رواية اجنبي مغرم الفصل التاسع عشر 19 بقلم الهام رأفت - The Last Line
روايات

رواية اجنبي مغرم الفصل التاسع عشر 19 بقلم الهام رأفت

رواية اجنبي مغرم الفصل التاسع عشر 19 بقلم الهام رأفت

 

البارت التاسع عشر

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حالة مرجٍ أصابت أوتارهم من هول غيابها غير المفسّر، طيلة الليل وهم يبحثون دون توقف، حيث حين تم الإبلاغ عنها قضى بضرورة مرور أربعٍ وعشرين ساعة على اختفائها لأخذ خطوة في الأمر. فاضطر الجميع للبحث عنها بأنفسهم عند الأقارب والمعارف، وحين لم يجدوا ما يطبب أوجاع قلوبهم تجمّعوا أمام العمارة في حالة يأسٍ جمّة يفكرون في الخطوة التالية.
وقف نوح بين حسين ورامي مغتمًّا، وما على وجهه لم يظهر مدى حالة الضيق والألم لما يحدث الآن، ولم يجد تفسيرًا لذلك سوى هروبها كما حذّرته سابقًا. بينما اختلف الأمر عند حسين ورامي، فقد ظنا أن مكروهًا ما قد أصابها، وذلك ما دفع حسين للتحدّث في جد:
-ليه منسألش عنها في الأقسام والمستشفيات، يمكن حصل حاجة معاها وهي راجعة!
نظر له نوح متمنيًا ذلك، ليس كُرهًا في شخصها، لكن أهون من تركها له بتلك الطريقة الوخيمة. فهتف رامي مؤيدًا في شغف:
-صح يا حسين، لازم نتفرق وكل واحد يسأل في مكان
ثبت نوح ولم يشارك برأيه في الأمر، فأحس حسين بأن أمرًا يشغل باله، وجاء ذات السؤال على ذهنه وتردد في قوله؛ لكن حان وقته، فسأله حذرًا:
-هو حصل بينك إنت وشهد حاجة، زعلتوا من بعض يعني؟!
حدق به نوح في تذبذب ولم يستطع البوح بالحقيقة لحفظ ماء وجهه أمامهما، فأنكر قائلًا:
-لم يحدث شيء!
نفخ حسين في ضيق ولم يتحمل غياب ابنة خاله هكذا، فهتف في عزيمة مخاطبًا أخيه:
-هروح أدوّر عليها في الأقسام، وإنت يا رامي خد أدريان معاك ولفوا على أي مستشفى، وأكدوا على المستشفيات القريبة من هنا!
ثم ودّعهم وتوجّه لسيارته كي يبدأ في رحلة البحث، وبعد ذهابه مباشرةً حضر أندرو وانضم لهم ويبدو عليه أنه يحمل أخبارًا، اعتقد نوح أنها تخص زوجته، لكن بنظرة من أندرو له تفهّم غير ذلك، فاستأذن رامي وأخذ الآخر ليتحدثا جانبًا، فتبهّج أندرو وهو يخبره:
-هل علمت بما حدث أمس؟!
-ماذا؟!
سأله نوح مهتمًا، فأجاب أندرو وهو يخفض من ضحكه:
-حين علمت بوجود حمزة، أخبرت صاحب العمارة بأن هناك لصًا في شقة عمتك، ولك أن تتخيل ماذا حلّ به!
لم يُسَر نوح بما سمعه كثيرًا، فتنهد مادحًا إياه:
-أحسنت صنعًا!
سعِد أندرو بثنائهِ على ما فعله فغالبًا ما ينكر ما ينجزه من مهامٍ، بينما حثّه نوح قائلًا:
-عليك بالبحث عن شهد في جميع المستشفيات الموجودة، أفعل أي شيء ولا تأتي إليّ غير بخبرٍ عنها.
أوعز أندرو بطاعة فورية وهو يردد:
لا تحمل همّا، سوف أبدأ بالمشفى حين خرجت منه.
قطع حديثهما رامي الذي تقدّم منهما وهتف في قلق:
-أدريان، بلغوني إنهم لقيوا تليفون شهد مرمي في جنينة المستشفى………..!!
+
*****
لمحها قادمة من بعيد فوقف في طريقها منتظرًا إياها، وعلى وجهه سخرية بحتة حملت بعض الحنق. أكملت ديما طريقها كما هي نحو مكتبها وهي ترسم في براعة لا مبالاة من وجوده؛ لكن هيهات فحين دنت منه سألها متهكمًا:
-من أولها كده البيه اللي جبتيه هنا بياخد إجازة؟!
وقفت ديما مكانها للحظات دون النظر إليه مزعوجة منه، ثم زفرت في ملل وهي تلتفت ناحيته وتجيب:
-أولًا البيه ده شغله عاجب عمي، وعمي برضه هو اللي سمحله بيوم إجازة
بدا سيف في مقابلها وعينيه في مواجهة عينيها، ثم خاطبها في وقاحة:
-فيه أيه يا بت بينك وبين الواد ده، ليكون عاجبك؟!
أرادت ديما صفعه، لكن تذكرت وقت فعلتها حين بادلها الصفعة في التو، وكانت نظراتها المغلولة نحوه توضح ذلك، فابتسم سيف في استفزاز لعلمه بنيتها وأنها لن تتجرّأ عليه مرة أخرى، لذا نطقت ديما في غيظ:
-هاخد أيه من واحد سافل زيك!
قهقه سيف وهو يعلق في مغزى:
-السافل ده هتموتي عليه، ومش بيعبرك!
نطق كلمته الأخيرة في غرور فتوغر صدرها بشدة، وكذّبته حين هتفت:
-مبقتش بطيقك، أنت لو آخر واحد مش هفكر أرتبط بيك
رغم أنه لا يهتم بأمرها استاء من ردها، فلم تقولها فتاة له من قبل، ودائمًا ما يرى نظرات إعجابهن به. فشعرت ديما بغبطة وهي ترى أثر ما قالته عليه فقد أرادت كسر اغتراره وحدث. بينما تجشّم سيف ومرر الأمر الآن، ثم سألها كابحًا امتعاضه:
-الواد ده مجاش ليه، فيه شغل لازم يعمله!
قطبت جبينها مستنكرة:
-حسين ماله ومال شغلك، هو معايا أنـا!
بالطبع أخفى سيف نواياه في طلبه فقد خطط له أمرًا، وتغابى عن حديثها حين سألها ثانيةً:
-شغلنا هنا واحد، انطقي هيجي إمتى؟!
استاءت من نبرته الغليظة معها، ولتفلت من هيئته الغاضبة أجابت متبرمة:
-بنت خاله مختفية، وهو بيدوّر عليها
كأن الإجابة موجّه لـ ورد التي حضرت دون انتباههما لها، فقد شغلها عدم حضوره كثيرًا، ثم صُدمَت حين استمعت لها وأخذت تقترب منها وهي تسألها في خوفٍ:
-بنت خاله مين، رشا ولا شهد، قولي!
تأفّفت ديما داخليًا وأرادت عدم الرد عليها؛ لكنها خاطبتها على مضض:
-شهد!
انتفض قلب ورد هلعًا على أختها، ثم جاءت لتتحرك وتذهب لمعرفة ماذا حدث، فأوقفها سيف متسائلًا:
-ورد رايحة فين؟!
اقتضبت في ردها وهي تستنكر:
-هروح أشوف فيه أيه، دي أختي!
ثم سارت معتزمة الذهاب لوالدها، فلحق بها سيف كظلها، وتعقّبت ديما رحيلهما في غِيرة واضحة، غمغمت في سأم:
-إن شاء الله هعرّفها حقيقتك، هخليها مطقش تبُص في وشك…………!!*****
لم يفارق زوجته التي تبكي في مرارة على اختفاء ابنتهما، وذهب برفقتها لشقتها. تمعّنت السيدة هنية في محتويات غرفة ابنتها، وجدت كل شيء كما هو، وتيقّنت بأن مكروهًا أصابها، فازداد نحيبها المدروس على ذاك الفراق المفاجئ. ربت الحاج منصور على ظهرها يحثها على الصبر، رغم أن حالته كانت سيئة أيضًا، خاطبها في لطف:
-اتفاءلي خير يا هنية، إن شاء الله هنلاقيها وهتكون كويسة!
ردت من بين شهقاتها اللاذعة:
-بنتي يا منصور، بنتي حتة مني!
ضمها إليه ثم أخذها لخارج الغرفة كي لا تتأثر أكثر. انضم الاثنان للسيدة زبيدة التي تجلس برفقة رشا التي تبكي في صمت بجانبها. حين جلس الحاج منصور تضايق من حالة الحزن على وجوههن وهتف:
-يا جماعة اسكتوا بقى، إحنا مش عارفين حصل معاها أيه!
هتفت السيدة زبيدة بطلعة مقطّبة:
-لو قدري كان وحش معاها كنت قولت عمل فيها حاجة، دا آخر مرة لما كانوا عندي كانوا بيحبوا في بعض وكويسين!
-هو قدري دا فيه زيه، دا بيدوّر عليها ومقعدش دقيقة
هتفت السيدة هنية بذلك معجبة بزوج ابنتها المخلص. وفور أن انتهت من كلامها ولج حسين عليهم من الباب المفتوح، ثم اقترب منهم مندهشًا:
-فاتحين الباب كده ليه؟!
نظر له الجميع في تحفّز لمعرفة آخر الأخبار، فردت والدته في لهفٍ واضح:
-فيه ناس بتيجي تطمن وتمشي، قولي بس وصلت لأيه؟!
جلس على ذراع الأريكة مجهدًا، هتف متحيرًا:
-روحت كل الأقسام ملهاش أثر، وبعدين كلمت أدريان قال المستشفيات اللي حوالينا كلها محدش يعرف حاجة
ثم استأنف في تعجبٍ جم:
-دا حتى في المستشفى مش عارفين خرجت إمتى وإزاي، الكاميرات كلها مش جيباها!
خمّنت رشا شيئًا فقالت:
-يمكن مخرجتش من المستشفى أصلًا!
رد عليها مكتربًا:
-عملنا كل حاجة ومافيش خالص حاجة وصلنا ليها
كانت ردوده تزيد من ألم السيدة فعادت لبكائها، فدنت منها السيدة زبيدة وربتت على ظهرها لتخفف عنها. وفي لحظة تجمد الجميع للحظات من دخول ورد المباغت عليهم ويبدو عليها التأزّق. أدار الحاج منصور رأسه كي لا يراها معلنًا ضيقه مما فعلته، أما حسين فنهض من مكانه ثم جذبها من ذراعها ناحية الخارج وسط تذمرها. وقف بها أمام باب الشقة زاجرًا إياها:
-ليكِ عين تيجي بعد اللي عملتيه، اتفضلي إمشي من هنا
رفضت ورد أن تفعلها وعاتبته:
-دي أختي يا حسين، مش عاوزني أطمن عليها
سخر من ردها غير المقنع قائلًا:
-واللي جوه ده مش أبوكِ اللي اتبريتي منه برضه يا ست يا حنينة!
شعرت بالخزي من نفسها وقالت:
-غصب عني، أدخل اعتذر منه!
كانت تنوي الدخول لكنه منعها، أمرها في حزم:
-اللي اتكسر مبيتصلحش، اتفضلي يلا من هنا!
انزعجت من تشدده ومعاملته الغليظة معها بالأخص، فهتفت مستهزئة:
-بتشوف نفسك معايا أنا بس، إنما أي بنت بتبقى حلو قوي ولطيف، يا بتاع ديمـا!
قبض على عضدها مغتاظًا من تطاولها فابتسمت في تهكم ولم تبالِ، فقد أدركت شخصيته الازدواجية، فهتف مغلولًا منها:
-عارفة مش عاوز أطلقك ليه، علشان هسيبك كده متعلقة، ومش هخلي الرزل اللي بتمشي معاه ده يتهنى معاكِ ولا يوصلك!
ثم دفعها فتراجعت خطوة. وظنت أنه يريدها تنفصل عنه، لكن ذاك الغبي لم يدرك رغبتها في استمرار زواجهما، لم تعلن ذلك أمامه كي لا يزيد من معاملته الجافة معها، وحمدت الله أنها جعلت سيف لم يحضر إلى هنا. فقالت محاولة الهدوء:
-مش وقته اللوم والعتاب، المهم شهد، لازم نشوفها فين!
-ملكيش دعوة!
خاطبها بنفس جفائه فاعترضت بقوة:
-ماما كلمتها وقالت هتشوف ناس مهمين في الداخلية يبحثوا عنها، يلا تعالى معايا نروح نشوف حصل أيه
لخوفه على ابنة خاله كان يفكر في كلامها وتردد في قبول المساعدة، فهي الأهم بالفعل لمعرفة ما حدث لها. ارتاحت ورد حين وجدته هكذا ربما يوافق، فزادت من تحفيزه:
-يلا يا حسين، الوقت بيجري ويمكن خطر على شهد!
وجد نفسه يحرك رأسه بالقبول فابتسمت في غبطة، ثم تحرك معها ليهبطا الدرج، جاءت لتمسك بيده لكنه رفض، لم تنزعج بل تأنت معه، وكان لوجودهما معًا أثرًا عليها، فقد أحبت المواقف التي تجمعهما وودت لو ظلت بجانبه إلى نهاية العُمـــر……….!!
……………………………………………………..
بالداخل، أحسّت السيدة زبيدة باستياء أخيها ومدى الوجع بداخله من ابنته المتمردة، فخاطبته في جد:
-متزعلش نفسك يا أخويا، خليها تشبع بأمها اللي مغرقاها بفلوسها، عندك مراتك وبناتك محتاجينك
قال الحاج منصور في حزن:
-أنا زعلان منها قوي، إزاي تنساني كده واللي عملته علشانها.
لاح الحنق على قسمات السيدة زبيدة وهي توبخها:
-أنا كمان مش عاوزة حاجة تربطها بابني، وهخليه يطلقها ومتزعلش
رغم أنه بغض ذاك الاقتراح لم يعترض على رغبتها فقال:
-اعملي اللي إنتِ عاوزاه يا زبيدة
-خلاص، أول ما يخلص موضوع شهد يطلقها كفاية يوجع في قلبه…………!!
******
بداخل مشفى حكومي، وقف الطبيب المسؤول عن حالتها يتابع وضعها بعدما أفاقت، حيث ظلت شهد تحدق أمامها غير مستوعبة ما حدث للآن وانقلاب وضعها لتلك الدرجة القاسية، وأجزمت أنها ليست بخير، فهي بحدسها أدركت مدى إصابتها البالغة. ابتسم لها الطبيب في تصنّع وخاطبها:
-إن شاء الله هتبقي كويسة!
نظرت له شهد بالكاد كأنها تسخر من رده، فحالتها سيئة، قالت في ضعفٍ شديد:
-جسمي كله بيوجعني، ووشي!
صمتت قليلًا لتلتقط أنفاسها ثم استأنفت في تخوف:
-وشي ليه مربوط كده، هو فيه حاجة؟!.
طمأنها الطبيب في دراية محتفظًا بنفس بسمته:
-لأ أبدًا شوية كدمات وجروح بسيطة.
جاهدت على تمرير نظراتها على جسدها، الذي كل جزءٍ به داخل جبيرة، هي كليًا أصبحت كالمومياء بهيئتها تلك. أرادت البكاء على وضعها الواهن، لكن تحمّلت ما هي عليه، فذاك أهون مما كان سيحدث لها، ثم أغمضت عينيها متعبة وراغبة في الراحة، فحدّثها الطبيب متفهمًا:
-ارتاحي شوية، وبعدين هبعت الممرضة تاخد بياناتك علشان نكلم أهلك!
استمعت له وهي كما هي تدّعي النوم، فعن أي أهلٍ يتحدث. ثم تيقّنت فرحة المدعو زوجها حين يراها هكذا، بالطبع سوف يتشفى لرؤية ما وصلت إليه، تنهدت وخرجت من الواقع بذهابها في نومٍ عميق لتريح إنهاك جسدهــا الخــائر…………!!
*****
أرغمت نفسها على إعطاء المساعدة من أجل ابنتها فقط، ووقفت بجانبها وهي تحدق بـ حسين، لم تبغضه كشابِ، لكن فكرة ارتباط ابنتها بشخص في مستواه سيدمر حياتها كما هي الآن.
أدرك حسين عدم رغبتها في وجوده ولم يهتم لأمرها، فكان شاغله الأكبر العثور على ابنه خاله، ووقف صامتًا بينهم وهم في حديقة فيلتها.
لحظات وحضر فؤاد الذي وكّلته لميس للبحث مستغلًا معارفه، دنا منهم وبداخله تبرمًا كبيرًا فقد بات بفضل عشقه اللعين لها يفعل مجبرًا ما تأمره به، فسلط الجميع نظراتهم الشغوفة عليه لمعرفة آخر الأخبار حتى وصل إليهم، خاطبهم مزيفًا فرحة ضرورية:
-اطمنوا يا جماعة لقيناها!
صرخت ورد متهللة وقالت:
-الحمد لله، هي فين؟!
نظر له حسين مترقبًا في فضول رده، لكنه تصنّع الحزن وهو يقول:
-للأسف في المستشفى بين الحيا والموت
تخضبت ملامح ورد وكاد أن يغشي عليها فاقتربت منها لميس لتهدئ من حدة وجلها تجاه أختها، كذلك تسارعت أنفاس حسين إثر صدمته واعتلى وجهه حزن كبير، وظن أن هذا الرجل يكذب، فسأله منفعلًا بعض الشيء:
-طيب هي فين، ومستشفى أيه؟!
تجلد فؤاد من نبرته غير المهذبة معه واضطر للرد عليه:
-مستشفى حكومي، تعالوا أوصلكم أنا عارف مكانها.
-شكرًا يا فؤاد!
نطقت بها لميس، بينما تحرّك حسين ليركب سيارته فتركت ورد والدتها وهرولت خلفه لتلحق به وتكون معه، بينما ابتسم فؤاد في سخرية فهي فقط من شكرته على المساعدة، حتى ابنتها ركضت خلف الأخير. أخفت لميس ضيقها وقالت:
-يلا يا فؤاد معاهم، الموضوع باين عليه كبير وهما زعلانين!
لم يعترض فؤاد واعتزم أن يكمل المهمة للنهاية، ثم أخذها لسيارته قاصدًا عنوان المشفى..!!
بسيارة حسين، حين شرع في التحرّك بسيارته اتصل في التو بـ نوح ليخبره بآخر ما وصل إليه، وحين رد عليه الأخير هتف متلهفًا:
-لقينا شهد يا أدريان!
جاوبه الأخير وهو يقود سيارته بجنون حين وصل هو الآخر إليها قائلًا:
-لقد وجدتها أيضًا، هي بمشفى هنا بالمدينة!
طلب حسين العنوان بالتفصيل منه، وحين حصل عليه أنهى اتصاله معه، ثم التفت لـ ورد التي تتابع ما يفعله في صمت وخاطبها في غلظة:
-كلمي أمك وجوزها خليهم ميجوش معانا، أدريان لقاها
اغتاظت من جحوده بعد المساعدة منهم وهتفت تزجره:
-مفكرتش حتى تقول شكرًا، ودلوقتي بتقولي خلي أمك متجيش، قليل الذوق، والإخلاص.
ألقى نظرة منزعجة عليها واستهزأ من تناقضها:
-الإخلاص ده تعلميه لنفسك يا حلوة، لما نسيتيه في اليوم اللي بعتي أبوكِ فيه، وأنا من بعده!
ثم لوى فمه ساخرًا وهو يتابع القيادة، فأحدت إليه النظر فدائمًا ما يظهرها بصورة ناكرة الجَميل والوفاء، فصاحت ساخطة منه:
-بطل بقى كلامك ده، كل شوية مش طايقني، على فكرة إنت واحد معقّد، من وقت مراتك ما سابتك وفاكرني زيها!
كظم حسين غيظه وسكت للحظات، ثم انفجر حين أمرها:
-من هنا ورايح ملكيش علاقة بيا، أنا مش عاوز أشوف وشك في أي مكان أنا فيه!
لم تجد ورد ما ترد به عليه ونظرت له فقط بمشاعر متضاربة، فتابع حسين في حزم:
-إنتِ مراتي، يعني قلة أدب مش عاوز، والواد اللي على طول لازقلك ده لو شوفته معاكِ بصورة مش كويسة هوريكِ هعمل معاكِ أيه!
استنكرت تلك الزيجة وهتفت:
-وهو دا الجواز، إنك تتحكم فيا، عارف حقوقك عليا وأنا فين حقوقي كزوجة!
تجرّأت ولمّحت له بواقع حياتها معه، وأخفى حسين توتره من ردها، بينما هي رسمت القوة وانتظرت أن يخبرها، لكنه كالعادة أظهر نواياه حين قال في تشدد:
-عاوزة يكون فيه بينا حياة، تسيبي كل حاجة……………!!
*****
حين وصل أمام سور المشفى ترجل من السيارة تاركًا أندرو بمفرده ليتولى أمر صفها، فنظر له أندرو متأففًا فهو من تكبّد مهمة البحث حتى وصل إليها، ولاحظ أنه يشكره في مواقفٍ معينة، وعليه أن يجمع ما يسعده منه كي يلقى نظرة مسرورة منه تجاهه.
بينما سار نوح للداخل يبحث عن المدخل الرئيسي، وحين دلّه أحدهم هرول ناحيته حتى وصل للاستقبال وسأل عنها، علم بغرفتها ودون توقف تحرّك ناحيتها، وأثناء سيره لم يعجبه المكان، وكثرة الناس به كانت مزعجة، وعدم النظام أيضًا، فاستنكر بداخله أن تكون هنا وتتلقى عناية جيدة. فزفر في تبرمٍ وانتوى أن ينقلها لمشفى آخــر.
بلغ الغرفة ثم طلب رؤيتها حتى سمحت له الممرضة برؤيتها من بعيد وعدم التحدث طويلًا، فانصاع نوح لأوامرها وكان متلهفًا للدخول، وحين ولج وقعت عيناه على آخر شيء تصوّره عقله حين يراها، ثم تجمد عند الباب الذي أغلقته الممرضة وعينيه تحدق بها في صدمة، فجسدها لم يظهر منه شيء سوى عينيها وفمها ومقدمة أنفها.
ببطء تقدّم منها وهو يمرر نظراته عليها، وفي لحظة ارتاب أن تكون فتاة غيرها، ربما أخطأ أندرو، لكن حين فتحت عينيها في ضعف تعرّف عليها وأيقن أنها من تكون، فازدرد ريقه في تيه وهو يتأمل عينيها التي تنظر إليه، ومع أنه تمنى شيئًا آخر غير هروبها منه، لم يتمنى قط أن تصل لتلك المرحلة.
دنا نوح منها متعثرًا في إيجاد كلمات لموقفٍ كهذا، غير أنه تساءل مدهوشًا:
-ماذا حدث لكِ؟!، من فعل بكِ هذا؟!
نبرته وهو يخاطبها لم تكن لشخص مشموت بها، فجلس نوح على المقعد بجوارها ثم في حذر اقترب من وجهها، وكانت علامات شفقته عليها ظاهرة. سألها بائسًا:
-هل أنتِ بخير، هل يؤلمك شيء؟!
أغمضت عينيها وفتحتهما تأكيدًا على ذلك وقالت مجهدة على فترات قصيرة:
-تعبانة، جسمي كله بيوجعني، مش حاسة براحة!
خرجت أنفاسه ساخنة من فرط ضيقه من رؤيتها هكذا، ثم هتف في جد:
-المكان هنا ليس أفضل، سوف آخذك لمكان آخر!
لم تتخيل شهد أن تجد اهتمامه بها، وربما ما سيفعله معها عطفًا منه، فقالت معترضة:
-متتعبش نفسك، مش مسؤول تصرف على علاجي، أصلًا جوازنا أي كلام!
احتج مثلها على ما تهذي به وهتف مُصرًا:
-أنا زوجك، وسأفعل ما يتوجب علي فعله، أنتِ مسؤوليتي!
سكتت للحظات لتريح نفسها من الكلام، ثم سألته مترددة:
-يعني مش شمتان فيا؟!
لم يستطع فهم ما تعنيه فسألها جاهلًا لمغزى كلامها:
-لم أفهم، ماذا عني أنا؟!
تنهدت وأعادت سؤالها بصيغة مبسّطة:
-فرحان باللي حصل معايا ده؟!
اقترب منها ثم وضع قبلة على الرباط أعلى رأسها مما فاجأها، قال نافيًا:
-أبدًا لن أفعلها، مهما حدث بيننا لم أتمنى أن تكوني هكذا!
خجلت من نفسها فكم تمنّت الأسوأ له بفضل ضغينتها نحوه ومدى نفورها منه، ورغم ما يمنحه لها قالت:
-إنت بتحبني، بس أنا مقدرتش أقبلك حتى، واللي حصل بينا مكنش كويس علشان تقف جنبي.
جاء نوح ليرد فقاطعه دخول ورد ومن خلفها حسين. ثم أسرعت ورد نحوها تبكي وهي ترى أختها هكذا، فسألتها وسط نحيبها:
-شهد أيه اللي حصلك ده؟!
جاء رد شهد الغامض والذي لم يتفهمه أحد حين قالت في أسى:
-دا عقابي وجزاء اللي عملته!
ثم أغمضت عينيها حزينة على وضعها، فمن البداية قد أخطأت حينما تعاملت مع ذاك الوغد الحقير، لتجد القُبح من ورائه، فسألتها ورد في لهفٍ من بين ترقب الجميع الرد:
-قولي حصلك ده إزاي؟!
نطقت بكلمة واحدة أعربت عن سوء حالتها الآن:
-تعبانــة!
ثم تابعت نعاسها في إجهادٍ واضح، فهتف حسين مستنكرًا:
-المكان هنا أي كلام، واضح بمنظرها ده مافيش اهتمام، وإزاي سايبينها كده في أوضة عادية.
أكدت ورد على كلامه في ألم:
-أنا هنقل أختي في أحسن مستشفى!
هب حسين ليعترض على مساعدتها فسبقه نوح حين احتج بشدة:
-هي زوجتي، وأنا فقط من عليه أن يفعل ذلك!
اغتبط حسين من لطف نوح فرغم أن زواجهما يعرف واقعه أحب ما فعله، فأدركت ورد مسرّة حسين لما قاله، فعلّقت في مغزى:
-عندك حق، المفروض مراتك وحقها عليك إنك تهتم بيها!
زيف حسين عدم اهتمامه بكلامها ثم وجّه حديثه لـ نوح:
-فيه ظابط برة طالب يشوفنا!
هتفت ورد وهي تسحب مقعد في الجوار:
-روحوا إنتوا، أنا هخليني هنا جنبها!
خرج برفقة نوح لمقابلة المحقق، فنظرت ورد لأختها وقالت كأنها تتفهم عليها:
-شهد مشيوا خلاص، فتحي عنيكِ عاوزة اتكلم معاكِ علشان خاطري…..!!
……………………………………………………
بالخارج حين وقف حسين برفقة نوح مع المحقق، لمح والدة زوجته قد أتت ولكن بمفردها رغم أنه أمرها بغير ذلك، فنظر لها كابحًا ضيقه ثم دنت منهم وسألته هو في جفاء:
-بنتي فين؟!
تحرّك حسين ليقف معها على مقربة، وأظهرت نظراته تذمره من حضورها حين سألها:
-مكنش ليه لزوم تيجي، إحنا خلاص مش محتاجين مساعدتك!
أحدّت إليه النظر وقالت متشددة:
-فاكرني جاية علشانكم، تتحرق إنت وبنت خالك، أنا هنا علشان بنتي، ومش همشي من غيرها
امتعض حسين من وقاحة ردها وتجشّم، قال ليستفزها:
-هي مراتي. ودلوقتي وحالًا ممكن أخدها وغصب عنك إنتِ، فمتخلنيش أضطر أعملها!
-هجبرك تطلقها وبطريقتي
ردت عليه في ثقة رغم قوتها لم يتزعزع، فقال غير مهتمٍ:
-قوليلها الكلام ده، قوليلها بطلي تحبيه!
تعالت أنفاسها الساخطة وهتفت:
-قريب هخليها تكرهك، وغصب عنك هطلقها!
-حسين!
ناداه نوح فانتبه له، ثم تركها دون كلمة وتوجّه إليه، فنظرت له شزرًا ثم سارت لتجلس على إحدى الأرائك في الجوار.
حين طلب نوح حضوره كان لا يتفهّم بعض الأمور من المحقق، بينما لم يعي حسين مقصد المحقق حين جاء بمعلومات عما حدث لابنة خاله، فسأله مقطّبًا:
-وأيه هيودي شهد لمكان زي ده؟!
أكمل المحقق سرد معلوماته حين قال:
-الشقة اللي وقعت منها مشبوهة، طلع اللي بيأجرها بيشتغل في الدعارة
تلك النقطة التي وصل إليها نوح مع المحقق لم يدرك معناها، بالأحرى أنكر بداخله أن يكون مُصيبًا في فهمها، فهي ليست بتلك الوقاحة، ولذلك سأل حسين جامدًا:
-ماذا يقصد حسين؟!
نظر له حسين وقال في جد:
-مافيش حاجة متقلقش، شهد محترمة ومتعملش حاجة غلط
رده كان بمثابة التأكيد على فهمه، وتجهمت تعابيره وهو يستمع لما يحدث، فهل حقًا تركته من أجل آخر. انضم أندرو لهم وقد استمع لما يحدث وفهم قليلًا عليهم، ثم نظر لـ نوح ليرى ردة فعله، لكنه صمت. بينما لم يتحمل حسين كلمة سيئة عن ابنة خاله فهتف محتجًا:
-مش صح الكلام ده، أكيد غلطان
كانت الصدمة الأشد حين هتف المحقق مؤكدًا:
-دا مش كلامي، دا كلام صاحب العمارة، بنت خالك كانت طالعة مع واحد منهم
تحرّك نوح ليتركهم فتجهم حسين من رد فعله. بينما سار نوح في الرواق ناحية الخارج لا يريد سماع المزيد، وبالطبع أندرو من خلفه، والذي سأله مترقبًا:
-هل ستتركها نــوح……………….؟!

 

يُتبع

 

 

____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)