رواية ما وراء الصمت الفصل الثاني 2 بقلم الاء محمد حجازي - The Last Line
روايات

رواية ما وراء الصمت الفصل الثاني 2 بقلم الاء محمد حجازي

رواية ما وراء الصمت الفصل الثاني 2 بقلم الاء محمد حجازي

البارت الثاني

 

بس الغريبة بقى… إنها مش وحشة.
يعني لو كانت متعلمة، والله يمكن كنت فكرت.
ضحك هو وصاحبه بعدها،
ضحكة خفيفة…
بس بالنسبالي كانت أقسى من ألف كلمة.
وقفت ورا الشباك، جسمي ثابت بس دموعي نازلة بهدوء،
من غير صوت، من غير نفس.
مسحت دموعي، وبصيت للسما،
وقلت لنفسي بهدوء، بنبرة وعد:
هتشوف يا معتز… هتشوف مين فينا اللي جاهل.
تاني يوم كنت نزلت بدري عن كل يوم.
كان الجو فيه نسمة كده خفيفة، بس جوّايا نار.
لبست عادي جدًا، بس يمكن لأول مرة ركزت إن شكلي مترتب… يمكن عشان هو يشوفني ويعرف إن “الجاهلة” بتفهم تختار لنفسها كويس.
وأنا خارجة من باب العمارة، لقيته واقف عند عربيته، بيكلم حد في التليفون.
لما شافني، قفل المكالمة وقال بنبرة فيها سخرية باردة:
– رايحة فين يا فرح؟

 

 

قلتله بهدوء:
– مشوار
ضحك وقال:
– تعالى أوصلك، أحسن تتوهي… انتي ما تعرفيش هنا الطرق كويس.
سكت لحظة، وبعدين كمل وهو بيركب نضارته الشمس:
– ولا أكتبلك العنوان في ورقة؟صح انتي مش بتعرفي تقري
بصيت له لحظة، ابتسامة صغيرة طلعت غصب عني.
– لا يا معتز، بعرف أقرأ… وأفهم كمان.
وبعدين كملت وأنا ماشية قدامه بخط ثابت:
– بس شكلك أنت اللي ما بتفهمش.
اتحركت بعدها من غير ما تبص وراها.
هو وقف بيتابعها وهي ماشية، النظرة في عينه متلخبطة بين غيظ واستغراب.
ضحك بسخرية وهو بيتمتم لنفسه:
– أهو ما بقاش غير الجاهلة اللي تتكلم.
ركب عربيته، بس عينه لسه على الاتجاه اللي راحت فيه.
وسكوت بسيط مر، كأنه جوّاه صوت صغير بيقول عكس اللي لسه نطقه، بس هو كتمه بسرعة.
——————
مشيت من قدامه بخطوات سريعة، قلبي بيخبط في صدري، مش من خوف… من قهر.
الهوا كان سخن، بس أنا كنت بردانة من جوّا.
شارع ضيق، زحمة، دوشة، وأنا مش مركزة خالص…
كل كلمة قالها لسه بترن في وداني.
كنت ماشية بسرح، لحد ما فجأة خبطت في حد.
– خلي بالك يا آنسه.
رفعت عيني، لقيته شاب لابس شيك بس نظرته فيها غِرور، من النوع اللي يحسسك إنه شايف نفسه أحسن من الكل.
– آسفة، ما كنتش باخد بالي.
وهو اتلفتلي وقال بنبرة فيها ثقة تقيلة كده:
– خدي بالك يا آنسه، الناس هنا ما بتستحملش حد يزقّهم كده.
قلت بغضب:
–ما قولت آسفة مرة، وما كنتش واخدة بالي هي حكاية.
بصلي من فوق لتحت بنظرة سريعة وقال وهو بيبتسم نص ابتسامة مستفزة:
– لا واضح إنك واخدة بالك قوي…
نازلة كده لافّة ومتفخمة وبتقولي ما كنتش واخدة بالي؟
وقفت في مكاني، الدم ضرب في وشي.
قلتله بحدة وأنا ماسكة الشنطة:
– قصدك إيه بكلمة متفخمة؟
ضحك وقال وهو بيهز راسه:

 

 

– يعني شيك… لبسك جامد وملفوف على الآخر،
الناس هنا عينيهم مش متعودة على المنظر ده، فا خدي بالك.
رديت بسرعة بعصبية:
– شكراً على النصيحة يا أستاذ…
قاطعني وهو بيرفع حاجبه:
– ياسين… المعلم ياسين.
لا عادي، بس المره الجاية خدي بالك… مفيش داعي تتخبطّي عشان تلفتي الانتباه.
اتسعت عينيا، وبصيت له بجمود:
– واضح إن عندك مشكلة في احترام الناس.
ضحك بخفّة:
– لا أبدًا، بس انتي اللي شكلك متوترة… لو محتاجة حد يهديك، أنا فاضي.
شدّيت نفسي وعدّيت جنبه من غير ما أرد،
بس وأنا ماشية سمعته بيقول لنفسه بصوت مسموع كفاية يخترقني:
– لا، دي بنت تقيلة… شكلها مش سهلة.
وقفت مكانها، اتشدّت الكلمة في ودنها زي الشرارة،
لفّت له بنظرة حادة وقالت:
– إيه؟ قصدك إيه بالكلام ده؟
_بقولك خالي بالك علي اول الشارع مطب.
– شكراً على النصيحة.
لفّت تمشي،
وهو واقف سابها تمشي خطوتين،
وبعدين قال بصوت هادي كده بس مليان ثقة ولمعة خفيفة في عينه:
– بس جامدة… وملفوفة.
وقفت في مكانها،
الكلمة نزلت تقيلة في ودنها كأنها خبطت في جدار،
لفّت له ببصة حادة وقالت بنبرة فيها غضب مكتوم:
– إيه؟!
ابتسم وقال بهدوء:
– ولا حاجة… ملاحظة بس.
قالها ومشي،
وسابها واقفة مكانها،
إيديها بتتشبك من العصبية،
بس قلبها دقّ دقة غريبة… مش عارفة غضب ولا توتر.
كتمت غيظي، وكملت طريقي، بس جوايا نار…
نار من كل راجل فاكر إنه أعلى، أو أحق، أو أذكى.
والنار دي كانت أول شرارة خلتني أقرر إني مش هسيب حقي، لا منه، ولا من اللي قبله.
بعد دقايق، وهي ماشية في الشارع لوحدها،
افتكرت طريقته وغمزته،
حطت إيدها على وشها وقالت في سرّها بضحكة خارجة غصب عنها:
– قليل الأدب… بس فعلاً دمه خفيف.
وبعدها هزّت راسها وهي بتحاول تبطل تفكر فيه،
بس في قلبها، كانت عارفة إن المشهد ده مش هيتنسي بسهولة.
————————
وأخيراً وصلت.
المشوار ده كان شكله مش هيخلص أبداً،
بس أول ما البوابة الكبيرة للجامعة ظهرت قدامي حسّيت براحة غريبة.
مكنتش متخيلة إن اليوم ده هييجي بالشكل ده،
ولا إن الخطوة دي هتكون بداية جديدة في حياتي كلها.
الناس رايحة جاية،
وجو الجامعة له رهبة كده ما تتوصفش،
بس أنا كنت ماشية بثقة رغم كل اللي جوايا.
طلعت على الدور التاني، وقفت قدام مكتب كبير مكتوب عليه رئيس القسم،
خبطت بخفة، ودخلت أول ما سمعت اتفضلي،
كان فيه راجل في الخمسينات تقريبًا، لابس بدلة رمادية ونظارة،
رفع عينه أول ما شافني وابتسم وقال بنبرة فيها احترام واضح:
– آه، أخيراً وصلتِ.
احنا كنا مستنيينك من بدري.
ابتسمت بخجل وقلت:
– متشكرة جداً يا فندم، الطريق كان زحمة شوية.
ضحك وقال:
– عادي يا بنتي، أهم حاجة إنك وصلتِ بالسلامة.
بسم الله ما شاء الله، واضح إننا هنضيف اسم تقيل للمكان.
ضحكت بخفة وأنا مش فاهمة يقصد إيه بالضبط،
بس قبل ما أسأل، كمل كلامه:
– على العموم، الملفات كلها اتراجعت، وشهادتك تشرف…

 

 

والكل هنا متحمّس يشوف شغلك بنفسه.
سكت لحظة وبص لي بهدوء وقال:
– وطبعاً البقاء لله في والدك،
كان راجل محترم، وسمعته سابقة.
ابتسمت ابتسامة صغيرة رغم الدموع اللي كانت بتحاول تطلع،
وقلت بهدوء:
– الله يرحمه… هو السبب إني وصلت هنا.
هز راسه وقال بلُطف:
– مكانه في الجنة إن شاء الله،
وروحي شوفي المكان، زملائك مستنيينك…
وفيه واحد هيتولى يعرفك بكل حاجة.
خرجت من المكتب وأنا مش عارفة ليه قلبي بيدق كده،
بين رهبة المكان وفرحة صغيرة…
بس كان عندي إحساس إن اليوم ده مش عادي أبداً.
خرجت فرح مع الدكتور اللي كان بيورها الكلية، الجو حرّ خفيف بس في الهوا ريحة جديدة… ريحة بداية.
كانت ماشية جنبه بخطوات ثابتة، بتحاول تحفظ الطرق والممرات الطويلة، وأصوات الطلبة والموظفين حوالين منها.
الدكتور كان بيشرح بهدوء:
– هنا قسم المحاضرات، وهنا المعامل، ودي قاعة الاجتماعات.
هي كانت بتهز راسها بابتسامة مهذبة، بس عقلها لسه مش مستوعب إنها فعلاً وصلت.
قالت لنفسها بصوت واطي:
– اللهم لك الحمد يا رب… كل ده تعب أبويا ما راحش هدر.
الدكتور وقف عند مدخل الدور التاني وقال:
– استأذنك ثانية يا فرح، هروح أجيب ملف من المكتب اللي جنبنا وأرجعلك فورًا.
ابتسمت وقالت:
– حاضر يا دكتور، خُد راحتك.
وقفَت على جنب، تبص حوالين المكان الجديد…
الناس، الأسماء على الأبواب، اللافتات اللي مكتوب عليها قسم الهندسة المعمارية
كل حاجة كانت شكلها مهيب أوي…
فضلت تبص حوالين المكان،
المبنى فخم، والهدوء اللي فيه مهيب كأن كل حاجة فيه ليها وزنها.
لمحت طلبة ماشيين، أصوات خطواتهم بتتداخل،
لحد ما الباب اللي وراها اتفتح فجأة…
وصوت رجولي جه من وراها، ساخر، بارد، وبيقطّع زي السكينة:
– هو إيه اللي جابك هنا يا فرح؟
اتجمدت مكانها.
صوت ما كانتش متخيلة تسمعه في المكان ده أبداً.
لفّت ببطء،
ولما شافته… قلبها وقع مكانه.
معتز.
بنفس الملامح اللي وجعتها قبل،
بس دلوقتي ملامحه فيها مزيج غريب من التعالي والاستغراب.
ضحك بسخرية، وقال بصوت عالي كفاية إن كل اللي حواليهم يسمع:
– هو انتِ بتعملي ايه في جامعة؟!
وسكت لحظة قبل ما يكمل بغلّ:

 

– هو اللي زيك يعرفوا يعني إيه كلية؟
لو تعرفي هتكوني اتعلمتِ منين؟ من على ظهر الجاموسة؟
ولا جيتي تسألي على شغل في الكانتين ولا السكرتارية؟
الكلمات خرجت منه زي رصاص،
وهي واقفة في مكانها، مش قادرة تتحرك،
كل حرف فيه كان بيخبط في قلبها زي ضربة قديمة بتتجدد.
حاول يضحك وقال وهو بيبص فيها من فوق لتحت:
– يا بنتي اللي زيك مكانهم في الغيط، مش هنا…
الجامعة دي ليها ناسها، مش أي حد يدخلها لمجرد واسطة.
بس قبل ما تلحق ترد، الباب اتفتح والدكتور اللي كان معاها رجع بابتسامة عادية خالص،
مش واخد باله من اللي بيحصل.
قال وهو شايفهم واقفين قصاد بعض:
– آه… باين إنكم اتعرفتوا خلاص.
وبعدين ضحك بخفة:
– طب كويس جدًا، مش محتاج أعرّفكم ببعض.
بس خليني أقولها رسمي كده برضه…
بصّ لها وقال:
– دكتور معتز من أكفأ الناس عندنا، هيساعدك لو احتجتِ أي حاجة.
وبعدين بصّ على معتز وقال:
– يا دكتور معتز، دي

 

 

____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *