روايات

رواية إنكسار الروح الفصل الرابع 4 بقلم الاء محمد حجازي

رواية إنكسار الروح الفصل الرابع 4 بقلم الاء محمد حجازي

 

 

البارت الرابع

 

 

قومي.
جهّزي نفسك.
في عريس جاي لك.
شهد حسّيت إن صوت أمها وقع على قلبها زي حجر.
عريس؟
دلوقتي؟
بعد كل ده؟
بعد ما لسه بتلّم نفسها؟
سألت بصدمة:
عريس إيه؟
لا يا ماما…
أنا مش موافقة.
أمها وقفت قدامها،ووشها ناشف زي ما هو دايمًا:
مش موافقة؟
انتي بتقولي إيه؟
هو انتي فاكرة إن ليكي رأي؟
ده عريس جاي…
وانا قلت أيوه.
وشهد وقفت…
لأول مرة من غير ما عينيها تهرب…
وقالت بصوت مكسور من جوه قبل من برّه:
ماما…

 

 

أنا مش جاهزة.
ولا موافقة.
ولا عايزة حد دلوقتي.
ولا حد بعد كده…
إلا لما أنا أختار.
مش أنتِ.
أمها شدّت نفس طويل…
علامة إن العاصفة جاية.
لكن شهد المرة دي…
كانت واقفة، مستعدة.
قلبها بيدق، وصوتها لسه بيرتعش من المواجهة.
مستنية الصريخ… مستنية الشتيمة… مستنية الإهانة اللي بقت متعودة عليها.
لكن اللي جه…
ماكانش صريخ.
كان هدووووء.
هدوء غريب…
هدوء يخض أكتر من أي زعيق.
أمها بصتلها نظرة طويلة…
نظرة ما فيهاش غضب ظاهر، لكن فيها حاجة شهد معرفتش تحددها… يمكن انكسار؟ يمكن قهر؟ يمكن تمثيل؟
وقالت بهدوء لأول مرة من سنين:
طب يا شهد…
اقعدي معاه النهاردة.
بس… ما تحرجناش مع الناس اللي جاية.
أهو يقعد… يشوفك… نشوفه.
ولو انتي…
مش موافقة عليه…
نبقى نرفضه.
الكلام وقع غريب.
كأنه مش خارج من نفس الأم اللي عمرها ما سألتها رأيها.
اللي عمرها ما كانت هادية كده…
شهد اتجمدت.
حست للحظة إن قلبها يهدى…
بس عقلها كان بيقول: الهدوء ده مش طبيعي.
رفعت عينها بتردد:
يعني…
لو ما عجبنيش…
هترفضيه؟
أمها أومأت براسها…
ابتسامة بسيطة، بس متحجرة… مافيهاش دفء:
أيوه يا بنتي.
اللي يريحك.
شهد حسّت بدمعة بتتجمع…
مش من الفرح…
من الحيرة.
من التناقض اللي حطها في زنزانة عمرها.
أمها كملت:
بس…
اقعدي النهاردة…
