رواية أنا لها شمس الجزء الثاني (اذناب الماضي) الفصل الثلاثون 30 بقلم روز امين
رواية أنا لها شمس الجزء الثاني (اذناب الماضي) الفصل الثلاثون 30 بقلم روز امين
البارت الثلاثون
«أذنابُ الماضي»
#_أنا لها شمس الجزء الثاني،بقلمي روز آمين
هذه الروايه مسجلة حصرياً بإسمي روز آمين
وممنوع نقلها لأية مدونة أو موقع أو صفحات أخري ومن يفعل ذلك قد يعرض حالة للمسائلة القانونية
__________________________
+
«الشعورُ بالخزلانِ ليس دخيلاً عليَّ، بل أكادُ أجزمُ أنهُ خُلق لأجلي،إعتدتُ عليهِ منَ الجميعِ وتَخَطَيتَهُ بِالصبرِ والعزيمةِ والإصرارِ ،ما سمحتُ له يومًا أن يُحَطِمَنِي، بل جمعتُ كلَ الشخوصِ بِضَغائِنِهِم وسحقتُ جَمِيعَهُم تحتَ قدميّ، وبدلاً من أن يُدمِرُوا عَزِيمَتِي تَرَفَعَتْ مكانتي وزادَ بِحِقدِهِم عُلُوَ شأني،كلُ الشُخُوصِ عابرينَ إلاكَ يا عُمُرِي،ساكنًا بِالروحِ والكيانِ نائمًا بينَ ثنايا القلبِ،فكيفَ تَخْذُلُني وأنتَ على مَرِ السنينِ مُفَضَلي، تَجَرَعْتَ مرارةَ الحرمانِ والغربةِ لِأجلِكَ وقلتَ لِحالي سَأَشُدُ بالمستقبلِ بِكَ عَضُدِي، لِيخيبَ بالمستقبلِ ظنِّي، كم مِنَ المراتِ حَدَثتُكَ عن خيباتِ أَمَلي لَتأتيَ أنتَ بِأكبَرِ هزائِمِي،أخبرتَكَ عن ظُلمِ المقربينَ فكنتَ ليَّ سَيِدَ الظَالمينَ،كم مِنَ المراتِ أشتكيتَكَ فيها مُرَّ الزمانِ فكنتَ أنتَ والأيامُ ضدي.والآنَ قلْ لي يا إبْنَ عُمُري،كيفَ إرتَضَيتَ همِّي ودُموعِي وأَلَمِي،أخبرني، كيفَ هَانَ عَلَيكَ حُزْني.»
“إيثار غانم الجوهري”»
بقلمي «روز أمين»
__________________
4
لم تستطعن النسوة تخليص إجلال من أيادي أزهار التي أبرحتها ضربًا بالحذاء بأماكنٍ متفرقةً من جسدها، بل فضلن المشاهدة من بعيد لسببين، أهمهما هو الشماتة في تلك الـمتجبرة “إجلال”التي عاشت طاغية على الجميع، أما السبب الآخر هو الارتعاب من تلك الـ”أزهار”خشيةً صحة ما أدعته تلك الحية الرقطاء، وصلت أصوات صراخهُن إلى الرجال فهرول” فؤاد” و”عزيز” و”أيهم” وايضًا “عمرو” بعدما أبلغهم طفل عزيز ما حدث لإيثار من إغماء،وصل فؤاد يبحثُ بنظراتٍ هلعة عن خليلة الروح،إرتعب هلعًا حين رأى تكدس النسوة وهُن يشاهدن مصارعة الثيران الدائرة بين المرأتين،هرول وبعلو صوته صرخ بحدة أرعبت النسوة وجعلت الرجفة تتملك من أجسادهن وهو يصيح:
-وسعي يا ست منك ليها
أفسحن جميعهُن طريقًا لصاحب الهيبة، تمعن النظر باحثًا عن الحبيبة وسط الصراع فلم يعثر عليها، رفع بصرهِ سريعًا يجوب المكان باحثًا بعينيه لتقاطعهُ “أميرة” زوجة “أيهم”:
-مدام إيثار جوه في الأوضة دي يا سيادة المستشار
تحدث وهو يُشير بكفهِ بين إجلال وأزهار وأيهم:
-إنهي الفوضى دي حالاً وخرج الستات دي برة يا” أيهم”
وتابع رامقًا كلتاهما بازدراءٍ:
– اللي ميحترمش البيت ولا يعمل حساب لحُرمة الميت يبقى ملوش مكان هنا
3
أومى له “أيهم”بطاعة ثم إستدار ليتجه صوب إشارة المرأة فتفاجأ بذاك الوقح يسبقهُ على الحجرة وإلى هنا لم يعد بمقدوره تحمل المزيد من السخافات من قِبل هذا الحقير، فقد تحمل ما يفوق قدرته،نزل بقبضته على كتفه ليوقفهُ صوتهُ الأشبه ببركانٍ ثائر:
-إنتَ رايح فين؟!
إستدار عمرو يتطلعُ بأعين هلعة لأجل إيثار،لتقابلهُ نظرات فؤاد المشتعلة وهو يقول بصرامة لا تقبل النقاش:
-إحترم نفسك وإياك تتعدى حدودك ده لو عاوز تحفظ كرامتك في وسط أهل بلدك، أنا ماسك نفسي عنك بالعافية وعمال أعدي في تصرفاتك السخيفة وده عكس طبيعتي
وتابع محذرًا بإشارة من أصبع يده:
-بس لحد مراتي ومش هعمل حساب لأي حد ولا أي إعتبارات، فياريت يا ابن الناس تتقي شري علشان ما امسحش بكرامة أهلك الأرض واخليك مسخرة البلد كلها
10
لست مستعدًا لكتابة وصف يتم تجاهله. إذا كنت مهتمًا بمعرفة محتوى هذه الرواية، تقدم أمامك مقتطف ❗️
لم يستطع نطق حرفٍ واحد وهو يرى جحيم ذاك الغاضب وقبضته التي تشدد من كتفه غير عابئًا بأظافره التي غرست بلحم ذاك الـ”عمرو” مما يدل على مدى وصول الأخر للمنتهى من الحِدةِ والغضب، فك قبضته ليرمقهُ بنظرةٍ مشتعلة للمرة الأخيرة قبل أن يتجه بخطواتٍ واسعة ويلجُ الغرفة صافقًا الباب خلفه في وجه ذاك المتطفل الحقير
انتفض داخلهُ رعبًا حين وجد غاليته ممددة فوق الفراش كجثةٍ هامدة والجميع يلتف حولها بوجوهٍ هلعة يحاولون إفاقتها دون فائدة، فرق بيداه بيسان وفريال ليرتكز بركبتيه فوق الفراش، بات صدرهُ يعلو ويهبط وهو ينطق متلمسًا بشرة وجنتها برعبٍ ظهر بنبرات صوتهِ المرتجفة:
-إيثار، فوقي يا بابا
هتفت عصمت وهي تتمسك بكف ابنها للمؤازرة حين رأت رعبه بعينيه:
-متخفش يا حبيبي هي كويسة، نوارة راحت تجيب لها دكتور جنبهم هنا
نطق متلهفًا وهو يتبادل النظر بينها وبين آسرة الكيان:
-مالها يا ماما، إيه اللي حصل؟!
1
أجابته للطمأنة:
-مفيش يا حبيبي، أكيد إجهاد وضغط من الزعل
هرولت إبنة عزيز التي ولجت لتوها من الخارج تناول يوسف قنينة عطرٍ كان قد طلبها منها للمساعدة في إعادة الوعي إلى والدته، قرب يوسف زجاجة العطر من أنف والدته وهو يناشدها بصوتٍ يقطرُ ألمًا على غالية القلب:
-فوقي يا ماما،فوقي علشان خاطري
احتوت بيسان الواقفة خلفهُ كتفيه بعناية وهمست بنبرة حنون:
-إهدى يا يوسف، طنط هتفوق وهتبقى كويسة
خبط فؤاد على وجنتها برفقٍ وهو يقول:
-حبيبي،فوقي ياقلبي،فوقي يا إيثار
بدأت بتحريك أهدابها تحت ترقب الجميع وما أن رأت وجه الحبيب حتى همست وهي تتمسكُ بكفه بوهنٍ شديد:
-فؤاد
نطق متلهفًا كي يطمئن قلبها:
-أنا هنا يا بابا،متخافيش
أطبقت جفنيها من جديد وكأنها تريد الهروب من ذاك العالم المخيف بأكملة ماعدا ذاك الحبيب الذي تمسكت بكفه بقوة رغم تعبها الشديد، تنفست بوهنٍ فسألتها عصمت بنبرة قلقة:
-إنتِ كويسة يا إيثار؟
حركت رأسها بضعفٍ واستمعت إلى صوت يوسف وهو يقول:
-طمنيني عليكِ يا ماما
1
فتحت عينيها فالهروب لم يكن يومًا دربها،سألتهُ بفتورٍ وصوتٍ واهن:
-إنتَ فعلاً زورت أبوك ومراته؟
ابتلع فؤاد لعابه بينما حرك الشاب رأسهُ والألم يقفزُ من عينيه فتابعت بإعياءٍ شديد:
-روحت لإجلال واتغديت معاها يا يوسف؟!
قرر فؤاد التدخل لرفع الحرج عن الشاب:
-مين يا حبيبي اللي قال لك الكلام ده؟!
أجابت فريال نيابةً عن صديقتها:
-الست اللي اسمها إجلال،دي ست بشعة يا فؤاد
أعادت طرح السؤال مرةً أخرى والألم ينخر بقلبها يتلهفُ النفي:
-إتكلم،روحت البيت عند أبوك؟
نطق فؤاد ظنًا منه أن باستطاعته إنهاء ذاك النقاش :
-بعدين يا حبيبي،إنتِ تعبانة والمناهدة دي غلط عليكِ
نطقت بصوتٍ بالكاد يُسمع من شدة الإنهاك:
-مش هرتاح غير لما أسمع إجابته عليا يا فؤاد
أجابها بحزمٍ علها تتراجع:
-ده لا مكان ولا وقت الكلام ده يا إيثار
-رد عليــا…قالتها بنبرة أخافت الجميع ليشير فؤاد بعينيه للشاب يحثه على الإعتراف فمال برأسهِ رافضًا فحثه الأخر مرةً أخرى حيث أصبح لا مفر أمامه من الإعتراف،نطق بصوتٍ مرتبك:
-الموضوع طويل ومحتاج شرح وإنتِ تعبانة يا حبيبتي
لم يمنعها إعيائها الشديد من إصرارها حيث نطقت بعنادٍ كعادتها:
-أنا عايزة إجابة بكلمه واحدة بس،يا أه يا لا
طالعته منتظرة فتحدث:
-روحت بس ده….
قاطعته بإشارة من كفها وتابعت:
-أكلت على سفرتهم؟!
-يا ماما أرجوكِ… قالها الشاب متوسلاً بعيناه وبصوتهِ المترجي فتابعت هي:
-جاوبني
نطق محتدًا لعدم إعطائه الفرصة لشرح ما حدث وأوصله لتلك النقطة:
-الموضوع كبير ومينفعش اقولك أه أو لا من غير ما تفهمي أبعاده والظروف اللي حكمت عليا بكده
نطقت بنبرة حادة لا تقبل المناقشة:
-أه أو لا؟
كاد أن يعترض فتحدث فؤاد رأفةً بحال حبيبته المنهارة:
-خلاص يا يوسف، ريح ماما ونتكلم في التفاصيل دي بعدين
طالعته تنتظر الإجابة فتحدث بضيقٍ:
-آه يا ماما روحت واتغديت معاهم، إرتاحتي؟!
كان وقع الكلمة عليها كزلزلٍ عظيم زلزل حياتها بالكامل، بلحظة رأت عناء ومشقة طيلة السنوات ذهبوا هباءًا بارتماء نجلها بأحضان من قاموا بظلمها وجعلوها تتذوق المُرين، أخذت نفسًا مطولاً ثم أغمضت عينيها وهي تهمس إلى زوجها:
-خليه يطلع برة يا فؤاد
اتسعت أعين الجميغ وعيني يوسف فأشار له فؤاد متحدثًا:
-إطلع برة الوقت يا يوسف
كاد أن يعترض فاحتوت عصمت ذراعه وهمست بنبرة متفهمة لحال تلك المكلومة:
-إطلع يا حبيبي، بعدين لما تهدى إبقى اقعد معاها واتكلموا
تسمر بقدميه فاقتربت عليه فريال وتحدثت وهي تجذبهُ برفقٍ من رسغه:
-تعالى معايا يا يوسف، ماما تعبانة ومش هينفع تناقشها أو تتجادل معاها الوقت نهائي
ألقى نظرة أخيرة على تلك التي تغلق جفنيها بقوة رافضةً رؤية وجهه مما زلزل قلبهُ وشعر كأن أحدهم غرس نصل سكينًا مدببًا بمنتصف قلبه فسال على الفور نزيفهُ،ربتت بيسان على ظهره بحنانٍ وحثته على الخروج بجوارها هي وفريال.
3
__________________
عودة إلى الخارج فور دخول الرجال،هتف عزيز بنبرة حادة:
-فيه إيه يا ولية منك ليها؟
لاحظ ابتعاد الجميع ورعبهن فتحرك ليفض هو الاشتباك بين المرأتين لتهتف إحداهن قائلة بذعرٍ:
-متقربش يا سي عزيز،الحاجة أزهار عندها الإيدز
اتسعت أعين عزيز وأيهم الذي هتف بغضبٍ حاد:
-إيدز إيه وتخاريف إيه اللي بتقولوها دي
وتابع وهو يشير بكفه للخارج:
-يلا يا ست إنتِ وهي على برة،روحوا كملوا ردحكم ده بعيد عن عزا أمي
-مفيش خشى ولا حرامنية للميت…قالتها شريفة لتتابع إحدى السيدات:
-والله عيب عليكم،كسفتونا وقصرتوا رقبتنا قدام الناس الغريبة
امنت جميع النسوة على حديثها
فاق عمرو من غيبوبة عشقه الواهم ليهرول ويجذب تلك المرأة ويبعدها عن والدته بقوة جعلتها تسقط أرضًا، بات يعدل لوالدته ثيابها بينما رمق الأخرى بنظراتٍ حادة قبل أن ينطق ناعتًا المرأة:
-إبعدي إيدك القذرة عن ستك وتاج راسك يا خاطية
1
ازبهلت المرأة وباتت تتلفتُ من حولها بتشتُتٍ على لمز وهمز النسوة عليها ونظراتهم المتوجسة التي يشوبها الإتهام، صرخت تبرأ حالها ويداها مستندة على الأرض باعياءٍ شديد:
-إنتوا بتبصوا لي كده ليه؟!
انتوا صدقتوا كلام مرات القاتل وابنه عليا؟!، أنا أزهار يا اهل البلد، أزهار اللي الغلط عمره ما عرف بابي ولا دق عليه
ضحك عمرو ساخرًا وهو يرميها بالباطل بلا خوفٍ من الله:
-مرضك فضحك وفضح مشيك البطال اللي عيشتي عمرك كله تداريه، بس أن الأوان الكل يعرف حقيقتك الو…….، مفيش حاجة بتفضل مستخبية
لم يعد بمقدور أيهم تحمل تلك السخافات اكثر من هذا فصاح بحدة بالغة:
-خد أمك وقريبتك واطلعوا برة يا عمرو، وخلوا عندكم دين واحترموا حزننا على امي اللي مكملتش ساعات
نطق كي يظهر بصورة الفارس:
-عندك حق يا أيهم،خالتي أم عزيز مكنتش تستاهل يتعمل كده في العزا بتاعها،
وتابع وهو يرمق تلك المنهارة على الأرض:
-الله يسامح اللي كانت السبب
حضر نجل الحاج محمد بعدما علم من أحد الفتية ما حدث بالداخل وتحدث إلى عمرو:
-عمي عمرو، جدي محمد عاوزك إنتَ وجدتي أزهار وجدتي إجلال في البيت عنده حالاً
خرج مصطحبًا والدته ليصيح أيهم في النسوة بحدة بعدما فقد السيطرة على اتزانه:
-اللي هتكمل العزا باحترام ومن غير صوت يا أهلاً بيها ونشيلها فوق دماغنا،وأي واحدة هتعمل دوشة وتقعد ترغي في اللي حصل تتفضل تقعد قدام بيتها على المصطبة وتلم حواليها الحريم وتتكلم هناك براحتها
1
نطقت احداهن بمساندة:
-عندك حق والله، اللي حصل ده لا يرضي رب ولا عبد
تزامن خروج يوسف من غرفة والدته مع خروج عمرو وهو يساند إجلال ليهرول عليهما وهو يقول مشمئزًا:
-لحد إمتى هفضل متحمل قرفكم وفضايحكم اللي مبتخلصش، قولي لحد امتى؟!
توقف عمرو وسألهُ بريبة:
-فيه إيه يا يوسف؟! مالك؟!
هتف محتقنًا وهو يشير إلى تلك المتجبرة:
-إسأل الهانم والدتك، اللي مكفهاش اللي عملتوه فيا أنا وامي العمر كله جاية تفتن بيني وبينها بالكذب
وتابع مشمئزًا:
-مش عيب ست كبيرة زيك كده وتكذب وتلفق كلام علشان تفرق بين أم وابنها
واسترسل مذهولاً:
-هو أنتَ مش بتخافي من ربنا؟! شيلاه من حساباتك خالص؟!
كانت ترمقهُ بحدة كحدة الصقر وتحدثت بجبروتٍ دون مراعاةٍ لانهيار الشاب:
-افتريت عليك في إيه يا واد، إنتَ مش جيت عندنا بدل المرة تلاتة، وكلت معانا وشيلت اخواتك؟! اللي يسمعك يصدق انك برئء بجد؟
امتعضت ملامحه وقد بدا عليه شدة الغضب، بينما احتوتاه فريال وبيسان التي تحدثت وهي تتطلع على المرأة بحذرٍ:
-تعالى نخرج بره علشان تهدى شوية
-إسمع كلام الحلوة واطلع معاها يا حنين،شكلك وارث أبوك في المحن مع النسوان… كلمات متهكمة اطلقتها تلك البغيضة ليصرخ بها عمرو مستفهمًا:
-إنتِ عملتي إيه تاني؟
-عرفت السنيورة أمه الحقيقة بدل ما هي نايمة على ودانها….رمقها يوسف مشمئزًا لتكمل:
-قولت لها إن ابننا بيزورنا وبياكل من عيشنا وملحنا، كفرت ولا يكونش كفرت؟
صاح عمرو لائمًا بحدة وقوة:
-ليه عملتي كده، ليه؟!
أشاحت بكفها غير عابئة بغضبه لتسحب فريال يوسف إلى الخلف وتبعده عن هؤلاء الأشرار،انسحب عمرو بصحبة والداته بينما تحدثت فريال بمؤازرة:
-إهدى يا يوسف، الكلام مع الناس دي زي قلته يا حبيبي
أنا مش واجعني غير أمي… قالها بألمٍ وتابع بعدم استيعاب:
-دي صدقتها ومدتنيش فرصة أشرح لها يا عمتي
تمسكت بوسي بكفهِ وتخللت أصابعها مع خاصتيه ليهدأ قليلاً بينما تحدثت فريال:
-إوعى تلوم على إيثار يا يوسف، إيثار معزورة، دي واحدة مصدومة من موت أمها ومش في كامل وعيها
شددت بيسان من ضمتها ليده وتحدث بنبرة رقيقة كالنسيم:
-حبيبي إهدى علشان خاطري، صدقني كل حاجة هتبقى كويسة
1
وكأن كلماتها نسائمُ عطرية نزلت على روحه لتشملها بالسكينة، طالعها بحبٍ وأومأ لها لتبتسم له برقة أذابت قلبه، تبسمت فريال وهي ترى ذاك العشق الهائم بين الشريكين
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
داخل الساحة الخاصة بمنزل السيد “محمد ناصف”اجتمعت عائلة ناصف بالكامل بناءًا على طلب محمد بذاته وأنجال أزهار وأزهار بذاتها التي هتفت بدموعٍ وانهيار:
-أنا عاوزة حقي من أختك وابنها يا حاج محمد، عاوزة حق شرفي اللي بقى لبانة تتمدغ عليها نسوان البلد في الرايحة والجاية
هتف يجيبها بصرامة وهو يرمق شقيقته بازدراءٍ:
-حقك هيوصلك كامل يا أم أحمد، خلينا الاول نفهم الموضوع
هتف عمرو ببجاحة وعدم خوفٍ من الله بعدما قصت عليهم تلك المرأة التي لا تخشى الله ما لفقته لتلك المسكينة ظلمًا وافتراء:
-كل الكلام اللي ستهم قالته صحيح، أبويا كان عارف فضايحها علشان كده وزت عليه وقتلته بحجة قتل خالي هارون
هتف الحاج محمد باتهامٍ صريح:
-وانت بقى عرفت منين ان عندها المرض ده يا سي عمرو؟!
وتابع متهكمًا:
– ولا تكونش بقيت بتضرب الودع واحنا منعرفش
ابتسم بشرٍ وهو يتذكر حبك جريمته وعدم تركهِ ثغرةً واحدة تدعوا للشك وتفتح بابًا للتساؤلات،حيث ذهب إلى معمل التحاليل المتواجد بالمركز والتي تتردد عليه السيدة “أزهار” دومًا لعمل الفحوصات اللازمة الدورية لمريضة سكر وارتفاع ضغط الدم مثلها، وكما فعل مع الصيدلي إتفق أيضًا مع الأخصائي على فحص دمٍ شامل وخاص بمرض نقص المناعة المعروف بـ”الإيدز”:
-لا يا خالي مبضربش الودع ولا حاجة
وتابع شارحًا باستفاضة:
-كل الحكاية إن من حوالي اسبوعين كنت مودي ماما لمعمل التحاليل علشان الدكتور كان طالب منها تحليل بول، وزي ما الكل عارف إن دكتور المعمل ده عارف العيلة كلها لأن تقريبًا البلد كلها بتروح عنده، في وسط الكلام قالي أنا عاوز أقول لك حاجة مع إن الامانة العلمية تحتم عليا السرية، بس الموضوع خطير وممكن يتسبب في أذى للناس علشان كده قولت إني لازم أتكلم
وقال لي إن الست أزهار راحت له من فترة تعمل تحليل أنيميا الدكتور طلبه منها علشان الدوخة والهمدان المستمر معاها من مدة، وفعلاً عملها ولما شك في العينة اتصل بابنها تاني علشان يجيب امه وياخد منها عينه جديدة ويحللها، وبعدها اكتشف المصيبة دي، إن الست المحترمة عندها الإيدز نتيجة مشيها الشمال
أوشك نجل أزهار على الجنون لدرجة أنه بدأ يشك بصحة الحديث من شدة دقة التفاصيل التي رواها ذاك المدعو “عمرو”
هتف شيخ القرية قائلاً بنُصحٍ:
-اتقي الله يا عمرو، ده قذف محصنات وانت مش قد حسابه من المولى عز وجل
وتابع مستشهدًا بكلمات الله:
-قال الله تعالى في كتابه العزيز “إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ.
1
نطق متنصلاً من جريمته:
-وأنا كنت ألفت الكلام ده من عندي يا سيدنا الشيخ
وأشار بكفه إلى السيدة أزهار” المنهارة وتابع مسترسلاً:
-أهي الست قدامكم أهي ودكتور التحاليل موجود، اتفضلوا خدوها واتأكدوا بنفسكم، ولو ملدش عليكم كلامه روحوا لمعمل غيره واتأكدوا
وتابع كالشيطان:
-ده جزائي يعني إني خوفت على أهل بلدي للمرض ينتشر ويهلك الجميع، مش بردوا بيقولوا الساكت عن الحق شيطان أخرس يا شيخ
1
تطلع الجميع بعضهم إلى بعضٍ وتحدث نجل ازهار بحدة:
-وبأمارة إيه الدكتور يبلغك إنتَ وميقولش لابنها؟!
رفع كتفيه للأعلى ونطق بلامبالاة:
-والله السؤال ده بقى تروح تسأله للدكتور ذات نفسه
هتف محمد بعدما تشتتت أذهان الجميع:
-خلاص يا جماعة، من بكرة الصبح الحاجة أزهار تروح معانا معمل التحاليل ونتأكد من الكلام ده
وتابع متوعدًا وهو يرمق عمرو الذي بات يبغضه بقوة:
-وعهد الله يا عمرو الكلام ده ما يطلع من تأليفك لاكون قاتلك بأديا،وحتى لو طلع صح بردوا هتتحاسب إنتَ وامك على الفضايح اللي عملتوها قدام أهل البلد والناس الغريبة في عزا الست
وتابع محتقرًا كلاهما:
-تفضح اللي منك قدام الغُرب يا قليل الأصل والعقل أنت وامك
هتف الشاب بغضبٍ مدافعًا عن شرف والدته:
-أنا متأكد ان الكلام ده كله محصلش، وقتلك هيكون على اديا أنا يا عمرو يا بنهاوي، بس أنا هحترم رأي عمي الحاج محمد وهستنى لحد ما نتيجة التحيل تظهر
وتابع متوعدًا تحت ابتسامة الآخر المستفزة:
– وبعدها حسابك هيبقى عسير معايا.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
داخل الغرفة المتواجدة بها إيثار، انتهى الطبيب من فحصها تحت ترقب فؤاد وعصمت التي أصرت على مجاورتها،سأله فؤاد بجدية:
-خير يا دكتور؟
تحدث الطبيب بعملية:
-خير إن شاء الله،يظهر إن المدام اتعرضت لضغط عصبي شديد
وتابع قائلاً:
-انا عارف إن الظرف صعب ومينفعش أقول إبعدوها عن الأجواء دي، بس على الأقل تحاولوا تهونوا عليها
بعد انصراف الطبيب تطلع فؤاد ليجد والدته تجفف حبات العرق السائلة من جبين زوجته وهي تقول:
-أظن سمعتي بنفسك كلام الدكتور،حاولي تهدي نفسك بقى علشان صحتك،ولادك محتاجين لك يا إيثار
جاورها فؤاد الجلوس على طرف الفراش ورفع كفها يقبلهُ دون كلام، فقد إكتفى بتعبير العيون،ثم تحدث بحذرٍ:
-موضوع يوسف فيه تفاصيل كتير، ومينفعش تزعلي من ابنك من غير ما تسمعيه، متعودتش منك تعاملي يوسف بالشكل ده يا إيثار، الولد منهار برة
لا تأثير لحديثه عليها، كل ما تفهمه الآن هو أن نجلها التي حاربت الكون بأكمله لأجل أن تبعدهُ عن عائلة كانت ستدمر مستقبلهُ بالتأكيد، وبالنهاية ماذا حدث،ذهب إليهم ورمى حاله بين أحضانهم، تطلعت إليه وتحدثت برجاءٍ:
-وديني عند قبر ماما يا فؤاد
نطقت عصمت بعقلانية:
-مينفعش تسيبي عزا والدتك وتخرجي يا إيثار،كده تبقى إهانة للناس اللي جاية لك
-ناس مين يا ماما… قالتها بصوتٍ بائس لتنطق الأخرى وهي تقول بعزيمة:
-إوعي تخلي أفعال واحدة جاهلة وحقودة زي الست دي ثأثر عليكِ بالسلب، إنتِ إيثار الجوهري الست القوية، مرات فؤاد علام وأم أحفاد علام زين الدين
وتابعت بعزٍ وفخر:
-لازم راسك دايمًا تكون مرفوعة لفوق، وإوعي تدي لأي حد فرصة إنه يكسرك
سألها فؤاد عن مغزى حديثها:
-سِت مين دي يا ماما؟
ثم تطلع على زوجته التي أمسكت كفه سريعًا وتحدثت خشيةً من أن يتهور:
-مفيش حاجة حصلت
وتابعت كي تستحوذ على تركيزه:
-خليك معايا ومتسبنيش
تبادل النظرات بينها وبين والدته التي حسته على احتواء هلعها فتنهد ومال يقبل رأسها ويمسح عليها بحنانٍ وهو يقول:
-انا معاك يا حبيبي، مش هسيبك يا بابا متخافيش
4
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
خرج فؤاد من غرفة زوجته وجد يوسف وفريال وبيسان مستندين على حائط الغرفة فتحرك إليهم لينطق يوسف متلهفًا:
-ماما عاملة إيه؟
اومأ بجدية:
-كويسة، جدتك معاها متقلقش
وتابع بإملاءٍ:
-خد عمتك وبوسي وروحوا يلا
نطق رافضًا بحدة:
-أنا مش هسيب أمي ومش هتحرك من هنا غير ورجلي على رجلها
-أمك نفسها مش هتقعد هنا أكتر من كده… نطقها ليتابع بجدية وصرامة:
-أنا هاخدها واطلع القرافة هتزور جدك وجدتك وهنطلع من القرافة على القاهرة على طول
-خلاص هستنى معاكم
هتف بجدية:
-يا ابني افهم بقى ومتوجعش قلبي معاك
انضم أيهم إلى الجمع وتحدث بنبرة خجلة:
-أنا آسف جداً يا جماعة على اللي حصل
أشار فؤاد بكفه قائلاً بتهوين:
-متتأسفش اللي حصل ده وارد يحصل في أي مكان ومع أي حد
أكملت على حديثه فريال كي تعفيه الحرج:
-هو انتوا مالكم باللي حصل يا ايهم علشان تتأسف
قاطع فؤاد حديثهم بنفاذ صبرٍ قائلاً:
-خلينا في المهم يا أيهم، أنا شايف إن أخرك في العزا ده النهارده، كفاية اللي حصل وأقفلوا بابكم واحزنوا مع نفسكم
وتابع:
-أنا عن نفسي هاخد مراتي معايا، إيثار نفسيتها تعبانة ولو قعدت أكتر من كده هتنهار
-عين العقل يا سيادة المستشار، أنا بنفسي كنت هقول لك كده… وتابع أيهم:
-بس معلش اتغدوا الاول وبعدين ابقوا امشوا براحتكم
نطق فؤاد قاصدًا يوسف:
-يلا يا يوسف، خد حماتك ومراتك وبالسلامة
نطقت فريال برفضٍ قاطع:
-ريح نفسك يا فؤاد، أنا مش هتحرك من هنا غير مع إيثار وماما
وتابعت وهي تشير إلى يوسف:
-خد إنتَ بوسي معاك وانا هاجي معاهم
كاد أن يعترض فقاطعه فؤاد:
-خِلصنا يا يوسف، اسمع الكلام بقى
نطق وهو ينظر إلى باب الحجرة بتشتتٍ:
-طب خليني ادخل أطمن على ماما قبل ما امشي
اجابهُ مقتصرًا:
-أمك مش طايقة تشوف وشك، ولو دخلت لها هتتعبها أكتر
نطق متوسلاً:
-طب اتكلم معاها يا بابا، قول لها على اللي حصل وبرر لها موقفي، ما أنتَ عارف كل حاجة
-هتخليني أشك في ذكائك ليه يا ابني.. وتابع مفسرًا:
-أمك لو عرفت إني كنت عارف وخبيت عليها هتخرب الدنيا، وهتقلب عليا أنا كمان
3
تحركت اميرة زوجة أيهم من جوارهم حاملة بين يديها صينية عليها صَحنًا من الحساء الدافئ وبعض الدجاج المسلوق لتقدمه إلى إيثار.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
خرج يوسف من المنزل واتجه صوب سيارته،فتح الباب لزوجته واطمئن على جلوسها ثم اغلق الباب واتجه للمقابل ليستقل مقعدهُ وبسرعة البرق كان يخرج من تلك القرية الملعونة، إقتربت عليه تسألهُ وهي تربت على كفه الممسك بمقود السيارة:
-حبيبي، ممكن من فضلك متزعلش
طالعها بنظراتٍ تقطرُ حزنًا على ما جرى فتابعت متأثرة من حالة الحزن التي شملته:
-كل حاجة هتبقى كويسة مع الوقت، طنط إيثار متقدرش تستغنى عنك أبدًا
اومأ بصمتٍ وتابع مراقبة الطريق ثم ناظرها مرةً اخرى وتحدث:
-بوسي
-نعم يا حبيبي…قالتها متلهفة لينطق بجدية:
-انا عارف إن الكلام ده مش وقته،بس أنا عاوز منك حاجه
-حاجة إيه يا يوسف؟…نطقتها وانتظرت بتمعنٍ ليتابع هو بطريقة لينة:
-مش شايفة إن خطوة الحجاب جه وقتها؟
وتابع بابتسامة جذابة أذابت قلبها:
-مش إحنا كنا متفقين زمان إن أول ما نتجوز هتلبسي الحجاب؟
راوغتهُ بحديثها:
-بس احنا لسه متجوزناش رسمي يا حضرة الظابط
-بوســـي…قالها بحزمٍ لتطلق ضحكاتها وهي تقول:
-خلاص متبقاش قفوش كده
وتابعت بنظراتٍ حنون أربكته:
-عاوزني ألبسه إمتى؟
-الوقت قبل كمان شوية…وتابع تحت فراشات العشق التي حامت من حولها تأثرًا بطيب حديثه وروعة نظراته:
-مش عاوز حد يتمتع بجمال حبيبي غيري،كل حاجة فيكِ ملكي يا بوسي،وأنا راجل حر وغيرتي نار، مبحبش حد يشوف مفاتن مراتي
ما كان منها سوى الانصياع وأسرعت بفك وثاق حزام الأمان لتقترب منه وتلقي برأسها على كتفه لتتنعم بدفئ قربه ، تنهد براحة وحاوط كتفها بذراعه ثم نظر امامه ليتابع الطريق بصمتٍ تام وسكينة شملت روحه.
_________
ولج الأشقاء الثلاثة إلى شقيقتهم فوقف فؤاد وفريال وعصمت أيضًا التي تحدثت باحترامٍ وتقديرًا للحظة:
-إحنا هنطلع نقعد برة مع الستات وانتوا خدوا راحتكم
تحدث فؤاد إلى زوجته:
-أنا واقف بره يا إيثار
اومأت له بهدوء، جاورها عزيز الفراش وتحدث وهو يحتوي كفها:
-شدي حيلك يا إيثار، الله يرحمها كانت بتحبك قوي، وهي بطلع في الروح نطقت إسمك أخر حاجة
نزلت دموعها وتحدثت:
-هي تعبت إمتى، وليه ما اتصلتوش بيا علشان اجي أشوفها؟
تحدث وجدي الجالس بجوارها على الطرف الآخر من الفراش:
-ولا تعبت ولا كان فيها أي حاجة، دي حتى كانت كويسة عن كل يوم، واتعشت معانا وشربنا الشاي، وكل واحد مننا طلع على شقته وفضلت معاها إيثار بنت عزيز علشان تبات معاها زي كل يوم
وتابع متأثرًا:
-على الساعة اتنين بالليل لقينا البنت بتصرخ وتنده علينا، نزلنا نجري كلنا لقيناها تعبانة ومش قادرة تاخد نفسها، جريت أنا جبت الدكتور عبدالله، على ما وصلت كان السر الإلهي طلع لخالقه
تابع عزيز على حديثهِ قائلاً:
-آخر حاجة قالتها خلوا بالكم من بعض وخلوا بالكم من إيثار
فلتت دمعة من عينيه وهو يتابع متأثرًا:
-وخلوا إيثار تسامحني
لم تستطع الثبات ودخلت بنوبة بكاء هيستيرية لينضم أيهم لجوارهم ويلتفوا جميعًا محتضنين شقيقتهم لتتعالى اصوات شهقاتهم وبكائهم الحار حزنًا وألمًا على فراق غاليتهم، يا الله، لا يوجد ألمًا بالعالم يوازي ألم رحيل الأم.
نطق وجدي وهو يتمسك بكف شقيقته بمؤازرةٍ واحتواء:
-احنا معاكِ وعمرنا ما هنسيبك ، وده بيتك زي ما هو بيتنا بالظبط، تيجي فيه وتباتي زي ما كنتي بتباتي مع أمك بالظبط، والأوضة دي هتفضل مقفولة ليكِ زي ما هي
تابعت بصوتٍ متهدج من شدة البكاء:
-ابقوا اسألوا عليا يا وجدي، بلاش تحسسوني إني بقيت يتيمة الأب والأم
نطق أيهم بحنوٍ:
-أنا معاكِ على طول يا إيثار، واخواتك مش هيسبوكي
انفجرت بالبكاء ليزداد نحيبها، شاركها أشقائها البكاء وهم يحتوون بعضهم البعض وحال قلوبهم الحزن والألام.
1
_________________
تحرك فؤاد قبل غروب الشمس بزوجته إلى المقابر بينما انتظرت فريال وعصمت في السيارة، تحدثت عصمت وهي تتطلعُ على إيثار من بعيد:
-مسكينة إيثار، ربنا يصبر قلبها
وتنهدت لتتابع بتأثرٍ وهي تتذكر مشهد رحيل والدتها:
-مفيش أصعب من موت الأم
ربتت فريال على كفها وتحدثت بنبرة غلب عليها الحنان:
-ربنا يبارك لي فيكِ يا ماما وتفضلي منورة حياتنا طول العمر
ثم ألقت برأسها على كتف عصمت التي احتوتها بلف ذراعها حولها بعناية، نطقت فريال بذهولٍ:
-مش قادرة أتخيل إزاي واحدة زي إيثار كانت معاشرة ست بالحقارة دي
نطقت عصمت بجدية:
-إيثار جدورها طيبة وأصيلة، علشان كده ربنا نجاها من بين أديهم هي وابنها
أما إيثار فجلست بجوار قبر أمها وانهارت وسالت دموعها كشلالٍ وهي تقول:
-وحشتيني من الوقت يا ماما، هقدر على فراقك ازاي يا حبيبتي، الله يرحمك ويغفر لك ذنوبك ويجعلك من سكان الجنة يا ماما
أمسكت حفنة من الرمال بقبضتها وتحدثت وهي تشدد عليها:
-أنا مسمحاكِ يا ماما، سامحتك على كل حاجة وأي حاجة حصلت زمان،يا ريت إنتِ كمان تكوني مسمحاني على أي تقصير مني في حقك،سامحيني وارتاحي يا حبيبتي
جلس القرفصاء ليجاورها مربتًا على ظهرها بحنانٍ واحتواء، أخرجت من حقيبتها كتاب الله”المصحف الشريف”وبدأت بتلاوة سورة “يس”.، ودعت أباها أيضًا بقراءة القرأن والدعاء له ثم ألقت نظرة وداع عليهما قبل أن تتحرك بجوار زوجها، استقلت المقعد الأمامي بجوار فؤاد بينما عصمت وفريال بالكنبة الخلفية،سألتها عصمت بحنوٍ:
-إنتِ كويسة؟
اطرقت برأسها ثم أسندتها للخلف وقاد فؤاد السيارة إلى أن وصل إلى كوبري الخروج من القرية، سالت دموعها بغزارة بعدما تذكرت ليلة خروجها من الكوبري ذاته وبصحبة الشخص ذاته”فؤاد” بعد وفاة والدها، علا صوت شهقاتها لتفك حزام الأمان وتهرول لأحضان زوجها لتحتمي بداخلها من الزمان والبشر، احتضنها وبات يهدهد فيها وأيضًا عصمت وفريال حيث بدأت كلاهما بالتربت على ظهرها بحنوٍ علها تهدأ، باتت تلوم حظها العَسر وتتسائل بينها وبين حالها، لما ارتبط وفاة كلاً من والديها بذكرى بشعة سترافقها للأبد.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
وصل يوسف إلى مسكنه ورافقته تلك التي أصرت على الحضور معه وعدم تركه لحاله في ظل عدم وجود زينة بالمسكن حيث مازالت بمنزل عمها، نطقت وهي تجاورهُ الدخول:
-أدخل خد شاور على ما أكلم المطعم واطلب لنا غدا
تحدث بهدوءٍ وقد بدا عليه الإنهاك:
-إعملي حساب زينة معانا
وتابع بتوصية:
-ومعلش تكلميها يا بوسي وقولي لها إني هبعت لها سواق تبعي يجيبها حالاً
أطرقت رأسها للأسفل قائلة بحزنٍ عميق:
-هو أنتَ مش حابب نقعد مع بعض يا يوسف
اقترب ليحتوي وجنتيها ومن ثم قبل إحداهما وتحدث بنبرة حنون:
-ليه بتقولي كده يا حبيبي؟
1
نطقت بيأسٍ:
-تصرفك ملهوش معنى غير كده
نطق بإبانة:
-وجودك معايا هنا لوحدنا غلط يا بوسي، ولو دكتور ماجد عرف مش هيسكت وطبعًا عنده حق، وشكلي هيبقى بايخ قوي قدام جدي والعيلة كلها
رفع ذقنها للأعلى يجبرها على النظر بعينيه ثم تحدث بنبرة حنون:
-ترضيها على حبيبك؟
ابتسمت لتحرك رأسها بنفيٍ، فما شعر بحاله سوى وهو يهبط على شفتيها مرتشقًا ليذوب معها بقبلة رقيقة ثم ابتعد عنها وهو يقول:
-إتصلي بزينة وأنا هكلم السواق يروح لها حالاً
أومت بطاعة وتحرك هو واختفى داخل غرفته ليأخذ حمامًا دافئًا علهُ يزيل عنهُ عناء ومشقة اليوم.
إنتهى الفصل
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية أنا لها شمس الجزء الثاني)