضغط على (رواية اجنبي مغرم)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)