بالشكل اللي يرضيني…
عشان وشّنا قدام الناس.
وبعدين…
نبقى نشوف نصيبك.
شهد أخدت نفس عميق…
حست إن قلبها بيتشد لجوه وصدرها بيضيق.
مش عارفة…
ده فخ؟
ولا محاولة صلح؟
ولا مجرد تمثيل قدام الناس؟
لكنها…
هزّت راسها موافقة.
موافقة مش من انها راضية…
من إنها تعبت.
تعبت من الحرب.
وقالت بصوت واطي:
تمام يا ماما…
هقعد.
وبس…
الجملة دي بس…
خلّت أمها تبتسم لأول مرة بجد.
بس ابتسامة… شهد مقدرتش تفهمها.
ولا مرتاحة ليها.
وكانت دي بداية ليلة…
هتقلب حياتها كلها.
وأخيرًا… جه الليل.
البيت كله متوتر.
شهد قلبها بيخبط، وإيديها بتترعش وهي ماسكة صينية العصير.
مش قادرة تركز…
مش قادرة تستوعب إن في عريس جوا الصالون مستني يشوفها.
شدّت نفس…
وخرجت.
خطواتها كانت تقيلة، وكل خطوة بتحس إنها ماشية ناحية قدر مكتوب غصب عنها.
أول ما عدّت باب الصالون…
ما رفعتش عينيها.
بتبص في الأرض، خايفة من اللحظة، خايفة من النظرات، خايفة من الحكم.
لكن…
غصب عنها
رفعت عينها.
ولما رفعتها
اتجمدت.
الصينية اتهزت في إيديها.
نفسها اتقطع، وعينيها اتسعت بشكل ما قدرتش تخبيه.
ده…
هو.
هو نفسه.
الشاب اللي ادّاها المنديل عند البحر.
هو نفس الشخص اللي شاف دمعتها قبل الكل.
هو…
العريس؟
إزاي؟
إمتى؟
وليه الدنيا بتتقلّب بالشكل ده؟!
دماغها اشتغلت بسرعة…
إزاي ده؟!
إزاي سمع كلام الجيران وجية؟
إزاي ييجي يتقدّم وبدون ما يظهر عليه أي علامة تردد؟
هو سامع كل الكلام اللي الناس بتقوله عني…… عادي؟
ده إيه الثبات ده؟ ولا هو مفيش إحساس؟!
كانت بتتفرج عليه في صدمة…
وهو كان قاعد ثابت، بيبصلها بنظرة هادية…
فيها راحة… فيها حاجة شهد معرفتهاش.
وفاقت على صوت أمها:
– اتفضل يا مؤمن يا ابني… العصير.
وبعدين بصوت رسمي وهي تبص لعمته:
– يلا نقوم نسيبهم يتكلموا شويه.
عمته قامت، وابتسامة خفيفة طالعة منها:
– ربنا يكتب اللي فيه الخير يا بنتي.
شهد حسّت رجليها بتتقل…
مش عايزة تقعد…
مش عايزة تتكلم…
مش عايزة تواجه.

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية زين ويسر - ضراوة ذئب الفصل السابع 7 بقلم سارة الحلفاوي

 

 

لكن أمها أدتلها نظرة واضحة،وقالت:
خشي يلا يحبيبتي
خرجوا وسبوهم لوحدهم.
هدوء.
ساكن…
خانق.
مؤمن كان أول واحد يكسر الصمت:
بصّ لها بهدوء، وبصوت منخفض:
– إنتي… شهد، صح؟
شهد بصتله،وقالت:
أيوه…
بس لسه مش مصدقة.
مش قادرة تنطق.
مؤمن كمل:
– إحنا قابلنا بعض قبل كده… عند البحر.
جسمها اتوتر أكتر…
وبصوت شبه مسموع قالت:
– أيوه… فاكرة.
لحظة صمت…
مؤمن كان بيدوّر على الكلام، مش عايز يخضّها، مش عايز يضغط.
الهدوء كان خانق…
وفجأة…
هي اللي كسرت الصمت.
رفعت راسها بشجاعة مخلوطة بكسرة، وبصوت مهزوز قالت:
ممكن… أعرف انت جاي ليه؟
بصت في الأرض لحظة، وبعدين كملت بسرعة، كإنها خايفة يتكلم قبل ما تفضي اللي في قلبها:
أكيد يعني… سمعت الكلام اللي الناس بتقوله عليّا. صح؟
عينيها دمعت وهي بتكمل:
أكيد سمعت إني سبت خطيبي، وإنه خد اللي هو عايزه ومشي… وإن أنا…
وقفت، صوتها اتكسر، دمعتها لمعت:
وإن أنا بنت وحشة… وإن اللي مالهاش راجل أصلاً محدش يحترمها… وإن أبويا مات فبقيت سهلة…
بلعت ريقها بصعوبة.
كملت وهي تبصله بنظرة فيها خوف ووجع عمره سنين:
طب لو أنت سمعت الكلام ده… ليه جيت؟ ليه وافقت تقعد معايا من الأساس؟
سكتت…
أنفاسها سريعة، وإيديها متشابكة ببعض كإنها بتمسك نفسها عشان ما تقعش.
مؤمن كان بصّص لها بدهشة…
مش من كلامها…
لكن من حجم الوجع اللي عاشته،و الناس واللي عامله فيها.
رفع راسه شوية وقال بصوت هادي… لكنه ثابت زي الجبل:
خلصتي؟
شهد اتخضّت من طريقته.
ما اتوقعتش يرد كده.
كمل قبل ما تفتح بقها:
ولا لسه في كلام جواكي نفسك تقولي؟
مؤمن تنهد كأنه بيحاول يلّم غضبه من اللي سمعه منها، وبص لها نظرة ثابتة، وقال لها بهدوء راجل فاهم الدنيا كويس:
يا شهد… الناس طول عمرها بتتكلم.
رفع حاجبه بشيء من الاستنكار وأضاف:
الناس بتتكلم على اللي لابس، واللي مش لابس… اللي اتجوز واللي اتأخر… اللي مشي واللي قعد… واللي اتظلم واللي ظلم…
قرب بجسمه لأقدام:
الناس يا شهد ما بترحمش… ولا بيفكروا مين اتوجع، ولا مين اتخدع، ولا مين نام وهو حاسس بالوحدة.
سكت شويه وكمل بصوت أعمق:
عارفة؟ الناس ما عندهاش فكرة إنتي مريتي بإيه، ولا اتكسرتي كام مرة، ولا كتمتي صريخك كام ليلة عشان محدش يسمعك.
شاف عينيها بتهرب، فكمّل:
أنا مش جاي أسمع كلامهم… ولا عمري هاخد حكمي عليك من لسان حد.
– أنا راجل… والراجل ما يمدّش ودنه للناس… الراجل يمدّ عقله وقلبه، ويعرف الحقيقة بنفسه.
سكت لحظة كأنه بيختار كلماته بعناية:
وأنا… مش هاممني من كل ده غيرك إنت.
نور بسيط ظهر في عينيها، فكمّل وهو متمسك بنفس الهدوء:
أنا قبل ما أجي هنا… صليت استخارة.
وقلبي ارتاح لك… ارتاح بشكل غريب كأني أعرفك من سنين.
رفع راسه وقال بثقة واضحة:
ولو كنتي غلط… او فيها حاجة زي ما بيقولوا؟ قلبي ما كانش هيترحلِك أبداً.
بس ربنا مطمّني… ومخليني قدامك دلوقت عشان أسمعك، مش أسمع عنك.
هي اتخضّت… الكلام دخل جوّاها زي نسمة دفا بعد شتا طويل.
وقبل ما شهد تفتح بقّها وترد على مؤمن، الباب اتفتح فجأة…
أمها وعمته دخلوا بابتسامة كبيرة كأنهم بيستعجلوا اللحظة دي.
عمته قالت وهي واقفة:
ها يا ولاد إن شاء الله خير.
أم شهد زوّدت ابتسامة مجاملة وقالت:
– إن شاء الله… ربنا يقدم اللي فيه النصيب.
وقاموا، وكل واحد بيودّع بهدوء، ومؤمن كان بيبص لشهد بنظرة فيها سؤال مش ناوي يروّح إلا لما يعرف إجابته…
بس خرج وسابها تايهة وسط أفكارها اللي بتحدّفها يمين وشمال.
أول ما الباب اتقفل… الهوا اتغير.
سكوت تقيل… خطوات أمها وهي راجعة كانت بتقطع صمت البيت زي السكينة.
مسكت دراع شهد جامد… جامد لدرجة إن شهد حست دمها بيوقف.
وقالت بصوت حاد ومليان قهر:
غــــصب عنك هتوافقي.
الراجل ده محترم وما فيهوش عيب… ومش هضيع الفرصه دي.
وسمعتنا اللي بقت على كل لسان بسببك…
معنى إنك توافقي على مؤمن… يبقى خلاص ما عادش حد هيتكلم عليك تاني.
سامعه ولا مش سامعه؟
كانت كل كلمة بتتغرز في شهد زي دبوس مسنون.
وشهد واقفة… بتحاول تمسك نفسها، بتحاول تمسك دموعها… بتحاول تمسك آخر حتة هدوء جواها.
وفجأة… اتكسرت.
سحبت ذراعها من إيد أمها بعنف لأول مرة في حياتها…
وبصوت طالع من عمق كل اللي عدّى عليها، صرخت:
كــــــــــــــــفايــــــــــــــــــــة بقى!!
صوتها كان عالي… بس مش عالي قلة ادب لا.
عالي من وجع… من اختناق… من حياة اتاخدت منها غصب.
قربت من أمها خطوة وقالت:
كفاية كل حاجة… كل حاجة إنتِ اللي بتحدديها.
آكل إيه… ألبس إيه… أروح فين… وأجي منين.
كفاية إني عمري ما خدت نفسي من غير ما أسمع صوتك ورايا بتقولي عيب… لا… لأ… لا.
دموعها وقعت وهي مكملة بصوت بيترعش:
عمري ما حسّيت إني طفلة بسببك … عمري ما حنيتي عليا… ولا مرة حضنتيني زي أي أم بتحضن بنتها.
عمري ما صحيت في يوم وقلتي لي عاملة إيه يا بنتي؟
عمري ما كنت همّك… دايمًا الناس الأول… الناس!
كلام الناس… رأي الناس… نظرة الناس…؟
قربت إيديها من صدرها كأنها بتحاول توقف الوجع:
أنا اتخنقت… اتخنقت من كل حاجة محسوبة… وكل كلمة محسوبة… وكل نفس محسوب.
انتي عمرك ما فكرتي فيا… ولو فكرتي… يبقى آخِر التفكير.
مسحت دموعها بعصبية:
كنتي دايمًا بتدافعي عن أي حد… إلا أنا.
بتصدّقي أي كلام… إلا كلامي.
بتخافي على سمعة البيت… بس عمرك ما خفتي على قلبي.
بتدوري ترضي كل الدنيا… وما عمرك ما حاولتي ترضيني ولو يوم.
بصت في الأرض لحظة… وبعدين رفعت عينيها لأمها بجرأة عمرها ما جربتها:
أنا موجـــــــودة يا ماما… إنسانة… مش سمعة.
موجــــودة… وبِتوجــــع… بس إنتي عمرك ما شفتي.
كنتِ دايمًا شايفة فيا عبء…
ولو على كلامك… كنتِ دايمًا بتتمني ما أكونش جيت أصلاً.
صوتها اتكسر وهي بتقول آخر جملة:
إنتي عمرك… ما حبّيتيني.
وسكتت…
لكن أمها؟
أمها ما استنتش حتى ثانية تستوعب الكلام…
اتحول وشّها… وطلع منها صوت قاسي… الصوت اللي اتربّت عليه شهد من صغرها:
خلصـــــــــــــــتي؟
هو ده اللي عندك؟
هو ده الأدب اللي ربيتِك عليه؟
هو ده برّ الوالدين؟
يا محترمة؟
قربت منها وهي بتشاور عليها بغضب:
يا شيــــــخة… يا شيــــــخة يا شهد!
لو كنتي بنت محترمة… ما كنتيش عملتي اللي عملتيه!
وما كنتيش خليتي الناس تاكل سِيرتنا!
وأنا اللي غلطانة… إني سايبة لك لسان تتكلمي بيه أصلاً!
هو ده الدين اللي اتعلمتيه يست شهد؟
شهد وقفت مكانها…
مش قادرة تصدّق إن الوجع اللي قالتوه كله…
اتردّ عليه بكسر أكتر.
شهد وقفت قدّام أمها… الدموع على خدها:
هو الدين قال كده يا ماما؟
قال إن الأم ما تحنشّش على بنتها؟
قال إن الأم ما تحضنش؟
ما تواسيش؟
ما تخافش على بنتها؟
هو الدين قال إنك تقسي… وتمدي لسانك… وتتعبي قلبي؟
قربت خطوة، وهي بطلع وجع من سنين:
النبي ﷺ كان بيحضن الأطفال…
وكان يطبطب… ويقرب… ويواسِي…
وإنتي؟ عمرك ما طبطبتي عليا… ولا حتى في أصعب يوم عدا عليّ.
يا ماما… حتى الكلمة الحلوة بتبخلي بيها.
أمها رفعت حاجبها بسخرية، وقالت بغضب:
اسكتي!
فين أبوك ؟
ييجي يشوف بنته المحترمة دلوقتي!
يشوف عملتك السودة!
الكلمة جرحتها… قطعت صدرها…
شهد حسّت كأن ضهرها اتقسم نصين.
رفعت عينيها… وبصوت مهزوم بس صادق:
يا ريته كان عايش…
يا ريته كان موجود…
يا ريته كان واقف جمبي…
اتكسرت أكتر… وكملت:
أنا لو أبويا كان عايش…
عمرك في حياتك… ما كنتي هتعامليني كده.
لأنه كان هيوقفك… كان هيحميني.
كان هيفهمك إن البنت مش عار… وإن البنت محتاجة أمّ… مش قاضي.
دموعها نزلت بغزارة، وقالت بانهيار مكبوت:
إنتِ ليه بتعامليني كده؟
ليه بتحسسيني إني مش بنتِك؟
ليه كل كلمة منك سكينة؟
ليه كل مرة نتخانق… تقولي يا ريتني ما خلفتك؟
ليه؟
ليه يا ماما؟
شهقت… وخرجت منها الجملة اللي كانت عايشة جواها سنين:
أنا لو بنت ضِرّتك… ما كنتيش هتعامليني كده.
لو بنت ست تانية… كان زمانك حتضنتيني… وقلتِ مالك يا بنتي؟
طب ليه؟
أنا بنتك…
بنتــــــــك يا ماما… مش خدامة.
مش عار عليك.
أمها اتصدمت من كلامها، بس بدل ما تلين… شدّت وشّها أكتر:

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية مغامرات عائلية الفصل الحادي والأربعون 41 بقلم همس كاتبة

 

 

خلصتــــي؟
بس كده؟
هو ده اللي نفسك فيه؟
تبقي بنت قليلة الأدب… وتزعقي لأمك؟
شهد قفلت عينيها بقهر…
كان نفسها، ولو مرة، أمها تسمع… بس زي كل مرة… الوجع بيتردّ بوجع أكبر.
شهد بصت لأمها نظرة فيها مرارة عمر وقالت بصوت مخنوق:
تعرفي يا ماما…
أنا طول عمري بغير من صاحباتي.
طول عمري ببصّ عليهم وهم في حضن أمهاتهم…
وأنا؟
أنا عمري ما دُقت الحضن ده منك.
دمعتها نزلت… بس ما مسحتهاش.
بشوف أمهم لو حد قرب منهم…
بتاكله بأسنانها.
بتدافع عنهم.
بتقف قصاد الدنيا كلها.
إنما إنتِ؟
لو حد قرب مني…
إنتِ اللي بتاكّليني.
إنتِ اللي بتكمّلي عليا.
عمرك ما وقفتي جنبي.
ولا مرة.
أمها وسّعت عينيها، بس ما اتكلمتش.
شهد كملت… كإن الكلام كان محبوس سنين:
بتحسي بإيه لما بتدعي عليّا؟
بتحسي بإيه؟
إزاي قلبك يطاوعك تقولي ربنا ياخدك ويريحني منك؟
عادي عندك؟
بتنامي ازاي بعد كلمة زي دي؟
أنفاسها اتقطّعت وهي بتكمل:
في أمهات آه… بتزعق…بتشتم…بتصرخ…
بس ده خوف على أولادهم.
خوف… حب… حرص…
إنما إنت…
أنا عمري ما حسّيت إنك خايفة عليّا.
ولا حتى مرة.
وقفت لحظة… ودارت وشّها بعيد كإنها مش قادرة تبصلها.
عمري ما دُقت إحساس إن في حد شايف وجعي.
عمري ما حسّيت إن ليّا ضهر.
كل اللي حسّيته… إني لو اتكسرت… محدش هيلمّني.
ولو وقعت… محدش هيشيلني.
ولو تعبت… إنتِ أول واحدة هتتعبني زيادة.
اتشنّج صوتها، وقالت بكل صراحة:
أنا طول عمري بحاول أفهم…
إنتِ بتحبيني؟
ولا بس بتحافظي على شكلك قدّام الناس؟
رفعت عينيها ليها تاني…
ونظرتها كانت كسوف وجبر… ضعف وقوة… كلهم مع بعض:
كل اللي كنت عايزاه…
حضن.
كلمة ما تخافيش.
حد يقول لي أنا معاكي.
بس… حتى ده كان صعب عليك.
شهد أخدت نفس طويل…
ونظرت لها نظرة وجع ما ترحمش:
إنتِ عمرك ما كنتي أمي…
إنتِ بس اللي خلفتيني.
لكن عمرك ما حضنتيني.
ولا دافعتي عني.
ولا وقفتي جنبي.
وسكتت…
لحظة بعدها كملت بصوت مكسور:
بتعرفي؟
أنا لو بنت عدوتك…..
ما كنتيش هتعملي فيّ كده.
ما كنتيش هتبقي قاسية للدرجة دي.
الكلام وقع على أمها زي حجارة…
بس شهد ما استنتش ردّ.
شدّت نفسها… وقالت آخر كلمة قبل ما تمشي:
ده اللي جوايا…
وده اللي عمري ما قلته.
ومش ندمانة إن قلته دلوقتي.
ورجعت بصّت ليها نظرة ما فيهاش غير خيبة أمل…مسحت دموعها بسرعة وقالت بهدوء… الهدوء اللي بيجي بعد عاصفة:
وعلى العموم يا ماما…
أنا هفكّر في موضوع جوازي من مؤمن.
ماشي.
بس مش علشان الناس.
وقفت لحظة… وبصلها في عينيها:
طز في الناس…
الناس ما عملتليش حاجة.
ولا وقفوا جنبي.
ولا حضنوني.
ولا قالولي مالك؟.
الناس ما ليهاش دعوة بيا.
أمها اتشد وشّها من الغضب، لكنها ما لحقتش ترد.
شهد كملت بصوت مكسور… بس صريح:
أنا بس…
لما شوفت مؤمن واقف مع الولد الصغير…
شفت في عينيه حنية أبويا.
الحنية اللي اتسرقت مني يوم ما مات.
واللي عمري ما لاقيتها عندك.
اتنفسّت بوجع… وقالت:
شفت عنده أمان…
الأمان اللي كان المفروض ألاقيه في حضنك.
وما لقيتوش.
سكتت لحظة، وبصوت هادي، بس حاد زي السكين:
انتي أمي…
بس عمرك ما قمتي بدور أمي.
ولا عمرك حاولتي.
وبعدها لفّت… ومشيت.
رجليها كانت تقيلة… قلبها أتقل.
دخلت أوضتها… وقفلت الباب عليها بهدوء.
مش هروب…
لكن خلاص…
ده آخر وجع قلب كانت مستعدة تسمعه منها.

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية حين تبتسم الغيوم الفصل الثالث عشر 13 بقلم داليا محمد

 

 

 

____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *