رواية اجنبي مغرم الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم الهام رأفت
رواية اجنبي مغرم الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم الهام رأفت
البارت الثامن والعشرون
برق النور في وجهها وفي لحظة اندثرت قسماتها الساهمة حين استمعت لصوتها عبر الهاتف. حيث نهضت من فراشها الذي اتخذته جليس في تلك الفترة اللاذعة وانجلى النشاط على هيئتها ككل، وبنبرة شوقٍ ولهفٍ أجابت عليها:
-ورد يا حبيبة ماما، أخيرًا حنيتي عليا وكلمتيني.
ردها الشغوف الواضح به قدر المحبة تجاهها جعلتها تندم على الخصام الذي اختلقته في لحظة تمرد حمقاء، وندمت على ذلك، فرغم أنها تقف حائل في سبيل سعادتها، وجدتها الملجأ، وربما تستغل تلك المحبة لتنفيذ رغباتها، بالطبع لن تتوانى الأخيرة في ذلك. ردت ورد في لُطف لا بُد منه:
-أنا أسفة يا ماما، واضح زودتها ومكنش لازم أكون معاكِ كده.
جلست لميس على الأريكة بوجهٍ أبلج وقالت:
-لازم تعرفي إني بدوّر على سعادتك، إنتِ بنتي وفرحتي الأولى مش ممكن ءأذيكِ يا عمري
رغم عدم اقتناع ورد بحديثها فما تعرضت له دليل على ذلك، سايرت الأمور لتنهي الخلاف وتنال مساعدتها فيما بعد، قالت:
-عارفة يا ماما، سامحيني كنت متضايقة وقتها.
ما تفعله ورد الآن بداية لعودة الود بينهما، ولن تخبرها بنيتها في التخلص من تلك مُنى حاليًا، حتى لا تدرك لميس الغرض من اتصالها المفاجئ وتلك المحبة الصادرة منها مزيفة. فأعلنت لميس حنانها وصدق نواياها:
-طالما حسين هو اللي هيسعدك معنديش مانع، أنا بس بخاف تندمي بعدين
علّقت ورد في جد أبان مدى شغفها بالآخر:
-مش هندم، دا حب مش حاجة عادية، وأنا لما أحب حاجة مستحيل أستغنى عنها أو حتى غيري ياخدها مني…………….!!
******
وقف أمام هذه المرأة يحدق بها وهي تنكر أي علاقة لها بما يقولونه وانكمشت خيفةً منهم، للحظات من التدقيق في هيئتها كان يخالجه شيء بأنها اختلفت قليلًا عن صورتها التي رآها، لكن أكد حدسه بيتر الذي هتف متعجبًا:
-من هذه المرأة؟!.
التفت له حمزة وبدا مشوشًا حتى أكمل بيتر ساخرًا:
-هذه سيدة أخرى ليست هي!
عاد حمزة يتأملها وتيقن بأنها غير امرأة، فتشنج وجهه وهو يخاطب الرجال من حوله مهتاجًا:
-مش عارفين جايبين مين يا أغبية، مين الست دي؟!
ارتفع صوته من فرط انفعاله، حتى وصل السيد جاهد ليرى ما به، ربما ضايقته المرأة بكلامها، وحين وقف بجانبه سأله في فضول:
-What’s wrong Hamza?!
-ما بكَ حمزة؟!
نظر له حمزة وقسماته أعلنت مدى غضبه مما حدث، هتف متهكمًا:
-How did that happen? Didn’t you tell your men about her specifications?!
-كيف حدث ذلك الخطأ، ألم تخبر رجالك بمواصفاتها؟!
وجه السيد جاهد نظره للسيدة للحظات ولم يدرِ ما المشكلة، ثم نظر إليه قائلًا:
-Isn’t she?!
-ليست هي؟!
نظرة حمزة المستهزئة أجابت عليه، فتنهد السيد ثم دعاه ليأتي معه، بالفعل تحرك حمزة للخارج حتى وقف معه بشرفة جانبية، قال السيد متعقلًا:
-No need to get angry, it seems the men got confused, they’re saying she was the only one there.
-لا داعي لغضبك، يبدو اختلط الأمر على الرجال، هم يقولون أنها فقط من كانت هناك.
فشل حمزة في إيجاد سبب لما حدث، وذلك يعني تكرار الأمر مرة أخرى، والمزيد من الوقت، وبالتالي تأجيل سفره الذي هيأ نفسه له. زفر حمزة بقوة وجهامة وجهه كفيلة لتظهر مدى سأمه وغيظه من ذاك الاستهتار. ثم وجه بصره لـ بيتر وأمره بالتقدم، فوقف بيتر أمامه منتظرًا تعليماته، فتزمّت حمزة وهو يأمره:
-من دلوقتي، كل المعلومات عن الست دي وأولادها وعيلتها كلها تكون عندي
ثم تابع كلامه بشيء من الريبة:
-قلبي حاسس اللي حصل ده مش طبيعي، وممكن نوح ورا ده.
جاء أحد رجاله وهو يحمل هاتفه الذي يصدح، ثم مد يده به ليجيب، فأخذه حمزة وهو ينفث دخانًا، حين وجده جَدّه أجاب على الفور ومن ثمَ إخباره بما حدث، لكن الأخير لم يعطيه الوقت للحديث أو السلام حتى، وبدت نبرة السيد سليمان ساخطة وهو يسأله:
-من إمتى يا حمزة ليك علاقة بألفريدو؟!.
تذبذب حمزة من سؤاله ولاحظ السيد جاهد بهتان طلعته، فابتلع حمزة ريقه فهو لن يسأله هكذا إلا إذا معه دليل على ذلك، وتأكد بأن أحدهم أخبره، ومن ستكون غيرها، فنهرها في سره:
-ماشي يا ليلة، إما وريتك إنتِ وأخوكِ………….!!
*******
بحديقة الفيلا الخاصة به، وقف مع أندرو يتحدث منفعلًا بعدما رفضت السيدة زبيدة البوح بكلمة واحدة مفيدة، فصاح أندرو مزعوجًا:
-This lady is stubborn and will not talk easily.
-هذه السيدة عنيدة ولن تتحدث بسهولة.
وافق نوح كلامه فتأفف فهو لا يريد تعنيفها أو استخدام طريقة فظة معها تقديرًا لها، لكن ماذا إن طال الأمر؟!، في تلك الحالة سيبقى فقط ما أراده، حتى لو استخدم الشدة معها أو مع كلا ابنيها. زفر بقوة وقال:
-You will stay here until you speak
-ستظل هنا إلى أن تتحدث
اجتاح أندرو من رغبته هاتفًا:
-Noah will be exposed, and everything we’ve planned will be ruined if anyone finds out she’s been kidnapped.
-سينكشف أمرنا نوح، وكل شيء خططنا له سينتهي إذا علم أحد بخطفها
كان أندرو محقًا، ورغم أن ذلك سوف يحدث، ظل نوح غير مبالٍ وهتف:
-This is my only chance, and the lady won’t leave here until she tells me everything.
-هذه فرصتي الوحيدة، والسيدة لن تذهب من هنا حتى تخبرني بكل شيء
ثم حدق به في شدة وهو يكمل:
-This is my only chance, and the lady won’t leave here until she tells me everything.
-هذا ما جئت من أجله، ولن أتخلى أبدًا فموتي بالمقابل
يدرك أندرو مدى أهمية الأمر وجديته، وإن كان غير ذلك ما كان غامر بنفسه بينهم وتودد لتلك الدرجة حد أنه ارتبط بإحداهن، فقال مطيعًا:
-We will do whatever you want
-سنفعل ما تريد!
شرد نوح وهو يفكر، وأجزم أنه لن يستغني عما عزم عليه فتلك فرصته السائغة ولن يتركها لغيره، فهو الأحق بتلك الملكية فقد ضحى كثيرًا وعليه أخذ المقابل الآن.
رن هاتفه مرة أخرى فقد تجاهله أول مرة، حين رفعه ووجدها هي تنفّس بهدوء وأخذ يبتعد عدة خطواتٍ عن الآخر، عادت نبرته اللطيفة وهو يخاطبها:
-فتاتي الجميلة ماذا تفعلين الآن؟!
تغنجت شهد لأول مرة وهي ترد عليه:
-هكون بعمل أيه يا ديرو، قاعدة، وأوقات أفكر فيك
ابتسم نوح فتلك الفتاة ليست سهلة، فقد بات يعرفها جيدًا، فلن ينخدع بدلالها وتوددها، رد عليها ماكرًا:
-لقد اشتقت إليكِ، فماذا عنكِ؟!
أدرك بالطبع أنها ستزيف محبة وامتنان كالعادة، لكن فعلت شهد ذلك في صدق حين قالت خجلة:
-أكيد وحشتني.
توترت شهد حين قالتها، فما قررته يوترها حتى اللحظة، ولتفاجئه بذلك أردفت كذبًا:
-بس يا خسارة هفضل عند بابا يومين تلاتة
رغم أن رؤية وجهها الجميل سيفتقده، وجدها فرصة ليهتم بما يفعله الآن، فأذاع هيامه بها:
-سوف تحرميني من وجودك، فقدت اعتدت النوم على رؤية شيء جميل
تاهت شهد في نبرته وتقسم لولا حديثه الجذاب لكانت تخلت عنه من البداية، فتنهدت بحرارةٍ وقالت:
-شوف من هنا ورايح مش عاوزة غير الكلام الحلو
اتسعت بسمته حتى ظهرت أسنانه، قال:
-لكِ ما تريدين فتاتي!
لم تتحمل شهد لتسرع في تجهيز المفاجأة بقبولها إياه في حياتها، ثم أنهت معه الاتصال وقلبها تتراقص نبضاته من شدة رهبتها، وحين جاءت لتنهض من الأريكة لترتب كل شيء، انتبهت لـ ورد تدخل المرحاض سريعًا وتسعل بشدة، ناهيك من شروعها في إفراغ ما بمعدتها، قلقت عليها واهتمت بأمرها حين توجهت لترى ما بهــا…………..!!
*******
بورشة حُسين، استمع له وأيّد كل كلمة تفوّه بها، هو الآخر غير مقتنع، فمنذ متى ووالدتهما تغادر البيت، والمثير للدهشة وجودها عند أحدهم، فتأجج الاستنكار بداخل حسين وهو يرد على أخيه:
-حاسس ماما فيه حاجة مضيقاها، دي مش بتثق في حد بسهولة ولا بتحب تكون قريبة من حد قوي كده.
أضاف رامي على كلامه في حيرة:
-دي بتخاف تتعامل مع الناس، يا ترى أيه خلاها فجأة تسيب البيت وتمشي كده.
خطا حسين للخارج ليقف أمام الورشة بذهنٍ شارد، هتف:
-لازم أشوفها وأعرف منها مالها.
ثم تذكر الرقم الذي حدّثته منه، وأخذ قراره بضرورة عودتها فما تفعله زاد من قلقه عليها أكثر، فوقف رامي من خلفه غير مطمئن هو الآخر ووافقه القول.
أثناء حديث حسين مع أخيه، تقدمت ورد منهما بقسمات حملت بعض من التهلل، والبعض الآخر حزنًا حمله قلبها الذي فطره بقسوة كلامه واتهامه لها، ومع ذلك جاءت إليه فعشقها قد غلبها، لمحها رامي تتدرج ناحيتهما فابتسم تلقائيًا، بعكس حسين الذي انتبه لها ولم يبدي ردة فعل، الأمر الذي أزعجها داخليًا، ثم وقفت ورد أمامه وقالت في هدوء منظور:
-صباح الخير!
رد رامي عليها في ود، ثم استأذن بالمغادرة فربما يحتاج أخيه خصوصية في إعتذاره منها لما اقترفه في حقها. وبعد رحيله لم يكن ذلك ما يفكر به حسين، وظل يتطلع على ورد الواقفة أمامه بنظرات غير مفسّرة، فخاطبها في جفاء:
-جاية ليه؟!
ابتلعت ورد قسوته وبررت موقفها:
-عرفت من بابا إن عمتي بخير وكلمتك، فجيت أشوفك طالما متصلتش بيا، قولت تلاقيك مكسوف تقولي إنك كنت ظالمني.
احتج على فكرها فليس ذاك السبب، قال:
-طالما مشوفتش ماما بعيني وعرفت منها ليه تسيب البيت اللي بقالها ٢٥ سنة فيه بالشكل ده مش هطمن، ولا إنتِ مظلومة قدامي ولا حاجة
قلصت المسافة بينهما وبدت غير راضية على استمرار شكه بها:
-طالما شايفني عملتلها حاجة مسألتهاش ليه، ولا علشان شايف قد أيه بحبك بتعاملني كده، معقول أزعل حد بتحبه
ثم ظهرت الدموع في عينيها فتأفف داخليًا من اختلاق خصام بينهما ومن رؤيتها هكذا، حاول تهدئة نفسه فقد تمادى دون سبب معلن، قال:
-ورد روحي دلوقتي، خوفي على ماما مخليني مش مركز، ومش فاهم ليه عملت كده، ودا من وقت ما بقيتي عايشة معانا.
مدت يديها لتمسك بيديه في حركة جريئة غير عابئة أين هما، قالت في رقة:
-هو هنفضل كده كتير، على أساس إني أحسن حاجة عندك، نسيت كلامك ليا لما بنكون مع بعض.
مرر أنامله على بشرة وجهها متأملًا ذاك الجمال فابتسمت من نظراته نحوها، قال:
-أول ما أطمن على ماما مش هنبعد عن بعض أبدًا
من وهج فرحتها ودت احتضانه على كلامه ذاك، فقد ساخ الخلاف بينهما، فأشرق وجهها وازداد حلاوة. خطف نظرة حوله ثم همس لها في لطف:
-ورد أنا بحبك، متزعليش مني………..!!
******
أشفقت عليها كأنها تسمع صخب ألمها في بكائها الصامت، وجلست بجانبها تتأملها في حزن، ولم تجد كلمات محفّزة تضاهي ذا الألم أو تفوقه لتخفف عنها، ثم قالت في غيظ:
-يعني جالك هنا وقالك، صحيح معندوش قلب
استمر نحيب ديما وهي تحدق بالأعلى في ضياع فقد انتهى كل شيء، فلامتها شيرين على تهورها:
-مكنش لازم تكلمي حمزة وتنهي جوازك منه
نظرت لها ديما في اعتراض كبير وقالت:
-على أساس طلبتوا من سيف يتجوزني، معنى كده عارفين إن حمزة هيرفض واحدة في ظروفي دي
ثم مسحت عبراتها بعشوائية وهي تكمل منفعلة:
-قولت أسيبه قبل ما يسبني، أحفظ كرامتي على الأقل.
لعنت شيرين سيف بصوت مسموع ثم أخذت تذمه:
-واطي وندل، مش كفاية اللي عمله معاكِ، لا وبكل بجاحة جاي عندك وقالك وبيرفض يصلح غلطته.
ابتأست ديما وهي تبدي عتابها:
-حاجة زي دي مكنش لازم تخبوها عني، كويس إن هو قالي.
زاد هياج شيرين وهي تهدر:
-المفروض يتجبر على الجواز منك، عقابًا ليه على عملته السودا دي.
ابتسمت ديما في سخرية، فقد بات الارتباط بها عقاب لأحدهم، فسئمت للغاية وهتفت:
-مبقتش عاوزة أشوف وشه، يروح في داهية بعيد عني
دق أحدهم الباب ليقطع كلامهما، ثم انتبها لمن ولج، كان حمزة الذي حضر حاملًا باقة رائعة من الورود، ثم زيف بسمة ودّية وهو يدنو من فراشها، حيث اتخذ قراره باتمام الزواج حتى بوضعها هــذا………….!!
******
استغلت خروجها لتجلب المطلوب، ثم ولجت الشقة في حذر، انتبهت لـ شهد تتحدث مع والدتها في الصالون فاستغلت اندماجهما حتى وصلت للمرحاض، وجدتها لحظة مناسبة لتقوم بتلك المهمة، خاصةً وجودهما فقط بالبيت.
أغلقت ورد الباب خلفها ثم أخرجت ذاك الاختبار وتطلعت عليه في توتر، فمنذ أخبرتها صديقتها مروة باحتمال حملها زاد شغفها حتى وإن أعلنتها بمزحة، لكن أرادت ورد أن تكون حقيقة. أسرعت للمرحاض لتنفيذ الخطوات كما المكتوب، ثم انتظرت بفارغ الصبر أن تكون كذلك بأعصاب مشدودة، رغم أن داخلها نفى ذلك فكيف بتلك السرعة؟، فثبط فكرها ظنها حين رأت خطين أمامها وهذا يعني حملها، شهقت غير مصدقة وارتبكت، هي بالفعل حامل، وجدت نفسها تبتسم وقررت ألا تخبر أحد الآن حتى ترى ردة فعل حسين، فبالتأكيد سيعلن زواجهما رغم أنف الجميع. اضطربت حين وجدت أحدهم يفتح الباب، وحين فشل وجدت شهد تخاطبها أمام الباب:
-ورد إنتِ جوة!
تنفست ورد بهدوء ثم أخفت ذاك الاختبار في جيب بلوزتها، أسرعت لتفتح فوجدت شهد تقول في حرج:
-معلش لو هضايقك، بس أنا لازم آخد شاور………….!!
******
جلس على مكتبه يستمع لها في غضبٍ مكبوت، وانصاع لرغبتها وهي تحذره مرارًا وتكرارًا من أن يفتعل شيء وخيم، فهي لن تغفر له حينها، فتأفف داخليًا وقال:
-خلاص يا لميس، مافيش داعي لكل ده، أنا هبعد عنهم.
نبع رده بطاعة مؤقتة، فهو لن يفعل أي شيء من تحذيراتها حتى وإن انقلب الأمر ضده. وبداخل لميس تفهمت لربما منزعج من قرارها، فقال متوددة:
-مش عاوزاك تزعل، أنا سمعت من فؤاد إنك هتتجوز ديما، يعني بسبب اللي حصل.
بالتأكيد لن يذهب لكل شخص لتبرئة نفسه، وأجزم أنه غير مُجبر ولن يسمح بذلك، فقال في هدوء ظاهري:
-واضح فؤاد بينقلك كل الأخبار
بسمة لميس المغترّة أعلنت ذلك، ثم نهضت وبداخلها راحة فقد فعلت الأصح، فسعادة ابنتها هي الأهم، ثم قالت قبل أن تتحرك للمغادرة:
-كمان بلاش تقف ليه بالمرصاد هنا، سيبه يشتغل وإنت بعيد عنه
أومأ سيف منصاعًا وعلى وجهه بسمة مزيفة، فتحركت لميس لتتركه يقتفي أثرها بنظرات لاح فيها الحنق، ثم صرّ ما علم به بداخله، فكم ود أن يخبرها الآن عن بشاعة ما فعله أمجد مع ابنتها، لكن احتفظ بذلك لوقت مثير، ثم نهض هو الآخر ليذهب لذاك حسين وقد جهّز ما سيقوله له، فتلك فرصته ولن يتركهـا.
أثناء سيره لمكتب الأخير قابل أمجد في الطريق، فابتسم سيف في ود ظاهري لكن حمل في أعماقه سُخط كبير، فقد فعل معه الأقبح هو الآخر، فذاك الأبله منذ متى وهو يخطط في خِسة، فخاطبه أمجد متحفظًا:
-افتكرتك هتاخد إجازة علشان اللي حصل
رغب سيف في لكمه، أو حتى إعلان غضبه، ففي اللحظة التي علم بها وقاحة وندالة مخططه عمد أن يردها له، فعلق سيف في لا مبالاة مصطنعة:
-وأيه اللي حصل، ما إنت عارفني، مافيش حاجة توقفني لو عاوز أعمل حاجة، أنا مش واحدة ست.
تلميح سيف وتر أمجد قليلًا وتوجس من معرفته بأمر ورد وما قام به، وأيضًا هو، ثم رمش في تذبذب فابتسم سيف بمغزى أقلقه فحركاته غير مريحة، فتنهد سيف وقال:
-أسيبك دلوقت، عندي حاجة مهمة وهفضّي نفسي ليك.
ثم تركه سيف يتخبط في أفكاره، فكلامه الغامض مريب، ثم سار لمكتبه بفكرٍ مشغول.!
فتح سيف باب مكتب حسين دون استئذان، الأمر الذي امتعض حسين منه، والذي بدوره نهض، ليس لزجره على ذلك فتلك شركتهم وهو يعمل لديهم، فأي تطاول من ناحيته مرفوض، لكن أعلن استيائه قائلًا:
-الناس بتخبط قبل ما تدخل.
ضحك سيف بخفوت ساخرًا وهو يتقدم من مكتبه، قال:
-هو أنا داخل أوضة نومك علشان استأذن.
صمت حسين وهدأ من روعه، ثم سأل جامدًا:
-أفندم، فيه حاجة مطلوبة مني؟!
مرر سيف نظراته عليه وهو يسأل نفسه ما المميز به لتختاره هو، فإن كان جميلًا فهو كذلك، ناهيك من حسبه ونسبه الذي يفوقه، وكنّ له الحقد، ولها أيضًا، ثم في وجوم أخرج هاتفه، عبث به ليأتي بالمطلوب وسط نظرات حسين المتعجبة وطلعته المتأففة، فنظر له سيف متصلبًا وقال في جد أجج فضول حسين:
-فيه حاجات كتير لازم تعرفها، مش علشان بحبك هوريهالك، علشان أنا اتغدر بيــا……………!!
*******
وقفت في شرفة الغرفة تنتظر رده الذي لم يأتي، وتملكت منها دهشة عجيبة وهي تتصل به مرات دون إجابة، ملّت مما تفعله دون جدوى وتنهدت مكتربة، غمغمت متحيرة:
-يا ترى إنت فين يا حسين، وليه ما بتردش؟!
ثم ولجت للداخل تفكر في أمره، انتبهت لـ شهد تعبث في الملابس وتنتقي ما يليق بها في شغف. اقتربت منها لتتابع ما تفعله بوجهٍ بشوش رغم ما بها، سألتها في مكر:
-أيوة بقى الحاجات الحلوة هتطلع، كنتِ سايباها هنا ليه بقى؟!
نظرت لها شهد شزرًا وهي مغترة بنفسها، قالت في مغزي:
-هو مش من حقي ولا أيه، ما هو جوزي ولازم ألبس أحلى حاجة عندي!
استنكرت ورد تلك المحبة بعكس احتجاجها السابق عليه وهتفت:
-هو بقى كده، على أساس جواز أي كلام.
تركت شهد ما بيدها ونظرت لها في ثقة، قالت:
-كان زمان، دلوقتي أنا راضية بيه، والليلة هعتبرها يوم جوازنا.
ثم تابعت انتقاء ما يعجبها، فغمزت ورد بعينها واستمرت في مشاكستها:
-يا سلام، دا بقى فيه حب أهو، وحاجات حلوة هتتلبس.
خبطتها شهد بكوعها في بطنها كي تكف عن مزحها السخيف، ورغم أن الحركة عادية وتّرت ورد التي وضعت يدها على بطنها، خوفًا على طفلها الذي لم يعلم عنه أحد، ثم سريعًا زيّفت بسمة كي لا تثير الريبة، خاطبت أختها في ود:
-خدي هدومي كمان يا شهد دا كنت جيباهم لجوازي، قولتلك مش عاوزاهم أنا عندي كتير غيرهم
وجهت شهد بصرها لملابس أختها، هي بالفعل رائعة، لكن المقاس مختلف فقالت متأففة:
-بس مش مقاسي، هيطلعوا قصيرين عليا.
علّقت ورد في خبث:
-وماله، دا كده حلو
شهقت شهد في خجل مصطنع وقالت:
-بنت عيب!
ثم انتبهت لأختهما الصغيرة رشا تجلس على الفراش وتذاكر دروسها، نظرت لها شهد في ظلمة غير مقتنعة بانهماكها ذاك، ثم مالت على ورد وهمست:
-بقولك أيه، البت دي سمعانا وعيب نقول كده قدامها.
عاتبت ورد نفسها فلم تلاحظ وجودها في ظل كلامهما الخصوصي، فتابعت شهد فيما معناه وهي تجمع الملابس في كيس كبير:
-يلا أنا خلصت، شيلي الكيس علشان توصليني ونكمل كلامنا في الطريق.
حملت ورد الكيس عنها وهي تسير خلفها للخارج. وفي الصالة خاطبت شهد والديها في محبة:
-همشي أنا وورد هتيجي توصلني.
ابتسم لهما الحاج بينما قالت السيدة هنية في قلق:
-إمشي على مهلك يا شهد إنتِ لسه تعبانة.
أطاعتها شهد ثم خرجت مع أختها لتساعدها على الوصول لشقتها في الجوار. أثناء سيرهما في الطريق سألتها شهد مهتمة:
-لسه مخاصمة مامتك؟!
أجابت ورد في حذر:
-لأ بنتكلم، هو بس اللي حصل خلى علاقتنا مش زي الأول.
قالت شهد في وعي:
-متزعليش والدتك منك مهما حصل، هي بتحبك، وبتكلم بابا على طول تسأل عنك.
زيفت ورد بسمة صغيرة أعربت عن قبولها لكلامها. تنفّست شهد بعمق وهي تقول متوترة:
-زمان أدريان هيتفاجئ إني جيت ومقعدتش كتير زي ما قولتله.
تأبّطت ورد ذراعها وخاطبتها في تحذير مضحك:
-خلي بالك لا الراجل يطب ساكت في إيدك لما يعرف إنك موافقة عليه
ضحكت شهد في خفوت من سخريتها وهكذا فعلت ورد مثلها، فقالت شهد محرجة:
-خلاص يا ورد بقى!
ثم سار الاثنان وسط مزحهما معًا حتى وصلت شهد برفقتها إلى باب شقتها، وضعت ورد الكيس أرضًا وقالت مترددة:
-ادخلي إنتِ بقى، وأنا هطلع عند عمتي أشوف حسين
أومأت شهد متفهمة فصعدت ورد للأعلى، بينما فتحت شهد الشقة وهي تعض على شفتيها منتظرة أن تفاجئه بحضورها، ثم أغلقت الباب دون صوت. سارت على مهلٍ والكيس تحمله بصعوبة حتى وصلت لغرفته التي سوف تشاركه إياها، حين ولجت مبتسمة باتساع لم تجده فعقدت جبينها مستنكرة عدم وجوده فقد أخبرها أنه هنا. تحرّكت لتضع الكيس على الفراش ثم شُدهت مما وضع أمامها على الفراش، وتجمدت أنظارها على ذاك الشيء، رفعته شهد نصب أعينها ثم شهقت وهي تجد جسدًا مزيفًا، سريعًا ألقته في خوف، استدارت تبحث عنه بنظراتها المضطربة ثم أسرعت في سيرها خارج الغرفة رغم ألم قدمها. بحثت بأعينها من حولها في الصالة حتى التفتت فجأة لتجد أحدهم يخرج من المرحاض يرتدي منشفة على خصره والأخرى يجفف بها شعره، فغرت فاهها مذهولة من وجود ذاك الرجل الغريب وتيبّست موضعها من هول ما يحدث.
رآها نوح قد عادت فنظر لها مصدومًا لبعض اللحظات، كسرتها حين خاطبته في خوف ممتزج بالانفعال:
-إنت مين؟!
ثم ربطت ما رأته بالداخل به، واستنكرت ما تخمنه، أو بالأحرى أرادت ذلك ثم ارتجف بدنها واستدارت لتسرع بخطواتها تجاه باب الشقة فقد تخوفت من وجوده، وحين وعي نوح للموقف وأدركه كان من خلفها ليمنع خروجها ومن ثم فضحه، وقبيل أن تفتح شهد الباب كمم فمها بيديه وبالأخرى قبض على ذراعيها في تمكن ليمنعها من الحركة، فتشنجت وبرقت عيناها في وجل، لامس جانب وجهها حين مال عليها ثم خاطبها بأنفاس عالية:
-إهدأي لن أفعل لكِ شيئًا
تجمدت وهي تستمع لصوته، أجل هو، ثم مالت برأسها قليلًا لتتمكن من رؤية وجهه، وقعت نظراتها على عينيه التي تعرفهما جيدًا وتأكد حدسها وهي تراه يحدق بها بنفس نظرته المألوفة وبداخلها يردد ذاك المخادع كيف فعلتها، ثم تشددت لتفلت من قبضته ولكن لا مفر ولا قوة تملكها بحالتها تلك، فاضطر نوح ليخمد ثورة عنفها حين عاد يخاطبها في أسف:
-سامحيني فتاتي الجميلة، لكنني مجبر
قبل أن تبدي ردة فعل كان قد خبطها خلف رقبتها بحركةٍ متمكنة ليغشي عليها على الفور، ثم حملها سريعًا وهو يلعن، سار بها تجاه غرفته ليرتدي ثيابه وهو يفكر كيف سيخرج من ذا المأزق……….!!
+
******
وقفت أمام باب الشقة ثم تنفّست بهدوء ويديها على بطنها المسطحة وهي تتخيل من الآن مسرته حين يعلم بخبر حملها، بالطبع ذلك سيدفعه لإعلان زواجهما أمام الجميع دون خوف أو تردد حتى من عمتها.
دقت ورد الباب موترة الأعصاب وعقلها يرسم سيناريو رائع لما سيحدث بعد قليل، وحين فُتح الباب ابتسمت، كان رامي من فتح، خاطبته في ود:
-مساء الخير!
جمود طلعته وعدم رده أدهشها، ثم في صمتٍ تام أشار لها بالدخول فولجت ببطء وهي تتأمله بعدم راحة، فيبدو أن هناك ما هو سيئ، ربما بخصوص عمتها، وكان العجيب هو خروجه وغلقه للباب من خلفه بهيئة غير مفسّرة. تجاهلته ورد وانتبهت لـ حسين، أخذت تسير نحوه حين رأته جالسًا بالصالون، وحين دنت منه وجدته منكسًا رأسه كأن مكروهًا قد حدث، وبعفوية منها جلست بجانبه وأبدت حزنها لرؤيته هكذا:
-مالك يا حبيبي، فيه حاجة حصلت، أتاريك مش بترد على اتصالاتي.
رفع حسين رأسه لينظر لها. استنكر تلك الرقة في صوتها، وجمال وجهها وبراءته، أيضًا اعترض على كل ما علم به، فمن أين بدت بذاك الدهاء والعدائية لتفعل ذلك، والمستقبح معه هو. وبعد لحظات من صمته سألها:
-من إمتى وإنتِ كده؟!.
ملامحها التائهة وضحت مدى جهلها لمقصده، وتساءلت في نفسها ماذا فعلت؟، وعن حسين ابتسم بسخرية فدائمًا ما ينهرها على استباحتها الحديث مع الغرباء، وما أنكره هو ما فعلته. فسألته ورد في قلق:
-حسين أنا عملت حاجة زعلتك؟!
نهض حسين مستاءً فقد استبشع رؤيتها، وغص من طريقتها الناعمة، فظهرت حدة نبرته رغم انخفاضها:
-آخر واحدة في الكون اتخيل تكون كده، طول عمري بقول ورد البنت الهادية والبريئة، طلعتِ أسوأ واحدة اتخدعت فيها.
تخضّب وجهها كليًا ثم نهضت غير مستوعبة ما يحدث، سألته متخوفة:
-عملت أيه يا حسين آ….
أشار لها بالصمت فوقفت أمامه شبه ترجف وعقلها متأرجح بالتخمين، حتى أدركت ربما علم بتلك القضية والخدعة التي وقعت بها، فانهار حسين ولم يتحمل حتى وجودها فقال منفعلًا:
-من هنا ورايح وشك مش عاوز أشوفه، وتتفضلي تطلعي من هنا، والبيت ده متدخلهوش، لا بصفة قرابة ولا حتى أي حاجة.
تعالت أنفاسها وكادت أن تفقد الوعي، فعادت تسأله في عدم رضى:
-كل ده علشان أيه؟!
خرجت كلماتها متقطعة من هول حزنها، فرمقها في ضراوةٍ وقال:
-وقال بتحبيني، حب أيه اللي يخليكِ تكلمي واحد بعتبره عدوي وتخليه يجيب ناس يضربوني، جبتي منين قسوة قلبك دي.
جف حلقها فجأة وأيقنت أن سيف من أخبره انتقامًا منها، فنظرت له بأعين نادمة تطلب العفو ثم قالت:
-مش قصدي حاجة، علشان بحبك.
وصل لقمة غضبه وأراد صفعها، فوجد نفسه يمسك بعضدها ويهزها بعنف وهو يعترض:
-حـب أيه؟، مفكرة هصدقك، ولا علشان تنتقمي من مُنى، عاوزة تعرفيها إنك اتجوزتيني وبعدتيها عني.
رفضت ما يهذي به فتلك ليست الحقيقة، فاستأنف حسين بنفس حالته:
-بس إنتِ غلطانة، أنا لما مش بعوز حاجة برميها، زي ما هرميكِ دلوقتي وأخرجك برة حياتي.
ثم تركها حين دفعها للخلف فتراجعت بضع خطوات، نظرت له بأعين دامعة وبررت ما فعلته متوسلة:
-كنت زعلانة منك علشان كنت بتفكر فيها
لم يعلق على ذا الهراء، بل فاجأها حين سألها مرتابًا:
-بينك وبينه أيه علشان تلجأيله كده وتتفقي معاه عليا، مخوفتيش يأذيني، دا أنا ابن عمتك!
نطق جملته الأخيرة مستهزئًا، وأظهرت نظراته الاحتقار لشخصها، ندمت ورد وتهورت في تلك النقطة حد شكه في أمرها، وزاد من ألمها حين صاح نافرًا:
-وقال سبتي كل حاجة علشاني، يعني محدش جبرك على كده، زي أخو أمك اللي اتنازلتيله.
ذابت أوصالها ولم تتحمل أكثر بالإضافة لحالتها المرهقة، ولم تجد كلمات موزونة تدافع بها عن طيشها هذا، فأكمل حسين مشمئزًا منها:
-إنتِ كدابة، وأنا مستحيل أعيش مع واحدة كدابة، ودلوقتي بقيت متأكدة إنك ممكن تكوني أذيتي أمي علشان رفضاكِ.
حركت رأسها بنفي لكل ذلك، وتعثر عليها النطق فقالت بتلعثم:
-مـ متسبنيش يا.. حسين
تلك النقطة فقط ما تزعجه، فقبل لحظات من حضورها كان يخبر خاله بأمر انفصاله عنها، فتوسّل الأخير بألا يفعل، وأحب حسين الأمر، فقال متشددًا:
-علشان خاطر خالي بس هتفضلي على ذمتي، اسمًا بس
أحد لها النظر في قسوة وهو يكمل محتقرًا إياها:
-مُنى متجيش جنبك حاجة
ثم جرّها من ذراعها كي تخرج وكادت أن تنكفئ وهي تسير معه محتجة وهو يتخلى عنها، حين فتح الباب دفعها لتخرج في تجبُر وسط نظرات ذهولها وهيئتها المغتمة، قال:
-اللي بعمله دلوقتي معاكِ ولا حاجة من اللي بفكر فيها، بس حظك مبمدش إيدي على حــريم……………………………………………….!!
يُتبع
- لقراءة باقي فصول الرواية اضغط على (رواية اجنبي مغرم)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)