روايات كاملة

رواية أرناط – جميع الفصول في مكان واحد | بقلم حور طه

رواية أرناط – جميع الفصول في مكان واحد | بقلم حور طه

رواية أرناط هي واحدة من الروايات الحديثة نوعا ما وهي رواية للكاتبة المميزة حور طه ونوفرها لكم كاملة للقراءة المباشرة كاملة في هذه الصفحة فقط

والجدير بالذكر أن رواية أرناط هي أحدث روايات الكاتبة المميزة حور طره التي قدمت في الفترة الأخيرة مجموعة من أقوى الروايات الرومانسية في الفترة الأخيرة.

اقرأ ايضًا:

رواية أرناط – جميع الفصول في مكان واحد | بقلم حور طه
رواية أرناط – جميع الفصول في مكان واحد | بقلم حور طه

رواية أرناط الفصل الأول

فتحت ليلى درج المكتب، بتدور على ورقة شهادة ميلادها. الجامعة طالبة صورة منها، وكانت متوقعة تلاقيها بسهولة وسط الورق المتراكم.
لكن اللي وقع تحت إيديها ما كانش مجرد ورقة ميلاد… كانت ورقة الجواز.
نفس الورقة اللي كتبها لهم الشيخ من شهور. وقتها كانت إيده بترتعش، وهي بتمضي بإيد مهتزة ما كانتش تعرف إنها بتمضي على خدعة.
لكن دلوقتي؟ في حاجة غلط…
نظرت في الورقة من جديد.
التوقيع مش نفس التوقيع اللي كانت شايفاه.
الختم؟
مش ختم دار الإفتاء… ولا حتى ختم مأذون.
ختم باهت، كأنه مطبوع من طابعة مكتب، شكله رخيص… كذبة مطبوعة على ورقة.
قلبت الورقة، مرتين، تلاتة. كل ما تبص عليها، قلبها يدق أقوى.
دخل أرناط من الباب، بيضحك، وشايل كيسين أكل.
صوته عادي، مرتاح، كأن مفيش حاجة:
— كنتي فين؟ كنت بدور عليكي.
رفعت ليلى عينيها له. ملامحها مش زي قبل كده. نظرة ضايعة، عنيها بتملى دموع، وصوتها مخنوق وهي بتسأله:
— دي الورقة بتاعة جوازنا… صح؟
اتسعت ابتسامته، بس مفيهاش دفء. كانت مصطنعة، جامدة:
— آه… فيها إيه؟
رفعت الورقة في وشه، كأنها بترميها في وش الحقيقة:
— الشيخ ده… كان شيخ بجد؟ الجواز ده كان شرعي فعلا؟
لحظة سكت، وبعدين رد بصوت هادي، بارد أكتر من المطر برا الشباك:
— إنتي لسه بتفكري في حاجات مالهاش لازمة؟ إحنا عايشين مع بعض بقالنا أربع شهور… يعني إيه شرعي أو مش شرعي؟ مش مهم.
كلامه نزل عليها كصفعة. حسّت الأرض بتميل. سكونها اتكسر بصوتها الواطي، المرتعش:
— كنت بتضحك عليا؟
قرب منها، عينيه تحاول تبان هادية، لكن فيها حاجة مش صافية:
— أنا حبيتك بجد… بس الجواز ده مجرد ورقة.
السكينة اللي في صوته كانت مؤلمة أكتر من أي صراخ. ليلى شهقت وهي تقول:
— كنت لعبة؟ ضحكت عليا وخليتني أصدق إننا متجوزين؟! أنا مش مراتك؟
صوته علي فجأة، لأول مرة تسمعه بيزعق كده:
— كفاية بقى! مش شايفة أنا عملتلك إيه؟ ضحيت بكل حاجة علشانك!
عنّيها اتمليت دموع وهي بتهمس بصوت مكسور:
— أنا اللي ضحيت بنفسي… لما صدقت إنك جوزي… عشرتك وأنا فاكرة إني مراتك…
سكت هو. الصمت اللي نزل بينهم كان تقيل، أبرد من الهوا، أهدى من كل حاجة.
بإيدها المرتجفة، خبطته دفعة صغيرة، يمكن من القهر، من الذل، من الغضب.
رجع خطوة، رجله اتعلقت بطرف السجادة، وقع…
دماغه خبطت في الترابيزة.
اللحظة اتحبست في عينيها.
هو واقع. ساكن. عيونه مقفولة.
نادت عليه، بصوت عالي، وهي بتقرب منه:
— أرناط؟… أرناط قوم… بلاش كده…
بس مفيش.
الــ ـدم بدأ يظهر تحت راسه.
شهقت، شهقة من جوه روحها.
— أنا قتـ ـلته؟
الساعة كانت تلاتة إلا ربع.
المطر لسه شغال، لكن الدنيا كلها سكتت، كأنها حبست أنفاسها معاها.
وقعت ليلى على الأرض، ضهرها لازق في الحيطة، عينيها مش شايفة، كل حاجة بتهتز قدامها.
إيديها مبلولة بـدمه.
قربت تمسحهم… في الملاية، في أي حاجة قدامها. بس الـدم ما بينضفش.
بيتشرب، بيغرق، بيصرخ في وشها.
جريت على الموبايل.
أقرب صوت خطر في بالها كان عاليه.
صوتها كان بيترعش وهي بتتصل:
— عاليه… تعاليلي… ضروري… أنا… أنا عملت مصيبة…
صوت عاليه جه مرتبك:
— مصيبة إيه يا ليلى؟ فهميني… إيه اللي حصل؟
نظرت ليلى للجثة اللي مرمية قدامها.
الكلمات خرجت منها بصوت مخنوق، مش قادرة تبلعها:
— لو كنتي مكاني… أكيد كنتي عملتي زيي…
عاليه حاولت تهديها:
— ليلى… حبيبتي، اهدي، فهميني، مصيبة إيه اللي حصلت؟
الصوت خرج منها متقطع، مهزوم:
— أنا قتلـ ـت أرناط… يا عاليه.
لحظة صمت…
ثم صوت خبطة على الباب.
الموبايل وقع من إيد ليلى.
الاتصال انقطع.
وبدأت الأرض تهتز تحتها من جديد
الباب خبط تاني بقوه..؟

رواية أرناط الفصل الثاني

«البارت 2 من روايه ارنــاط»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الباب خبط تاني بقوه، ليلى وقفت مكانها، قلبها بينط جوه صدرها، وكل نبضة فيه كانت زي صـ ـرخة.
بصت ناحية الجـ ـثة… ارنـاط لسه مرمي، عيونه مفتوحة كأنها بتراقبها، وسكونه كان بيخوف أكتر من أي صوت ممكن تسمعه.
رجعت تبص ناحية الباب، الصوت جه تاني، أعلى من المرة اللي فاتت، ومعاه نبرة مستعجلة، رجت قلبها.
— Afval! Heb je iets voor het vuilnis?
الزبالة! عندك حاجة للرمي؟
ليلى ابتلعت ريقها بالعافية، صوتها كان بيطلع بالعافية من بين شفايفها المرتعشة، وبلغة متكـ ـسرة ردت:
— Nee, er is niks! Ga maar door!
لا، مفيش! امشي لو سمحت!
فضل واقف شوية، صمت تقيل نزل بينهم، وبعدين ساب المكان.
سندت ظهرها على الحيطة، رجليها كانت مش شايلة جسمها، أنفاسها تقيلة، وجواها عاصفة بتتشقلب.
الـ ـدم على الأرض بدأ يجف، ريحته بتتغير، وعينيها مش قادرة تسيب وش أرنـاط. من شوية كان بيضحك، دلوقتي وشه بارد، فاضي… من غير حياة.
إيديها لسه متسخة، بس ما بقتش بتغسل… بقت تتأمل، كأنها بتحاول تفهم.
هي فعلا قتـ ـلته؟
ولا كان حـ ـادث؟
بس هو مـ ـات٠٠٠مـ ـات
وهي لوحدها.
وأكتر حاجة مـ ـرعبة… إن الوقت لسه ماشي.
والساعة دلوقتي تلاتة وربع.
والليل لسه طويل.؟!
ـــــــــــــــــــ
«بعد نص ساعة»
ـــــــــــــــــــــــ
عالية دخلت الشقة، بالمفتاح اللي ليلى كانت دايما سايباه معاها.
أول ما شافت المنظر، شهقت، اتراجعت خطوتين لورا، وصوتها اتكـ ـسر:
— ليلي… إنتي قتـ ـلتيه؟!
دموع ليلى نزلت مرة واحدة، وكأنها كانت مستنياها تنزل من زمان، وهزت راسها بصوت مهزوز:
— ماكانش قصدي… كنت بدافع عن نفسي… هو كان بيكذب عليا… أنا حتى ما كنتش أعرف إن جوازنا مش حقيقي!
عالية قعدت جنبها على الأرض، حضنتها بقلبها، وهمست ليها بصوت مسموع للروح:
— اسمعيني… لازم تختفي… دلوقتي… قبل ما أي حد يشوفك.
ليلى بصت لها، عنيها مليانة خوف وارتباك:
— أهرب؟ أهرب فين؟ أنا حتى مش قادرة أفكر.
عالية قامت، وبدأت تحط هدومها بسرعة في شنطة:
— في صديقة ليا عندها مزرعة صغيرة في ضواحي أمستردام… هتباتي هناك، أهم حاجة دلوقتي إنك تختفي، مش لازم البوليس يوصل لك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
«بعد ساعتين»
ــــــــــــــــــــــ
الشارع كان فاضي،
والسماء بتولول بصوت ريح بيغني انين،
عالية سايقة العربية، وليلى قاعدة جنبها، متغطية بجاكيت واسع، شعرها مبعثر، وعيونها ما غمضتش من ساعتها.
بصة من الشباك، وكأنها بتـ ـدفن حياتها اللي كانت في الشقة دي…
أحلامها، ضحكتها، صورتها قدام المراية، كل حاجة اتحولت في لحظة لكـ ـابوس.
وسؤال كان بيزن في عقلها… تقيل، ومش راضي يسكت:
ـــ فعلا قتـ ـلته؟
ولا في حاجة تانية مستخبية..؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«شقة راهب العراف – هولندا»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوى كان تقيل في الشقة… كأن الحيطان بتتنفس ببطء، وصوت الصمت بيوجع.
شهد، أخت راهب، قاعدة في أوضتها، ماسكة تليفونها، بتبص في آخر مكالمة:
ـــ عدى أكتر من ساعتين، وسيف ما بيردش.؟
سمعت صوت باب اتفتح، خرجت بسرعة، عينيها بتلف، بتدور عليه،شافته واقف في الصالة، هدومه فيها بقع دـ ـم ناشف عند الكتف، وضمادة على جبينه.؟
قربت منه، صوتها عالي لكن مهزوز:
— إيه اللي في دماغك ده؟ إنت اتخانقت؟
راهب لف وشه بعيد، وكأنه بيهرب من عينها، وقال ببرود مصطنع:
— ولا حاجة، خبطة خفيفة، كنت نازل السلم واتزحلقت.
نبرتها علت، وقفت قصاده، حاولت تلمس الضمادة، لكنه رجع خطوة لورا:
— سلم؟ من إمتى بتتزحلق؟ وبعدين بقالك كتير برا… كنت فين؟
ما ردش.؟!
راهب قرب منها، صوته كان هادي بس فيه حاجة تحت السطح:
— انتي مالك؟ شكلك مش على بعضك، وعينيك على التليفون كأنك مستنية حد.؟!
شهد اتلخبطت، نطقت بصعوبة:
— انا…لا… مش مستنية حد، كنت بكلم واحدة صاحبتي، بس مش بترد.
راهب ابتسم، بس ابتسامته ما كانتش مطمئنة:
— سيف؟
صمت تقيل نزل بينهم.
كمل راهب، بصوت أهدى بس أخـ ـطر:
— صاحبتك اللي ما بتردش؟
شهد عنيها اتسعت، وهمست:
— إنت عرفت إزاي؟
راهب:
— أنا مش غبي، يا شهد. كنت سايبك، مستني اللحظة اللي تصارحيني فيها.
شهد بصوت مهزوز:
— كنت هقولك… والله!
راهب مد إيده، مسك دراعها بقوة، نبرته كانت نـ ـار:
— هتقوليلي إمتى؟ بعد ما تخلفوا؟ بعد ما تعزميني على فرحكم التاني؟
شهد صـ ـرخت من الألم، ودموعها نزلت:
— هو جوازي! انا ما عملتش حاجة غلط!
وإنت عمرك ما فهمتني! لو كنت قلتلك، كنت هتمنعني.
راهب عينه كلها خذلان:
— كنت شايفك كل حاجة… أختي، بنتي، دمـ ـي…
وفي الآخر تطلعي متجوزة من ورايا؟ وسيف؟
اللي كنت فاكره أخويا؟
إزاي خنتوا ثقتي؟!
شهد بصوت عالي:
— كنت بخاف منك! كنت حابسني! مش شايفني غير مريضة لازم تتحامي فيك!
راهب أشر لها بإيده، صوته بينفـ ـجر:
— اسكتي!
قام، صدره بيعلو وينزل، وهي واقفة قدامه، دموعها سايبة وشها:
— هو فين؟ سيف راح فين،يا راهب؟
راهب ابتسم، بس كانت ابتسامة بردانة، وهمس:
— ما تسأليش السؤال ده… إجابته مش هتريحك.
شهد،شهقت، صوتها اتكـ ـسر:
— إنت عملتله حاجة؟
إنت قتـ ـلت سيف؟ جوزي؟
راهب رفع عينه، وقال بهدوء قـ ـاتل:
— أنا قتـ ـلت الخيانة، يا شهد.
واللي يحبك… ما يخـ ـونش أخوكي.
شهد فتحت الباب، نزلت بسرعة، وصوته لسه بيرن في ودنها:
–لو كنت اذيـ ـته، أنا مش هقدر أبص في وشك تاني…
راهب:
– لو خرجتي دلوقتي، الدنيا مش هترجع زي الأول. وهتخسري اخوك للابد؟
لكنها خرجت، نازلة بتنهج، دموعها بتغرق وشها.
في آخر السلم… صوت فرامل حادة.!
وصوت خبط مفاجئ.!
راهب جري على السلم، قلبه بيدق زي الطبول، نزل يصـ ـرخ باسمها:
– شهد؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع…

رواية أرناط الفصل الثالث

«البارت 3من روايه ارنــاط»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشارع كان فاضي…
إلا من صوت المطر، بيخبط فوق الأسفلت كأنه بيبكي.!
وأنفاس راهب، تقيلة ومتهدجة، وهو بيجري نازل على السلالم، قلبه بيضـ ـرب أسرع من خطواته.
شاف الناس ملمومة في نص الطريق.
وشافها…!
مرمية على الأرض،
الـ ـدم سايح جنب راسها، بيختلط بمياه المطر،
وعينيها…
نص مفتوحة، بتدور عليه وسط الضباب والزحمة والصوت.
ـــ شهد…!
راهب ركع جنبها، ركبته خبطت الأرض من غير ما يحس.
إيده بتترعش وهو بيهزها بخفة، كأن لمسها ممكن يرجع لها الروح:
ـــ هتعيشي… سامعاني؟ هتعيشي… بالله عليكِ، اتحملي، علشاني!
شهد حاولت ترد بابتسامة، لكن وشها كان متلخبط…
فيه وجع، وخوف، وعتاب مكتوم بيقطع القلب:
ـــ ليه يا راهب… ليه عملت كده؟
كلماتها خرجت كأنها بتنــ ــزف معاها، وهو حسها زي سهم في صدره.
راهب شد الجاكيت من فوقه، وحطه تحت راسها، يحميها من برد الأرض، من المطر، من الحقيقة اللي بتكســ ــرهم سوا.
صوت الإسعاف بدأ يسرق انتباه ،الناس بتقرب بسرعة، لكن راهب ما سمعش غير صوت أنفاسها وهي بتتقطع…كأنها بتودعه.!
ـــ ما تسبينيش… بالله عليكي ما تسبيني.
إيده كانت على وشها، كأنه بيحاول يثبت وجودها بإيده، يحفظ ملامحها قبل ما تختفي.!
شهد همست بصوت واطي، بالكاد سمعه:
ـــ فين سيف؟… قولي إنك ما أذيتـ ــوش…؟
كلمة ،سيف، طعــ ـنته.
قبل ما يلحق يرد، عنيها غابت…
وسكتت.
راهب لسه راكع جنبها، وشه ملتصق بوشها،
نفسه بينقطع، عنيه مش قادرة تبعد عنها، كأنها آخر ما تبقى له من الدنيا.
الناس حواليه بتزعق، حد من المسعفين بينادي عليه، بيشد فيه…
بس هو ماكانش في الدنيا دي.
راهب كان لسه متمسك بإيديها، بيقول بهمس مكسور:
– ما تسبينيش… أنا غلط… بس ما تسبينيش…شهد
كان في لحظة واقفة… متجمدة.
لحظة فهم فيها إنه خسر كل حاجة… بإيده.!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرت أسابيع كأنها سنين!
البيت الريفي في ضواحي أمستردام كان هادي… بس الهدوء ده مكانش راحة، كان اختناق.
الشارع فاضي، لا ناس، ولا صوت عربيات، حتى العصافير كأنها نسيت تغني.
ليلى كانت بتصحى كل يوم على نفس الكـ ـابوس…
جـ ـثة ملطخة بالـ ـدم، نظرة أرنـاط الأخيرة وهي بتغرق في عينيه، الخبطة اللي خلت كل حاجة تنتهي.
الصوت ده بقى أنفاسها… صار ملامح حياتها الجديدة، اللي ما فيهاش غير ذنب، وخوف، وألم.
عالية كانت بتيجي كل كام يوم، تجيب لها أكل، تطمن عليها، تحاول تطبطب عليها بكلام بسيط، لكنها كانت عارفة إن فيه وجع ملوش دوى.
ومع مرور الوقت، بطن ليلى بدأت تكبر.
علامات الحمل ماكنتش محتاجة حد يشرحها.
أول مرة وقفت قدام المراية وشافت التغير اللي بيحصل في جسمها، ضهرها تقوس فجأة، وإيديها اتسندت على الرخام، عينيها اتغرقت دموع:
ـــ حياته جوا جسمي… ابن الراجل اللي خدعني… وخوفني… وأنا فاكرة إني متجوزاه!
كان جواها حاجة بتصـ ـرخ إنها تتخلص منه، لكن في نفس اللحظة، حاجة تانية كانت بتترجاها تسيبه.
مكنش قدامها قرار… الجنين ده كان آخر خيط بيربطها بأرنـاط، حتى لو الحبل ده كله شـ ـوك.!
مشت ناحية غرفة النوم وهي بتحاول تلم نفسها، فجأة شعرت بحاجة غريبة… في حد وراها؟!.
قبل ما تلف، إيد خشنه سدت على فمها، وصوت خافت وبارد فاجأها:
ـــ وحشتيني يا ليلى…
عنيها اتسعت من الصــ ـدمة، وحاولت تصــ ـرخ، لكن الصوت اتكتم تحت كفه:
ـــ اخرسي… مش عايز أأذيــ ـك دلوقتي، إحنا لسه في أول اللعبة.!
سحبها بسرعة ناحية الباب الخلفي، وهي بتحاول تضــ ـربه وتقاوم، بس جسمها كان ضعيف… كانت لسه تحت صــ ـدمة خبر الحمل، ونفسها مش منتظم.
ركبها في عربية سودا واقفة بره، لفها ببطانية وربط إيديها بشريط بلاستيك.:
ـــ فاكرة آخر مرة شفتيني فيها؟
ليلي كانت بتحاول تفهم مين… ملامحه بدأت تبان مع لمعة النور اللي دخلت من الشباك…اتسعت عينيها، وانفاسها حشرت في صدرها:
ـــ أر…؟!
لكن قبل ما الكلمة تخرج كاملة، ايده سبقتها.
صفعة عنيفة دوت في العربية وسكتت كل شيء.
راسها مال، والوعي انسحب من ملامحها.
بهدوء قـ ـاتل.!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المستشفى ــ جناح الحالات الحرجة.!
– بعد مرور أسابيع.!
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الهدوء كان مخيم، مشهد صامت إلا من صوت خطوات الدكتور، بطيئة وتقيلة… كأن كل خطوة بتزف خبر موجع.
وقف قدام عبدالحميد العراف، اللي كان قاعد على حافة الكرسي، ضهره محني، وراسه في الأرض.
سحر الطوخي،زوجه عبد الحميد العراف،
سحر الطوخي… الاسم اللي كان دايما يتقال في البيت بنبرة غريبة، لا هي احترام ولا كراهية كاملة، لكن فيها شيء مش مفهوم.
هي مش أم شهد وراهب، لا.
هي |مرات أبوهم|
جات على البيت وهي شابة، في عز أنوثتها، بعد سنين قليلة من اختفاء أمهم.!؟
هنتعرف عليها اكتر مع تسلسل الاحداث.!
نرجع نكمل الاحداث الحاليه…!
وبلاش تسالوني عن اختفاء امهم ؟!هتعرفوا كل حاجه.! في وقتها ولكن صبر جميل .!????????
سحر الطوخي،كانت قاعدة وراه، ووشها متحجر… لا فيه دمعة، ولا حتى ارتعاشة.
راهب كان واقف بعيد، لازق في الشباك، ساكت، بس عينه مش بتتحرك عن الدكتور، مستني الكلمة اللي هيهدم بيها جدران قلبه.
الدكتور أخد نفس عميق، وحاول يهرب من العيون اللي بتسأله قبل ما يتكلم:
– عملنا كل اللي نقدر عليه.
عبدالحميد رفع عينه، كانت حمرا ومتعبة، وصوته مطفي:
– يعني… خلاص؟ مفيش أمل؟
الدكتور بص له لحظة، وقال بنبرة متزنة:
– الحادث سبب نزيف داخلي حوالين العصب البصري… حاولنا نحافظ عليه في أول ٤٨ ساعة، لكن التلف كان أوسع من التوقع. عملنا أكتر من عملية على مراحل، آخرهم من أسبوع، بس… مفيش استجابة.!
سحر الطوخي قالت بصوت ثابت، لكن برده يخدش القلب:
– يعني شهد فقدت بصرها؟ بقيت عمياء؟
الدكتور ثبت عينه فيها، وقال بهدوء:
– أيوه. فقدت بصرها بشكل دائم…
سكت لحظة، وبعدين كمل:
– وإحنا بلغناها النهارده.!
صوت راهب جه فجأة، وهو بيستدير ناحية الدكتور:
– وهي قالت إيه؟
الدكتور بلع ريقه، كأن الكلمة تقيلة على لسانه:
– ما قالتش حاجة. كانت ساكتة… بس عينيها، اللي ما بقتش تشوف، قالت كتير.
عبدالحميد قام على مهله، زي واحد كبر سنين في لحظة، وحط إيده على راسه، صوته انكسر:
– بنتي… دي كانت نور عيني…
سحر الطوخي ،قامت من مكانها، وشدت ضهرها، وكأنها بتحتمي في الكبرياء من الألم:
– دي ضريبة الطريق الغلط، يا عبدالحميد… وأوقات ربنا ما بيسامحش بسهولة.
راهب بص لها، نظرته كانت تقيلة، محملة بغصة مش بتنبلع، وقال قبل ما يفتح باب الغرفة ويخرج:
– ربنا بيسامح… لكن البشر هما اللي بيسموا العقاب، قضاء.!
الدكتور اتنحنح، يحاول يرجع الجو للمنطق، وقال بنبرة عملية:
– المهم دلوقتي إننا نبدأ نهيأها لحياتها الجديدة… الدعم النفسي لازم. هي محتاجة ناس حواليها تبقى ضهر وسند.
عبدالحميد ساب نظره يسقط على البلاط، وصوته جاي من بعيد:
– راهب… راح فين وسايب أخته في الحالة دي؟
سحر الطوخي ما ردتش في الأول… كانت بتبص في الفراغ، كأنها بتشوف حاجة ما حدش شايفها، وبعدين قالت:
– يمكن مش قادر يواجه الحقيقة.
عبدالحميد تمتم بصوت خافت، بالكاد سمعه حد:
– أو يمكن بيهرب منها… زي ما هرب من ضميره.؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
« قمة الجبل | ليل»
،ـــــــــــــــــــــــــ
أوقف راهب سيارته عند الحافة، نزل منها بصمت، عيناه حمراء من البكاء.!
خلع قميصه، وأخرج قـ ــرباقا جلديا من المقعد الخلفي.!
بدأ يجلد نفسه على ظهره بقسوة، ودمـ ـه يسيل، يهمس بصوت مكسـ ــور:
ـــ كنت ضهرك يا شهد… وبقيت سكـ ــينك.!
كنت المفروض أحميك… مش أكون سبب عماك !
ضــ ـربات متتالية، يتهاوى معها جسده، حتى سقط على ركبتيه.!
رمى القــ ـرباق بعيدا، نهض بصعوبة، دخل السيارة من جديد.
داس على البنزين، والعربية تقترب من الحافة…
عينيه على الفراغ قدامه، قلبه مثقوب، ونفسه الأخيرة
ينكســ ــر صوته.!
ثــم!
صـوت صــ ــريخ الفـرامل…
وصـوت الـريح يعـوي كـأنه بيعـاتبه…
كـأنه بيقـول لـه:
ـــ ده عقــ ــابك… مــش خلاصــك.!؟

رواية أرناط الفصل الرابع

«البارت 4 من روايه ارنــاط»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مستشفى خاص | جناح الطوارئ – ليل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تدخل النقالة بسرعة من باب الطوارئ، راهب ملقى عليها، وجهه مغطى بالــ ـدم والتراب، جسمه متهالك.
أطباء وممرضين يحيطوا بيه، صوت الأجهزة والمصطلحات الطبية يملأ المكان،والأطباء
بيصـ ـرخوا بتعليمات سريعة.!
طبيب الطوارئ بصوت حازم:
ــ بسرعة يا جماعة! فيه نــ ـزيف داخلي… جهزوا لغرفة العمليات فورا!
– خارج غرفة العناية المركزة
عبد الحميد العراف واقف، ملامحه متجمدة، والقلق آكل ملامحه.
بجانبه سحر الطوخي، شابة أنيقة، بس وشها شاحب، وعنيها شايلة قلق أكبر من اللازم…!
قلق مش طبيعي على| ابن زوجها|
سحر الطوخي بصوت واطي لكن متوتر:
ـــ هيمــ ـوت راهب…هيمــ ـوت؟
عبد الحميد العراف،بحدة حزينة:
مايمـــوتش! ابن عبدالحميد العراف،مايموتش… ما يسيبش ابوه.
سحر الطوخي بعينين مغروقتين بالدموع، وهمسها يكاد لا يسمع:
ــ لو حصل له حاجة… أنا—
تسكت، تكتم الكلام في حلقها.
يخرج الطبيب بعد وقت يبدو كالعمر.:
ــ قدرنا نسيطر على النــ ـزيف، وحالته مستقرة الحمد لله… لكن—
عبد الحميد العراف يقاطعه:
ــ لكن إيه؟ اتكلم يا دكتور.
الطبيب بتردد:
ــ وشه اتعرض لإصابات بالغة… فيه تهتك كبير في العظام والأنسجة، لازم يخضع لعدة عمليات تجميلية… لكن ملامحه مش هترجع زي الأول.
سحر الطوخي بصوت واطي جدا، تكاد تهمس لنفسها:
ــ مش مهم شكله… المهم يفضل عايش.
عبد الحميد يلتفت لها، ناظرا باستغراب للحظة… لكنها ترفع عينيها وتتظاهر بالتماسك.
|غرفة العمليات|
يجهز الأطباء راهب… الأجهزة تحيط به… قناع الأكسجين على وجهه المشوه.
ضوء العمليات يسطع فوقه… كأنه بينتقل من حياة لحياة
سحر الطوخي من خلف الزجاج، تنظر إليه، تهمس بصوت خافت، لا يسمعه أحد:
ــ مهما كان… لازم يعيش.
سحر واقفة قدام غرفة العمليات مع عبد الحميد العراف، تنتظر الأطباء يطمنوهم على حالة راهب بعد عملية التجميل. حاولت تبتعد شوية علشان ترد على الاتصال، وكان المتصل أرمان، اللي أخبرها إنه نجح في اختطاف ليلى.!؟
عبد الحميد لاحظ توترها، لكنه قرر ما يسألها عن السبب. كان يعرف إن سحر فيها حاجة مش واضحة، وفي نفس الوقت كان مشغول بمراقبة حالة راهب. لكن مشاعر سحر كانت أكبر من إنها تخفي.!؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليلة حزينة، وصحوة في المجهول
ــــــــــــــــــــــــــ
صوت تنقيط المية كان أول حاجة صحت ليلى عليها. سقف مشروخ، وضوء باهت بيحاول يتسلل من شباك مترب ومتسلسل بالحديد،كانت نايمة على مرتبة قديمة، مربوطة من إيدها في ماسورة جنب الحيط.
رأسها تقيلة، كأن فيها مية نـ ـار، وبطنها شدها فجأة. صوت داخلي صاح فيها زي صفعة:
ــ أنا حامل!
الباب اتفتح،ارمان دخل… لابس أسود، ماسك طبق فيه شوية أكل،ملامحه مش بتوعد بأي رحمة،عينيه ميــ ـتة، وصوته أبرد من الثلج:
– فوقتي؟ كنت مستني اللحظة دي… عشان نبدأ أول فصل في رحلة عـ ـذابك.
ليلى شهقت، صوتها اتكسـ ــر وهي تهمس بدهشة موجوعة:
– أرمان…؟
ارمان،ضحك ضحكة مش ضحكة، كانت وجع سايبينه يتكلم بدل الدموع:
– أيوه… أرمان. اللي دخل السجن بسببك. اللي وقفتي تبصي له من بعيد وهو بيتـ ــكسر… وسكتي.
ابتسم. بس كانت ابتسامة غريبة، ناشفة، فيها سـ ـم:
– دلوقتي دورك يا ليلى… تحسي اللي حسيت بيه، تعيشي نفس العــ ـذاب، بس أضعاف.
ليلى بدموع:
– ليه بتعمل كده؟ أنا ما ليش ذنب. أنا كمان اتخدعت. لو كنت دفعت عنك وقتها، كانوا لفقولي تهمة زيك… كنت هدخل السجن. أنا آسفة،اني خفت وما دفعتش عنك… والله آسفة.
الطبق طار من إيده، اتحطم على الأرض وصوت الزلط طعن الصمت:
ـــ آسفة؟! بعد ما ضيعتي مستقبلي، ووقفتي تتفرجي عليا وأنا بتكسـ ــر في الزنزانة؟!
ليلي دموعها نزلت، ورجف صوتها:
– أنا حامل يا أرمان… لو فيك ذرة إنسانية، بلاش تــ ـؤذيني. بلاش تعمل حاجة تندم عليها.
ارمان عيونه ارتجت للحظة. حاجات كتير حصلت في ثانية واحدة. غضب، حيرة، صدمة، وكلهم اختفوا فجأة، رجع وشه بارد:
– كل حاجة ليها تمن… حتى الحياة.
ليلى بدموع:
ــ إنت… إنت خطفتني؟ ليه؟!
تحاول تفك إيدها
إحنا كنا أصحاب… إحنا كنا فريق يا ارمان!
ارمان دخل خطوة في النور، ملامحه باينه أخيرا. عينيه مش عيون بني آدم، دي كانت نـ ـار طالعة من جوه.
– كنا؟ تفتكري اليوم اللي وقفنا فيه قدام شاشة العرض؟ وقلتيلي …هنغير العالم…؟ فاكرة؟
ليلى بهمس:
أنا… أنا آسفة… بس أنا ماكانش بإيدي…
ارمان ينفـ ــجر:
ــ ماكانش بإيدك؟؟؟
اتسجنت! اتبهدلت! اتشوهت سمعتي، واتباعت مجهوداتي لناس ما تعرفش غير الــ ـدم!
وانتي؟ عايشة حرة… حاملة جواكي حياة جديدة…
نظره حادة على بطنها:
ــ مين ابوه يا ليلى؟ أرناط…صح؟
ليلي انفجـ ـرت تبكي:
– البحث بتاعنا تعبنا فيه سوا. ماكنتش أعرف إنهم زوروا الإمضاء بتاعتي. لما عرفت وقررت أطعن، هددوني… قالولي هيعملوا فيا زيك. كنت خايفة، كنت مجبور أقبل وأسكت.
ارمان،قرب منها، أنفاسه خبطت في وشها، كل حرف بيطلع من بقه كان بيوجع:
ــ كل خيانة ليها تمن… وأنا جيت أطالب بحقي.
ليلي بتصـ ــرخ:
– اقتـ ـلني لو عايز، بس اسمعني. أنا ما خنتكش! أنا كنت ضحية زيك. يمكن أكتر كمان.
ارمان سكت. سكوته كان أثقل من الصـ ـريخ. بعد خطوة للخلف، بص في الأرض كأنه بيقلب الوجع القديم:
ــ عارفة إيه الفرق بينا يا ليلى؟
أنا دفعت تمن خيانتك…
لكن إنتي لسه ما دفعتيش.!
وقف في مكانه وكأن النــ ـار اللي في عينيه هتكتسحها، وأضاف:
ــ وعد مني وانت عارفه اني بوفي بوعودي …
التمن اللي هخليك تدفعيه ما فيش عقل هيستوعبه.!
قفل الباب وخرج، وهو سايب خلفه وجع ،وخوف كبير بيغلي في قلبها.!

رواية أرناط الفصل الخامس

«البارت 5من روايه ارنــاط»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضلت في الضلمة، وإحساس الأمان اللي كان جواها زمان بقى فتافيت… النور اللي كان بيحيي قلبها بدأ يختفي.!
ــــــــــــــــــــ
فلاش باك – جامعة أمستردام.!
معمل التكنولوجيا الحيوية – قبل اربع سنين.!
ــــــــــــــــ
ارمان واقف قدام اللوح الأبيض، مرسوم عليه دوائر معقدة وكأنها متاهة من الجينات. إيده بتتحرك بسرعة، عينه فيها شغف طفل لسه بيكتشف الكون:
– لو الكود ده اشتغل، هنكون أول اتنين يفعلوا النموذج ده فعليا.
ليلى قاعدة على المكتب، صوابعها بتطير على الكيبورد، صوتها ملهوف:
– مش بس هنغير شكل العلاج… إحنا هنبرمج الخلايا نفسها. وده مش حلم… ده على وشك يتحقق.
ارمان بصلها، عينه فيها فخر ومودة:
– أول بحث مشترك بيني وبينك… ليلى وأرمان. مشروع واحد… وحلم واحد.
ليلي رفعت عينيها ليه، وبصت له بنظرة امتنان:
– ماكنتش هقدر أعمل ده من غيرك.
ارمان،صوته واطي، زي سر بينهم:
– ولا أنا… يمكن عشان كده خوفي من خسارتك أكبر من خوفي من فشل المشروع.
لحظة صمت ناعمة. الجو في المعمل دافي حتى مع برودة المكان. العيون اتقابلت، وكل حاجة تانية اختفت. قالوا في صوت واحد:
– مش هنخسر، لا الحلم… ولا بعض.
ــــــــــــــــــــــ
«عوده من الفلاش باك للوقت الحالي»
ضلمة الغرفة رجعت تطبق على ليلى، والنور الخافت من الشباك الحديدي ما بقاش له نفس البريق.
دموعها بتنزل على خدها وهي متكورة على نفسها، وبتهمس:
ــ إحنا مش هنخسر… لا الحلم… ولا بعض.
جملة كانت صادقة يومها… بس دلوقتي، طعمها مر.!
عقلها بدأ يفتش في الوجع… في اللي حصل.
وفجأة، رجع لها المشهد… لحظة قديمة جدا، يوم أرناط جالها في المعمل، بورق كتير، وقال:
ــ دي موافقات إدارية… مجرد إجراءات شكلية، لازم نخلصها بسرعة قبل ما نعرض البحث.
وقتها ما فكرتش… كانت تعبانة، وسهرانة بقالها أيام. مضت من غير ما تقرأ.
قلبها وجعها فجأة… إيده كانت بترتعش وقتها؟ ليه كان بيزوغ بعينه؟ ليه كان مستعجل كده؟
ليه ما سألش عن أرمان؟ ليه كل مرة كان بيقلل من شغله؟ وكان دايما بيقول:
ــ الشهرة محتاجة وجه جديد… وأرمان شكله مش إعلامي كفاية.!
بدأت تشوف الوشوش القديمة بتتبدل… تتقشر.:
ــ أرناط…ارناط… هو اللي باع المشروع.!
هو اللي استغل توقيعي،
وسرق الشيفرة، وقدمها باسمي.؟
كانت أداة… ختمت بإيديها على مـ ـوت حلمهم.
وسابت أرمان لوحده يتحاسب.
صوت قلبها بيرتجف:
ــ أنا… السبب.
الصدمة شلت تفكيرها لحظات:
ــ إزاي كانت عمياء كده؟
إزاي ما شافتش كل الإشارات؟
كان بينضح كذب… بس هي كانت مشغولة بالحلم… وبالخوف.
ليلى بتشد في شعرها، بتهمس:
ــ ارمان…أنا اللي سلمتك… أنا اللي ضيعتك.
نفسها اتحشرج، ودموعها نزلت كالسيل، مش بس على حالها… لكن على روح ارمان اللي انكسـ ــرت بسببها.
ليلى حطت إيديها على بطنها، بتحس النبض اللي جواها، والدموع سابقة صوتها:
ــ قد إيه لسه هشيل من وراك؟
قد إيه لسه هتوجعني يا أرناط؟
كنت بفتش عن أمان… لقيتك جحــ ـيم بوش بشري.
سرقت المشروع… سحبت أرمان لجحـ ـيم مالوش آخر…
وغشيتني… باسم حبك، وباسم جواز طلع كله كدبة.
آه يا ربي، حتى الجواز كان مزيف؟
أنا عشت معاك كزوجة… وأنا ماكنتش غير ستارة لخداعك!
نزلت على ركبها، بتكاد تتنفس من كتر الألم:
ــ إزاي ما شفتكش؟
إزاي كنت عميا للدرجة دي؟
إنت ما سرقتش مشروعنا بس…
إنت سرقت عمري كله، وأنا اللي كنت… بح…بحبك.!
ـــــــــــــــــــــــــــــ
|مستشفى خاص|
مكان معزول، ضوء خافت، سحر الطوخي واقفة بجانب نافذة زجاجية، تمسك بهاتفها بإحكام، نظراتها مشدودة، وصوت أرمان يعلو من السماعة.
أرمان بغضب مكبوت:
ــ ليلي دمـ ـرتني يا سحر! دخلتني السجن، ضيعت مستقبلي، وكل ده وانتي عايزة أسيبها تتنفس؟!
سحر الطوخي ببرود متماسك:
ــ أنا وفيت بوعدي،يا أرمان… قولتلك على مكانها، وسلمتك ليلى زي ما اتفقنا. دلوقتي دورك توفي بوعدك… ليلى ما ينفعش تموت دلوقتي. إحنا لسه محتاجينها.
أرمان ينفــ ـجر غضبا:
ــ مليش دعوة بحساباتك! دي، نـ ـاري، وأنا اللي هطفيها بطريقتي. هقتــ ـلها يا سحر، وهرتاح!
سحر الطوخي بصوت هادي، لكن عيونها بتتقد:
ــ وتفتكر إن مـ ـوتها هيرجعلك حقك؟ هيرجعلك اللي راح منك؟
هتقوم من على جثـ ـتها وتلاقي مستقبلك مستنيك؟
انت بتضحك على نفسك يا أرمان. مـ ـوت ليلى مش في مصلحه حد دلوقتي.!
أرمان بصوت مجروح ومرتعش:
ــ بس حياتها كمان مش هترجع لي حقي ومستقبلي اللي
دمـ ـرته… حياتها هي الحاجة الوحيدة اللي ممكن تخليني أحس إني خدت حقي.
أنا عشت في ظلمة سنين… وهي السبب!
سحر الطوخي تتنفس ببطء..
بصوت واطي لكنه حاسم:
ــ ليلى عندك… اعمل فيها اللي يشفي غليلك.
عايز تعـ ـذبها؟ عـ ـذبها.
بس خليك فاكر، أنا كفايه عليا إنها تتنفس شوية كمان…
بعد ماخد مصلحتي منها، اقتـ ــلها لو عايز…
بس مش دلوقتي.!
أرمان بصوت مهدد، لكنه مستسلم جزئيا:
ــ اتفقنا… بس يا ريت الفتره دي ما تطولش..
عشان صبري ليه حدود..
ولو حسيت لحظة إنك بتخدعيني…
اللي بتستنيه من ليلى مش هتاخديه..
لاني هكون خلصت عليها.!
سحر بابتسامة باهتة، قبل ما تقفل الخط:
ــ ما تخافش…زي ما قدمتها لك على طبق من ذهب هخليك تاخد حقك بس من غير ما نخسر…واحنا كسباني.!
تنهي المكالمه… نظرتها مزيج بين القسوة والتوتر، كأنها بتلعب بالنار وهي عارفة إنها ممكن تتـ ـحرق.
عبد الحميد قرب منها، صوته هادي لكن فيه نبرة مراقبة:
ــ مالك واقفة لوحدك كده؟ شكلك متوترة. تحبي ترجعي الفندق.؟
سحر بتسرع:
ــ لا طبعا، مش همشي قبل ما أطمن على راهب… أقصد على راهب وشهد.
عبد الحميد بيراقبها:
ــ هم ولادي… بس ملاحظ إنك مهتمة براهب زيادة عن اللزوم.
سحر بتحاول تضحك:
ــ علشانك يا حبيبي، ما ينفعش أسيبك لوحدك دلوقتي.
عبد الحميد بحذر بيغمض عينه لحظة، كأن في قلبه حاجة مش مرتاحة:
ــ الدكاترة طمنوني… راهب حالته بتتحسن، وشهد محتاجة دعم نفسي. دكتور هيكتب لها على خروج بكره… جهزي نفسك… هنرجع مصر قريب.
سحر الطوخي ،نظرة قلق بتعدي في عيونها، لكنها بسرعة ترد بحسم:
ــ أكيد… لازم نرجع ونبدأ من جديد.
عبد الحميد ينظر لها بصمت لحظة:
ــ تمام…
ـــــــــــــــــــــــــــ
داخل غرفة شهد ــ ليل
ـــــــــــــــــــــــ
الأنوار خافتة، والساعة تقرب على منتصف الليل. الهدوء ثقيل، والهواء في الغرفة كأنه واقف. ما بيتحركش.
شهد بتفتح عنيها، تتنفس ببطء. وتحاول تستجمع شتات نفسها.!
تمد إيدها بتردد، تلمس الكومودينو جنب السرير… صباعها يتزحلق على حافته، فتستند عليه، وبعدين.. تجر رجلها بصعوبة لحد ما تلاقي الحيطة..
كل خطوة كانت اختبار لقوتها الجديدة..
حياة من غير عينين تشوف بيهم..
الظلام مش بس في نظرها، ده جواها كمان.!
وصلت للنافذة… تنفست كأنها بتدور على حياة جوه الهوا..
مدت إيدها تفتحها… لكن فجأة، سمعت صوت الباب بيتفتح بهدوء..!
شهقة صغيرة خرجت منها، ووشها اتجه للصوت:
ــ انت جيت، يا بابا؟
سكون تام. مفيش رد..
بس في صوت…
صوت خطوات بطيئة، تقيلة، بتمشي على الأرضية.. كأن كل خطوة فيها نية مش مظبوطة..!
شهـد اتحبست أنفاسها، تحاول تبتلع ريقها:
ــ مين؟… مين اللي دخل؟ رد عليا…
الخطوات قربت. كانت واقفة عند الشباك، وظهرها.. لسه للغرفة، بس قلبها كان بيصــ ـرخ..
حاولت تلف، تمشي، لكن جسد اصطدم بيها فجأة..
أنفاس غريبة قربت من رقبتها…؟
إيدين جامدة لفت حواليها..
حضن ملوش دفء… مافهوش أمان..
بس فيه ضغط… وسكون مريب..؟!
شهـد اتشنجت، وصـ ـرخت بصوت مبحوح:
ــ إنت مين؟!! عايز مني إيه؟! سيبني!!
بس مفيش صوت، مفيش كلمة…
بس الإيدين لسه ماسكة، والوش القريب منها.. ساكت… ساكت بطريقة مـ ـرعبة..؟!
شهد:
ابعد عني… انت مين…عايز ايه؟!
ــــــــــــــــــــــــــ
عند ــ ليلي!
ــــــــــــــــــ
رجع أرمان واقف قدامها، لابس بالطو معمل، بإيده سرنجة سائلها شفاف، صوته ثابت لكن عينه بتغلي:
ــ فاكرة أول تجربة حقناها سوا؟ كنا بندور على علاج… دلوقتي بندور على عدالة.؟!
ليلى بصوت مرتعش:
ــ أرمان… أرجوك…انا حامل في طفل ملوش ذنب في اي حاجه حصلت…صدقني أنا مش خاينة…
أرمان:
ــ الخيانة مش بس توقيع يا ليلى… الخيانة إنك تشوفيني بغرق، وتدعي إنك مش شايفه.
يقرب بالسرنجة، يحقنها في ذراعها، ليلى تصــ ـرخ من الوخز، ثم تتنفس بسرعة:
إيه ده؟… إنت حقنتني بإيه؟!

رواية أرناط الفصل السادس

«البارت 6 من روايه ارنــاط»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليلى وقعت على الأرض، ضهرها خبط في الحيطة وهي بتحاول تمسك أعصابها، بس الألــ ـم كان بيجري في جسمها زي كهربا بتلسع الجلد من جوه. كل نفس بيقطع صدرها، وكل نبضة في قلبها كانت زي طعنة سكــ ـين:
ــإيه ده؟… إنت حقنتني بإيه؟!
أرمان بابتسامة باردة:
ــ مركب بروتيني بيشتغل على الأعصاب الحسية… هيخلي كل لمسة تبقى نـ ـار، وكل صوت يبقى صدى في مخك.
ليلي بـ ـالم:
ــ ليه؟! ليه بتعمل كده؟!
أرمان:
ــ علشان تحسي… زي ما أنا حسيت. جسمك هيبقى معمل
العـ ـذاب… كل لحظة.
صمت لحظي، ثم يهمس لها:
ــ ودي كانت أول جرعة… الجاية هتفوقي بعدها بعيون مفتوحة… ولسه مش هتقدري تصـ ـرخي.
يخرج ويسيبها تتنفس بصعوبة، عضلاتها ترتجف، ودموعها بتنزل بهدوء… لكن عينيها بدأت تشوف الحقيقة بوضوح
مـ ـؤلم.
أصابعها بدأت ترتعش، حتى الهوا اللي بيلمس جلدها بقى كأنه جـ ـمر، بتحاول تبعد شعرها اللي لامس وشها لكنها
بتصـ ـرخ كل ما تلمس نفسها:
ــ ياااااه… ده مش ألـ ـم… ده جحيم!
تتلفت حواليها، بتدور على حاجة تساعدها، مية، مخدة، أي حاجة تخفف النـ ـار اللي ساكنة في جسمها، بس المكان فاضي، وبارد، وجدرانه كأنها بتضحك عليها بسخرية…!
الأنين بيخرج منها غصب عنها، وهي بتحاول تكتمه بأسنانها. دموعها نازلة من غير صوت، بس عينيها كانت بتحكي،
وبتصـ ـرخ… بتحكي عن اللي جواها، وعن اللي كانت بتحاول تنكره سنين.!
همست لنفسها وهي بتشد على نفسها:
ــ يمكن أستاهل… يمكن هو عنده حق… بس مش كده… مش كده يا أرمان…
في ركن الغرفة، بدأت تسمع صوته من جديد، مش في الواقع… لا، في دماغها. صدى صوته وهو بيقول:
ــ كل لمسة هتبقى نـ ـار، وكل صوت هيقعد يرن في مخك.!
وحست إنها مش لوحدها. الخوف بقى ليه شكل، ليه كيان… بيقرب منها… بيلمسها… بيسخن الدنيا حواليها.!
وفجأة، لمحت في طرف الباب المفتوح جزء من ظله… واقف… بيراقب.
صوت خطواته بيختفي، لكنه ساب أثر… ساب لعنة.
وليلى؟ بدأت تحس… لكن الإحساس مكانش إنساني، كان أكبر من طاقة بشر.
ليلى، غرقانة في عرقها، جسمها بيرتعش تحت اثر الألـ ـم، لكن عقلها هرب… وسابها تغوص في ظلال الذكرى.
كل حاجة حواليها اتبدلت، البرد اختفى، والصوت اللي بيزن في دماغها سكت. لقت نفسها واقفة في الحديقة القديمة… وقت الغروب، والنور البرتقالي كان بيرقص على وش أرنـاط.
ارناط،كان واقف قدامها، عيونه بتلمع
وصوته طالع بهدوء حذر:
ــ ليلى… أنا مش بعرف ألف وأدور… بس من يوم ما شفتك، في حاجة جوايا اتغيرت.!
ليلي، كانت بتضحك، بتقوله بحذر طفولي:
ــ بتقول كده لكل البنات؟
ارناط ،ضحك، ود ــم الخجل طلع في وشه:
ــ لو قلتلك إنك أول واحدة تخليني أقف قدامها مش عارف أقول إيه…هتصدقيني.؟
ارناط،قرب منها، كانت ريحته لسه عالقة في ذاكرتها… ريحة عطر وورد. مد إيده ولمس طرف صباعها بخفة، وقال:
ــ بحبك،يا ليلى… مش بس علشانك، بحبك علشان أنا معاك بقيت شخص تاني… أحسن.!
ليلي ما ردتش ساعتها، كانت بتبص له بعيون مبهورة، وقلبها بيخبط كأنه هيطير من مكانه.!
الذكرى اتكسـ ـرت فجأة، ورجعت لواقعها، عرقها لزق في جبهتها، والوجع لسه بياكل فيها، لكن دمعة نزلت على خدها وقالت:
ــ مش ناسية.
رغم كل شيء، لسه شايلة صوته جواها… وصورته، لما كان بيحبها بصدق… قبل ما ينهار عالمها بخيانته وغدره …وان هو مصدر المها الحقيقي:
ــ أرمان جـ ـرح جسمي، بس إنت يا أرنـاط… إنت اللي
جــ ـرحت روحي…أرمان علمني الألم… بس إنت اللي زرعته فيه.!
***
استطــاع أن يجــرح جســدي، لكنــك أنـت جـرحت.! روحـي،هـو علمني الألم، أما أنت فزرعته باعماقي.!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
داخلي – فندق – جناح عبد الحميد العراف – صباحا
عبد الحميد واقف قدام الشباك، بيبص على الحديقه، وفنجان القهوة في إيده. الموبايل بيرن، بيبص عليه… رقم المستشفى.
عبد الحميد بيرد:
ــ أيوه؟ صباح الخير.
موظف المستشفى متوتر:
ــ أستاذ عبد الحميد… إحنا آسفين، بس شهد مش موجودة في أوضتها. اختفت!
عبد الحميد مصدوم:
ــ يعني إيه اختفت؟! دي كفيفة! إزاي تخرج من غير ما حد يشوفها؟!
الموظف:
ــ دورنا في كل مكان، بس مالهاش أثر. والكاميرات عند جناحها كانت عطلانة..
إيد عبد الحميد بترتعش، الفنجان بيقع وبيتكسر على الأرض.
عبد الحميد غاضب:
ــ أنا جاي حالا… ولو حصل لها حاجة، كلكم هتتحاسبوا!
بيقفل المكالمة بسرعة، ياخد جاكيت بدلته. سحر بتصحى على صوته العالي.
سحر بنعاس:
ــ في إيه؟ مالك بتزعق كده؟
عبد الحميد:
ــ شهد اختفت من المستشفى!
سحر اتكأت على المخدة، نظرت له لحظة، وبعدين قالت بنبرة باردة:
ــ يمكن زهقت…وخرجت تتمشى شويه عادي…
هي مش طفلة.!
عبد الحميد اتصدم من ردها، قلبه بيخبط في صدره، ودمه بيغلي:
ــ إنتي سمعتي اللي بتقولي ده؟
شهد فقدت بصرها، كانت بتتعالج، تقوم تمشي من غير ما حد يحس ييها؟!
بيبصلها بذهول، كأن بيشوف حاجة أول مرة ياخد باله منها. بعدها بياخد المفاتيح ويخرج بسرعة، ووشه في مراية الباب باين عليه القلق والخوف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
داخلي – غرفة مظلمة – مكان احتجاز ليلى
ليلى قاعدة على الأرض، ضهرها للحائط، نفسها متقطع، عرق بيبلل جبينها، وكل لمسة في جسمها وجع…
صوت المفاتيح بيلعب في الباب…
رعشة خوف تمر في جسمها.
الباب يتفتح…
نور خفيف يدخل…
وليلى ترفع عينيها بتعب.
ليلى بصوت مرتعش:
ــ أرمان… لا…ارجوك ما تدينيش حقن تاني..؟
لكن بدل ما يدخل أرمان…
تدخل عالية.
ليلى تشهق بصـ ـدمة:
ــ عا… عالية؟!
عالية تجري عليها، توطي عندها، عينيها بتلمع بالخوف والحنان:
ــ ليلى! أنا جيت… أنا هنا… هطلعك من هنا..
ليلى تبص ليها، عينيها بتدمع، مش مصدقة:
ــ كنت فاكراك مش هتيجي…
كنت فاكره انك مش هتدوري عليا…
كنت فاكره ان نهايتي هتبقى في المكان ده…
عالية تمسك إيدها بلطف:
ــ أنا أتأخرت، بس عمري ما كنت هسيبك…
اللي عمله فيكي مش هيعدي…
بس لازم نخرج الأول…
ليلى ترتجف تحت إيدها، وتهمس بتوجع:
ــ عاليه ما تلمسيني كتير… جسمي كله نـ ـار…
ارمان حقني بحاجة…بتخلي جسمي كله نـ ـار…
عالية تبطأ خطواتها، ملامحها متحولة بين الغضب والحنان:
ــ واطي… حقير! والله ما هسيبه يا ليلى…
بس نخرج من هنا الاول…
وانا هندمه على كل اللي عمله فيكي…
تساعدها تقف، وليلى تحاول تبتسم رغم الوجع:
ــ عمري ما كنت محتاجة لحد زي دلوقتي.
ويمشوا مع بعض… خطوة هروب، وخطوة بداية جديدة…وهم خارجين من الباب الخلفي، صوت خطوات تقيلة وراهم.
صوت رجولي:
ــ استنوا…!هربانين؟! وقفوا مكانكم!
عالية تمسك إيد ليلى،بهمس حاد:
ــ اجري…يا ليلي!
يبدأ الجري… وصوت صـ ـرخته يجلجل في المكان:
ــ البنات بيهربوااا!؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المستشفى – في غرفة راهب صمت تقيل بيخنق الجو..
الدكتور يدخل، في إيده مقـ ـص صغير…
يقرب من السرير بهدوء…
راهب قاعد، عيونه بس اللي باينة من بين الشاش… متوتر، إيده بتتهز من تحت الغطا…
سحر واقفة بعيد، متسمرة مكانها…
مش قادرة تاخد نفس…
الدكتور بصوت مطمئن:
ــ مستعد يا راهب؟
راهب يومي برأسه، بصمت خالص.
يبدأ الدكتور يفك الشاش… طبقة ورا طبقة… الصمت بيتحول لصفير خفيف في ودان سحر، وقلبها بيدق بقوة.
الشاش الأخير يتفك… ووش راهب يظهر.
الدكتور يتراجع خطوة، وسحر تحط إيدها على بقها، شهقة تخرج منها بدون صوت…
عنيها بتتسع، واللون يسحب من وشها.
سحر بهمس مذهول:
ــ ازاي… مستحيل؟
راهب ما بيتكلمش…
بيبص للمراية اللي جنب السرير.
يقرب منها بهدوء قـ ـاتل، عينه بتتحرك ببطء على ملامحه الجديدة…
يده تترفع، تلمس خده…
أول لمسة تخليه يرجع إيده بسرعة، كأنه اتحـ ـرق.
عينه تلمع، مش بدموع… بحاجة أعمق.
نظرة فاضية، كأن حد نزع منه حاجة كبيرة.
ياخد نفس عميق…
وبعدين يبتسم ابتسامة صغيرة، مش طبيعية… باهتة… مخيفة شوية،وبصوت واطي جدا:
ــ يمكن ما أقدرش أرجعلك نور عينيك…
ولا أغير اللي حصل…بس…كنت لازم أسيب جزء منه يعيش في الدنيا علشانك…؟؟!

رواية أرناط الفصل السابع

«البارت 7من روايه ارنــاط»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفجأة، وسط ضجيج الهروب وركض ليلى وعالية.. من رجال أرمان، رن في المكان صوت بنت بتصـ ـرخ.. من ورا باب مقفول…الصوت كان باين عليه الخوف.. والانكـ ـسار:
ـ أنتم مين؟! أنا فين؟! حابسيني ليه؟!
ليلى وقفت مكانها، قلبها اتقبض، وعالية تبادلت.. معاها نظرة سريعة، ما كانتش محتاجة كلام. جريت.. عالية ناحية الباب، دفشته بكل قوتها، وهو اتفتح.. بصوت فرقعة عـ ـنيف.!
الصورة اللي قدامهم خبطتهم بالذهول..
شهد كانت واقفة في الركن، شعرها منكوش،هدومها.. مبهدلة، وعينيها بتتحرك بسرعة لكن من غير ما تشوف. إيديها بتتحسس في الهوى حوالينها، كأنها.. بتحاول تستوعب المكان ببصمتها.!
عالية قربت منها بخطوات هادية، صوتها نزل بنبرة.. طيبة:
ـ ما تخافيش… إحنا مش هنعملك حاجة. انتي مين؟ ومين اللي جابك هنا؟
شهد رفعت وشها للصوت، لكنها كانت باصة في اتجاه… تاني…صوتها كان مهزوز، فيه رجفة وقلق:
ـ أنا فين؟ أنتم مين؟ وجبتوني هنا ليه؟ أنا مش.. شايفة… مش شايفة حاجة..!
ليلى اتحركت خطوة لقدام، عنيها دمعت من غير ما تحس.همست لعالية بصوت مخنوق:
ـ دي… دي كفيفة..!
عالية ما ردتش، بس قربت أكتر، ومدت إيدها بلطف، لمست كف شهد برقة:
ــ اسمك إيه؟
إحنا هنخرجك من هنا، ما تخافيش. هنهربك معانا.. بس يلا بسرعه …قبل ما يرجعوا..!
شهد ردت بصوت مخنوق، كأن الكلام بيطلع من بين حبال مشدودة:
ـ اسمي… شهد. في حد جابني… بس مش عارفة.. مين.؟
ليلى مسكت إيدها التانية، رغم الألم اللي كانت.. بتحسه في كل خلية في جسمها، وقالت بصوت.. مطمن:
ــ مش لوحدك يا شهد… تعالي، نخرج من هنا الأول..
خرجوا التلاتة من الغرفة، خطواتهم سريعة، وأصوات أنفاسهم تقيلة، مليانة توتر. في عيونهم خوف، لكن.. كمان فيه خيط أمل… لأن النجاة بدأت..
بس الحـ ـرب لسه قدامهم..!
ــــــــــــ
بعد الهروب، كانوا راكبين العربية، وليلى لسه بتتـ ـألم، بصت لعالية وسألتها:
ـ عالية، انتي عرفتي مكاني إزاي؟
عالية كانت سايقة، وكل شوية تبص في المراية.. علشان تتأكد إن مفيش حد وراهم. لما اتطمنت…
خدت نفس وقالت بهدوء:
ـ جالي رسالة الصبح على موبايلي. كان فيها لوكيشن ومكتوب رساله…لو عايزة تنقذي صاحبتك، تعالي هنا…
في الأول افتكرتها حد بيهزر، بس بعدين قلت لازم أحاول… والحمد لله لحقتك..!
ليلى رفعت حاجبها باستغراب، وقلبها دق بسرعة:
ـ طب مين اللي بعتلك الرسالة؟
عالية هزت راسها وقالت:
ـ مش مهم مين… المهم إننا خرجنا من هناك..!
ليلى حاولت تفكر، بس الألـ ـم كان أقوى من قدرتها على الاستيعاب. قالت وهي بتشد نفسها:
ـ مش هينفع نرجع البيت اللي كنا قاعدين فيه… أرمان عرف مكانه..!
عالية بابتسامة خفيفة، وقالت وهي مركزة في الطريق:
ـ أنا كلمت صديقتي اللي كنا قاعدين في بيتها، لما اختفيتي، حكيتلها على كل حاجة، وقالت لي لو لقيتك، اخذك ونروح على العنوان اللي بعتهولي ده.. البيت آمن، هنقعد فيه شوية لحد ما نقرر هنعمل إيه.
ليلى نظرت ليها بعين مليانة امتنان:
ـ مش عارفة أشكر صاحبتك دي إزاي… ساعدتنا كتير..!
في اللحظة دي، شهد كانت قاعدة ساكتة، ما نطقتش ولا كلمة من وقت ما ركبوا العربية.
عالية لمحتها في المراية، نادت عليها بهدوء:
ـ شهد… إنتي كويسة؟ ما اتكلمتيش من ساعة ما خرجنا..!
شهد طلعت صوت بالكاد مسموع:
ـ الحمد لله… شكرا إنكم ساعدتوني.!
ليلى لمست إيدها برقة، رغم إنها أصلا بتتألم من أي لمس، بس حست إن اللحظة دي محتاجة دعم:
ـ هو انتي تعرفي أرمان؟ ليه كان حبسك؟
شهد رفعت وشها باستغراب واضح، عينها اتسعت:
ـ مين أرمان؟ أنا معرفش حد بالاسم ده… ومش عارفة مين اللي خطفني، ولا جابوني ليه في المكان ده..!
ليلى حاولت تفهم، بس ردت وهي لسه مصـ ـدومة:
ـ يعني إنتي مش عارفة… أرمان؟
شهد:
ـ لا… أول مرة أسمع الاسم ده..!
ليلى سألتها بنبرة حنونة:
ـ طيب… إنتي مين؟ازاي نرجعك لاهلك؟
شهد ردت بصوت فيه حزن دفين..
صوت مش بس متألم، ده صوت حد موجوع:
ـ أنا ماليش حد… أهلي مـ ـاتوا..!
سكتت، وساد الصمت بينهم… لكن اللي كان واضح.. إن شهد ما كانتش بس خارجة من سـ ـجن..
دي خارجة من حياة كلها وجع..!
رن تليفون عالية فجأة، والاهتزاز كأنه هز قلبها. عينيها دارت يمين وشمال، بتدور على حاجة ما حدش شايفها، وبصت في المراية بسرعة، كأنها بتتأكد إن مافيش حد وراهم.
همست بصوت واطي، كأنها بتقول لنفسها:
ــ رائد…!؟؟
ــــــــــــــــــــ
عند ــ راهب…
راهب كان نايم شبه مستقيم على السرير، ضمادة بتغطي نص وشه، وجروحه لسه بتقول إنه راجع من حافة المـ ـوت..!
فتح عينه بتعب، وبص للدكتور
اللي بيعدل في ملفات جنب السرير:
ــ دكتور… عايز أخرج خمس دقايق بس..
أروح أشوف شهد..!
الدكتور بص له من فوق نضارته
صوته كان هادي بس قاطع:
ــ ماينفعش دلوقتي يا أستاذ راهب..
لازم جسمك يستقر، والجـ ـرح لسه جديد.
أقل مجهود ممكن يضـ ـرك..!
راهب بصله بحدة، وحاول يرفع نفسه بالعافية
صوته طالع من بين ألـ ـم وقلق:
ــ أنا ما طلبتش أخرج من المستشفى..
أنا عايز أروح أوضة اللي جنبي..
أطمن على أختي… مش أكتر..!
صوت كعب سحر الطوخي دخل المشهد
قبل ما تظهر. دخلت الغرفة بهدوء قـ ـاتل،
كأنها كانت سامعة الكلام من برا.
وقفت جنب السرير عينيها فيها قلق مخفي
لكنها متماسكة:
ــ شهد خرجت الصبح يا راهب…
عبد الحميد معاها، وانت أول ما تتحسن هتشوفها..!
راهب لف وشه ناحيتها، وعينيه مليانة ارتباك:
ــ خرجت؟ طيب ليه ماقالتليش؟
سحر قربت منه شوية، صوتها نازل ناعم بس ثابت:
ــ كل حاجة في وقتها، أنت لسه خارج من عملية تجميل صعبة. جسمك مرهق، وعقلك مش جاهز يشيل هم تاني دلوقتي. خلي بالك من نفسك
وبعد كده..كده، هتشوفها وتطمن عليها..!
الدكتور لمح الفرصة وأكد كلامها بنبرة طبية صارمة:
ــ هي عندها حق. جسمك محتاج يرتاح..
الضغط على الجـ ـرح ممكن يعمق الإصابة..
أي حركة مفاجئة دلوقتي مش في مصلحتك..!
راهب شد الغطا على صدره بقهـ ـر،
وصوته نزل بهمس متقطع:
ــ أنا بس كنت عايز أشوفها… بس أطمن عليها..!
سحر بصت له للحظة، وقلبها اتشق بين الكذب اللي قالته، والخوف من اللحظة اللي هيعرف فيها الحقيقة. لكن كان لازم يحافظوا عليه،
على جـ ـرحه، وعلى قلبه اللي لو عرف دلوقتي،
ممكن ما يستحملش..!
ثم…!
يرن هاتف سحر الطوخي بنغمة هادئة
لكنها قطعت الجو المتوتر في غرفة راهب.
بصت للشاشة، واسم …أرمان… لمع قدامها
زي تحذير مخفي..!
ضحكة صغيرة سريعة طلعت منها وهي بتستأذن:
ــ هخرج دقيقة بس،
وخرجت بهدوء، كأنها خارجة تاخد نفس
مش تعمل مكالمة فيها اعتراف بالخطف.
سحبت باب الغرفة وراه، ومشيت بخطوة واثقة لحد ما بعدت شوية، ثم ردت، والصوت على وشها اتبدل لنبرة ترف مفعمة بالثقة:
ــ كنت مستنيك تتصل،بس شايفاك اتاخرت..!
صوت أرمان جه مشحون وهادي في نفس الوقت، بس خلفه نيران:
ــ ممكن أفهم؟ ليه خلتيني أخطف شهد؟
ضحكت سحر، والرضا باين على كل حركة
في وشها وهي بتتكلم:
ــ كان لازم أخلق سبب يخلي عبدالحميد العراف
يبعد عن فكرة النزول مصر مؤقتا..
أنا لسه شغلي هنا مخلصش،والاهم من ده…
مش ممكن اسيب راهب في الحاله دي…
وإنت عارفني كويس، مش بسيب حاجة للصدفة…
أرمان ضحك بس بخفة مش مطمئنة:
ــ لا فعلا.. ذكية، زي ما متوقع..!
لحظة صمت قصيرة، قبل ما يرمي قنبــ ـلته:
ــ بس عندك مشكلة صغيرة، شهد هربت… مع ليلى.؟
الكلمات وقعت في ودن سحر زي صوت رصـ ـاصة…
كأن الزمن نفسه وقف يستنى رد فعلها…؟!

رواية أرناط الفصل الثامن

«البارت 8من روايه ارنــاط»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سحر رفعت التليفون تاني وغمغمت:
ـ انت متأكد إنها هربت مع ليلى؟
جاء صوت أرمان حاد من الناحية التانية:
ـ أيوه… بس السؤال بقي، عالية عرفت منين المكان ده؟
سحر شهقت بصوت خافت، واتلفتت حواليها كأن بتحاول تلم نفسها قبل ما تنفـ ـجر، وقالت بحدة:
ـ انت بتسألني أنا؟! المفروض أنا اللي أسألك، إزاي قدروا يهربوا منك؟
أرمان تنفس بعمق، صوته بقى فيه نبرة ندم:
ـ مش مهم إزاي… المهم إنهم هربوا، واكيد هيختفوا تاني، وساعتها مش هعرف أوصلها أبدا.
سحر زفرت، وهي تضغط على أسنانها:
ـ انت غبي.
وقبل ما يرد، قفلت المكالمة.
نظرت في الفراغ لحظة، قبل ما تبتسم ابتسامة باردة فيها سخرية:
ـ مهمة قويتي يا ليلى؟… انتي في كف إيدي.؟!
سحر تدخل الغرفة بعد ما الدكتور يخرج، خطواتها ناعمة لكنها وراها نوايا مش بريئة. راهب نايم على السرير، باين عليه التعب، بس عنيه مفتوحة وبيراقبها وهي بتقرب.
سحر بصوت هادي:
ــ كنت خايفة عليك… قلبي كان هيقف، وانت جوه في العمليات.
راهب ما يردش، بس عينه ما بتتهزش عنها. يشد نفسه، ويقعد شويه في السرير. لما تمد إيدها،وتلمس ايده ما يبعدهاش.
سحر تبتسم، وتشوفها فرصة، تقرب أكتر وتحط إيدها على خده، تمسح عليه بحنية:
ــ أنا كنت جنبك طول الوقت… ما سبـتـكش لحظة.
انت حبيبي… الراجل اللي اتمنيت اعيش معاه..
راهب يبص لها بعيون ناعسة، ملامحه شبه مستسلمة،
يقرب منها، ما يبعدهاش، بصوته واطي:
ــ بتحبيني للدرجه دي؟
سحر بنفس مكسور واشتياق:
ــ واكتر … من أول لحظة شفتك فيها، ما كنتش ابن جوزي، بعيوني، كنت انت الراجل اللي قلبي ناداه…
راهب يقرب أكتر، يلمس وشها بإيده، بنظرة فيها حاجة ما تتقريش بسهولة. سحر تستسلم، وتقرب
تبـ ـوسه…وقبل ما توصل لهدفها، صوته يطلع حاد، جامد، بارد:
ــ من اللحظة دي… تنسي.
ــ تنسي كل كلمة قولتيها.
ــ تنسي اللي بينا… وتنسيني كمان.
سحر تتجمد مكانها، عنيها بتترجى،
قلبها بيقع في رجلها:
ـ مالك؟ اتغيرت ليه؟ محسسني إنك أول مرة تقرب مني..؟!
راهب يقوم من السرير بالعافية، يبعدها عنه، صوته فيه غضب وكراهية لنفسه:
ــ أنا اللي غلطت، غلطت إني خلتك تفكري للحظة إنك قريبة…
ــ ولا هتكوني، فاهمة؟!
ــ أنتي بالنسبالي… حاجة لازم تتنسى.
سحر بدموع مكتومة:
ــ لا، انت بتكذب على نفسك…
راهب يفتح الباب ويأشر لها تخرج:
ــ لأ، أنا فوقت… وإنتي كمان لازم تفوقي.
سحر تطلع من الغرفة بخطوات متخبطة، الباب يتقفل وراها بعـ ـنف، والصوت يرن في ودانها كصفعة.تتسند على الحيطة، وتحط إيدها على صدرها كأنها بتمنع قلبها يوقع منها.
تتمتم بمرارة، بصوت مخنوق من البكا:
ــ فوقت؟
ــ فوقت دلوقتي؟ بعد ما فتحتلك قلبي…
بعد ما مشيت ورا إحساسي زي المجنونة؟
تضحك ضحكة قصيرة، يملأها الألم والسخرية:
ــ أنت نسيت نفسك، بس أنا… أنا الغلطانة.
ــ صدقت إنك محتاجني، صدقت نظرتك، لمستك، سكوتك اللي كان بيقول كل حاجة.
تمسح دموعها بسرعة، وتعدل وقفتها، تتحول ملامحها من الانكـ ـسار للجمود والتصميم:
ــ ماشي يا راهب…
ــ من النهارده أنا كمان نسيتك،
بس الفرق بيني وبينك…
أنا ما بنساش من غير تمن.؟!
تلف وتبعد، خطواتها أسرع، وكل خطوة فيها وعد بانتقام ناعم… ساكن… قـ ـاتل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
عند ــ ليلي
همست بصوت واطي، كأنها بتقول لنفسها:
ــ رائد…!
ليلى، رغم الألم اللي مالي جسمها، ورغم الذكريات اللي كانت لسه بتلسعها، فجأة نسيت كل ده، ووجهها اتغير، تحول لبنت صغيرة خايفة على سرها.
قالت بسرعة، بعينين بتترجى:
ــ عالية، لا… ماترديش..!
عالية خدت نفس عميق،
صوتها كان هادي،بس حاسم:
ــ ماينفعش، لازم نرد. هو كلمني لما اختفيتي…
وكنت أتحجج وأقوله إنك في المعمل ومشغولة… وبتسيبي تليفونك في البيت..!
ليلى زفرت وهي تبص من شباك العربيه،
بنبرة فيها هروب طفولي:
ــ خلاص كلميه انتي… أنا مش هكلمه..!
شهد، اللي كانت ساكتة من ساعة ما طلعوا من المكان، ابتسمت لأول مرة. ابتسامة صغيرة طلعت من قلبها رغم اللي شافته، من طريقة ليلى البريئة وهي بتهرب من مكالمة..!
سألت، بنبرة خفيفة:
ــ مين رائد؟… اللي مش عايزة تكلميه؟
ليلى رفعت عينيها، وقالت بصوت شبه هامس:
ــ رائد… أخويا الكبير..!
شهد استغربت:
طيب ليه…مش عايزه تكلميه؟
أكيد هو قلقان عليك..!
عالية مدت التليفون لليلى،
صوتها كان دافي وهو بيحاول يطمنها:
ــ ردي عليه وطمنيه. انتي عارفة أخوكي لما بيقلق ممكن يصحى الصبح يلاقي نفسه حاجز طيارة وجايلك هنا. وأنا وانتي مش ناقصنا ده دلوقتي… خليني أركن شوية، وانتي اهدي وكلميه..!
ركنت العربية على جنب، وفتحت الباب الخلفي. مدت إيدها برقة علشان تساعد شهد تنزل:
ــ تعالي،نشم شويه هوا… لحد ما ليلى تخلص.. مكالمتها..!
ليلى كانت ماسكة التليفون في إيدها، بتبص فيه كأنه بيزن فوق قلبها. حاولت ترتب ملامحها، تخفي كل الدموع اللي جواها، وردت بصوت هادي وهي بتحاول تبان طبيعية:
ــ أيوه يا رائد… عامل إيه يا حبيبي؟
صوت رائد جه مليان قلق، كأنه مستني اللحظة دي بقاله أيام:
ــ إيه يا ليلى؟ قلقتيني عليك! كل ما أرن على.. تليفونك، عالية ترد وتقول لي إنك في المعمل… للدرجة دي مشغولة؟ مش قادرة تفضي نفسك دقيقتين؟ تطمني أخوكي… اللي بيحبك..!
ليلى عضت شفايفها، وهي بتحاول..
تسيطر على ارتجاف صوتها:
ــ أنا آسفة يا رائد… اليومين دول فعلا كنت مشغولة.. قوي في البحث. بس أنا كويسة، طمني عليك..!
رائد رد بعد لحظة صمت، صوته كان مخنوق:
ــ ناقصني وجودك يا ليلى… أنا عارف إنك بتحاولي تحققي حلمك، بس نفسي ترجعي. البلد من غيرك فاضية… وجدو دايما بيسأل عليكي. بيقول ليلى هترجع إمتى؟
قلب ليلى اتشد، ودمعة نزلت على خدها وسابت أثر حارق، كأنها بتمسح الشوق والذنب:
ــ سلم لي عليه… أنا كمان مشتاقاله. مفتقدة حضنه… ومحتجاه أوي. بس مقدرش أرجع دلوقتي. مش قبل ما أخلص اللي بدأت فيه..!
رائد قال بصوت مكسـ ـور:
ــ خلي بالك من نفسك… وجدو نايم دلوقتي، بس حاولى تكلميه بكرة، هو مشتاق يسمع صوتك..!
ليلى أغمضت عنيها، ومسحت دمعتها بسرعة:
ــ حاضر. سلم لي عليه كتير… قول له إنه وحشني.. وإني بحبه… وإني هارجع له في يوم… بس مش.. دلوقتي..!
ليلى كانت لسه بتنشف دموعها بعد المكالمة، تحاول ترجع نفسها وتخبي الاشتياق اللي كسـ ـرها من جوه.
عالية مدت إيدها بهدوء وخدت التليفون منها:
ــ انا هعمل مكالمه، وبعدين نتحرك، تمام؟
مشيت بعيد شوية، صوتها بدأ يختفي وسط الأشجار.
ليلى لفت على شهد، شالت خصلة شعر طايرة من على وشها، وقالت بنبرة هادية مليانة حنية:
ــ إنتي كويسة؟ بردتي،تحبي تقعدي في العربيه؟
شهد ابتسمت بخفة، مسكت إيد ليلى:
ــ طول ما إنتي معايا، أنا مطمنة. وبعدين الجو حلو
فجأة…
الأشجار قدامهم بدأت تتحرك، أوراق بتتهز، غصون بتصدر صوت مـ ـرعب كأنها بتتقطع، وظل ضخم بدأ يخرج من بينها.
ليلى اتسعت عينيها، وشهها شحب فجأة، وصـ ـرخت بكل خوفها:
ــ اهــــربـــــــي!
شهد اتجمدت مكانها، ما شافتش حاجة،
بس صـ ـرخة ليلى زرعت الـ ـرعب جواها،
وصـ ـرخت هي كمان من غير ما تفهم إيه بيحصل.؟
عالية جريت عليهم مفزوعة، قلبها وقع من صوت الصـ ـريخ:
ــ في إييييييه!! بتصـ ــرخوا ليه؟!!
بصت حواليها بعين بتدور على أي خطـ ـر، على أي تفسير، بس المشهد كان مـ ـرعب… ولسه ما بانش وش اللي خارج من الأشجار..؟!

رواية أرناط الفصل التاسع

«البارت 9من روايه ارنــاط»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عاليه تجري على صوت ليلي وشهد وهما
بيصــ ــرخوا، تقرب منهم بسرعة وهي بتلهث:
ــ في إييييييه!! بتصـ ــرخوا ليه؟!!
ليلي بإيد مرتعشة وهي بتحاول تحمي شهد:
ــ في حاجة اتحركت من ورا الشجر… كأن في حاجة جاية علينا!
عاليه تقرب بحذر، تزيح الشجيرات وهي ماسكة في نفسها:
ـ فجأة، يطلع غزال بني صغير بيجري بخفة ويعدي من جنبهم ويكمل جري في الغابة
ليلي تضحك وهي حط إيدها على قلبها:
ــ غزال؟! يا نهار أبيض…أقسم بالله كنت حاسة إنه طالع لنا عفـ ـريت!
شهد تبتسم وهي لسه متوترة:
ــ يعني مش عفـ ـريت؟أنا حتى مش شايفة، بس صوتك خوفني صـ ـرخت معاك…
عاليه تضحك:
ــ والله يا ليلي العفـ ــريت كان هيتخض منك أكتر!
الغزال المسكين تايه ومرعوب أكتر مننا..
الجو يهدى شوية والضحكة تفك التوتر..
قبل ما يرجعوا للبيت..!
|بعد قليل|
العربية وقفت قدام بيت صغير متواري بين أشجار كثيفة، جدرانه باهتة كأنها شهدت سنين من السكوت، والهدوء حواليه كان غريب…
عالية نزلت من العربية أول واحدة، فتحت البوابة الحديدية اللي صـ ـرخت بصوت صدئ، كأنها بتفضحهم. رجعت تبص وراها:
ــ يلا… ادخلوا بسرعة.
شهد شدت على إيد ليلى وهي بتهمس بخوف:
ــ إحنا فين؟ حاسه ان المكان شكله بيخوف؟
ليلى قربت منها، وقالت بصوت حنين وهي بتلمس كفها:
ــ إحنا وصلنا… البيت اللي هنقعد فيه،ما تخافيش يا شهد احنا معاكي
شهد رفعت راسها كأنها بتحاول تشوف بعنيها اللي ما بتشوفش، بس كل حواسها كانت شغالة.
الريحة كانت مختلفة… ريحة تراب قديم، وريحة خشب مبلول…الهدوء كان تقيل… تقيل بشكل يخوف، كأن كل حاجة حواليهم بتراقبهم من غير صوت.
صوت المفاتيح في إيد عالية وهو بيخش في الباب الحديدي حسها بالبرد، كأنها دخلت مكان مقفول من سنين..
شهد مسكت إيدها، بس عينيها كانت مليانة أسئلة:
ــ البيت هنا شكله قديم… هو مش بيخوفكوا؟
ليلى ابتسمت، ابتسامة مجروحة بس بتحاول تطمنها:
ــ الخوف مش من البيوت القديمة يا شهد…
الخوف من اللي كنا فيه. المكان ده أرحم…
عالية قالت وهي بتقفل الباب وبتدوّر المفتاح فيه:
ــ ارتاحوا شوية…أنا هجهزلكم حاجة تاكلوها… كنت عامله حسابي وجايبه شويه حاجات…
ــــــــــــــــ
بعد ــ مرورــ عشرةــ أيام..
راهب بيخرج من المستشفى، ملامحه باين عليها الإرهاق، لكن عيونه مليانة قلق ولهفة. يدخل غرفه بداخل الفندق بسرعة، يلاقي سحر قاعدة كأنها مستنية اللحظة دي.
راهب بقلق وغـ ـضب:
ــ شهد فين؟يا سحر… شهد راحت فين؟!
سحر بابتسامة خبيثة هادئة:
ــ مختفية بقالها عشر أيام، ومحدش يعرف عنها حاجه.
راهب ينفعل بعنف:
ــ عشر أيام؟! أختي تتخطف وأنا محبوس في المستشفى؟! إزاي؟! ليه ماحدش قالي؟!
سحر ببرود مثير للغيظ:
ــ عندي فضول أعرف كنت هتعمل إيه لو عرفت…؟
راهب يقرب منها بخطوات سريعة، صوته يتحول لوعيد:
ــ كنت حـ ـرقت الدنيا… ولقيتها.
سحر بثقة مرعبة:
ــ ومع ذلك… مش هتلاقيها.!
راهب يشك في لهجتها:
ــ يعني إيه؟ تقصدي إيه بكلامك ده؟!
تقوم سحر بهدوء، وتجلس على الكرسي المقابل، نظرتها ثابتة في عينيه:
ــ حتى لو قلبت الدنيا… أو شقيت الأرض…
برضه مش هتعرف توصل لها.!
راهب يقرب منها أكتر، يسند إيده على طرف الكرسي اللي قاعدة عليه، يبص لها نظرة كلها تهديد:
ــ عايز اوصل لنهاية الكلامك… إنتي عايزة إيه؟!
سحر تمد إيدها وتلمس خده بأطراف صوابعها بشغف غريب:
ــ أنا… عايزاك إنت.!
راهب يشد إيدها بقـ ـرف، ويبعدها عنه بعـ ـنف.:
ــ انتي تعرفي مكان شهد صح؟!
تقوم سحر واقفة، بتعدل هدومها، وبصوت بارد:
ــ هستناك الليلة… لو جيت، ممكن تشوف أختك…
لو ماجتش، تبقى ضيعت آخر فرصة انك تشوفها تاني…
ينفجـ ـر راهب، ويمسكها من رقبتها وهو بيصــ ـرخ:
ــ هقــ ـتلك! قوليلي شهد فين؟! اتكلمي!
سحر تدفعه بعيد عنها بقوة، وتضحك ضحكة باردة:
ــ حاول ترجع ذكي زي ماكنت…
قبل ما تخسر كل حاجة.
غباء سيف اللي لبست وشه…
هيوصلك لنفس نهايته المـ ـوت…
لو فضلت على غبائك…
تخرج سحر من الغرفة، وراهب واقف مكانه، قلبه بيضــ ـرب بشدة، وعيونه بتغلي من الغضب والشك.
ــــــــــــــــــــ
عند ــ ليلى
بعد استقرار ليلى وشهد وعالية في البيت، خيم هدوء نادر، كأن الزمن أخيرا تنفس. جلست ليلى أمام اللابتوب، عيناها مرهقتان لكن فيهما لمعة انتصار. كتبت الجملة الأخيرة، قرأتها بصمت، ثم أغلقت الجهاز وتنهدت براحة كأنها نزعت جبلا من صدرها.
نظرت لعالية وابتسامة عريضة على وجهها:
ـ خلصت… أخيرا. تعب سنين.
اقتربت عالية منها، وعيونها تلمع فخرا:
ـ أنا فخورة بيكي… البحث ده هيفرق مع ناس كتير.
ليلى بهدوء وصرامة:
ـ عشان كده لازم يتوصل لحد موثوق. مش عايزاه يضيع زي البحث الأول… بسبب أرناط.
عالية تطمئنها:
ـ ما تقلقيش، هنفكر بهدوء ونشوف نعمل إيه… بس شهد راحت فين؟
ليلى نظرت ناحية الغرفة:
ـ جوه… بس مش مرتاحة. عينيها فيها حاجة، كأنها بتلملم شتات نفسها. ساكته على طول.
عالية تتحرك:
ـ أروح أشوفها؟
ليلى تمسك بإيدها:
ـ سيبيها دلوقتي… يمكن الوحدة أمان ليها.
يرن هاتف عالية، تبتسم وترد:
ـ آه يا ملك، إحنا تمام.
ملك من الطرف التاني:
ـ طمنوني… محتاجين حاجة؟
ليلى ترد:
ـ إحنا بخير… وشهد كمان.
عالية تنهى المكالمة:
ـ الحمد لله، وجودك فرق كتير.
ليلى تنظر لها بامتنان:
ـ ملك أنقذتنا. لو ما كانتش لقتلنا البيت ده، الله أعلم كنا هنروح فين.
عالية بابتسامة دافية:
ـ هي فعلا سند… مستحيل ننسى وقفتها.
ثم فجأة، تتحرك عالية بهدوء وتفتح باب غرفة شهد.
صمت.
تنادي بصوت منخفض:
ـ شهد؟
تنظر حولها… الغرفة فاضية.
ترجع بسرعة:
ـ ليلى… شهد مش هنا؟!
ـــــــــــــــــــــــــــ
ليل،راهب واقف قدام مراية ضخمة في غرفة النوم، لابس قميص غامق وبنطلون جلد. بيبص لنفسه، في عينيه خوف مكبوت، وقلق بيزحف جوه ملامحه، لكن وراه عزيمة صلبة.
راهب بهمس:
ــ مافيش حل… دي أختي. حتى لو آخر الطريق جحيـ ـم… لازم أروح.
ياخد مفاتيحه، يخبي ســ ـلاح صغير في جيبه الداخلي، يفتح باب الجناح رقم (913) بهدوء ويدخل.
الصالة فاضية، الإنارة خافتة رغم فخامتها. ترابيزات زجاج وإكسسوارات حديثة، لكن السكون مـ ـرعب. صدى خطواته على الأرضية الفخمة بيكسـ ـر الهدوء بشكل غريب.
راهب ينادي:
ــ سحر!…انتي فين؟…
يطلع صوت كعب نسائي من آخر الجناح. بعدها، سحر تظهر على رأس سلم داخلي صغير داخل الجناح، لابسة فستان أسود حرير، ماشي على جسمها زي الســ ــم. ابتسامتها فيها خبث بارد، ونظرتها مليانة أسرار.
سحر بهدوء:
ــ عارفة إنك هتيجي…
دايما بتيجي لما يكون اللي بتحبهم في خطـ ـر.
راهب يقرب منها، صوته مشدود، غاضب:
ــ فين شهد؟! و خلي السخافات دي علي جنب،وخلصيني!
سحر بتنزل السلم بهدوء، بتتمشى حواليه:
ــ هتشوفها…بس الأول، هنعمل اتفاق صغير..
راهب:
ــ أنا ما باتفقش مع حد زيك… أنتي مريضة!
سحر تقف قدامه، تبص في عينيه مباشرة:
ــ وأنت هتمــ ـوت لو ما شوفتهاش… يبقى اسمع كلامي، وعيش الليلة على مزاجي… وبعدها… يمكن تلاقي أختك…
راهب بيكز على سنانه، عينه بتلف حوالين الغرفة كأنه يدور على أثر لشهد. قلبه مش سايبه، بس عقله بيصــ ـرخ إنها مصيدة. بصوت غاضب، يرد:
ــ أنا هكمل لعبتك…
سحر بهمس وهي تقترب منه:
ــ كنت بستنى اللحظة دي…؟!
ـــــــــــــــــــــــ
حين يبدأ الليل بالكشف… لا أحد ينجو من أسراره.
راهب دخل المصيدة، وسحر عندها الورقة الأخيرة… بس فعلا شهد بين إيديها؟ ولا في لعبة أكبر بتتلعب في الخفاء؟
وفي البيت المهجور… ليلى وعالية بيدورا على شهد، لكن المفاجأة اللي هتقابلهم هتغير كل حاجة.
فعلا كانت شهد بأمان؟
ولا البيت اللي لجأوا ليه… كان فخ من البداية؟

رواية أرناط الفصل العاشر

«البارت 10من روايه ارنــاط»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سحر بهمس وهي تقترب منه:
ــ كنت بستنى اللحظة دي… اللحظة اللي تبقى ليا… بس طول الوقت كنت لغيري؟!
تميل عليه، تهمس ف ودنه بصوت ناعم مكسـ ـور:
ــ هي أحسن مني في إيه يا راهب؟
راهب يغمض عينه، كأن الصوت بيغرز جواه سكـ ـين:
ــ مين… مين دي؟
سحر ترفع إيدها وتحطها على صدره، تلمس نبض قلبه، ونظرتها تتملي نـ ـار:
ــ البنت اللي كنت مصورها وانت…!؟
وانت معاها في الفيديو…
شفت كل حاجة…
راهب يفتح عينه بصـ ـدمة، يتراجع نص خطوة، قلبه بيرف بقوة:
ــ إنتي… إنتي شوفتي الفيديو ده إزاي؟!
سحر بثقة مريضة:
ــ شفتها ف اللابتوب بتاعك…
لما كنت في مستشفى بعد الحــ ـادثة
أنا عارفة عنك كل حاجة يا راهب…
كل تفصيلة… كل مرة دورت وراها…
كنت بتبعد عني أكتر…
ليه؟! ليه حبتها هي؟ وأنا لا؟!
راهب، في لحظة عنف وغليان، يلف إيده حول خصرها بقوة، يقرب منها بشكل مفاجئ، صوته
غـ ـاضب وكل كلمة بتطلع من بين سنانه كأنها صفعة:
ــ عايزه تعرفي ليه؟!
لأنها أنضف منك… مليون مرة.
لأن عشان أوصلها عملت اللي ما يتخيلوش عقلك…
ضيعت سنين من عمري…
هي كانت غالية…
وإنتي؟ إنتي رخيصة…
رخيصة أوي…
عرفتي الفرق دلوقتي؟!
سحر تتجمد في مكانها، عنيها تدمع، لكن الدمعة مش ضعف… دمعة غضب وكسـ ـرة، عنيها بتنطفي، بس ف لحظة بتتبدل لشــ ـر:
ــ هتندم…
هتندم على كل كلمة قلتها.
راهب لسه ماسك خصر سحر بإيده، عيناه بتتقد
نـ ـار، لكن فجأة تليفونه بيرن… بيبص على الشاشة، وبعد تردد بسيط، بيرد،بصوت مشدود:
ــ أيوه يا بابا؟
يسمع صوت عبدالحميد من الطرف التاني:
ــ شهد رجعت… لقتها الشرطة، وهي بخير. رجعت البيت من شوية…
راهب يغمض عينه، تنهيدة خفيفة تطلع من صدره كأن هم اتشال، ويرسم ابتسامة خفيفة ما بين الراحة والانتصار.
راهب بهدوء وهو بيقفل التليفون:
شهد رجعت البيت..
يبص لسحر، بابتسامة باردة، نظرة كلها احتقار وانفصال:
ــ يعني… أنا مش مضطر أكمل الليلة المقرفة دي دلوقتي.
يميل عليها بصوت ساخر:
لأن أختي رجعت… والسبب الوحيد اللي كان ممكن يخليني أطيق وجودي في نفس المكان معاك… اختفى.!
سحر تتجمد، عنيها توسع، كأنها اتصفعت بكلامه، تنهض فجأة والغضب بيقيد ملامحها، وصوتها
يصـ ـرخ بالغيرة والانهيــ ـار:
ـــ مش هتسيبني كدا!
أنا عملت كل ده… كل ده عشانك!
كنت مستعدة أدفع أي تمن… عشان تكون ليا!
راهب يفتح الباب وواقف على العتبة، يلف بنظرة آخيرة مليانة تقرف وبرود:
ــ الغلط مش إنك اتمديتي…
الغلط إني في يوم كنت شايفك بني آدمة.
ويقفل الباب وراه… تاركها في دوامة من الجنــ ـون
والانكســ ـار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عند ــ ليلي…
تحركت عالية بهدوء نحو غرفة شهد.
فتحت الباب ببطء… وصمت ثقيل ساد المكان.
همست بخوف:
ــ شهد؟
نظرت حولها… الغرفة فاضية.
اتسعت عيناها، وتراجعت بسرعة تركض نحو ليلى:
ــ ليلى… شهد مش هنا!
ليلى نهضت متوترة:
ــ يعني إيه مش هنا؟! هتكون راحت فين؟!
عاليه بخوف:
ــ مش عارفة… أنا خايفة عليها. البنت حالتها ما تسمحش تمشي لوحدها، دي حتى مش بتعرف تخطو خطوتين!
ليلى تنفست بصعوبة:
ــ طيب، نلف في البيت كويس… يمكن خرجت تشم شوية هوا.
وبدأوا يقلبوا المكان، غرفة ورا التانية، السلالم، الحديقة… لكن شهد اختفت.
كأنها تبخرت.!
ليلى همست، صوتها يرتعش:
ــ رحتي فين يا شهد…؟!
وفجأة… صوت مألوف قطع الصمت.
ليلى استدارت، وعينيها اتسعت في ذهول:
ــ غزل؟!
صديقتها اللي مـ ــاتت من خمس سنين… كانت واقفة قدامها!:
ــ غزل… إزاي؟!
عالية وصلت، والدهشة مفرودة على وجهها:
ــ غزل؟!
غزل اقتربت منهم بسرعة، صوتها متوتر:
ــ مافيش وقت أشرح حاجة دلوقتي… لازم تسيبوا المكان حالا!
ليلى مدت إيدها تلمسها، كأنها مش مصدقة:
ــ إنتي عايشة؟! أرناط قال إنك وقعتي من فوق الجبل، والعربية انفجــ ـرت وانتي جواها!
غزل بصوت مبحوح:
ــ صدقيني يا ليلى، مش ده وقت الحكايات… امشوا ورايا بسرعة.
عالية حاولت تهديها:
ــ البيت هنا أمان، إهدي بس… واحكيلنا، كنتي فين؟ وازاي عايشة؟
غزل نظرت لها بعينين مليانين رعـ ـب:
ــ لا، يا عالية. البيت ده مش أمان… ده سجن، من غير حارس. ولما الوقت ييجي… هتمـ ــوتوا هنا.
ليلى توترت:
ــ غزل، وضحي! إيه اللي بيحصل؟
غزل :
ــ أرمان… عرف مكانكم.
صـ ــرخة خرجت من ليلى:
ــ إيه؟! أرمان عرف البيت؟! طب شهد؟!
عالية تمسكت برأسها:
ــ ملقيناهاش في أي مكان… كأنها اتبخرت!
غزل بسرعة:
ــ أنا بعتها مع حد يوديها لأهلها… كنت بحاول أحميكم. شهد كانت قنبــ ـلة قرب تنفجــ ـر، لو فضلت هنا أكتر من كده، أرناط،مش هيسكت!
ليلى اتلخبطت:
ــ إنتي تعرفي شهد؟! شهد قالت إن أهلها مــ ـاتوا…
غزل نظرت لها، وقالت بصوت مخنوق:
ــ أرناط يبقى…
لكن صوت الرصـ ــاص قطع اعترافها.
غزل وقعت في حضن ليلى، والــ ـدم سال من جنبها.
ليلى صــ ـرخت:
ــ غزل!!!
عالية جرت ناحيتهم:
ــ ليلى… لازم نمشي، دلوقتي حالا!
غزل بصوت متقطع، وهمس أخير:
ــ أرناط… خفاني لما عرفت حقيقته…
ليلى قربت منها:
ــ حقيقته؟ تعرفي إيه عن أرناط؟!
غزل شهقت أنفاسها الأخيرة… وتمتمت:
ــ ما تثقيش في حد… يا ليلى.!
ــ دفتر… مذكرات…يا ليلي.!
ــ ما تثقيش… في حد…يا ليل؟!
وغابت الحياة من عينيها.
ليلى بكت وهي باصة ليها، مش قادرة تصدق…
لكن عالية شدت إيدها بقوة:
ــ ليلى! لازم نمشي… دلوقتي!
ليلى بصت على غزل، والدموع على خدها…
مش قادرة تنطق…
بس الخطوات لازم تبدأ.
خطاهم سريعة، بتنفض الخوف عن الأرض…
وهما بيجروا وسط الزرع والطين…
أنفاسهم متلاحقة، وقلوبهم بتخبط جوه صدرهم… كأنها عايزة تنط من الرعب…
ليلى وقفت فجأة:
ــ عالية، أنا لازم أرجع الشقة… شقتي أنا وأرناط!؟
عالية بصتلها بصــ ـدمة، صوتها طالع متكســ ـر:
ــ إنتي بتقولي إيه؟! ترجعي الشقة؟ الشقة اللي أكيد متراقبة؟!
ــ لو روحتي هناك يبقى كإنك بتسلمي نفسك…!
ليلى بصت لها، عينيها فيها وجع عميق…
وقرار أخطـــ ـر من المــ ـــوت:
ــ لازم أرجع، يا عالية.!
عاليه:
ــ ليلى… إنتي مش فاهمة! أرمان مش هيسيبك تعيشي لو رجعتي!
ليلي اصرار :
ــ يمكن… بس في حاجة هناك لازم أخلصها. حاجة تخصنا…!
ــ ومش هقدر أهرب طول عمري.
عالية سكتت، قلبها بيوجعها…
بس نظرة ليلى ما كانش فيها رجوع…
كانت نظرة واحدة داخلة لنـ ـار بإرادتها…
ـــــــــــــــــــــــ
راهب دخل البيت وهو بيتنفس بسرعة، قلبه بيدق كأن اللحظة اللي منتظرها أخيرا جات… اللحظة اللي هيشوف فيها شهد…
وقف على باب الأوضة، أنفاسه متلاحقة، وشه مابين الفرح والخوف، عينيه تدور في الغرفة لحد ما وقعت عليها…
راهب بلهفة مكســ ـورة:
ــ شهد…!
شهد جمدت في مكانها، الصوت ده…!
الصوت اللي مات…؟
الصوت اللي بتحلم بيه كل ليلة…
شهد بهمس مصدوم:
ــ سيف؟!
وقفت، وصوت حركتها كان مهزوز زي قلبها. لحظة صمت خانقة، بعدها راح راهب قال بصوت واطي مليان وجع:
ــ آه يا شهد…
أنا أخدت شكله وصوته…
عشان يعيش جواكي… بس أنا مش هو.!
دموع شهد نزلت وهي بتمشي ناحيته بتردد، تتحسس في الهوا بإيديها لحد ما خبطت رجلها في الترابيزة وصــ ـرخت بألم بتنهد:
ــ سيف… إنت هنا… إنت عايش؟
مد راهب إيده بسرعة وسندها قبل ما تقع…
وقال بصوت مرتعش:
ــ شهد، إنتي كويسة؟ أنا هنا…
ابتسمت للحظة، وبدأت تلمس وشه بإيدها، تمر على ملامحه بخفة، على كفه، على صدره…لكن فجأة… اتجمدت.!؟
اتراجعت خطوتين لورا، والدموع نازلة كأنها بتكشف لها الحقيقة اللي عقلها رافض يصدقها…
شهد بصوت مكسور وهي تهز رأسها:
ــ لأ… لأ… إنت مش سيف… إنت مش سيف!
راهب واقف مكانه، كأن رجليه مربوطين بالأرض، عينيه بتدمع من غير صوت يهمس:
ــ أنا راهب… أخوكي.!
شهد اتراجعت بانفعال أكتر، صوتها بيتهز ما بين الخوف والانهيـ ـار:
ــ إنت مش أخويا!
أنا مش عايزة أسمع صوتك… ابعد عني!
راهب مايتحركش، كأن وجع كلماتها كان أقوى من أي حاجة تانية. بص عليها بعينين مكســ ـورة، وحس إن البنت اللي كان مستعد يمــ ـوت عشانها… مش قادرة حتى تسمع صوته.!
شهد تدخل أوضتها منهارة وتقفل على نفسها بعد ما اكتشفت إن راهب مش سيف. راهب واقف متأثر…
عبدالحميد يدخل عليه ويبلغه بقرارهم:
ــ هننزل مصر بكرة، مش هسيبكم هنا تاني…
في حاجات كتير لازم تتغير…!
راهب:
ــ لازم أروح مشوار قبل ما ننزل.!
عبدالحميد بعصبية:
ــ مش هتروح في أي مكان.!
راهب بحسم:
ــ هيكون آخر مشوار…مش هاخد رأيك فيه!
بس بعد كده، أنا تحت أمرك في كل حاجة.!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولي لي رايكم في الغلاف في الكومنتات ،وقولوا لي عرفته مين الشخصيات اللي موجوده في الغلاف؟

رواية أرناط الفصل الحادي عشر

«البارت 11من روايه ارنــاط»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل أَرمان جناح الفندق اللي كانت سحر فيه…
لقاها مرمية على الكنبة، زجاجة الخمــ ـر بإيدها…
وعينيها شبه مغمضة وهي تضحك ضحكة فارغة…
اقترب منها بخطوات بطيئة، نادى:
ــ سحر…
مافيش رد… بس عينيها نص فتحة، شافته قدامها…
وبسبب السكـ ــر الشديد خيل ليها إنه راهب…
ابتسمت بضعف، مدت إيديها له…
وهو استغل اللحظة…
اقترب أكتر، وهي تتجاوب معاه ببراءة السكــ ـر…
تدندن باسمه:
ــ راهب… متسبنيش…!
أَرمان بص على ملامحها،شافها فرصة سهلة…
وبعد لحظات فقدت سحر كل ادراكها…
واستسلمت للوهم اللي كانت شايفاه…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|عند ليلي|
دخلوا من الباب الخلفي للعمارة…
خطواتهم كانت سريعة وحذرة…
ريحة الغبار والرطوبة ضـ ــربت أنفهم…
أول ما فتحوا باب الشقة…
الأثاث متغطي بطبقة تراب خفيفة، والستائر مقفولة
وقفت ليلى في نص الصالة، عينيها بتلمع بمرارة…
كأنها رجعت لحياتها معاه، لورا بلحظة…
كل ركن بيحكي قصة، كل كنبة وكل خربوش..
في الحيط كان ليه ذكرى…
افتكرت ضحكته وهو بيجري وراها بالمطبخ…
|فلاش باك|
كانت ليلى واقفة في المطبخ، بتحضر الأكل…
أصابعها بتتحرك بنعومة وهي بتقطع الخضار…
ريحة الأكل بدأت تعبي المكان، دافية، فيها طمأنينة..
من غير ما تحس، دخل أرناط…
خطواته كانت خفيفة كأنه خايف يوقف اللحظة..
وقف وراها…
بهدوء، لف دراعيه حوالين خصرها…
حضنها من ضهرها بحنان…
وقرب شفايفه من رقبتها…
طبع قبلة شوق، دافية، خلت قلبها يدق أسرع…
همس بصوته الخشن الدافي:
ــ وحشتيني…
ليلى ابتسمت، صوته لمس قلبها…
لفت عليه برقة،حتت إيدها على رقبته، والإيد التانية. على خده، لمسته كأنها بتتأكد إنه حقيقي…
وباسته… قبلة مليانة حب وشوق…
همست وهي بتبص في عيونه:
ــ وانت كمان وحشتني أوي… اتأخرت ليه؟
ضحك أرناط، لمس طرف مناخيرها بأنفه وقال بحب:
ــ معلش، كنت بخلص شوية شغل…
بس أول ما خلصت رجعتلك بسرعة الصـ ـاروخ…!
ضحكت ليلى وهي تمسح إيده بلطف، عيونها بتلمع بفرحة خالصة:
ــ بحب حياتي معاك…
بحب أشوفك طول الوقت معايا…
بحب أسمعك وانت بتتكلم، مش بزهق منك أبدا…!
أرناط ابتسم بحنية، حضنها أكتر…
وفجأة، شالها من الأرض كأنها ولا حاجة…!
حضنها بقوة لصدره، وهمس في ودنها:
ــ وأنا بعشقك بكل تفاصيلك…
ما تخيلتش حياتي ثانية واحدة من غيرك…
انتي حلم… وأنا لسه مش مصدق إنه اتحقق وبقي بين ايديا…
ليلى غمضت عينيها، وحست بقلبها بيدق على إيقاع قلبه، كأنهم أصبحوا دقة واحدة..
المطبخ اتحول لعالم صغير، هم الاتنين بس سكانه…
والحب كان هو الهوى اللي بيتنفسوه…
|عوده من الفلاش باك|
ابتسمت ابتسامة صغيرة حزينة، وشالت إيدها…
تتحسس الترابيزة اللي جمعتهم أيام وليالي…!
صوت عالية رجعها لأرض الواقع فجأة…
شدتها من الغيبوبة اللي غرقت فيها…!
عالية بنبرة متوترة:
ــ ليلى… ليه؟ ليه مصرة تيجي الشقة دي؟!
أنتي عارفة إن البوليس أكيد بيراقبها…
غير أرمان اللي قالب الدنيا عليكي…!
لفت ليلى ببطء ناحيتها، عيونها كان فيها خليط بين التصميم واليأس بصوت مبحوح:
ــ غزل… قبل ما تمــ ـوت، قالت لي،دفتر مذكرات…
أنا متأكدة إنها كانت تقصد دفتر أرناط…
أنا كنت بشوفه ساعات يدخل مكتب، يقفل الباب… عليه، ويكتب في دفتر قديم جلد لونه بني…
بس أول ما كنت أقرب… كان يخبيه بسرعة…
كأنه بيخاف إني أعرف حاجة…؟
عالية كانت واقفة عند الباب…
كل شوية تبص وراها بخوف…
ــ طيب يا ليلى حاولي تلاقي الدفتر ده بسرعه…
مش لازم نفضل هنا اكتر من كدا…!
ليلى كانت ماشية بخطوات تقيلة كأنها داخلة على… قبـ ـر عينيها بتلف في المكان… الحيطان، الكنب… المكتب، كل حاجة بتقلب المواجع جواها…
دخلت غرفة المكتب، قلبها بيدق بسرعة…
الريحة، السكون، الظلمة…
كل حاجة بتضغط عليها…!
مدت إيدها ورجت الأدراج واحد ورا التاني..!
مفيش حاجة… مفيش غير أوراق قديمة…
وأقلام.. ناشفة، وصور كان بيرسمها..!
عينها وقعت فجأة على حاجة تحت المكتب…
انحنت… سحبت صندوق خشبي صغير مقفول…
قلبها كان بيخبط في ضلوعها…!
ليلى همست:
ــ ارناط…هو هنا… حاسة بيه..؟!
فتحت الصندوق…
ولقت الدفتر،جلده، وفيه ريحة مـ ــوته…
كأنه شاهد عاللي حصل…؟
مسكت الدفتر، وإيديها بترتعش…
وقلبها بيصــ ـرخ من جواها:
ــ أنا قتـــ ــلته… أنا اللي عملت كده…
بس كان غصب عني…!
ليلى قعدت على الأرض جنب المكتب…
ضامة الدفتر بين إيديها المرتعشة…
فتحت الصفحة الأولى بحذر…
كأنها خايفة تلمس الكلام اللي مكتوب فيه…!
خط أرناط كان منظم، بس البرد اللي بين الحروف… كان بيخترقها زي السكـــ ــاكين…!
قلبت أول صفحة، وظهرت ملاحظات متفرقة… مكتوبة بجفاف غريب:
ــ العينة متوافقة حتى الآن…
ــ لا أعراض جانبية ظاهرة…
ــ التقدم النفسي والعاطفي أعلى من النسبة المتوقعة…
ــ ضرورة استمرار المتابعة دون لفت الانتباه…؟!
ليلى شحبت ملامحها…
وكل حاسة فيها كانت بتصـ ـرخ خطــ ـر…
إيه اللي كان بيتابعه فيها؟
وإزاي كانت مجرد ،عينة، في نظره؟
رفعت عينيها عن الورق، وحست إن كل الذكريات الحلوة اللي عاشتها معاه، كانت بتتحطم واحدة واحدة…
عالية قربت منها، همست بخوف:
ــ ليلى… مالك؟ بتبصي كده ليه؟
بس ليلى ما قدرتش ترد.
أصابعها كانت بترتجف وهي بتقلب صفحة كمان، تلاقي مكتوب بخط مشوش:
ــ البروتوكول الثاني جاهز… يبقى الاختبار النهائي.؟!
قبل ما يستوعبوا أي حاجة تانية…
سمعوا صوت خربشة ورا الباب…
صوت حد بيحاول يفتح بحذر…!
عالية اتجمدت مكانها لحظة
وبعدين بسرعة جرت ناحية ليلى وشدت إيدها وهمست برجفة:
ــ لازم نمشي… حالا…!
ليلى كانت بتسحب شنطتها بسرعة…
لكن الدفتر وقع منها على الأرض…
انحنت تمسكه، إيديها بترتعش، بس مع اقتراب صوت الباب وهو بيتفتح، قلبها وقع.
عالية همست بانفعال:
ــ سيبيه… يلا…!
ليلى رفعت عينها المرتبكة لعالية، لحظة تردد…
ثم سابت الدفتر مكانه، وقامت بسرعة…
اتحركوا ناحية الباب الخلفي…
وقلبهم بيخبط في ضلوعهم من الخوف…!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|في ــ الصباح ــ بالفندق|
صحيت سحر على صوت رنين تليفونها…
اسم عبدالحميد بيظهر على الشاشة…
اتحركت بجزع وهي تحس بجسم غريب جنبها… التفتت ببطء، وقلبها وقع لما شافت…
أَرمان نايم جمبها ومبتسم…!
شهقت بهمس وغطت جسمها بالملاءة وهي بتقول بخوف:
ــ ايه اللي حصل؟! انت بتعمل ايه هنا؟!
أَرمان اتثاقل وقام، قرص خدها بخفة وهو بيضحك ببرود:
ــ صباح الخير يا أحلى واحدة…
كنتي لذيذة أوي ليلة امبارح…!
سحر أغمضت عينيها بألم، الــ ـدم كان بيغلي في عروقها… كل حاجة فهمتها فجأة…
بانفعال مكتوم قالت:
ــ إنت استغليتني… إنت… عملت فيا إيه؟!
ابتسم أَرمان بهدوء شيــ ـطاني وقال وهو داخل الحمام:
مفيش حاجة… انتي اللي كنتي عايزاني…
وسابها غارقة في صدمتها…!!
ثم!
خرج أَرمان من الحمام وهو بيعدل قميصه بهدوء… لمحة انتصار واضحة في عينيه. قرب من سحر وقال بنبرة باردة:
ــ بالمناسبة… غزل راحت عند ليلى وعالية…
وهي اللي رجعت شهد البيت…
ابتسم بسخرية وأضاف:
ــ وأنا اتصرفت معاها… قتـ ــلتها قبل ما تفتح بوقها وتقولهم كل حاجة تعرفها…
سحر شهقت وانفعلت فجأة، صوتها كان مليان غضب:
ــ إنت غبي! كل مرة تدخل في شغلي تبوظه..!
كان ممكن أسامحك على غبائك ده…
بس بعد اللي عملته… واستغلالك ليا…
خلاص، دورك خلص…؟
أرمان رفع حاجبه بتهكم وقال بتحدي:
ــ كنتي هتقدري تعملي إيه؟…انتي من غيري ولا حاجه…
سحر ابتسمت بســـ ـم وقربت منه ببطء…
فجأة طلعت مســ ـدس صغير من ورا ضهرها… صوبته على صدره وقالت ببرود:
ــ كان لازم تفكر قبل ما تلمــ ـسني…!
ضغطت الزناد بلا تردد…
طـــ ـلقة اخترقت صدره بجانب قلبه…
وقع أَرمان على الأرض يتلوى من الألم…
عينيه متسعة بالصــ ـدمة…!
سحر اتصلت بأحد رجالها، قالت بأمر حاد:
ــ خده… وارميه في أي مكان بعيد عن هنا…
رجالها دخلوا بسرعة، شالوه وهو بينـ ـــزف…
سحر وقفت تتفرج عليهم ببرود تام…!
بعدها دخلت الحمام، خدت شور طويل…
غسلت كل أثر لليلة دي، لبست فستان بسيط وأنيق… حطت مكياج خفيف، ونزلت من الأوضة كأن اللي… حصل مجرد حلم سخيف اختفى مع الصبح…
مشت في ممرات الفندق ورأسها مرفوعة…
كأنها ولدت من جديد…!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
راهب كان يجلس على المكتب…
سطور الورق أمامه كانت بيضاء…
قبل أن يبدأ بغمس قلمه في سواد نفسه…
كتب:
ــ عندما تتم الدورة الرابعة…
ــ ستفتح البوابة بين الماء والــ ـدم…
ــ وتنبض البذرة في الظلمة…!
ــ ستحس الحاملة بارتعاشة الروح…
ــ أول صفير للحياة يناديها…!
ــ ستجهل أول الأمر…
ــ وستحاول إنكار النبضة…
ــ لكنها، كما كان مقدرا…
ــ ستسجد للحقيقة الغائبة عنها…!
ــ سيقفل الباب في الليلة الرابعة…
ــ ويحكم القيد حول قلبها إلى الأبد…!
ثم!
رفع رأسه ببطء…
لمعت عينيه تحت الضوء الأصفر:
ــ ولا مهرب لمن وقع عليه الاختيار…؟!
ثم أغلق الدفتر ببطء…
كأن كل كلمة داخله كانت ختم قدر لا رجوع فيه…!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|عند ــ ليلي|
كانت الليلة ساكنة،هدوء خانق بيملأ أوصالها…
بس جواها… كان في عاصفة…!
ليلى حطت إيديها على بطنها…
مكان ما الألم الخفيف بدأ…كضوء ضعيف…؟
زي لمسة من يد مش مرئية…
شهقت بدون وعي:
ــ إيه ده…؟

رواية أرناط الفصل الثاني عشر

«البارت 12من روايه ارنــاط»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليلى شهقت بدون وعي:
ــ إيه ده…؟
قعدت على طرف السرير…
تحس بحركة… حركة خفيفة…
زي سمكة صغيرة بتضـ ــرب في مية راكدة…!
قلبها دق بسرعة:
ـ مستحيل… لسه بدري…!
إيدها نزلت تتحسس بطنها…
الإحساس يتكرر،أقوى شوية المرة دي…!
كأن في كائن واعي جواها…
بيقولها:
ــ أنا هنا…
اتسعت عيونها بالـ ـرعب…
بدأت تبكي من غير ما تفهم ليه…
مش بكاء فرح…بكاء خوف…
زي اللي بيحس إنه مربوط في حاجة أكبر منه…
ومش قادر يهرب…!
حاولت تقوم…
تحركت خطوتين ناحية الشباك…
نفسها كان بيفلت منها…
كأن في يد خفية بتضغط على صدرها…!
رفعت عينيها للسما السودة،وهمست:
ــ إيه اللي بيحصلي؟!
بس مفيش رد…
بس قلبها كان بيردد في صمت:
ــ ولا مهرب لمن وقع عليه الاختيار…؟!
وهي لسه مش عارفة…
إن اللي بيحصل دلوقتي…
كان مكتوب على صفحات قديمة…
قبل حتى ما تشعر بنبضه في أحشائها…!
ليلى قاعدة على الكنبة…
رجليها مش قادرة تشيل جسمها…
بتحط إيدها على بطنها …
وهي بتحس بنبض غريب جواها…!
عالية من المطبخ وهي بتحضر مشروب دافي:
ــ ليلى! تشربي إيه؟ نعناع ولا ينسون؟
ليلى مش بترد…؟
مركزة مع اللي بتحسه…
كانت المفروض تحس برفرفة خفيفة…
زي ما الدكاترة قالوا…
لكن اللي بيحصل دلوقتي…
حركة قوية، كأن الجنين بيرفس جواها برجله…؟
تحط إيدها التانية على بطنها
تتأكد إنها مش بتتوهم
بس الحركة بتتكرر…أقوى
ليلى بهمس، مش مصدقة:
ــ ده مش طبيعي…
عالية تيجي من المطبخ، ماسكة كوباية…
تلاقي ليلى عرقانة رغم إن الجو مش حر…
عالية بقلق:
ــ مالك؟ تعبانة؟!
ليلى تحاول تقوم، تحس بألـ ـم في جنبها:
ــ بحس إنه…بيضغط عليا…مش مجرد حركة…
عالية تحط الكوباية بسرعة وتيجي تسندها:
ــ ممكن تبقى تقلصات… ولازم ترتاحي…
ليلى عنيها بتلمع برعب مش عارفة تخبيه:
ــ بس أنا في الشهر الرابع…مش المفروض كده يحصل…
الحركة دي بتحصل في الشهور الأخيرة…
مش دلوقتي…؟
تشد فستانها من على بطنها…
كأنها عايزه تشوف بإيديها اللي جواها…
عالية بتحاول تهديها، صوتها مبحوح:
ــ ممكن تكوني حساسة زيادة…من اللي مريتي بيه.
ليلى تهز راسها ببطء، تحس إن الكلام مش مقنعها:
ــ لأ…أنا عارفة جسمي كويس…
اللي بيحصل ده مش طبيعي…!
لحظة صمت تقيلة…
كأن البيت كله بيحبس أنفاسه معاهم…!
ليلى تحس فجأة إن في نبضة جامدة جوا بطنها…
زي خفقة قلب… بس مش قلبها…
وتغفل عن وعيها لحظات وهي واقفة…!
عالية بترفع صوتها وهي بتسندها:
ــ ليلى! فوقي! فوقي!
ليلى تفتح عينيها، تلاقي الدنيا قدامها بتتهز…
زي حلم بيتكســ ــر ف نصه قالت:
ــ انت فين…يا ارنو…؟؟!
ثم…!
تتمسك بعالية…
لكن في أعماقها…
كانت حاسة إن في …حد…!
عارف اللي بيحصل ليها…
لحظة بلحظة…!؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في مطار القاهرة، كانت الطيارة لسه واقفة…
وبينزل منها عبدالحميد العراف…
وبجواره مراته سحر الطوخي…
وولاده راهب وشهد…!
بخطوات سريعة، شهد وسحر طلعوا على عربية… عبدالحميد اللي كانت مستنياهم…
أما راهب، فبمجرد ما نزل، لمح يوسف ابن عمه… مستنيه على الرصيف، حضنوه بعض بحرارة…
يوسف بابتسامة واسعة:
ــ نورت بلدك يا ابن العم…!
راهب ابتسم وهو بيبادله الحضن:
ــ منور بيك يا جو…
ركبوا العربية مع بعض، يوسف فضل سايق وبيبص لراهب بين الحين والتاني.سأله بهدوء:
ــ ناوي ترجع هولندا تاني…؟
ولا قررت الاستقرار بقى هنا؟
راهب كان ساكت، عينيه مثبتة على الشباك…
وكأنه بيطوي جواه حكايات عمرها سنين…
وبنبرة فيها تعب دفين، قال:
ــ عودة بلا رجعة يا جو… خلاص تعبت…!
يوسف ابتسم بارتياح :
ــ يعني أخيرا هخد أجازة وأفسح مراتي…
اللي قربت تخلعني!
راهب ضحك بخفة وهو بيهز راسه:
ــ رجالة العراف مايتخلعوش يا جو…!
يوسف ضحك وقال وهو بيعدل مراية العربية:
ــ صح، بس ابن عمك بقى عامل…
زي موظف مصلحة، لا قادر أقعد مع مراتي…
ولا أعيش حياتي… بس الحمد لله بوجودك، هتشيل. عني شوية، وأفضى لها بقي بدل ماتخلعني بجد…
ضحكوا هما الاتنين والجو بينهم…
رجع دافي كأن ولا غربة ولا سنين فرقتهم…!
يوسف كان سايق، بس عينه كل شوية تسرح على… راهب اللي قاعد جنبه، ساكت بطريقة مش طبيعية…
فضل لحظات يراقبه، لحد ما قطع الصمت بنبرة… خفيفة فيها قلق:
ــ مالك يا راهب؟… نظرتك متغيرة…
كأن وراكم هم كبير…؟
راهب حاول يبتسم ويخفي اللي جواه…
وقال ببرود مصطنع:
ــ يمكن علشان شكلي كله اتغير بعد الحادثة…!
يوسف كان مركز فيه، وكأنه بيقرا وشه قراءة…
وقال بنبرة هادية بس حادة:
ــ لا… حتى لو وشك اتغير ألف مرة…
نظرة عينيك زي ماهي…
النظرة اللي عمرها ما بتكدب…
سكت شوية، وبعدين سأله وهو مش راضي يبعد عنه:
ــ مراتك… ماجتش معاك ليه؟
راهب حس بوجع بيطعن قلبه…
نزل عينه عن يوسف وقال بنبرة مخنوقة:
ــ مـ ــاتت…!
يوسف عض شفايفه من الصدمة وسكت…
حس إن وجعه مش ناقص عليه كلمة عزاء…
غمغم بحنية وهو بيطبطب بإيده على كتف راهب:
ــ تمام… ارتاح انت بس…!
راهب ميل دماغه وسندها على الإزاز البارد…
عينه كانت شاخصة، بس مش شايفة الشارع…
كانت غارقة في زكرياته معاها…
رجع بالزمن ليالي حبهم، ضحكتها اللي كانت بتملاله الدنيا، صوتها لما كانت تنادي عليه بلقب خاص بيها، حضنها اللي كان يحسسه إنه أقوى راجل في العالم.
كل لحظة عدت كانت كأنها بتتغرز في قلبه ســ ـكاكين، والحنين بيسري في دمـــ ـه وجع ساكن ما بيروحش.
في زحمة الذكريات، صوتها جه واضح في ودنه دافي زي زمان:
ــ ارنو…!
ابتسم لا إرادي وهو سامع اللقب اللي ماكانش…
حد بيناديه بيه غيرها…
غمض عينه، لكن الدمعه نزلت غصب عنه…
حــ ــرقت خده قبل قلبه. همس بصوت مخنوق…
كأنه بيرد على طيفها:
ــ انا هنا …لاكن عارف انك كارهاني دلوقتي…!
يوسف لمح دمعة متعلقة على رمش راهب…
بس سكت، وساب المسافة بينه وبين وجعه…
يحترمها بصمت…!
العربية كانت ماشية في طريق طويل…
زي طريق الحزن اللي راكب على روح راهب… وماحدش عارف نهايته فين…؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
|بعد ــ مرور ــ اسبوع|
في مدخل المصحة…!
وقفت سحر الطوخي تخلع نظارتها ببطء…
عينيها تتأملان المبنى الصامت أمامها…
كأن الجدران الرمادية تخبئ وراءها أسرارا ثقيلة… أسرارا لم يعرفها أحد، لكنها بالنسبة لسحر كانت كنزا. مفتاح جديدا للسيطرة على راهب وإخضاعه لها…!
خطت إلى الداخل…
كانت الغرفة تسكنها امرأة تجاوزها الزمن…
يغزو الشيب رأسها ويغطي ملامحها ذبول غريب…
اقتربت سحر منها، مائلة بجسدها قليلا:
ــ عاملة إيه دلوقت… يا ناهد؟
رفعت ناهد عينيها لسحر، بنظرة غريبة…
كأنها مش شايفاها، وكأنها بتبص لعالم تاني…
ملوش علاقة باللي حواليها…
تبادلت معها بضع كلمات قصيرة…
قبل أن تتركها وتغادر.…!
ـــــــــــــــــــــــ
|في ــ الليل ــ بفيله ــ العراف ــ داخل غرفة راهب|
الليل هادئ، إلا من خطوات سحر الخفيفة …
وهي تتسلل إلى غرفة راهب…كان واقف أمام المرآة
يبدل قميصه، يغلق أزرار قميص جديد …!
اقتربت منه سحر بخطوات محسوبة
وضعت أناملها على صدره
بنظرة تحمل شوق مختلطا بالتمرد:
ــ قلبك قاسي عليا ليه؟
ببرود واضح، أزاح راهب يدها بعيدا…
وأكمل غلق أزرار قميصه وهو يجيب:
ــ قلبي مش بيقسى على ست…!
رفعت سحر حاجبها بدهشة:
ــ يعني… إنت مش شايفني ست؟
أشار راهب نحو باب الغرفة بإصرار:
ــ على الأقل خليني أشوفك بره…
ومتدخليش الأوضة دي تاني…!
كتمت سحر غضبها، وأخفته خلف ابتسامة باهتة… اقتربت ناحية صورة موضوعة بجانب السرير… تناولتها بين أصابعها:
ــ ناهد وحشتك… صح؟
استدار راهب فجأة، انتزع الصورة من يدها…
بعنف خفي، صوته مبحوح بالغضب:
ــ صورة أمي… متحاوليش تلمسيها تاني…
راهب ظل واقف للحظة…
عينيه معلقتان على الصورة في يده…
أنفاسه بطيئة لكن ثقيلة…
سحر، وكأنها استغلت الشرخ الصغير في جدار… صموده، اقتربت أكثر. وقفت قريبة بما يكفي… ليشعر… بحرارة أنفاسها على صدره…!
همست بصوت خافت، لكنه متماسك…؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رواية أرناط الفصل الثالث عشر

«البارت 13من روايه ارنــاط»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سحر،همست بصوت خافت، لكنه متماسك:
ــ لسه بتحبها…؟
راهب لم يرفع عينيه نحوها…صوته خرج جامدا:
ــ مش موضوعك…
رفعت سحر يدها، تلامس طرف كمه بخفة…
حركته لم تكن تجرؤ، كانت تختبر:
ــ كلنا جوانا حد بنخاف نخسره…
حتى لو كان ماضي…
راهب،بيده الحرة، أبعد يدها عن كمه دون عنف
لكن بلا تردد، وقال بجمود:
ــ إنتي مش من الماضي…ولا من المستقبل…
سكت لحظة، ثم أضاف:
ــ إنتي حاجة مش عايزها تكون…!
رغم القسوة، لم تتراجع سحر، اقتربت أكثر حتى… تلامس كتفها ذراعه، نظرت له بعينين واسعتين… حابسة أنفاسها، كأنها تراهن على ردة فعله:
ــ ومين قال إني عايزاك تكون ليا؟
رف جفنه لأول مرة، كأنه صدق أو كأنه شكك.
تسرب بينهما صمت ثقيل، صمت أقرب لملامسة قلوبهم الخائفة. لا خطوة للأمام… ولا تراجع للخلف.
راهب التفت عنها أخيرا، وضع الصورة على الكومود بحذر كأنها كنز، وقال دون أن ينظر لها:
ــ إطلعي برا يا سحر…
قبل ما اعمل حاجه انا وانتي هنندم عليها…
سحر ظلت لحظة، عيونها تراقب ظهره…
ثم بخطوات هادئة، خرجت… لكن ابتسامة خفيفة… مرة، شقت شفتيها قبل أن تختفي وراء الباب….!
راهب، بعد خروج سحر من غرفته…
وقف قدام صورة أمه، إحساسه بالوحدة كان خانق..
بص للصورة بعينين مبلولين بالحزن، وكأنها كانت… بتبصله وبتعاتبه من بعيد…
همس بصوت مبحوح:
ــ يمكن لو كنت عرفت مكانك… كنت ارتحت… مشيتي وسيبتي وراكي وجع بيقــ ـــتلني. مع كل طلعت شمس…
دمعة سقطت رغم عنه، مسحها بكفه…
وكمل طريقه لغرفة شهد…
خطواته كانت تقيلة، وقلبه متقلب بين خوف وندم…
فتح الباب بهدوء…
شهد كانت واقفة قدام الشباك…
ضهرها ليه، ساكنة زي ظل حزين…!
وقف يتأملها…حتى لو مش شايفاه…
كان متأكد إنها حاسة بيه…
زي ما طول عمرها بتحس بيه…!
استدار عشان يقفل الباب بهدوء قبل ما تحس بوجوده،
لكن صوتها جه فجأة، مكسـ ــور، ناعم، وجارح:
ــ أنا كنت بثق فيك…كنت بقول إنك ضهري…
وسندي…وإنك عمرك ما هتكســ ـرني…؟
الكلمات خبطت في قلب راهب بقسوة…
كان حاسس بيها بتنــ ـزف من جواه:
ــ أنا لسه ضهرك، ولسه سندك…
مافيش حاجة في الدنيا هتغير ده…!
شهد، من مكانها، وبرغم إنها مش شايفاه…
كانت حاسة بتردده، بتوجعه:
ــ قتــ ـلت سيف…
سكتت لحظة، كأنها بتلملم حزنها…
ثم انفجـــ ـــر صوتها فجأة، مجروح وعالي:
ــ كان جزاؤه المــ ــوت؟ عشان اتجوزني؟
راهب اتنفس بصعوبة… مش لاقي جواب!
شهد، صوتها كان بيرتعش:
ــ كنت اسألني…كنت تضــ ـربني… كنت عاقبني…
بس ليه تاخد روح إنسان…كل ذنبه انه حبني وتجوزني؟…أنا أختك… أنا اللي عمري ما خنتك… وإنت خنت كل حاجة كانت بتربطني بيك…!
خطت خطوة للأمام، كانت بتدور حواليها وهي بتتكلم، مش شايفة، بس عارفة إنه هناك، سامعا وجعها:
ــ خانتني لما ما ادتنيش إيدك تحميني…
لما ما ادتنيش ضهرك عشان أسند عليه…!
راهب قرب منها، صوته طالع من وجع مكتوم:
ــ كان بيكذب عليك… كان بيستغلك…
كنت بحميكي… ما كنتش عايزه يجرحك…!
شهد هزت راسها بوجع:
ــ حتى لو… مش من حقك تقتـ ــله.
مش من حقك تحكم على روحه بالمــ ـوت…
كانت بتحاول تمشي بعيد، اتخبطت في المكتب،
مدت إيدها تتوازن، راهب اندفع عشان يساعدها،
لكنها ضــ ـربت إيده، دفعته بــ ـعنف:
ــ ابعد عني… أنا مش عارفة مين اللي واقف قدامي…
مش شايفة، بس حاسة إنك مش أخويا…
أنت حد غريب… شيطان لابس ملامحه…
راهب وقف عاجز… كل كلمة منها كانت بتطعـــ ـن فيه.
بصوت مبحوح، حاول يتمسك بيها:
ــ مهما حصل، أنا ضهرك يا شهد… حتى لو كرهتيني.
شهد، وهي ماسحة دموعها المرتعشة،
قالت بصوت متحشرج:
ــ أنا مش عايزة ضهر يوجعني…
كنت محتاجاك حضن، مش سكـ ــينة تطعنني…
اتجهت للباب بخطوات متعثرة، بس قوية…
مدت إيدها، لمست الباب، وسحبته بقوة، قفلته في وشه، قفلته على كل حاجة وجعاه.
راهب وقف ساكت قدام الباب المقفول…
حس كأن صدى خطواتها بيخبط في جدران قلبه الفاضي.
سند راسه على الحيطة، والدموع نازلة بدون صوت.
وبصوت مكبوت، قال لنفسه:
ــ سامحيني… يا شهد…!
كان إحساس الوحدة في اللحظة دي…
مش بس إنه واقف لوحده…
ده كان إحساس إنه فقد روحه اللي كانت بتعيش بيه.
شهد ساندت ضهرها على الباب المقفول…
وكأنها بتحاول تحجز وجعها جواه…
نزلت دموعها غصب عنها، كانت بتسحب معاها كل… الذكريات الحلوة اللي كانت شايلها لراهب…
حطت إيديها على وشها، وكان صوت شهقتها مكتوم.. خايفة يسمعها… خايفة يوجعها أكتر…!
ورا الباب، راهب كان واقف…
كأن رجليه اتزرعت في الأرض…
كان سامع شهقاتها اللي بتحاول تخبيها…
كل نفس موجوع منها كان بيخبط في قلبه…
زي سكــ ــاكين…
حط كفه على الباب، لمسه كأنه بيتوسل إنه يفك المسافة اللي فجأة بقت جدار بينه وبينها.
عينه كانت بتنقط دمع وهو بيهمس بصوت مبحوح:
ــ أنا آسف… آسف يا شهد…!
جوه، شهد كانت بتضـ ـرب بكفها على صدرها…
كأنها بتحاول تطرد الألم اللي خنقها…
تتهامس بين نفسها بحسرة:
ــ ليه يا راهب؟ ليه؟
وبره، راهب كان بيكتم صــ ـرخة كان نفسه يطلعها… بس ابتلعها بجوفه المكســ ـور…
كان صمتها جواه أعلى من كل صــ ـرخات الدنيا…
لحظة سكت فيها الاتنين…
كل واحد منهم حابس وجعه في صدره…
الباب كان بين جسدين…
بس القلبين كانوا أبعد من بعض آلاف الأميال…!
شهد نزلت على الأرض، سحبت ركبتيها لحضنها… وشهقت بصوت مكتوم…!
وراها، راهب دار ضهره للباب…
خد خطوة واحدة بعيد…
كأنها كانت أصعب خطوة خطاها في عمره كله…!
وهو ماشي…
كان كل صوت شهقة منها بيقطع حتة من روحه…
بس عارف إنه حتى لو فضل واقف…
حتى لو بكى قدام بابها سنين…
فيه حاجات لما تتكسـ ــر… عمرها ما بتترمم…!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد خمس شهور، وفي شقة عالية الصغيرة…
ولدت ليلى في سرير بسيط…
من غير دكتور، من غير مستشفى…
من غير ورق رسمي، من غير زوج…!
كانت الداية المغربية واقفة جنبهم، ست كبيرة،
وشها ساكن، عدى عليه وجع سنين طويلة،
بس إيديها كانت ثابتة… وحنونة زي حضن أم أول مرة تحضن طفلها.
أول ما صــ ــرخ الطفل…
ضحكت ليلى وهي بتعيط…
ضحكة مخلوطة بدموع…
كأن قلبها بيتشقق علشان يطلع منه روح جديدة…!
عالية قربت منها، مسكت إيدها المرتعشة…
وقالت بصوت هادي وعينها مليانة دموع:
ــ كل ده هيفوت… وأنا مش هسيبك…
|تاني يوم الصبح|
كانوا قاعدين على الأرض، بين مهد الطفل وسرير عالية…السكوت تقيل… خانق…!
فيه سؤال لف حواليهم زي دخان بارد…
مش قادرين يهربوا منه…
عالية، بصوت مكســـ ـور، سألت:
ــ هنسجله باسم مين؟
ليلى ما ردتش على طول…
كانت بتبص للطفل، بتراقب ضافره الصغير بيتحرك
ونفسه الناعم بيروح وييجي…
ولما اتكلمت، صوتها كان هادي…
بس الجــ ـرح كان بيصـ ــرخ جواه:
ــ سجليه باسمك… يا عالية!
أنا مش قادرة أكون موجودة في حياته…
مش هعرف أواجه جدو ورائد بالطفل ده…
عالية شهقت، واتسعت عينيها بصدمة:
ــ إنتي بتقولي إيه؟ ده ابنك!
لما جدو ورائد يعرفوا اللي مريتي بيه، أكيد هيفهموا!
هم،دكاترة ومتعلمين… مش هيسيبوك!
ليلى سكتت!
بصت للطفل تاني، نظرة واحدة طويلة،
كأنها بتحاول تحفظ كل ملامحه قبل ما تبعد:
ــ لو عرفوا إنه ابني… إحنا الاتنين هنتـ ــدمر
هنا في هولندا يمكن الأمور تمشي…
بس لما نرجع مصر؟ أنا مش هعرف أواجه ده…!
عالية فضلت تحاول تقنعها…
قلبها مش قابل إنه يسرق أم من حضن ابنها…
بس ليلى كانت مصممة…
نظرتها خليط بين الرجاء والخوف والاستسلام…
وفي الآخر…
عالية وافقت.
دموعها نازلة بصمت… قلبها بيتكســ ـر حتة حتة!
ومن اليوم ده، اتسجل الطفل:
ــ شادي مصطفى السباعي
على اسم والد عالية.
|في السبوع اللي بعده|
كانت ليلى قاعدة ترضع شادي…
ابتسمت أول ما دخلت عالية…
شايلة كيس هدايا صغير…
عالية، وهي بتضحك:
ــ لفيت نص أمستردام عشان ألاقي مقاس الفصعون ده!
ليلى، وهي بتضحك بحنان:
ــ لو قولتي على ابني فصعون تاني!
هخليه يعلم عليكي!
عالية ضحكت أكتر:
ــ خلاص خلاص! آسفة… دكتور شادي الصغير!
شوف بقى الهدوم دي، هتعجبك؟ولا هنغيرها
ليلى مسكت الهدوم… عينيها لمعت بالفرح:
ــ يا جمالهم يا عالية! تسلمي لي.
مش عارفة من غيرك كنت عملت إيه…
عالية قربت، مسكت إيد ليلى وقبلتها بمحبة:
ــ ما تقوليش كده…
إنتي وشادي جوا عنيا…
وأعمل أي حاجة عشانكم!
ليلى، وهي بتقلب الهدوم، سألت فجأة:
ــ ملك… إيه أخبارها؟ أخدت البحث بتاعي وسكتت…
عالية وجها اتغير، نظرة قلق خفيفة عدت في عينيها:
ــ ملك اختفت خالص من بعد ما خدت البحث…
بحاول أكلمها، تليفونها مقفول.؟
ليلى شدت صدرها فجأة، إحساس بالقلق لف قلبها:
ــ يعني إيه؟!
أخدت البحث واختفت؟
عالية هزت راسها بحزن:
ــ والله العظيم مش عارفة…
لا تليفون،و لا عنوان… كأنها اتبخرت…
ليلى حست ببرد بيسري في عروقها…
كان في حاجة غلط بتحصل…
بس لسه مش قادرة توصل لها…؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رواية أرناط الفصل الرابع عشر

«البارت 14من روايه ارنــاط»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقف راهب أمام باب مكتبه في الشركة
مد يده واخد ملف مهما من السكرتيرة…الما…
قلب أوراقه بتركيز، ثم قال بنبرة حاسمة:
ــ خلي يوسف يجيلي فورا…
وبينما كان يعيد غلق الملف، لفتت نظره ساعة فاخرة تزين معصم …الما… فابتسم ابتسامة خفيفة:
ــ حلوة الساعة… والبرفان كمان…
ابتسمت الما بارتباك، وردت بخجل:
ــ ميرسي يا فندم…
دخل مكتبه وهو لا يزال يبتسم، وكأن شيئا ما يدور في ذهنه. لم تعد لحظات حتى دخلت سحر، تتمايل في خطواتها بثقة:
ــ نورت مكتبك، يا باشا…
كان راهب قد جلس بالفعل، ولم يبد عليه أي اهتمام بها. قال وهو يفتح ملف آخر:
ــ ملف مناقصة العلمين… ابعتيه لي حالا…
اقتربت سحر منه بدلال:
ــ جاي حامي على الشغل؟ مش ناوي تضيع وقت؟
راهب رفع نظره إليها بابتسامة خالية من أي دفء:
ــ وأنا كمان مش عايزك تضيعي وقتك معايا…
وبالمرة خدي بالك من جوزك، شكله ناوي يغيرك…
تجمدت سحر في مكانها، صدمها الكلام:
ــ تقصد إيه؟
وقف راهب ونظر نحو الباب:
ــ اطلعي بره… وبصي كويس على الما السكرتيرة. واضح إن الباشا صرف ومكلف المرة دي…
البنت لابسة ساعة لو اشتغلت عشر سنين مش هتجيب تمنها. مش عارف ليه… حاسس إنك هتوحشينا قريب…
خرجت سحر من المكتب بغضب مكتوم
وفي طريقها اصطدمت بـ يوسف الداخل:
سأل يوسف مستغربا:
ــ مالها دي؟
ضحك راهب وهو يشير له بالدخول:
ــ سيبك منها، تعال… عندنا اجتماع مهم النهارده
لازم نوقع مع الجماعة الألمان…
يوسف بثقة:
ــ ماتقلقش، أنا مرتب كل حاجة.
رن هاتف راهب، فأخرج ملف من درجه وسلمه ليوسف:
ــ خد الملف ده، راجعه، ونتقابل في الاجتماع.
خرج يوسف، وأغلق الباب خلفه، فرفع راهب الهاتف ورد بنبرة مشدودة، يغلفها التوتر:
ــ عايز إيه؟ أنا نهيت كل شغلي معاكم…!
جاء الصوت من الطرف الآخر صارما لا يعرف التراجع:
ــ إحنا لازم نتأكد إن البحث فشل…
قبض راهب على الهاتف بقوة، وقال من بين أسنانه:
ــ قلتلكم… هي أجهـ ــضت الطفل. البحث انتهى… وكمان اختفت، مفيش أي أثر ليها…!
ساده صمت قصير، اتبعه صوت بارد، لا يخلو من التهديد الخفي:
ــ كلامك ما يكفيش… إحنا مش بنشتغل على افتراضات. عايزين دليل واضح إن ليلى فعلا أجهضت الطفل… مشروع البحث ماينفعش نعلن فشله إلا بإثبات…
ثم انقطع الاتصال!
تجمد راهب لحظة، ثم انفــ ـجر غاضب، قذف الهاتف بالجدار بقوة حتى تحطم، وصـ ـرخ في الفراغ:
ــ كنت فاكر إيه؟ إن اللعبة هتنتهي أول ما تكرر تخرج منها؟…
راح يتمشى في المكتب كالمسعور، يحدث نفسه بصوت يقطعه الندم والقلق:
ــ أكيد مش هيسكتوا… هيدوروا على ليلى…
لو اكتشفوا إني كدبت، هياخدوا الطفل منها…
لا…مستحيل أسمح بده.…!
توقف فجأة، كأن فكرة نبتت في ذهنه:
ــ لازم أتصرف… لازم أوصل لها قبلهم…
أنا أذيتك كتير يا ليلى، بس أنا ندمت… ندمت على كل حاجة…بس واضح إن ربنا مش قابل لا توبتي… ولا ندمي…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كافيه هادئ في أحد شوارع القاهرة…
صباح يوم ثلاثاء…
كالعادة، كان السائق ينزل شهد عند الكافيه كل ثلاثاء تتركه وتدخل بخطوات واثقة، عصاها البيضاء تمسح الطريق أمامها. جلست بهدوء على ترابيزة قريبة من الزجاج، أمامها مج نسكافيه ساخن. راحت تتحسس الفنجان بأطراف أصابعها الرقيقة، رفعته برفق
أخذت رشفة، ثم أعادته مكانه…!
مر الوقت… وتأخر السائق عن العودة…
شعرت بقلق خافت فنهضت من مكانها…
تفرد عصاها وتبدأ في التحرك بحذر…!
وفجأة…
اصطدمت بجسد أحدهم.
سقطت العصا منها على الأرض…
جثت سريع تبحث عنها بأصابع متوترة…
لكن يدا سبقتها، ناولها العصا بلطف…
وصوت اعتذر بخجل:
ــ أنا آسف جدا…
كنت خارج مستعجل…آسف…
شهد بابتسامة خفيفة:
ــ لا…!ولا يهمك… أنا اللي آسفة…
رفع نظره لوجهها…
كانت ملامحها هادئة…
فيها براءة وسكينة جذبت عينيه…
كأنه يرى جمالا لا يحتاج لزينة…
الشاب بتردد:
ــ لو بتحبي، أوصلك لأي مكان…
يعني كنوع من الاعتذار؟
شهد بابتسامة رقيقة:
ــ شكرا، السواق هييجي دلوقتي…!
ظل واقفا أمامها، يتردد، لا يعرف هل يرحل أم ينتظر
الشاب:
ــ لو مش هزعجك، ممكن أمشي معاكي لحد العربية؟
لكن ابتسامتها اختفت فجأة…
حست أنه يشفق عليها…
فابتعدت عنه بخطوة خفيفة…
وفتحت العصا من جديد:
ــ لا، شكرا… أنا بعرف أمشي لوحدي…
أحس بثقل الرد، وتأنيب ضمير
لم يرد أن يلح بالكلام
لكنه مشى خلفها بهدوء
يقشر بيده للناس كي يفسحوا لها الطريق دون صوت. ظل يتابعها من بعيد، حتى اقتربت من عمود ديكوري أمام الكافيه، وكانت على وشك الاصطدام به
في اللحظة الأخيرة، اقترب منها وقال بهدوء:
الشاب:
ــ خلينا على اليمين…!
فهمت شهد بسرعة أنها كانت ستصطدم بشيء… فاتجهت نحو اليمين دون أن تعلق…
وأكملت طريقها حتى توقفت عند باب الكافيه…!
ظل الشاب واقف على بعد خطوات…
يظن أنها لا تشعر بوجوده…
حتى جاء السائق، يلهث من التعب:
ــ آسف جدا يا شهد هانم… الطريق كان واقف…
شهد بهدوء وهي تمشي بجانبه:
ــ ولا يهمك، خلينا نمشي…
ثم توقفت للحظة، واستدارت للخلف
تنظر ناحية اللاشيء، وتقول بصوت هادئ:
ــ يمكن أكون مش شايفاك… بس أنا دايما بحس باللي حواليا… شكرا…لانك ساعدتني…!
ابتسم الشاب، مسح على شعره كأنه يستفيق من لحظة حالمة، وتمتم لنفسه:
ــ البنت دي… أكيد ملاك…!؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
توقفت سيارة سوداء داكنة أمام المنزل…
محركها لا يزال يعمل بصوت خافت…
كأنها تنتظر اللحظة المناسبة للانقضاض…!
في الداخل، كانت ليلى تجلس على طرف السرير بالقرب من المهد، تدلل طفلها شادي، بينما جلست عالية قرب النافذة، تتابع حديثهم المتقطع بشك وقلق…!
قالت عالية وهي تتابع شاشة هاتفها:
ــ ملك مختفية… قلب الدنيا عليها…
بس مش لاقيها. أنا حاسة إنها كانت بتعمل كل ده… معانا علشان تاخد بحثك…!
خفضت ليلى عينيها وقالت بشرود
كأن صوتا من الماضي ينبض في أذنها:
ــ فاكرة غزل… قالتلي ايه قبل ما تمـ ـوت؟
ماتثقيش في حد يا ليلى…
وقالتلي كمان إن البيت ده سجن من غير حارس… وفي الوقت المناسب… هنمــ ـوت فيه…!
سرت قشعريرة في جسد عالية، وهمست:
ــ كأنها كانت شايفة اللي جاي…
رفعت ليلى رأسها ببطء، وكأنها تربط خيوط تفككت :
ــ ملك كانت بتقرب لنا مش عشاننا…
كانت بتساعدنا عشان عارفة بالبحث…
كانت عايزة توصله…!
شهقت عالية:
ــ إزاي ما فهمتش دا؟ كانت بتمثل من الأول… ضحكت علينا… ومش بعيد تكون هي اللي قالت… لأرمان على مكانك وقدر يخطفك…
أجابت ليلى بصوت خافت:
ــ هي فعلا قالتله… وبعد كده بعتتلك رسالة… تنقذيني… كانت متأكدة إنه هيقتــ ـلني…
بس… هي مش عايزاني أمــ ـوت…
غير بعد ما انهي البحث وتاخده…
عالية بعينين متسعتين:
ــ بس ليه؟ ليه تخاطر وتبلغ أرمان…
وبعدين تحاول تنقذك؟
كان ممكن تستنى لما تاخد البحث وبعدين تخلص منك…
ابتسمت ليلى ابتسامة يائسة
ممتزجة بمرارة الخيانة:
ــ كانت عايزة تخوفني…
تخليني أترعب من الظهور وأطلب منها تسلم… البحث…
وأكون شاكرة ليها وأنا مش دريانة إنها بتسرقني…
تمتمت عالية:
ــ ده تفكير شيطاني…
لكن لم يمهلهم الوقت ان يستوعبوا شيء اكتر…
دوى صوت باب يفتح بعــ ـنف…
قبل أن تنهض أي منهم…!
اقتحم المكان رجال مقنعون…
تحركاتهم دقيقة وخاطفة…!
صـ ـرخت عالية، حاولت المقاومة…
لكن يدا خبيثة ضغطت على رقبتها بحقنة صغيرة… فسقطت أرض…
ليلى حاولت حماية شادي…
لكن يدا أخرى انتزعت الطفل من بين ذراعيها…
قبل أن تغرز الإبرة في عنقها…
ساد صمت ثقيل…!؟
وانطلقت السيارة السوداء من أمام المنزل…
تحمل أسرارا، وخيانة…
وطفلا لا يعرف أنه المفتاح لكل شيء…!

رواية أرناط الفصل الخامس عشر

 

«البارت 15من روايه ارنــاط»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليلــة كانت مشبعــة بالنـ ـار المكبــوتة…
والشـــك المسمـــ ــوم…!
سحر دخلت الأوضة، وهي بتكتم الغليان في صدرها
وشافت عبد الحميد واقف قدام المراية
بيرش برفانه الغالي، ويدندن بصوت ناعم:
ــ جانا الهوى… جانا…!
وقفز الشك جواها، زي لهب بيكبر كل ثانية…
كلام راهب بيرن في ودنها:
ــ الباشا ناوي غيرك…
قربت منه بابتسامة باردة تخبي الإعصار اللي جواها:
ــ انت…خارج ياحبيبي؟
عبد الحميد بص لها من فوق لتحت…
من غير ولا قطرة حنين…
وقال ببرود وهو بيعدل الكرافتة:
ــ أيوا… عندي اجتماع مهم…!
سحر قربت أكتر، صوتها ناعم بس خيط الغيرة فيه واضح:
ــ مع مين بقى الاجتماع المهم ده؟
هو مش أنا… شريكتك؟ لازم أعرف كل حاجة…
عبد الحميد شد نفس عميق، وبعدها بص بعيد وقال:
ــ الشغل ده ما يخصكيش…!
وخطى ناحية الباب، بيقفل قلبه قبل ما يقفل الأوضة،لكن سحر لعبت آخر كارت…
فجأة، وقعت على الأرض، كأن اغمى عليها…؟
عبد الحميد اتفاجئ، رجع جري عليها:
ــ سحر! مالك؟ فوقي! سحر!
فتحت عينيها ببطء، ونطقت بكلمة زلزلت الدنيا تحته:
ــ أنا… حامل…!
اتسعت عينين عبد الحميد، وكأن الزمن وقف:
ــ إيه؟ حامل؟ إزاي يعني؟!
سحر تمثلت البراءة، صوتها ناعم ومكســ ـور:
ــ يعني إيه إزاي؟ حامل… منك. هتكون أب يا حبيبي…!
عبد الحميد اتراجع خطوة…
وكأن ضـ ـربته رصــ ـاصة:
ــ لا… لا! مستحيل ده يكون ابني؟!
سحر بضعف مصطنع، وعينين فيها دموع:
ــ إنت بتقول إيه يا عبد الحميد؟!
دي الفرحة اللي كنت بستناها منك…
ليه بتكســ ــرني كده؟
وقف لحظة، سكوته كان أفظع من الكلام…
وبعدها، قالها وهو بيشد جزمته:
ــ لما أرجع… هنتكلم…!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان راهب واقف في وسط الحديقة الخلفية للفيلا… تحت ضوء خافت ينبعث من المصابيح…
تحيط به الأشجار الكثيفة كأنها جدران صامتة… تحبس أنفاسه…أمسك بهاتفه بشدة…
وصوته منخفض لكنه مرتجف:
ــ قدرت توصل لـ ليلي؟
جاءه الصوت من الطرف الآخر…
هادئا لكن يحمل شيئا من التوتر:
ــ لا… مفيش ليها أي أثر…
كأنها تبخرت…!
شهق راهب، وصوته اهتز من الخوف:
ــ ممكن يكونوا وصلوا لها…؟
الطرف الآخر بحذر:
ــ ما أظنش… لو كانوا لقوها، كنت عرفت…
كانت هتسيب وراها علامة… د،م مثلا …
شقه متبهدله… لكن ما فيش اي حاجه من دي…!
راهب لف حوالين نفسه كأن الأرض ضاقت به…
وصــ ـرخ وهو يضغط على الهاتف:
ــ طيب هتكون راحت فين؟ مش معقول!
الارض اتشقت وبلعتها!؟
الطرف الآخر:
ــ يمكن غيروا مكانهم تاني… من يوم الحــ ـادثة وهم كل شوية يغيروا. ما بيثبتوش في مكان…!
صوت راهب ارتفع، فيه مزيج من الرجاء والتهديد:
ــ اتصرف بأي طريقة… لاقي ليلي بسرعة…
قبل ما يوصلوا لها…!
الطرف الآخر بحزم:
ــ أنا هقلب هولندا عليها، وهلاقيها…
و أول ما أوصلها، هطمنك…!
أغلق راهب المكالمة ببطء…
ووقف للحظة كأن الهواء حوله صار أثقل.
همس لنفسه، والقلق ينهش صوته:
ــ هستنى…ما قداميش حل تاني …غير اني استنى!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في صباح اليوم التالي، فتحت ليلى عينيها بتعب… شديد، شعور بالدوار يسكن رأسها. التفتت بجانبها… فوجدت عالية نائمة على السرير نفسه، كأنهم لم… يتحركا منذ البارحة…!
ليلي هزتها بخوف:
ــ عالية…عالية…فوقي… إحنا فين؟
فتحت عالية عينيها ببطء…
وبصوت متهدج من التعب قالت:
ــ مش عارفة… هو إيه اللي حصل؟
اتسعت عينا ليلى فجأة…
وارتفعت بجذعها تتلفت حولها بلهفة:
ــ شادي! فين شادي؟! ابني فين؟!
نظرت عالية حولها، ثم نهضت مذعورة:
ــ مش هنا… مش في الأوضة!
ركضوا نحو الباب وفتحاه بسرعة…
تتقاطع أنفاسهم وهما يبحثان في الممرات…!
وفجأة، ظهرت فتاة شابة بملابس خادمة
تحمل صينية فارغة وابتسامة هادئة:
ــ صباح الخير يا هوانم.
صـ ـرخت ليلى بفزع:
ــ شادي فين؟! فين ابني؟ اتكلمي!
أمسكت عالية بذراعها تهدئها:
ــ اهدي يا ليلى، يمكن معاهم…
لكن ليلى لم تتمالك دموعها:
ــ اهدى؟! أخدوا ابني من حضني!
اتكلمي فين ابني…
أشارت الخادمة بيدها نحو غرفة في آخر الممر:
ــ الطفل نايم جوه..!
تبادلتا النظرات، ثم ركضتا نحو الغرفة…
فتحت ليلى الباب بسرعة، لترى شادي نائما في… سريره، يتنفس بهدوء ووجهه الصغير غارق في… سلام…!
احتضنته بقوة كأنها تحميه من عالم بأكمله:
ــ يا حبيبي… يا روحي…انت… الحمد لله…!
عالية قبلت جبينه، ثم تمتمت:
ــ الحمد لله إنه بخير…!
رفعت ليلى عينيها إليها:
ــ بس إحنا فين؟ مين جابنا هنا؟
دخلت الخادمة مجددا بابتسامة مطمئنة:
ــ حضراتكم في المعادي… هجهز لكم الفطار حالا…
تبادلت ليلى وعالية نظرة صـ ـدمة…
ثم جاء صوتهم خافت من بعيد:
ــ مصر…!؟
همست عالية بدهشة:
ــ يعني إحنا رجعنا مصر؟! بس… إزاي؟
كانت ليلى لا تزال في حالة ذهول:
ــ مبارح كنا في هولندا… النهاردة إحنا هنا؟
في مصر… مين اللي رجعنا؟ وليه؟
اقتربت عالية من الشباك، تطل بحذر، فلاحظت …
أن كل شيء طبيعي. لا حراس…
لا أبواب مغلقة…لا كاميرات مراقبه:
ــ ليلى، مفيش حاجة بتدل على إننا محتجزين…
ده بيت عادي جدا…!
ليلى وضعت شادي بلطف في سريره:
ــ تعالي ننزل… نسأل البنت اللي تحت…
يمكن نعرف منها حاجة…!
نزلا إلى الطابق السفلي. وجدا الإفطار معدا بعناية على السفرة، لكن الخادمة اختفت تماما…!
سألت عالية:
ــ هي راحت فين؟
اقتربت ليلى من الطاولة، فلاحظت ظرفا صغيرا… بجانب طبق الفاكهة. فتحته ببطء، وقرأت بصوت… مرتجف:
ــ لو خايفة على ابنك، ما تفكريش ترجعي هولندا تاني… حياة ابنك في خطـ ـر هناك…
ــ إيه دا؟!
قالت عالية وهي تمسك بالورقة…!
سلمتها ليلى الورقة وجلست تفكر بعمق:
ــ في حد رجعنا عشان يحمينا… بس مين؟ وليه؟
قالت عالية بتردد:
ــ كل حاجتنا هنا… هدومنا، الفلوس…
حتى الموبايلات…
يعني مش خطف بالمعنى المعروف…!
وقفت ليلى فجأة، نظرتها حاسمة:
ــ بغض النظر مين ورا دا كله…
احنا مش هينفع نثق في اي حد…
لازم نمشي من هنا… فورا…
أومأت عالية بصمت، وبدأتا بجمع حاجات بسيطة… فقط ما يمكن حمله بسهولة…
لم يتجرؤا على لمس الطعام…
وكأن الطمأنينة فيه تحمل سـ ــم خفيا…؟
فتحت ليلى الباب الخارجي بحذر…
الهواء الصباحي في المعادي…
ضـ ـرب وجهيهم بدفء غريب… لا وجود حراس…!
همست عالية:
ــ غريبة… مفيش حد بيراقبنا؟
قالت ليلى دون أن تلتفت:
ــ هو ده اللي مخوفني أكتر…؟!
نزلا درجات السلم بسرعة، وكل خطوة تقربهم من… الشارع كانت كأنها تقطع خيطا من شباك العنكبوت…
وهم على وشك عبور الرصيف، لمحت عالية سيارة سوداء متوقفة على جانب الطريق أمام البيت:
ــ ليلى… بصي هناك…
ليلي اقتربت بحذر. السيارة نظيفة، لامعة بشكل… لافت، كأنها وضعت هناك للتو. ليلى مدت يدها… وفتحت الباب الأمامي… لم يكن مغلق…
على الكرسي، وجده المفتاح في مكانه…
وبجواره ورقة مطوية بعناية…!
فتحتها ليلى، وقرأت بصوت مبحوح:
ــ أنتم مش مخطوفين… أنتم أحرار…!
تبادلت نظرة مشوشة مع عالية، ثم دخلتا السيارة… ببطء، كأنهم تنتظران أن تصـ ـرخ بهم السماء أو… ينقض عليهم أحد. لكن… لا شيء. الشارع كما هو… البيت صامت. والرسالة الأخيرة لا تحمل تهديدا… فقط حرية مشروطة بالخوف…!!
أدارت ليلى المحرك…
وصوت السيارة اشتغل بهدوء غريب…
كأنه ينتظرهم…!
قالت عالية وهي تربط حزام الأمان:
ــ لو كنا أحرار بجد…
ليه بحس إننا لسه جوه لعبة كبيرة؟
همست ليلى، وعينيها على الطريق:
ــ علشان أحيانا…
السجن بيكون أوسع من أربعة حيطان…!؟
وانطلقت السيارة… وتركت وراءها بيت ما زال أسراره تخفي أكثر مما تفصح…!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رواية أرناط الفصل السادس عشر

 

«البارت 16من روايه ارنــاط»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في عيادة فخمة بتفوح منها ريحة المعقمات والقلق…
عبد الحميد قاعد قدام الدكتور أيهم…
عينه فيها ريبة، وصوته محمل بالضغط:
ــ دكتور… سحر قالتلي إنها حامل…!
بس أنا وانت عارفين… إني كنت بتعالج من إصابة منعتني أخلف سنين طويله…
الدكتور أيهم عدل نضارته بهدوء
وبص في الملف قدامه، وقال:
ــ بص يا عبد الحميد بيه…
أنا مش هكذب عليك، حالتك فعلا كانت صعبة…
لكن بقالك سنين بتاخد علاج منتظم…
وآخر تحاليلك كانت بتشير لتحسن بسيط…!
عبد الحميد قطب جبينه:
ــ بسيط يعني إيه؟ ينفع يحصل حمل؟
الدكتور ايهم تنحنح، وقال بنبرة محسوبة:
ــ علميا…الاحتمال كان ضعيف. بس مش مستحيل…
ولو سحر فعلا حامل، يبقى وارد يكون ابنك… خصوص مع طول فترة العلاج…
ليه انت كنت ماشي عليك…!
بس علشان نقطع الشك،لازم نعمل تحليل حديث… للسائل المنوي، ونشوف إذا كان فيه أي تغيرات… إيجابية…!
عبد الحميد يهز راسه بشك:
ــ يعني فيه احتمال…ان الطفل ده يكون ابني؟!
الدكتور أيهم بابتسامة محسوبة:
ــ احتمال ضعيف… بس موجود. ولو سحر حامل… فعلا، التحليل ده هيجاوب على كل الأسئلة…!
عبد الحميد يتنهد، يطلع من جيبه علبة السجائر… ويفتحها، وبعدين يقفلها تاني بدون ما ياخد سيجارة.. عقله مشغول:
ــ طيب اعمله دلوقتي…أنا عايز أعرف الحقيقة…!
الدكتور أيهم يهز راسه:
ــ تمام، تعالى بكرة الصبح على صيام…
وهنجهز التحليل…!
بعد ما يخرج عبد الحميد من العيادة…
الدكتور أيهم يفتح درج مكتبه…
يطلع ورقة فيها نتائج جاهزة…؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل راهب مسرعا من باب الفندق…
يتلفت حوله كمن تأخر عن شيء مهم…
الوقت يضغط، والوجوه حوله بلا ملامح…
اندفع نحو المصعد، لكنه اصطدم فجأة بفتاة خارجة.. بنفس سرعته…!
اهتز جسده للحظة، لكن الفتاة لم تتوقف…
أكملت طريقها بسرعة، غير مبالية بالاصطدام…
وهي تمشي، التفتت نحوه بخفة، وشعرها التف معها.. في حركة ناعمة. رفعت يدها سريع وقالت:
ــ آسفة…!
تجمد راهب في مكانه. شهقته خرجت كأنها حشرجة:
ــ …ليلي؟!
نظر إليها مذهولا، يراها تبتعد
تخترق بهدوئها عالمه الذي ظل معلق بها لسنوات..
ليلي؟ هنا؟ في مصر؟ بعد كل ما فعله ليجدها في… هولندا؟
رن هاتفه، كأنه يجبره على العودة للواقع…
رفعه إلى أذنه وعيناه ما زالتا تلاحقانها:
راهب بصوت غائب:
ــ ألو؟
جاءه الصوت من الطرف الآخر، متوترا:
ــ راهب، ليلي مالهاش أي أثر ف هولندا كلها…
رجالتي فتشوا كل مكان ممكن تكون فيه، اختفت…
بلع راهب ريقه، وهمس كأنه يخبر حلم بالحقيقة:
ــ ليلي… هنا…!
الطرف الآخر بصدمة:
ــ إيه؟ هنا إزاي؟ في مصر؟!
لم يرد راهب. أغلق المكالمة بعــ ـنف عندما رآها… تعود…ليلي كانت تقف أمام الفندق…
ومعها شاب يبدو من موظفي خدمة التوصيل…
سمعها تقول له:
ــ آسفة، نزلت مستعجلة ونسيت الفلوس فوق…
هطلع أجبها حالا…!
الشاب بابتسامة:
ــ ولا يهمك يا مدام، هستنا حضرتك هنا…
راهب لم يصدق عينيه. كانت أمامه…
تمر بجواره وكأنها لا تعرفه…
صعدت إلى غرفتها، ثم نزلت بعد دقائق…
تبحث بعينيها:
ــ راح فين ده؟!… سبته هنا!
اقترب منها راهب ببطء وقال:
ــ أنا…حسبته! ومشي…
ليلي التفتت إليه، نظرت له من رأسه حتى قدميه…
ثم عقدت حاجبيها:
ـــ ومين حضرتك عشان تدفعلي الحساب؟
تألم راهب من السؤال. نظراتها غريبة…
باردة، كأنها تنظر إلى شخص غريب تماما…
داخل نفسه، صاح:
ــ أكيد مش هتعرفيني… بعد ما شكلي… وصوتي،اتغيروا واتكســ ـروا في الطريق…
اللي اخترته…!
ليلي لاحظت صمته الطويل ونظراته الثقيلة:
ــ ألو؟… حضرتك معانا هنا ولا سافرت؟!”
ثم وضعت المال في يده بقوة:
ــ دي الفلوس اللي دفعتها… شكرا…!
واستدارت ورحلت… ببساطة…!
ظل راهب واقف، عيناه معلقتان بها
كأن روحه خرجت معها.
بعد لحظات، جاءه صوت من خلفه،كان يوسف:
ــ راهب! واقف ليه؟ اتأخرنا على الاجتماع…
الناس جوه مستنيانا…!
راهب لم يرد إلا بعد لحظة، ثم تمتم بصوت خافت:
ــ …يلا…؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|فيلا العراف|
سحر كانت قاعدة على الكرسي الهزاز…
بتتحرك ببطء كأنها بتعد أنفاسها…
نظرتها فيها بريق نصر، لمعة شيطانية بتلمع…
في عينها، وابتسامة خفيفة على شفايفها…
تمتمت لنفسها، بصوت واطي لكنه مليان خبث:
ــ ماكنتش أعرف إن استغلالك ليا يا أرمان…
هيكون في صالحي…!
ضحكت ضحكة قصيرة… ثم بصت للباب…
كأنها شايفة المستقبل بيتفتح قدامها:
ــ الطفل ده… هو الكارت الذهبي بتاعي…
بيه هتحكم في عبدالحميد، وأخليه تحت رجلي…
لا يقدر يقول آه ولا لأ…!
سكتت لحظة، وكأنها بتستمتع بالفكرة…
ثم شردت بنظرة حادة:
ــ أما انتي يا الما…
ليكي عندي مفاجأة، هتعجبك أوي…
هدية من النوع اللي يخليكي تفكري ألف مرة…
قبل ما تلعبـي مع سحر الطوخي…!
وقربت وشها للمرآة اللي قدامها
وهمست كأنها بتتكلم مع طفلة:
ــ انتي لسه صغيرة يا شاطرة…
واللعبه اللي بتحاولي تلعبيها كبيره قوي عليك…!
لمست بطنها بخفة، وابتسامتها بتتسع كل لحظة…!؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|في غرفة ليلى|
جلست على طرف السرير، تضع يدها بلطف على جبين شادي، الذي يتقلب في نومه بحرارة مرتفعة
كانت عالية تحمل الطفل للحظة بين ذراعيها قبل أن تعيده إلى سريره بلطف…!
عالية بصوت مطمئن:
ــ ما تخافيش…هيكون كويس،شويه وحرارته هتنزل
ليلي تمسك يد شادي الصغيرة
تقبلها بحزن، ثم ترفع عينيها إلى عالية:
ــ تفتكري…هقدر أحافظ عليه؟
عالية تجلس بجوارها، تمسك يدها بحنان:
ــ انتي أعظم أم ربنا اختارها لشادي…
هو محظوظ بيك…!
صمتت ليلي، دموعها تترقرق
وعيناها على ابنها، ثم همست بصوت مختنق:
ــ بس…أنا خايفة لما يكبر…ما يسامحنيش…
إني حرمته من أبوه…!
عالية تمسح دموعها، تحدق فيها بعينين دامعتين:
ـــ هو اللي حرم نفسه… هو اللي خدعك.
أرناط السبب في كل حاجة حصلت… ليكي ولشادي.
هو ما يستاهلش يكون جزء من حياتكم…!
هزت ليلي رأسها بألم، وصوتها خرج كأنه اعتراف:
نفسي يرجع… واساله…هو ليه عمل فيا كده؟
ما عملتلوش حاجه… انا والله العظيم، حبيته.…!
ما كانت تدري أن الباب خلفها ما كان مغلق جيدا…
وأن راهب كان يقف خلفه… يسمع كل حرف…!
دمعة هربت من عينيه، وانكســ ـرت على خده…
همس لنفسه، كأن الجــ ــرح داخله يئن:
ــ كنت غبي… لما اخترت أخسرك…!
مسح دموعه بكف مرتجفة…
واستدار مغادرا في الممر الطويل…
كل ركن في قلبه مكسور… ميــ ــت…!
عالية تفتح ذراعيها وتضم ليلي إلى صدرها…
تحاول احتواء ارتجافها…
عالية بهمس دافئ:
ــ تمام… اهدي، أنا جنبك…
ليلي تشهق شهقة طويلة
وصوتها يطلع من مكان موجوع في قلبها:
ــ أنا حاولت أنسى…بس الوجع ما بينامش…
بينطلي ف كل ضحكة، ف كل لحظة لوحدي…
حتى شادي، لما بيبصلي بعينيه…
بحس كأني شايفاه هو…!
عالية تمسح على ظهرها بلطف
وتشد الحضن كأنها عايزة تمتص عنها كل التعب:
ــ صدقيني هو اللي لازم يتوجع مش انت…!
ليلي تهمس بصوت منكسـ ــر:
ــ بس ليه؟ ليه خدعني؟ ليه كنت لعبة؟
أنا كنت مستعدة أضحي بكل حاجة عشانه…
عالية تشد على إيدها، وتبصلها بعيون ثابتة:
ــ علشان ما كانش يستاهلك…
بس ربنا وهبك هدية أغلى من أي حب…شادي…!
لحظة طويلة تمر… ليلي تبكي، وعالية تضمها أكتر…
والهدوء في الغرفة يحمل وجع السنين…
عالية وهي بتبص لـليلي بنظرة فيها حزم وقلق:
ــ ماينفعش نفضل في الفندق…
رائد وجدك لازم يعرفوا إنك في مصر…
ليلي وهي قاعدة على طرف السرير
صوتها واطي ومليان حيرة:
ــ كنت بس محتاجة وقت… أرتب دماغي…
أفكر…لما أقف قدامهم هقولهم إيه؟
عالية تقعد جنبها وتلمس إيدها:
ــ هنفكر سوا، وهنرتب كل حاجه…
بس لازم تكوني جاهزة تقفي قدامهم…
مش علشان تبرري، بس علشان…
نقدر نعدي المرحله دي…
ليلي تسند راسها على كتف عالية…
صوتها مبحوح من كتر التفكير:
ــ خايفة يا عالية… خايفة أقف قدامهم وأنهار…
ليلي تغمض عينيها…
تاخد نفس عميق كأنها…
بتحاول تجمع شتات نفسها…!

 

رواية أرناط الفصل السابع عشر

 

«البارت17من روايه ارنــاط»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سحر تدخل غرفة راهب على أطراف أصابعها…
تشوفه نايم بهدوء على السرير. تقفل الباب من وراها ببطء، تتقدم منه بخطوات مترددة، وتقعد على طرف السرير. عيونها تسرح في ملامحه، كلها شوق وحب رغم إنه ما عطاها يوم حتى ذرة اهتمام. ومع ذلك… لسه بتحبه…!
تمد يدها تلمس خده، وفجأة، يفتح عينه بفزع
كان هيصــ ـرخ، لكن بسرعة تحط إيدها على فمه:
سحر بهمس:
ــ ششش… ما تطلعش صوت…
راهب يشيل إيدها بعصبية، ثم يرفع اللحاف، ويقوم واقف بحدة:
ــ هو انتي ماعندكيش د،م؟!
أبويا في البيت، وإنتي داخلة عليا في الوقت ده؟!
سحر ببرود واطمئنان:
ــ ماتخافش اوي كده، أبوك نايم…
ما بيصحاش غير الصبح…!
يمسكها من ذراعها بعنـ ـف:
ــ اطلعي بره! أنا قلت الأوضة دي ما تدخليهاش تاني!
رغم القسوة، سحر تبتسم بحزن وتحط يدها على خده:
ــ أعمل إيه؟ بحبك. حتى قسوتك… بحبها…
راهب يبعدها عنه بخشونة:
ــ أنا قلتلك طلعيني من دماغك!
اللي بتفكري فيه مش هيحصل… مستحيل!
تحط إيدها على قلبها، وتقول بتوجع:
ــ أشيلك من هنا…!تشاور على صدرها…!
ولا من هنا؟ !تشاور على راسها!… بقولك بحبك!
راهب بانفجــ ـار:
ــ وأنا ما بطيقش حتى أبص في وشك! افهمي بقى!
سحر تسكت لحظة، وبنظرة متحدية ترمي القنبلـ ــة:
ــ غصب عنك هتتعود على وجودي…
لأني هجيبلك أخ!
راهب بذهول:
ــ إيه؟!
سحر بخبث وهي تلمس بطنها:
ــ أنا حامل… في أخوك…!
راهب باحتقار:
ــ الكلام ده يمكن يمشي على أبويا…
إنما أنا لأ. مين أبو اللي في بطنك؟
سحر تتمسكن وتتدلع:
ــ كنت بتمنى يكون منك…
ما تمنيتش حد يلمسني غيرك…!
راهب بعينين نارية:
ــ كدبك هيبان…وهكشفه… أنا متأكد إن اللي في بطنك مش من أبويا، ولا لي علاقة بيا يا مرات ابويا!
ودلوقتي… اطلعي بره. وجودك بيحسسني بالقرف
سحر تتحول فجأة، تصــ ـرخ، وتفتح باب الغرفة وهي تولول وتتصنع الانهيار:
ــ إلحقني يا عبد الحميد! ابنك عايز يسقطني!
راهب مذهول:
ــ إنتي بتعملي إيه؟!
سحر بتضحك وسط الصــ ـريخ:
ــ عبد الحميد! الحقني! ابنك قتـ ــل ابني!
يدخل عبد الحميد ومعاه شهد على صوت الزعيق. سحر ترتمي في حضنه، والـــ ـدم نازل من بين رجليها.
سحر بأنفاس مقطوعة:
ــ ابنك… قتــ ـل ابني…
تقع مغمى عليها…
راهب بذهول ودفاع:
ــ والله ما لمستها! دي بتمثل!
عبد الحميد يبص له بنظرة نار، مصدق سحر.
شهد بعينين متحجره بهم الدموع:
ــ قتــ ـلته… زي ما قتلـ ــت سيف… إنت قــ ــاتل… مجرم…
راهب يحاول يقرب منها، يمد إيده… لكنها ترتعش وترجع للخلف:
شهد بصدمة:
ــ ابعد عني! ليه قتــ ــلته؟ ليه؟!
راهب:
ــ أنا ما قتلتــ ــش حد! دي بتكدب! والله ما لمستها…
عبد الحميد يشيل سحر بسرعة يصـ ـراخ:
ــ اتصل بالإسعاف! حسابك معايا بعدين!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
| اليوم التالي في الصباح|
نزلت ليلى من العربية، وقفت قدام البيت الكبير…
اللي بيطل بواجهته الهادية على جنينة صغيرة…
لكن منظمة، وأنيقة بشكل يريح القلب…
لحقتها عالية، فتحت شنطة العربية وسحبت منها… عربية أطفال فيها سرير صغير، نايم فيه شادي… وبدأت تزقه بهدوء لحد ما وقفت جنب ليلى…
قالت بصوت واطي، كأنها بتحترم سكون اللحظة:
ـ يلا ندخل…
ليلى أخدت نفس عميق، عينيها اتنقلت…
على ملامح البيت اللي كان في يوم وطنها…
خطوتها كانت مترددة، لكنها ثابتة…
وكل ما بتقرب، ذكريات بتقرب أكتر…!
في ركن من أركان الجنينة، كان راجل كبير في السن بينضف حوالين شجرة قديمة…
ليلى ثبتت نظرها عليه، وابتسمت…
دي الشجرة اللي كانت بتجري حواليها هي ورائد زمان…
ومشهد الطفولة رجع بوضوح…
ــ رائد بيتخبى ورا الشجرة
وليلى بتجري وراه وهي بتضحك:
ــ …همسكك…!
رائد بيرد وهو بيجري بصوت طفولي فرحان:
ــ مش هتعرفي، أنا أسرع منك!
رجعت ليلى لواقعها…
بس قلبها لسه متعلق باللحظة القديمة…
كانت على وشك تنادي على جدها، بس قبل ما تطلع الكلمة من بقها، فجأة قال بصوت فيه دهشة:
ــ ليلى؟
التفت ولقاها قدامه، عينيه نوروا، فتح دراعاته…
وليلى ما ترددتش لحظة… جريت، واستخبت في… حضنه،كأنها بنت صغيرة بتتخبى من برد الدنيا كلها
ليلى وهي بتعيط:
ــ جدو أكمل… وحشتني أوي…
مسح على شعرها بحنية وهو بيهمس:
ــ وأخييييرا، رديتي لجدك العجوز روحه تاني…
ليلى بعدت شوية عنه، وقبلت إيده:
ــ سامحني يا جدو…
ابتسم أكمل ودموع الفرح بتلمع في عينيه:
ــ انتي حفيدتي الغالية، ومهما قسيتي…
أنا بمحي… وبنسى…!
حضنته تاني، حضن كانت بتتمنى من سنين…
من يوم ما سافرت وهي طالبة، وتخرجت، واتعينت معيدة… بس قلبها ماكنش ساب البيت يوم.
بصلها أكمل بحنية، وبعدين نقل عينيه لعالية،
اللي واقفة جنب عربية الطفل:
ــ عاملة إيه يا عالية يا بنتي؟
عالية قربت منه، وباست إيده بمحبة:
ــ شوفتك بخير يا جدو أكمل… بقيت كويسة أهو…
بص أكمل لعربية الطفل باستغراب…
وصوته طلع تلقائي:
ــ مين ده؟ ابن مين؟
ليلى اتجمدت للحظة، مافيش صوت طالع منها.
عالية قربت من العربية، وشالت الطفل بابتسامة:
ــ ده شادي… ابني، يا جدو أكمل.
ليلى بلعت ريقها بصعوبة، وهي شايفة جدها بيقرب من شادي،خده في حضنه، وباسه من جبينه:
ــ ما شاء الله، تبارك الرحمن… ربنا يحفظه ليكي يا بنتي.
عالية:
ــ يا رب، تسلم يا جدو…
سأل أكمل باستغراب صادق:
ــ بس ما قولتوش إنك اتجوزتي…
فين أبوه؟ ما جاش معاكي؟
ليلى غمضت عينيها، والمشهد ضــ ـرب في بالها…
خناقة، صــ ـراخ، دمعة، وانكسـ ــار…
وأرناط بيقع على حافة الترابيزة…
وبيروح من غير وداع…!
عالية تدخل بهدوء، صوتها فيه ألم مكســـ ــور:
ــ جوزي مات في حادث، بعد ما شادي اتولد بايام، يا جدو…
وفي لحظة، انضم رائد…
لف دراعيه حوالين ليلى من ورا…
وضحكته العالية غطت على الجو…!
ليلى بضحك:
ــ نزلني… يا رائد!
لفها زي زمان، زي ما كان بيعمل وهي صغيرة.
ضحكت من قلبها… كأن الوجع اللي جواها هدأ فجأة.
نزلها، حضنها بقوة:
ــ وحشتيني يا قلبه… يا روحي…!
ليلى بحب وشوق:
ـ والله انت اللي وحشتني…
رائد عبس بدلع:
ــ ليه ما قولتيش إنك نازلة؟
كنت جيت جبتك من المطار!
ليلى نظرت لعالية في صمت، وقالت جواها:
ـ حتى أنا، يا رائد… ماقالوليش إني نازلة…
عالية قطعت الصمت بضحكه:
ــ ايه يا داك! مش هتسلم عليا ولا إيه؟
رائد ضحك وسلم عليها:
ــ آسف جدا يا عالية… حمد الله على السلامة.
وبعدين بص للطفل اللي جده شايله:
ــ مين ده؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|في المستشفى|
عبد الحميد واقف قدام باب الغرفة، إيديه متشابكة وعينه معلقة بالممر، منتظر الدكتور يخرج يطمنه على سحر والجنين. فجأة، بيرن تليفونه، ولما شاف الاسم على الشاشة قال بسرعة بتوتر:
ــ أيوه،يا أيهم؟
الدكتور أيهم بحماس:
ــ الحمد لله، نتيجة التحاليل وصلت، وقلت لازم أبشرك بنفسي… الإصابة القديمة اتعالجت،يا عبد الحميد.بيه تقدر تخلف تاني. والطفل اللي سحر حامل فيه… ابنك!
عبد الحميد ماصدقش نفسه، ابتسم ابتسامة مهزوزة بين الذهول والفرحة، بس قبل ما ينطق بكلمة، باب الغرفة اتفتح وخرج الدكتور بوجه حزين:
ــ سحر هانم بخير… بس الطفل نزل. حصل إجهاض.
الفرحة اتكســـ ـرت في لحظة، كأن السقف وقع على راس عبد الحميد. في اللحظة دي، كان راهب واقف جنب يوسف، وشه متجمد.
عبد الحميد لف ناحيته، عينه مليانة غضب، واندفع عليه، ماسكه من ياقة قميصه بعــ ــنف:
ــ قتــ ـلت أخــوك… يا كــ ـلب! مش هرحمك… مش عايز أشوف وشك تاني!
راهب بيحاول يدافع عن نفسه:
ــ أنا ماعملتش حاجة!
وبعدين اللي كانت حامل فيه ده مش…
عبد الحميد ضــ ـربه بالقلم قبل ما يكمل:
ــ … اخــ ـرس…!
يوسف متدخل:
ــ عمي، ماينفعش كده، اهدا شوية!
عبد الحميد بيشاور على راهب:
ــ قتــ ـلت أخوك عشان الطمع… عشان الثروة… تروحلك لوحدك، بس والله ما هتشوف منها جنيه! اطلع بره… مش عايز أشوفك هنا تاني!
يوسف شد راهب من دراعه:
ــ تعال معايا، ياراهب، دلوقتي مش وقت الكلام…
راهب كان مصمم يرد، بس يوسف شده وهو بيقول بهدوء:
ــ علشان خاطري…يا راهب…امشي!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|قدام المستشفى، في الهوا البارد|
كان الهوا بيصفر حوالين يوسف وراهب…
بس اللي جوا قلب راهب كان أشد برودة…
يوسف بنبرة هادية، بيحاول يهدي نار ابن عمه:
ــ اهدا شوية، عمي قال الكلام ده وهو منهار… ماكانش واعي لكل كلمة. لما يروق، هيفكر بعقله وهيعرف الحقيقة
راهب بعصبية متفجــ ـرة، عينه بتبرق من الغيظ:
ــ اللي بيجنني إنه صدق! صدق إنها حامل منه!
يوسف بتردد، صوته منخفض:
ــ ما يمكن… فعلا يكون ابنه؟
راهب بضحكة قصيرة حزينة، فيها مرارة:
ــ سحر بتكدب يا يوسف! لو كان ابنه بجد…
كانت وقفت قدام العالم كله علشانه…
بس ضحت بيه… بسهولة…
كأنها بتتخلص من نقطة ضعف كانت هتفضـ ــحها!
يوسف،بحيره:
ــ بس ليه تعمل كده؟ ليه تتهمك بإجهاضها؟
راهب بيقولها بأسى، وكأنه شايف الصورة قدامه بوضوح:
ــ علشان عارفة إني كنت هكشف لعبتها… وأثبت إن اللي في بطنها مش ابن عمك، اللي مصدق إنه ممكن يخلف، رغم إن كل الدكاتره قالوا…
إنه مستحيل،يخلف، بعد الحادثة…
يوسف بصوت واطي:
ــ طيب… مين أبو الطفل؟
راهب بهمس مشوش، كأنه بيكلم نفسه:
ــ ماعرفش… بس متأكد إنها خططت لكل تفصيلة… حتى اللحظة دي، كانت محسوبة…
هي عايزة تبعدني عن أبويا تماما!…
يوسف بعزم ضعيف:
ــ عمي… مش ممكن يستغنى عنك، مهما حصل.
راهب بعين فيها مرارة وغصة
بيكتم وجع أعمق من الكلام:
ــ لو كنت شفت عينه وهو بيبصلي…
كنت فهمت. أنا خرجت من قلبه خلاص…
وسحر؟ سحر كسبت أول جولة من لعبتها…
يوسف بيحاول يتماسك:
ــ اهدا، راهب… أكيد هنلاقي حل…
راهب بنبرة قاطعة، وملامحه فيها قرار اتخذ خلاص:
ــ يوسف… اللي كنت مأجله، جه وقته…!
يوسف بتوتر وخوف من القادم:
ــ راهب، أرجوك… اللي ناوي عليه ممكن يولـ ـع الدنيا أكتر بينك وبين عمي. خلينا نهدى ونفكر بالعقل.
راهب بصوت غليظ، من غير ما يبصله:
ــ يوسف، نفذ اللي قلتلك عليه… وبسرعة…!
يوسف بهمس مطيع:
ــ حاضر، ياراهب…حاضر ربنا يستر…
راهب بعد ما خلى ضهره ليوسف، مشي خطوتين لقدام. وقف، رفع راسه للسماء، والبرد بيقرص وشه وقال بصوت بالكاد مسموع، كأنه بيوقظ شبح مدفون…!!
راهب بغموض مـ ــرعب:
ــ جه الوقت… اللي تطلع فيه من كفنك…
وترجع تاني يا أرناط…!

 

رواية أرناط الفصل الثامن عشر

 

«البارت 18من روايه ارنــاط»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جلسوا جميعا في الصالون…
بعد أن أزالوا بعضا،من شوق الغياب الطويل…
والسكينة تتسلل بهدوء بين أنفاسهم…!
قال رائد وهو ينظر إلى عاليه:
ــ أنا هشوف واحدة تيجي تنضف الشقة…
اللي فوق، عشان عاليه وشادي يقعدوا فيها…!
عاليه ردت بإحراج وهي تبص في الأرض:
ــ ماتشغلش بالك يا رائد، أنا هشوفلي بيت قريب…
لكن أكمل، اللي لسه شايل شادي …
في حضنه بص لها بحنان وقال:
ــ البيت هنا كبير، وانتي زيك زي ليلي…
وبعدين… انتي عايزة تبعدي عن صحبتك؟
عاليه بصت لليلي وضغطت على إيدها بحب:
ــ ليلي مش صاحبتي يا جدو، ليلي أختي…
وما ليش غيرها في الدنيا بعد ما أهلي مـ ـاتوا…!
ليلي نزلت دمعة من عينها…
وحتت إيد عاليه بإيدها التانية:
ــ وأنا لو كان عندي أخت حقيقية…
ماكنتش هتكون أحن ولا افضل منك…!
رائد قاطعهم بضحكة وهو يقوم من مكانه:
ــ طيب، على ما تخلصوا المسلسل الدرامي ده…
أنا طالع أشوف حد ينضف الشقة اللي فوق…!
ضحكوا كلهم ومسحوا دموعهم في نفس اللحظة… كأن الضحك والمشاعر اختلطوا ببعض…!
أكمل بص لشادي وقربه من صدره، وهو يقبله بحنية:
ــ وبعدين أنا حبيت شادي من أول لحظة شلته فيها… حسيت كأنه شق قلبي وقعد فيه من غير استئذان…
ليلي وعاليه تبادلوا نظرات طويلة…
نظرات فيها ألف كلمة، وأكتر من سر…!
نظراتهم كانت بتحكي اللي لسه متقالش…
وأكمل، وهو فرحان بحفيد مش عارف إنه حفيده… فضل يضحك لشادي ويحضنه…
من غير ما يعرف إن الطفل اللي في حضنه…
مش ابن عاليه، لكن ابن ليلي…!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|بعد مرور أربعة أيام|
البيت ساكن، لكن الصمت فيه له صوت…
عبد الحميد واقف في نص الصالون…
عينه بتقدح شرار، عضلات وجهه مشدودة…
كأنه بيقاوم بركان جواه…!
سحر قاعدة على الكرسي، حاطة إيدها على بطنها.. كأنها لسه خارجة من معركة، ملامحها شاحبة…
تمثل الألم والإرهاق ببراعة…!
عبد الحميد صوته عالي، ثابت، بيقطع الصمت:
ــ البيت ده… مش عايز أشوفك فيه تاني يا راهب!
راهب يتقدم بخطوتين…
صوته غاضب مبحوح من الوجع:
ــ انت بتطرد ابنك؟ علشان واحدة زي دي؟!
عبد الحميد يرفع صباعه في وشه، صوته مر:
ــ اتكلم بأدب، اللي بتتكلم عنها دي تبقى مراتي…
أنا ما بطردكش علشانها…
أنا بطردك علشان مش قادر أبص في وشك!
انت السبب في مـ ـوت أخوك… وهو لسه ما كملش حتى شكل الإنسان، كان مجرد شوية د،م!
راهب يبتسم بوجع، بعين فيها تحدي:
ــ بجد؟ بجد مصدق الكذبة دي؟
مصدق إن واحد في سنك…
بعد اللي حصله، يقدر يخلف؟ولا إيه…
عمتك … بطلت تشوف خلاص؟
عبد الحميد صوته يرتعش
من الغضب بيقاوم الانفجـ ــار:
ــ اطلع بره… ما تورينيش وشك تاني!
انت زي الفيروس… كل اللي يقرب منك يتسمم!
دمـ ــرت أختك… سبتها كفيفة…
بتتخبط في الظلام لوحدها…
ولما عرفت إن سحر حامل…
قتلـــ ـت الطفل،بطنها!
ولك عين بعد كل ده تتكلم…اطلع بره!
راهب صوته مكسور
وعينه بتلمع من الذل والخذلان:
ــ انت كبرت وخرفت…
معقول مش شايف الحقيقة؟
مراتك دي… سلعة رخيصة
بترمي روحها في حضن أي راجل!
والله أعلم الطفل اللي كانت شايله ده ابن مين!
عبد الحميد يندفع عليه…
وضـ ـربه بالقلم، صوت الصفعة دوى في المكان:
ــ اخرس! ما تسمعنيش صوتك تاني…
اطلع بره، مافيش ليك مكان هنا!
راهب ما اتكلمش، نظرته كانت هي اللي بتحكي… خرج وهو بيشد نفسه بصعوبة، مشي للجنينة…
الهوى بيقرص وشه، بس اللي بيقرص قلبه أقسى…
راهب بيطلع موبايله، صوته غليظ:
ــ يوسف… كلم الما، وخليها تبعتلي كل الإيميلات…
اللي تخص الشغل لازم توصلني، بسرعة…!
قبل ما يوسف يرد، حس بنفس أنفاسها ورا ضهره. سحر وقفت جنبه، وهمست في ودنه، بنفس نبرة صوت يوسف:
سحر بنبرة باردة:
ــ الما… ماجتش النهارده…
اترش عليها ميه نـ ــار، وهي دلوقتي في المستشفى…
راهب لف لها، عيونه متسعة بدهشة مرعوبة…
راهب بصوت مش مصدق:
ــ انتي؟ انتي اللي عملتي كده فيها؟!
سحر بخبث وهي بتقرب منه، نبرتها هادية وقاتلة:
ــ أنا؟
أنا ما بحبش أعـ ــدائي يختاروني خصم…
أنا بشفق على أعـ ــدائي…
وإنت شفت بنفسك النتيجة…!
راهب يمد إيده ويمسك دراعها بقسوة
عينه بتتوهج بالغضب والوعيد:
ــ أنا عارف إنك اللي مدبرة كل حاجة…
بس خدي بالك، الشاطر اللي بيضحك في الآخر…
واللي انتي فاكرة إنك مسكاه دلوقتي…
في لحظة ممكن تفتحي إيدك ما تلاقيهوش!
سحر تهز إيده وتتخلص من قبضته
بصوت واثق:
ــ الما؟
دي كانت سمكة صغيرة…
في بحر القروش، السمك الصغير ما بيعومش كتير…
راهب بابتسامة باردة، صوته اتغير
بقى أهدى… لكن أخطـ ـر:
ــ القروش اللي عندك؟أنا هكسـ ـرلك زعانفهم…
واحدة ورا التانية…
وهاخليكي تبقي عبرة…
الكل هيشفق عليكي، حتى أعــ ـدائك…
راهب ركب عربيته، الباب اتقفل بعصبية، وصوت… الموتور دوى في سكون الليل. انطلقت العربية… بسرعة، والطراب طار حوالين إطاراتها…
وساب وراه ريحة غضب ووعيد…!
سحر وقفت في نص الجنينة، كانت بتتفرج…
على ضهر العربية وهو بيختفي، ملامحها ثابتة…
بس عيونها بتلمع ببريق شيطاني ساكن…
سحر تبتسم ابتسامة باهتة
وتهمس بصوت واطي لكنها حاد زي السكـ ـين:
ــ واضح يا راهب…
إنك مصمم تكون عـ ــدوي…
يعني القرار قرارك… وانت اللي اخترت الطريق ده…؟
تلف جسمها ببطء، وكأنها بتخاطب حد مش موجود أو يمكن كانت بتخاطب الهوى نفسه…
بس نبرتها كانت مقصودة، محسوبة…
سحر تكمل الكلام بصوت أعلى شوية
مليان خبث وتخطيط:
ــ واضح إن الوقت جه…
الوقت اللي نبدأ نستفيد فيه من الطير اللي اصطدناه
ما يصحش نخليه في القفص أكتر من كده…
الطير لازم يغني… وإحنا نسمع ونستفيد…!
تمشي سحر بخطى هادية، كعب جزمتها بيطق على الأرض الرخام، وكل خطوة فيها رسالة…
أنا اللي بلعب، والكل أدوات…!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اليوم التالي – في مكان مهجور تحيط به الجدران المتهالكة والهدوء القــ ـاتل…!!
ليلى واقفة وسط الخراب، تلف بعينيها في كل الاتجاهات، تتنفس بسرعة، في يدها تليفونها مفتوح على رسالة قصيرة تحت خريطة تحديد موقع…
الرسالة:
افتكر إنك مستنية حد يكلمك من وقت ما رجعتي مصر. تعالي على المكان ده حالا…!
ليلى تهمس لنفسها وهي تبص حواليها بقلق:
ــ مافيش حد… المكان فاضي…؟
فجأة، يرن في المكان صوت معدني، بارد كأنه خارج من جهاز آلي، صوت فقط… من غير جسد، من غير أي مصدر واضح…
الصوت:
ــ ماتتعبيش نفسك في إنك تدوري عليا…
مش هتشوفيني…
ليلى تتوتر، تبص حوالينها:
ــ انت مين؟ وعايز مني إيه؟
الصوت:
ــ خلينا نختصر. انتي ذكية، زي ما كنت متوقع…
ملك خدت منك البحث، بس انتي كنتي أذكى…
سبتي الشفرة الأخيرة معاك…
الشفرة اللي من غيرها البحث مايسواش…
مجرد ورقة فاضية…
ليلى تتراجع خطوة…
ملامحها تتقلب بين الصدمة واليقظة:
ــ يعني أنتو اللي بعتوا ملك علشان تساعدني وتاخد البحث؟أنا حسيت من الأول إن مساعدتها مش براءه منها… وكلام غزل الله يرحمها أكد شكي…
علشان كده خدت احتياطي…
الصوت بهدوء مريب:
ــ وده اللي عاجبني فيك…
بس أنا في كل الحالات هاخد الشفرة…
لكن علشان ذكائك عجبني… هديكي عرض…
تديني الشفرة… وأنا أقولك معلومة هتغير حياتك كلها
ليلى بصوت متردد:
ــ وليه أصدقك؟ إيه الضمان؟
الصوت:
ــ مافيش ضمانات…!
ليلى تفكر، عيناها تضيقان:
ــ طيب، قول المعلومة… وبعدها أبعتلك الشفرة…!
لحظة صمت طويلة… بعدها الصوت ينطق بكلمات سقطت على قلبها كالرعد…!
الصوت:
ــ أرناط… اللي كنتي فاكرة إنك قتــ ـلتيه…
عايش، يا ليلى.
ليلى تتجمد مكانها. عيناها تتسعان
وشفتيها ترتعشان.بهمس مذهول:
ــ لا… مستحيل…
أنا شفته، كان غرقان في دمــ ـه قدامي…
كان ميــ ـــت… ميـــ ـت!
الصوت:
ــ مش كل اللي بنشوفه حقيقي…
يمكن اللي شفتيه كان غطاء…
بس دلوقتي، أنتي عرفتي…
نفذي… وبعتي الشفرة…
ينقطع الصوت. تفضل ليلى واقفة مكانها، ودماغها بتغلي. كل فكرة تضـ ــرب التانية، ووش أرناط قدامها ما بيفارقش خيالها. في الآخر، بتضغط على الشاشة… وتبعت الشفرة…
لكنها كانت عارفة…
إن حياتها ماعدتش هترجع زي الأول…
بعد ما تبعت الملف، تقفل ليلى الموبايل ببطء وتحطه في جيبها. ملامحها ساكنة بس عينيها بتقول حاجة تانية… فيها عمق، فيها سر…
ليلى بصوت خافت:
ــ فاكر إنك كسبت؟
دي مجرد خطوة…
خطوة لازم تتحط عشان اللعبة تبدأ…
لكن المفتاح الحقيقي… لسه في جيبي…
تلف ليلى وتبص حواليها كأنها بتتأكد إن مافيش حد ثم تمشي بخطوات ثابتة، وكأنها داخلة على مرحلة جديدة كانت بتحضر لها من الاول…؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
داخل سيارة متوقفة أمام بيت صغير…
على أطراف المدينة…!
راهب قاعد جنب يوسف…
عينه على البيت بعينين فيها مكر قديم…
وأصابعه بتطقطق على تابلوه العربية…
راهب بهدوء سام:
ــ شايف البيت ده؟
جوه البيت ده… أكبر سر مدفون…
في حياة سحر الطوخي…!
يوسف بفضول:
ــ سر إيه؟
راهب بابتسامة جانبية:
ــ ابنها.
الولد اللي محدش يعرف عنه حاجة… عاش هنا…!
يوسف ينقلب صوته لصدمة:
ــ سحر عندها ولد؟! إزاي؟
ده حتى عمي عبد الحميد مايعرفش…
راهب:
ــ عمري ما شوفت غلطة استخبت حلو…
مهما اتخبت، بتسيب ريحة…
وأنا شميت الريحة دي من زمان…
لكن عمك ده بيشوف تحت رجله …
وهو لابس النظاره بالعافيه…
يوسف ساخر:
ــ طيب وبعدين؟ هنعمل إيه؟
يعني عايزنا نخطف طفل؟!
راهب يقهقه:
ــ لأ يا يوسف، إحنا ناس متربيين…
هننزل ناخده عادي… زي ما سحر كانت بتعمل…
يوسف بتعجب:
ــ أيوه سحر… مش إحنا…
هي لما بتبعت حد بيبقى معروف …
للدادة اللي بتربي الطفل…
لو نزلنا إحنا،است اللي جوه دي هتطلعنا هاشتاج…
راهب يرفع تليفونه:
ــ عشان كده تليفونه معايا.
أول ما توصل هناك، الدادة هتتصل، وأنا اللي هرد…
وهديها صوت مألوف، يخليها تسلمك راكان وهي مطمنة…
يوسف ينفجر ضاحكا:
ــ والله يا راهب انت شيطان بعينين بني آدم…
طيب… رايح…!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رواية أرناط الفصل التاسع عشر

 

«البارت 19من روايه ارنــاط»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخلت ليلي الغرفة بهدوء، خطواتها ساكنة كأنها تمشي على أطراف الغياب، عينيها مش شايفة اللي قدامها، عقلها بعيد تماما عن المكان اللي واقفة فيه…
كانت عاليه بتغطي شادي في سريره…
ولما شافت ليلي داخله، سألتها بصوت خافت:
ــ عملتي إيه؟… قدرتي تعرفي مين الناس دول؟… شفتي ملك؟
مافيش رد. ليلي قعدت على الكرسي بصمت…
وشها شاحب وعينيها فاضية…
وكأنها بتعيش لحظة مش من الزمن ده…
كانت جملة واحدة بس اللي بتتردد في عقلها:
ــ أرناط اللي كنتي فاكرة إنك قتـ ـلتيه… عايش…
عاليه قربت منها، ولمست إيدها بلطف…
وليلي اتخضت كأنها فاقت من حلم مفزع:
ــ ليلي… اهدي، مالك؟ في إيه؟
ليلي بصت لها، دموع بتلمع في عينيها لكنها…
مش قادرة تنطق، وكأن الكلام نفسه خانها…
عاليه بدأت تقلق أكتر، هزتها برفق:
ــ ليلي! مالك؟ ردي عليا، إنتي كويسة؟
وأخيرا نطقت ليلي… بصوت مكســ ـور وواطي…
جاي من آخر الدنيا:
ــ …عايش…!
عاليه ما فهمتش:
ــ مين اللي عايش؟
ليلي نزلت دمعتها المحبوسة
وقالت بصوت مهزوز:
ــ أرناط… أرناط عايش…!
عاليه شهقت بدهشة:
ــ إزاي؟! إحنا شوفناه وقتها ميـ ـت…
كان واقع وسايب آخر نفس فيه!
ليلي بدأت تنهار، دموعها نازلة بدون توقف:
ــ مش عارفة إزاي…
بس اللي كنت عايشة فيه كان كدبة…
حبه كدبة… وحياته كدبة…
حتى مــ ـوته طلع كدبة!
عاليه حضنتها بسرعة، تحاول تهديها:
ــ طيب، طيب اهدي… بس قوليلي مين قالك كده؟
ليلي اتنهدت بصوت فيه وجع:
ــ الناس اللي ورا سرقة البحث… هم اللي قالولي…
عاليه شدت نفسها:
ــ يعني… شفتي ملك؟
هي اللي قالتلك إن أرناط عايش؟
ليلي هزت راسها بالنفي:
ــ ما شفتهاش… محدش ظهرلي… اتواصلوا معايا… بصوت… كان شبه صوت الإنسان الآلي…
سكتت لحظة، وبصت في الفراغ:
ــ بس كانوا عارفين كل حاجة…
تفاصيل عمري مع أرناط…
وكأنهم كانوا بيشوفوني وأنا مش واخدة بالي…!
عاليه بصوت مشحون بالقلق:
ــ ليلي… إنتي لازم تنسي أرناط، اللي فات مـ ـات… وانتي اللي بدأتي اللعبة معاهم… وهم راجعين… راجعين، تاني…
ليلي بهدوء غريب يخبي وراه نـ ـار:
ــ هم اللي هيوصلوني لأرناط، عاليه…
عاليه بتنظر لها بدهشة:
ــ يعني ناوية تديهم البحث؟! علشان توصليله؟!
ليلي نظرة حاسمة في عينيها:
ــ أنا عشت عمري كله لعبه في إيد غيري…
لكن دلوقتي، جه وقت اللعبة تبقى في إيدي أنا…!
عاليه بصوت مهزوز وقلق بيكبر:
ــ ليلي… احنا مانعرفش الناس دي…
ممكن يعملوا فيكي إيه لو ماخدوش اللي عايزينه…
ممكن يـــ ـأذوكي، يــ ــأذونا كلنا!
ليلي بتنهض ببطء، نظرتها فيها نار وتصميم:
ـ اللعبة دلوقتي على المكشوف…
مفيش أقنعة، الاقنعه خلاص سقطت…!
تمشي خطوتين وكأنها بتخطط على أرض المعركة:
ــ والشاطر هو اللي يمشي فوق الغــ ـم …
كأنه ماشي على رمل ناعم…
يسحبهم وراه، يــ ـدمرهم…
ويخرج من الحكاية كأنه ما دخلهاش…!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مساء – منزل يوسف ورهيفا…!
رهيفا تنظر إلى الساعة بقلق
تمسك الهاتف وتتصل بيوسف:
ــ يوسف… إنت فين؟
يوسف بتلقائية:
ــ مستني راهب…!
رهيفا تتنهد:
ــ وسيبني لوحدي؟
يوسف:
ــ أيــوه…
رهيفا ترفع حاجبها بتهديد ساخر:
ــ طيب، ولما أنكد عليك وأسود عيشتك؟
يوسف بهدوء مستفز:
ــ ولما أبعتك عند أمك…؟
رهيفا:
ــ ولما أزود النكد ومارجعش…!
يوسف:
ــ ولما أطلقك…
رهيفا:
ــ ولما تلاقيني خالعاك أصلا…
يوسف يضحك:
ــ هنستفاد ايه يا اني…
رهيفا بحنان:
ــ مش عارفة…
يوسف بحب:
ــ طيب، أنا جايلك…؟
رهيفا بدلع:
ــ وأنا هحضرك العشا…؟
يوسف بابتسامه حب:
ــ بحبك…!
رهيفا:
ــ بموت فيك…
يوسف يغلق الهاتف، يلتفت إلى راكان الجالس بجانبه.
يوسف يتمتم:
ــ قلت لما راهب يجي هيشيل عني…
وأقضي وقت مع مراتي…
طلع زود انشغالي…
وآخره مقعدني جنب الولد اللي خطفوه…
يقترب من راكان، يبتسم له بلطف:
ــ بقولك يا بطل… تيجي أعرفك على مراتي؟
راكان بطفولة:
ــ إنت بتحبها؟
يوسف ينظر له بعين مليانة حنية:
ــ مفيش حد بحبه قدها…!
راكان:
ــ طب أنا جعان…
يوسف يضحك ويحمله:
ـ من عيوني، أختك رهيفا عاملالنا أكل يجنن…
هتاكل وتدعي لها…
بعد قليل ينزلان من السيارة، يفتح يوسف الباب…
يعلو صوت رهيفا من المطبخ بداخل:
ــ ثواني… والأكل هيكون جاهز يا حبيبي!
تخرج من المطبخ ومعها كبشة في إيدها…
تقف للحظة لما تشوف يوسف ومعاه طفل…
بعدها…بصوت عالي:
ــ إتجوزت عليا؟!
وترمي الكبشة على يوسف. يوسف يتفادى الضـ ـربة مصدوم، تبدأ في الجري وراه وهو يهرب
وهي تصـ ـرخ.بتبكي:
ــ ومخلف كمان؟! جايبه لحد بيتي؟!
يوسف يحاول التبرير:
ــ اهدي بس واسمعيني…يا حبيبتي!
رهيفا ترمي عليه مخدة:
ــ ماتقولش يا حبيبتي!
يوسف:
ــ حاضر… بس اسمعيني.
راكان من بعيد:
ــ أنا مش ابنه… هم خطفوني…!
رهيفا بذهول:
ــ يا نهار إسود يا يوسف!
يوسف يمسك إيده:
ــ ممكن تهدي وتفهميني؟ وانت يا بطل تعال العب… هنا… وانتي تعالي معايا…
يوسف يدخل رهيفا إلى الغرفة، وهي مرتبكة…
رهيفا بهمس:
ــ يوسف… ابن مين ده؟ وخطفته ليه؟
يوسف بجديه:
ــ الطفل ده ابن سحر… مرات عمي…
رهيفا مصدومة:
ــ سحر؟!
يوسف:
ــ أيوه… راهب خطفه عشان يضغط عليها…
رهيفا تنظر للطفل من بعيد:
ــ مش شبهها خالص… البراءة دي مش فيها…
يوسف:
ــ وأنا كمان مش مصدق إنه ابنها…
رهيفا تلف دراعها على رقبته وتبتسم بعد ما هدأت:
ــ فكرتك اتجوزت عليا…
يوسف يضحك:
ــ طيب، لو افترضنا إنه ابني… يبقى أنا متجوزك إنتي عليها، يعني إنتي الجديدة!
رهيفا تضحك بدلع:
ــ دانا كنت خنقتـ ــك…
يوسف يقبل إيدها:
ــ بحبك…
يعلو صوت راكان من الخارج:
ــ أنا جعان!
يوسف ورهيفا يضحكان.
يوسف:
ــ يلا نأكله… بدل ما يفضــ ـحنا!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
داخل شركه العراف في مكتب سحر الطوخي!
سحر ماسكة الموبايل، بتتصل بالدادة.:
ــ ألو… أيوه يا نجاة، طمنيني… راكان كويس؟
صوت الدادة من التليفون بهدوء:
ــ حضرتك بعتي خدتيه امبارح يا هانم… نسيتي؟
سحر بتقطب حاجبها، تحس بحاجة غلط…
فجأة باب المكتب يتفتح ببطء…
راهب يدخل،بنبرة هادئة وابتسامة باردة:
ــ راكان معاكي يا هانم…
انتي بعتي خدتيه امبارح مش كده؟
سحر تلف بسرعة لورا، تشوفه واقف…
والتليفون يقع من إيدها على الأرض…
تنحبس أنفاسها…!
راهب بيمشي جوه وبيقعد…
يحط رجل على رجل ويخلع نضارته:
ــ كده تكســ ـــري التليفون…!
طب هتطمني على ابنك ازاي دلوقتي؟
سحر بهمس مصدوم:
ــ… عرفت إزاي؟
راهب واقف، بيتحرك ناحيتها:
ــ سألت عمو جوجل… وكان كريم جدا معايا…!
سحر بوجع:
ــ ابني… لا يا راهب… أنا خبيته حتى عن نفسي… عشان يفضل بعيد عن كل ده…
راهب بضحكة صغيرة:
ــ كنتي فاكرة نفسك ذكية؟
انتي أغبى خلق الله يا سحر…
والله مش بجاملك.دلوقتي ابنك…
هيشيل تمن خطاياكي، واحدة ورا التانية…!
سحر بصوت مهزوز وشرس:
ــ لو لمست شعرة من ابني…
هخليك تتمنا المــ ـوت وإنت حي…!
راهب يقعد تاني، بهدوء يرفع تليفونه:
ــ بتتهدديني؟
يضغط على الشاشة:
ــ خلص على الولد.
سحر بصــ ـرخة مرعوبة:
ــ لأاااااااااااااااااااااااااااااااااااا!!!
تجري عليه، تقع عند رجله، تبكي، تتوسل:
ــ أرجوك… أرجوك لا… أنا هعمل كل حاجة…
كل اللي تطلبه… بس ابني…
ابني مالوش ذنب، والله مالوش ذنب يا راهب!
راهب بيقفل التليفون، يشــ ــدها من شعرها بعــ ـنف:
ــ أنا كنت دفـ ــنت، أرناط، وخلصت منه…
بس انتي اللي نبشتي قبــ ــره بإيدك…
دلوقتي جاية تتوسلي عشان أرحم ابنك؟
نسيتي إن الرحمة مش في قاموس ارناط؟!
سحر بدموع وسواد:
ــ مش هتستفيد حاجة لو أذيــ ــت ابني…
راهب يسيب شعرها، يبص لها بتلذذ:
ــ لما قلبك يتحـــ ــرق عليه… أنا هستفيد…!
!يشوفها تبوس جزمته!
سحر تبكي وهي تبوس الأرض عند رجليه:
ــ ابوس رجلك… بلاش ابني. أنا ماليش غيره… مستعدة أعمل أي حاجة… أي حاجة…
راهب يمسح دموعها بإيده:
ــ مش قلتلك… هخلي حتى أعدائك يشفقوا عليكي؟
بس انتي عندك حق… ابنك فعلا بريء…
بس للأسف اتولد من وســ ـاختك…!
سحر بتهمس:
ــ رجعلي ابني…
راهب يرجع يلبس نضارته:
ــ انتي مستعجلة ليه؟
نفذي اللي مطلوب منك الأول…
روحي لجوزك واعترفي بكل حاجة…
عن الطفل اللي كان في بطنك…
سحر بصوت مخنوق:
ــ ده معناه نهايتي…!؟
راهب بنبرة نهائية:
ــ صح…!
تحبي نهايتك تكون في بيت العراف؟
ولا نهاية ابنك؟
صدقيني…هنريحه إنه يكون عنده أم زيك…
سحر بانهزام:
ــ خلاص… هطلب الطلاق من أبوك…
وهخرج من حياتكم…
راهب يقف:
ــ بس قبل الطلاق…
لازم يعرف إن الطفل مش ابنه…
سحر تنظر له بعينين فيها نار:
ــ النــ ـار اللي بتلعب بيها… هتحـ ـرقك، صدقني.
راهب واقف عند الباب، يده على المقبض، يفتحه نص فتحة بهدوء، يدخل منه ضوء باهت من الممر.
يلتفت بنص جسمه ناحية سحر، اللي لسه واقفة منهارة ومكسـ ــورة في الأرض، شعرها مبعثر ودموعها نشفة على خدها، لكن عنيها مشتعلة.
راهب بابتسامة ماكرة:
ــ قوليلي صحيح يا سحر…
مين أبوه؟
سحر تتنفس ببطء، تمسح دمعها
وهي ترفع عينها فيه:
ــ هتفرق معاك لو عرفت؟
راهب بلا مبالاة وهو يطالعها بنص ابتسامة:
ــ لا… مش هتفرق…
بس… يمكن تفرق مع راكان…؟
الحي أبقى من اللي مــ ــات…
راهب يغمز بعينه، يغلق الباب وراءه ببطء وهو يخرج، وتسمع صدى الخطاف المعدني للباب يتقفل…
سحر تبص للمكان حواليها، عنيها تلف في كل ركن… ثم ترجع تصـ ـرخ فجأة وتضـ ــرب المكتب…
الكتب تقع وتحاول تكسـ ــر أي حاجة قدامها…
نفسها يتسارع، بتجري ناحية الشمعدان، تفكر تـ ــولع في المكتب… لكن تقف في اللحظة الأخيرة، تعض شفايفها وتهمس،بغضب مكتوم:
ــ مش هسيبك يا راهب…؟!
ده كان الخطا الوحيد اللي مش ممكن اسامحك عليه…؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

رواية أرناط الفصل العشرون

 

«البارت 20من روايه ارنــاط»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|مساء – بيت يوسف|
يوسف يجلس على الأريكة،راكان يلعب في الغرفة
وصوت هاتفه يرن اسم المتصل،راهب…
يوسف يرد:
ــ أيوه يا راهب؟
راهب بعصبية:
ــ أنا وصلت البيت، إنت أخدت راكان ورحت فين؟! أنا مش قايلك ماتتحركش غير لما اجي؟!
يوسف بهدوء:
ــ أنا في بيتي… والولد معايا، ما تقلقش…
راهب منفعل:
ــ الله يخربيتك يا يوسف! إنت اتجننت؟
بتاخد الولد على بيتك؟!
يوسف:
ــ فيها إيه يعني؟ الولد لطيف جدا…
رهيفا كمان حبته أوي…!
راهب يحذره:
ــ آه …بس أمه مش لطيفة…
ومش هتفكر لحظة لو عرفت إن ابنها عندك…
ممكن تروح فيها إنت ومراتك،يا يوسف!
يوسف بدأ يشعر بالتوتر:
ــ طيب… أعمل إيه؟
راهب بصوت حازم:
ــ اسمع اللي هقولك عليه ونفذه بالحرف…!
يوسف يصمت، يستمع جيدا، نظراته جدية…
ثم يغلق الهاتف بهدوء. رهيفا تخرج من المطبخ…
رهيفا بقلق:
ــ مالك،يا يوسف؟ حصل حاجة؟
يوسف يحاول السيطرة على صوته:
ــ جهزي نفسك… هننزل حالا…
رهيفا:
ــ ننزل؟ هنروح فين؟
يوسف يرتدي جاكيت بسرعة:
ــ هوديكي عند أمك… تقعدي معاها يومين…!
رهيفا باندهاش:
ــ ماما كويسة! ليه عايز تمشيني من البيت؟
يوسف وهو يبحث عن مفاتيحه:
ــ يلا يا حبيبتي، مش عايزين نتأخر…
لسه هنسافر الشرقية، والطريق طويل…!
رهيفا تنظر له، تدرك أن هناك شيء خطيــ ـر…
لكنها لا تسأل أكثر. تبدأ في تجهيز نفسها بسرعة…!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|شقة سحر – مساء|
إضاءة خافتة، ستائر مغلقة، سحر تجلس على الأريكة بثوب داكن، أمامها طاولة عليها كأس مشروب… ورجلها صلاح واقف بالقرب منها.بحزم:
ــ أنا هقلب كل مكان يخص راهب…
مخازنه، شققه، وحتى الأماكن اللي بيقابل فيها… رجالته. لازم ألاقي راكان…
سحر بانفعال، تمسك الكأس بقوة:
ــ راهب مش غبي يا صلاح… مش هيخطف ابني اللي كنت مخبياه عن الدنيا كلها… ويسيبه في مكان احنا نقدر نوصله!
ترتجف يدها من الغضب، ثم فجأة ترمي الكأس في الحائط، يتحطم بصوت حاد…
صلاح يحاول تهدئتها:
ــ راهب كان عارف بوجود راكان من الأول…
وعارف يستخدمه ضدك في الوقت المناسب …!
سحر تتنفس بصعوبة، تمرر يدها على جبينها:
ــ سفر عبدالحميد النهارده هيديني شوية وقت… أرتب أفكاري… وأقرر أنا هعمل إيه…
صلاح بانتباه:
ــ تامريني بحاجة دلوقتي؟
سحر ترفع يدها دون أن تنظر له:
ــ امشي… عايزه أكون لوحدي…
مش طايقة أشوف حد…
صلاح يومئ برأسه بصمت ويخرج من الغرفة…
سحر تغمض عينيها لحظة…
ثم تفتحهم وفي نظرتها وعد بالانتقام…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|بعد المغرب، في غرفة هادئة|
ليلي كانت بتكتب ملاحظات عن شادي…
أكله ونومه،لكن فجأة لاحظت حاجة…
شادي، اللي لسه في عمر ست شهور…
قاعد بيتفرج على المكعبات اللي قدامه…
بس مش بيتعامل معاها زي أي طفل…
كان بيبدل مكان كل مكعب…
بنفس الترتيب اللي بتحطه ليلي …
في الرف بعد ما تنضفه…
ولما غيرت أماكنهم قدامه،ابتسم…
وبدأ يعيد ترتيبهم بنفس النمط القديم…
كأنه بيختبرها…
ليلى قلبها دق بسرعة،تهمس:
ــ إنت حفظت ترتيبهم؟
هو ماكانش بيتكلم…!
بس نظرته كانت مركزة علي، إيديها،كأن بيقولها:
ــ أنا واخد بالي… من كل حاجة…!
في يوم تاني…تذكرت ليلى!
كان في نقاش بينها وبين عالية في الصالة…
عن موضوع حساس…ولقوه بيبكي فجأة…
بس مش عشان جعان أو متضايق…
كان بيبكي وقت ما عالية قالت كلمة ،خطـ ــر…
عالية مستغربة:
ــ هو… فهمنا؟
ليلي:
ــ مستحيل. بس شادي مش طفل عادي…!
من بعدها، بدأت تلاحظ:
شادي بينتبه لعيون الناس، مش لصوتهم…
بيركز على ملامح الوجه…
بيرمش لما حد يكدب…
وبيضحك بس لما الكلام يكون صادق…!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|بعد مرور يومين|
خرجت شهد من الكافيه بخطوات هادئة…
عصاها البيضاء تتحرك أمامها بثقة تحفظها ذاكرة… الأماكن. الجو ساكن، لا صوت إلا همسات الشارع… ونبض المدينة في المساء. وقفت في المكان المعتاد. اللي دايما بتنتظر فيه سواقها، متولي…
وسمعت صوت سيارة بتقف قدامها…
فتحت الباب بهدوء،
وقبل ما تتحسس أي حاجة قالت بصوت عاتب:
ــ اتأخرت ليه يا عمي متولي؟ أنا واقفة بقالي كتير…
في الكرسي الأمامي، كان رائد بيبصلها بنظرة مبهورة. دي هي. البنت اللي بييجي مخصوص عشان يشوفها كل يوم، ولأول مرة تبقى قدامه بالشكل ده…
راكبة عربيته من غير ما تعرف!
ابتسم، قلبه بيرقص فرح…
وحرك العربية على مهل…
عينه كانت مش بتفارقها من المراية…!
شهد وهي قاعدة في العربية…
بتشم ريحة عطر مش مألوفة…
فبتكشر وتقول بتوتر:
ــ استنى… أنت مش عمي متولي. دي مش ريحته…
رائد بهدوء، بيحاول يطمنها بصوت رخيم ومتزن:
ــ عندك حق… أنا مش عمي متولي…
شكلك اتلخبطتي والعربية شكلها شبه عربيتك…
وأنا لقيتك داخلة وما حبيتش أزعجك…!
شهد بسرعة تمد إيدها لشنطتها…
وبتدور على تليفونها، أصابعها…
متوترة وهي تتحسس الزرائر:
ــ لو سمحت… وقف العربية فورا…
رائد وهو بيركن على جنب بسرعة وبهدوء:
ــ حاضر… خلاص، وقفنا. بس بالله عليكي…
ما تخافيش. أنا مش هــ ـأذيك… اهدي…
شهد بنبرة شكاكة:
ـ إنت مين؟ وليه سايبني أركب عربية مش عربيتي؟
رائد ياخد نفس عميق…
ويحاول يكون صادق في نبرته:
ــ لأنك كنتي باين عليكي تعبانة…
ومشيتي بسرعة ناحية العربية…
ولما قلتي اتأخرت ليه…
خفت أقولك الحقيقة فجأة تتوتري…
بس والله ما كان قصدي أي حاجة وحشة…
شهد تسكت لحظة، كأنها بتحلل صدقه من صوته وبعدين تقول بنبرة أقل حدة:
ــ بس صوتك… سمعاه قبل كده. فين قابلتك؟
رائد يبتسم، ونبرته دافئة:
ــ في الكافيه… من حوالي شهر. خبطتيني بالغلط… وإنتي خارجه، وقلتي أنا آسفة ومشيتي بسرعة…
شهد بصوت هادي:
ــ آه… افتكرت. إنت كنت لابس جاكيت خشن… حسيته لما خبطت فيك…
رائد بدهشة لطيفة:
ــ صح، إنتي عندك ذاكرة حس رائعة…!
شهد بابتسامة خفيفة، لكن لسه حذرة:
ــ ما قلتليش… إنت عايز إيه مني؟
رائد:
ــ ولا حاجة. بس حبيت أتعرف…
من غير ما أبان فضولي أو مزعج…
شهد:
ــ طب وأنت ليه ما قلتش إنك مش السواق…
قبل ما العربية تتحرك؟
رائد بعد تردد بسيط:
ـ بصراحة؟ لأني اتوترت… وحبيت أتكلم معاكي حتى لو دقايق. مش عايز أكون مجرد صدفة…
شهد، بنبرة فيها شيء من القبول:
ــ طب طالما نيتك سليمة…
وصوتك مش مـ ـرعب… وصلني…
رائد بصوت ناعم:
ــ زي ما تحبي… بس لو قابلتك تاني…
تسمحيلي أقول اهلا، واعزمك على فنجان قهوه؟
ضحكت شهد بهدوء:
ــ لو عرفتك من ريحتك أو صوتك…
هرد عليك. واقبل عزومتك…
رائد ابتسم، لكن قبل ما يرد…
عينه راحت للمرآة الجانبية…
ووجهه اتبدل فجأة…
ضوء عربية سوداء من غير نمر بتقرب بسرعة… وبتلحقهم، وسائقها بيدوس على الكلاكس…
مرتين كأنه بيبعث تحذير…
رائد ضغط على دواسة البنزين فجأة…
وشهد اتشبكت في الكرسي:
ــ في إيه؟! ليه سرعت كده؟!
صوته اتغير، بقى مشوش، فيه خوف لأول مرة:
ــ معلش، فيه عربية ورا شكلها بتتابعنا…
ماتخافيش، أنا مش هسيبك…
شهد مسكت طرف الباب، وجسمها كله توتر:
ــ مين بيتابعنا؟! إنت مين أصلا؟!
رائد ما ردش، بس العربية كانت بتزيد سرعتها… والطريق حوالينهم بدأ يضلم أكتر من العادي…
وكأن الدنيا كلها سكتت تستنى اللي جاي…؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في أحد المستشفيات الخاصة، كان يعقد اجتماع… لمجموعة من رجال الأعمال والمستثمرين…
هدفه دعم المستشفى والتبرع لها…
انتهى الاجتماع، وتفرق الحضور في الممرات…
وهم يتبادلون التحايا والابتسامات…!
راهب كان يسير بجوار صديقه الدكتور رائف
الدكتور رائف بامتنان:
ــ شكرا بجد يا راهب إنك لبيت دعوتي…
وتبرعك الكبير ده؟ مش عارف أشكرك عليه إزاي…
راهب بابتسامة هادئة:
ــ يمكن أنا اللي محتاج أشكرك…
عن التبرع يمكن يخف ذنوبي…!
رائف بتعجب:
ــ مش فاهم قصدك؟
راهب بصوت منخفض، كأن الكلام خرج منه غصب:
ــ انسا الموضوع… لو احتجت أي حاجة هنا، بلغني…
قبل أن يرد رائف، جاءت ممرضة مسرعة وعلامات القلق على وجهها…
الممرضة دخلت بسرعة، ملامحها مشوشة
وعينيها فيها لمعة رجاء:
– دكتور رائف! في مريضة حاولت تنتحـ ــر…
نــ ـزفت كتير،ومحتاجه نقل د،م حالا…
فصيلتها نادرة جدا، ومش موجودة عندنا…!
رائف وقف، وجهه اتشد، وصوته خرج متوتر:
ــ فصيلتها ــ Rh-null ــ الــ ـدم الذهبي…
قبل ما تكمل الممرضة، كان راهب واقف عند الباب صوته جه هادي لكن حاسم:
– دي فصيلة دمــ ـي… أقدر أتبرع ليها…
رائف لف له بسرعة، بص له بقلق واضح:
– راهب… متأكد؟ دي جرعة مش بسيطة…
والجسم بيتعب بعدها…
راهب اتنفس بهدوء، وبنبرة أقرب للعتاب:
– نسيت إني كنت دكتور زيك؟ وساعات بشتاق… أحس إني لسه بقدر أنقذ حد. يلا نلحقها…
رائف بنبرة مفعمة بالإعجاب والحنين…
وهو ينظر له بتمعن:
ــ راهب، لما كنت بتدخل غرفة العمليات…
كان الكل بيحس بالأمان…
كأنك داخل تحارب المـ ـوت بإيدين بتكتب حياة…
ماكنتش بس جــ ـراح ماهر…
كنت عالم بيشتغل بمشــ ـرط…
وبيفك شيفرة الألم كأنه بيحل معادلة…
الطب ما خسرش جـــ ـراح وبس…
خسر عقل نادر…زي فصيلة دمــ ـك، الـ ـدم الذهبي.
دخلوا معا غرفة التبرع. راهب جلس بهدوء…
وبدأت الممرضة تسحب منه الــ ـدم…
أنهى التبرع دون أن يرى المريضة…!
رائف بامتنان:
ــ ماعرفش أقولك إيه… أنقذت حياتها…!
قبل أن يدخل راهب لرؤية المريضة
رن هاتفه.يرد بسرعة:
ــ …ألــو…
صوت السائق متوتر وقلق:
ــ أنا جبت شهد هانم الكافيه زي كل مرة…
بس لما رجعت اخدها… ملقتهاش…
مش عارف راحت فين!
راهب يصاب بالتوتر:
ــ كلمتها على تليفونها؟
السائق:
ــ تليفون الهانم مقفول يا باشا…
راهب ينظر بسرعة نحو رائف:
ــ أنا لازم أمشي… هكلمك بعدين يا رائف
وخرج مسرعا، ونبضه يتسارع…؟!

رواية أرناط الفصل الواحد والعشرون

 

«البارت 21من روايه ارنــاط»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يخرج الصوت الآلي بنبرة حادة، باردة كالسكــ ـاكين:
ــ ذكاؤك خانك المرة دي… وده ما عجبنيش…
ليلى بثبات مغلف بالتهكم:
ــ أنت اللي اشترطت… معلومة قصاد معلومة…
وبتهيألي أنا التزمت بقوانين لعبتك…
قلتلي أرناط عايش… وأنا اديتك الشفرة…!
الصوت بارد وقاسٍ:
ــ أنتي ادتيني… رمز… مش …الشفرة…!
وغلطتك دي… ما ينفعش تتغفر…
وأنا ما بعرفش أسامح في الغلط…
علشان كده… كان لازم يبقى فيه …عقاب…!
وعقابك… مستنيكي في المستشفى…!
ليلى تتوتر وتشهق:
ــ يعني إيه؟!
الصوت بجمود مقلق:
ــ أخوك رائد… اتعرض لحــ ـادثة…
دلوقتي في المستشفى…
بعثتلك العنوان على تليفونك…
ليلى بخوف وانفعال، وهي تفتح الرسالة:
ــ لو أخويا حصله حاجة…؟
الصوت يقاطعها بصرامة:
ــ حالتك ما تسمحلكيش إنك تهــ ـدديني…
ابعتي الشفرة… دلوقتي…
ليلى بصوت متحدي يرتعش من الغضب:
ــ قوانين لعبتكم الــ ـوسخة… عرفتها خلاص…
وأنا دلوقتي اللي بإيدي كل حاجة…
لو عايز تقتــ ـلني… اقتــ ـلني دلوقتي…
بس أنا عارفة… ومتأكدة… إنك ما تقدرش…
لإنك لو عملتها… اللي انت عايزه عمرك ما هتاخده…
الصوت بهدوء شيــ ـطاني:
ــ اللي أنا عايزه،باخده… ما بيهمنيش الطريقه اللي باخده بيها بس بيتهيا لي يهمك انتي…
ليلى تستدير للخروج، تقف لحظة عند الباب:
ــ صدقني… لو أخويا حصله حاجة…
اللي بتدور عليه؟
مش هتشوفه إلا في كــ ـوابيسك…
وساعتها بس هكون انا كــ ـابوسك…
اللي عمرك ما هتعرف تتخلص منه…
ثم تخرج، وهي مرفوعة الرأس…
عينيها مشتعلة بتحدي…
عارفة إن اللي بيهددها… أقوى…
لكنها دلوقتي بقت تعرف إنها مش أضعف…
ليلى همست لنفسها وهي بتقفل باب العربية:
ــ لو إيده وصلت لرائد… أنا اللي هبقى العقاب…!
دارت المحرك، والنور الأمامي شق الظلمة…
والمعركة لسه ما بدأتش…!؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|داخل غرفة المستشفى|
رائد يجلس على كرسي صغير بجوار السرير،
عيونه على وجه شهد اللي نايمة قدامه
وملامحها مجهدة.بصوت خافت وندمان:
ــ أنا آسف… آسف إني عرضتك للخطـ ــر…
شهد بابتسامة شاحبة، وجرح بسيط على جبينها:
ــ انت مالكش ذنب يا رائد…طمني… إنت كويس؟
لكن قبل ما يرد، الباب اندفع بقوة…
ودخل راهب بانفعال عنـ ـيف…
مسك رائد من ياقة قميصه…
وبضــ ـربة مفاجئة، وجه له بوكس في وشه…
صوته مبحوح من التوتر:
ــ إنت مين؟! ومين اللي زقك على أختي؟!
شهد اتفزعت… اتشنجت مكانها…
ونزلت من السرير وهي بترتعش…
وقفت في ركن الغرفة، عينيها مفزوعة، وصرخت:
ــ ماتقتــ ــلوش! ماتقتــ ـلوش يا راهب!
راهب اتجمد، إيده لسه معلقة في الهواء، وقلبه وقع…
حاول يقرب منها بهدوء، صوته هادي رغم خوفه:
ــ تمام… اهدي… أنا مش هعمله حاجه…
لكن شهد جسمها بيترعش…
صوتها طالع متقطع، بتكرر جملة واحدة…
ــ كأن مشهد من الماضي انفجـ ــر في دماغها:
شهد بهمس مهزوز:
ــ ماتقتــ ـلوش… هو مالوش ذنب…
أنا اللي طلبت منه… نتجوز…
رائد اتجمد من الصدمة…
بس في لحظة، طلع الطبيب اللي جواه…
قرب منها بهدوء، مد إيده، مسك يدها…
وبدأ يرسم دوائر صغيرة بإبهامه فوق كفها…
صوته خرج ناعم، مطمئن:
ــ أنا كويس… مافيش حاجه حصلت…
أخوكي حتى ما لمسنيش…
كأن صوته شال عنها حمل…
بدأت شهقتها تخف، وعيونها تهدى…
راهب كان واقف بعيد، سايب له المساحة…
بيتابع من غير ما ينطق، لحد ما شهد رجعت تقعد… على السرير،ورائد غطاها بالبطانية بخفة…
بعد لحظات، خرجوا برا الغرفة…
وقفوا سوا في الممر، وبدأ رائد يحكي بهدوء:
ــ كل اللي حصل…
كنت واقف بعربيتي قدام الكافيه…
وهي فجأة طلعت وركبت…
ما لحقتش أفهم حاجه، بعدها بشويه…
عربية زانقت علينا…
حاولت أهرب، بس خبطنا في عمود…
راهب ينزل عيونه، صوته مليان ندم:
ــ أنا آسف جدا…
كان لازم أشكرك، مش أمد إيدي عليك…
رائد بابتسامة وهو يلمس مكان الضــ ـربة:
ــ ولا يهمك… بسيطة…أنا مقدر خوفك عليها…
راهب ابتسم، مد له إيده:
ــ اتشرفت بمعرفتك… يا؟
رائد، بابتسامة دافية:
ــ رائد… اسمي رائد…
راهب بامتنان وصوت منخفض فيه خجل:
ــ مش عارف أشكرك إزاي يا رائد…وآسف…
آسف إني رفعت إيدي عليك قبل ما أفهم اللي حصل
بس… أنا بخاف على شهد جدا…
رائد بهدوء وتفهم:
ــ لا، عندك حق…
أنا لو كنت مكانك، كنت هتصرف نفس التصرف بالضبط…!
راهب يهز راسه بشكر، وعينيه فيها تقدير:
ــ شكرا لتفهمك الموقف…
أنا هروح أشوف الدكتور، أطمن منه على حاله شهد…
رائد بابتسامة بسيطة:
ــ الدكتور طمني… شهد كويسة، محتاجة ترتاح بس…
راهب يبتسم وهو بيتنفس بعمق:
ــ ومع ذلك… خليني أطمن بنفسي…
راهب يلمح ابتسامة خفيفة على وجه رائد قبل…
ما يلف ويمشي ناحية مكتب الطبيب…
رائد ياخد نفس هادي ويفتح باب الغرفة…
ويدخل بهدوء يشوف شهد…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في أحد ممرات المستشفى…
يمشي راهب بخطى سريعة وهو على الهاتف…
راهب بصوت منخفض وقلق:
ــ سحر مش هتهدا… وهتقلب الدنيا لحد ما تلاقي ابنها.
بس هي مستحيل تتخيل إن راكان… عندك…
يأتيه صوت يوسف عبر الهاتف…
ساخر قليلا لكنه ثابت:
ــ مع احترامي لكلامك يا راهب…
تعديل بسيط… الولد مش عندي…
الولد عند حماتي…! فاهم يعني ايه عند حماتي…!
راهب يتوقف فجأة، يلف بجسمه
وكأنه بيعيد حساباته، ثم بصوت مطمئن:
ماتقلقش…
هي عمرها ما هتتوقع إن راكان عند حماتك…
وقبل ما يكمل خطوته، يصطدم فجأة بفتاة كانت ماشية ناحيته، وبدون تفكير، يمد دراعيه ويمسكها قبل ما تقع…
حضن خفيف، لحظة خاطفة…
لكن كانت كافية عشان الزمن يقف…
ولما عينه جات في عينها… الدنيا كلها اختفت…
كانت ليلى…!
نظرت له، وقلبها خفق بشدة غريبة…
إحساس عجيب اتحرك جواها…
فيه حاجة بتشدها، بتحسسها…
بالأمان، بالضعف، بالحيرة…
رغم إن شكله مش هو، لكن فيه حاجة…
حاجة من حبيبها…؟
وهو… وقف ساكت…!
راهب شاف في عينيها نفس النظرة اللي عمره
ما نسيها…نظرة ليلى…!
ليلى بهمس لا إرادي:
ــ أنا… آسفة…
راهب بصوت مخنوق، شبه ابتسامة:
ــ أنا اللي آسف…
يسود صمت غريب بينهم
مليان مشاعر مش مفهومة…
صوت طـ ـلق نـ ـاري فجأة يشق الهواء…
صوت الــ ـرصاص يرتد في أرجاء المستشفى الخارجية…
راهب يشد ليلى بسرعة ويخبيها وراه…
بيحضنها بذراعيه ويضغطها لجسمه…
وكأنها جزء منه، يحميها بجسده من أي خطـ ــر…
ليلى، وهي واقفة خلفه…
تسمع دقات قلبها تدوي كأنها رصـ ـاص تاني…
بصت له من ورا كتفه، في حاجه غريبة…
ليه بتتمنى اللحظة دي ما تخلصش؟
ليه بتحس بالأمان، رغم الرصـ ـاص؟
مين الشخص ده؟
وليه بتكون ضعيفة قدامه؟
راهب يلتفت فجأة، صوته خشن وغاضب:
ــ أكيد دي سحر…عايزه تخلص مني!
ليلى بسرعة، بنبرة مرتبكة لكن صادقة:
ــ لأ… لأ، أكيد عايزين يخلصوا مني أنا…
إنت مالكش ذنب!
[داخل المستشفى – غرفة شهد]
صوت الرصاص اللي برا بيخترق جدران الغرفة وشهد تنتفض في سريرها، بتشهق بقوة
وعينيها بتتسع بخوف مفاجئ. وهي بتتهز:
ــ ضـــ ـرب نـ ـار… ضـ ـرب نـ ــار تاني… لأااا!…
رائد، يقوم من الكرسي بسرعة
يقرب منها، ويمسك إيدها بلطف:
ــ شهد! بصيلي…أنا معاك، مفيش حاجة هتحصل…اهدي
لكن شهد تنهار أكتر، وتقوم تتجه له بخطوات مترنحة، وترمي نفسها في حضنه، تحضنه كأنها بتتشبث بالحياة نفسها…
شهد، وهي بتبكي بخوف:
ــ أنا مش عايزة أمـ ـوت…
رائد، يحتضنها بكل قوته، يلف دراعاته حواليها ويحاول يهديها، صوته يخرج واطي، دافي:
ــ أنا جنبك… مش هسيبك…اهدي بس…
[خارج المستشفى]
راهب بعناد، وعيونه بتلمع بالتحدي:
ــ مين هيفكر يقتـ ــل بنت؟!
دول شكلهم جايين عشاني…!
ليلى، بصوت عالي وهي بتحاول تبعد نفسها عنه:
ــ إنت بتقلل مني؟
أنا عارفة إن الناس دي جايالي أنا!
إنت مين عشان حد يفكر يقتـ ــلك أصلاً؟!
راهب، وهو بيشدها تاني وبيخليها تلزم مكانها وراه صوته حازم لكن فيه نبرة غريبة من الألم:
ــ أنا رجل أعمال كبير
وعندي عداوات…
ناس بتتمنى يوم يلاقوني فيه لوحدي…
اللي زيي بيدفع تمن كل نجاحه… غالي…
ليلى، وعنيها بتلمع بين الغضب والارتباك:
ــ آه يعني ملياردير؟!
وشايف إن العالم بيلف حواليك؟
إنت فاكر نفسك بطل فيلم أكشن،هنا؟!
راهب، بابتسامة ساخره لكن عنيه مش بتسيب عيونها:
ــ يمكن…
بس البطل الحقيقي بيكون عنده نقطة ضعف…
وأنا شكلي لقيت نقطتي…؟
ليلى تسكت لحظة، قلبها يخبط في صدرها ومشاعرها تتلخبط أكتر،بس قبل ما ترد
رجالة بيجروا ناحية العربية، لكن المهاجمين يركبوا بسرعة ويهربوا، العربية تطير من المكان، والناس حواليهم مرعوبين.
شرطي ييجي بيجري ناحية راهب وليلى:
ــ حد اتصاب؟ خدتوا رقم العربية؟
راهب، وهو بيبص لليلى اللي لسه مدهوشة ومرتبكة:
ــ لا… مفيش نمر على العربية.
[داخل الغرفة]
شهد لسه ف حضن رائد، أنفاسها بدأت تهدى، ورائد لسه بيطبطب على ضهرها، وعينيه فيها مزيج من الراحة والحنان، وهو بيهمس لها:
ــ خلاص… راح الصوت، انتي بخير…مش هخلي حد يؤذيكي تاني…!
[خارج المستشفى]
الشرطي يهز راسه بإحباط…
ويكمل استجوابه لباقي الشهود…
بينما ليلى بتلتفت بسرعة وتدخل المستشفى…
عيونها بتلف بتوتر في الممرات لحد ما تلمح رائد…
بسرعة بتجري عليه، تحتضنه بقوة، صوتها متهدج:
ــ حبيبي، إنت كويس؟ طمني عليك…
رائد، بيحضنها برفق، وهو يطبطب على ضهرها:
ـ أنا كويس… ما تخافيش، بسيطة…
المستشفى اتصلت بيك، صح؟
ليلى بخفة:
ــ أيوه… أول ما عرفت جيت طايرة، المهم إنت سليم… إيه اللي حصل؟
رائد، بنبرة مستغربة:
ــ مش عارف… عربية زنقت عليا وأنا سايق
فقدت السيطرة وخبطت في عمود.
بس الحمد لله عدت على خير.
ليلى، وهي تحضنه تاني ودموعها قريبة:
ــ الحمد لله… يلا نرجع البيت.
رائد وهو بيبص ليها بتردد:
ــ هو إيه صوت ضـ ـرب النـ ـار اللي كان برا؟!
ليلى، بتتوتر وتحاول تخفي ارتباكها:
ــ مش عارفة… الدنيا كانت ملخبطة…
يلا نروح…
رائد يهز راسه ويمشي معاها وليلى وهي خارجة من المستشفى بتبص ناحية الباب…
تدور بعنيها على راهب، لكنه مش باين…
تتنهد وهم يكملوا طريقهم للخروج…!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[في المصحة – غرفة ناهد]
أكمل يقترب من الباب، يلمسه بحذر كأن الجدار بيحكي له حكايات ماحدش سمعها. ياخد نفس عميق، يفتحه ببطء، ويدخل.
الجو ساكن… حتى أنفاسه مسموعة.
هي جالسة عند الشباك، على كرسي خشب باهت ضهرها مستقيم بشكل آلي، وشعرها واقع على كتفها كأنه بيخفي ملامح الحزن اللي عايش في وجهها. بتبص بعيد… بعيد أوي… وكأنها شايفة حاجة محدش غيرها يقدر يشوفها. لا التفتت، ولا رمشت.
أكمل يقعد على كرسي جنبها. يسيب بينه وبينها مسافة، فيها احترام وألم. يبص معاها على الحديقة اللي ورا الإزاز، شجر مهتز بهوا خفيف، بس هي مابتحسش بيه.
أكمل، بصوت هادي لكنه مشحون:
ــ ليه عايزه تمــ ــوتي؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رواية أرناط الفصل الثاني والعشرون

 

البارت الثاني والعشرون من رواية أرناط لا يزال قيد الكتابة، إذا أردت أن تقرأه بمجرد نشره أكتب تعليق لنستطيع أن نُرسل إليك أشعارًا، وأنضم لقناتنا على تليجرام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى