رواية مكنتش متخيله إني خاينه الفصل السادس 6 بقلم ناهد ابراهيم
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)
رواية مكنتش متخيله إني خاينه الفصل السادس 6 بقلم ناهد ابراهيم
البارت السادس
المعلّم (صوته اتقل وتغيّر):
ـ «مافيش فصال هنا يا ستّي… الكلام يمشي زي ما أقول. وأي صويت يزيدني عصبيّة، فاهمه؟»
قرب ببرود، شدّني من دراعي، وأنا مسكّة الملّاية بإيديا وبحاول أتماسك. حسّيت إن المكان كله بيضيّق عليّا. قلت بصوت واطي بحيلة:
ـ «على مهلك… أنا سامعه كلامك، بس رفقًا شوية.»
هو رمقني بنظرة باردة وكأن الكلام ماعدّاش على ودنه. كان واضح إن الليلة دي اختبار إذعان مش أكتر.
كنت بحاول أهدّي الجو بكلمة حلوة، يمكن يحنّ. بس سرعان ما فهمت إن مافيش قلب يتحنّن. كل حاجة ماشية على نظامه هو وبس.
مرّت لحظات تقيلة… بعدها الجو شدّ فجأة، وأنا قلبي وقع من مكانه. حاولت أستجمع نفسي والأنفاس متكسّرة، قطع مشهدي… ظلام.
برّا، أصوات ناس، تهييس في الحارة، كلام رخيص بيتقذف من الشّباب بطقطقة سخيفة. حسّيت إن الحيطان نفسها بتتفرج. كنت بتلاشى أي تفاصيل، وبفصل عقلي عن جسمي عشان أعدّي.
(ظلام… قطع… نفس متقطّع، هدوء قصير)
المعلّم بخطوة واحدة رجّعني للواقع. خبط على وشي بخفة من غير جروح، بس الرسالة وصلت: «اصحي.»
وقال ببرود:
ـ «أنا ما بكملش وأنا سامع أنين. فوقي، وبلاش تمثيل.»
عيني كانت مزغللة. لمحت صينية الشاي على الترابيزة، والشيشة جنب الباب. الراجل عايز نظامه: يسحب نفس، يشرب رشفة، يأمر… وأنا أنفّذ.
فجأة وشّي اتغرق في حاجة دافية لزجة… ما استوعبتش غير لما سمعت ضحكة وعبارة قاطعة:
ـ «كده أحسن. دلّعي روحك وبلاش دموع.»
قعدت على ركبتي، جسمي رافض يتحرك. دموعي نازلة من القهر مش من الوجع. أنا اللي كنت مديرة بنك، متسحبة لحارة ضيقة مليانة شهود في شرفات مفتوحة. لقطات مهينة تتخبّط في دماغي: فين أنا؟ وصلت إزاي؟
فجأة شدّني من شعري وجرّني ناحية الحمّام البلدي. فتح الميّة عليّ وأنا لسه باستوعب، وقال:
ـ «نضّفي نفسك، وارجعي تقعدي عند رجلي… من غير قرف.»
لفّ ضهره ومشي. قعدت دقيقة بتنهّد. مشهد مقطوع، رجوعي للأوضة.
ناداني من بعيد:
ـ «يا فاتن… حضّري الفحم وتعالي.»
عملت المطلوب، دخلت عليه بالشيشة. لقيت روب وقميص نوم على السرير. قال باقتضاب:
ـ «البسي دول وطلعي برا في الهوا.»
اتسمرت لحظة، فغمز وهو بيضحك ضحكة باردة:
ـ «سيبي الدنيا تتفرّج… عشان يعرفوا مقامك هنا.»
شدّيت على نفسي ونزلت بصينية الشاي والشيشة وقلبي بيخبط. أول ما طلعت على العتبة، الحارة صفّقت وصفرّت وناس بتهزر هزار رخيص. كنت بمشي ورقبتي مرفوعة بالعافية، عاملاني نفسي قويّة عشان مايقصّفوش ضهري.
المعلّم ظهر ورايا، زققني بخفّة من كتفي وقال:
ـ «هنا مكانك.»
كنت حاطّة كرسي، فوقع منّي وأنا باخد مكاني واطية الرأس عند طرف رجلُه.
قال بحدة:
ـ «مافيش قعدة راس براس. إنتِ هنا عشان تنفّذي وبس… ولو دمّعتي، هرميكي للشارع.»
ابتسمت ابتسامة يابسة:
ـ «حاضر… مفهوم.»
قال:
ـ «شُطّارة… خلّصي شغلك.»
ابتلعت ريقي. الحارة حوالينا لسه فيها همسات، وأنا بقطّع المشهد جوّا دماغي لأي حاجة تقرّب من المهين:
(ظلام قصير… قطع)
المعلّم يشد نفس من الشيشة، يرمي كلمة، وأنا أنفّذ من غير وصف ولا تفاصيل. أي تعدّي لفظي بيترد عليه بهز راس وسكوت… من غير ما أزوّد ولا حرف.
بعد دقيقة، جات «توحه» من آخر الحارة بصوتها المعروف:
ـ «اهدَى عليها يا معلم… اللحظة زادت.»
هو رمقها:
ـ «لسه ماخدتش كيفي.»
قالت وهي بتضحك نص ضحكة:
ـ «كيفك هيخلص لما هي تخلص… وأنا مستخسراها تموت من دي في إيدك.»
المعلّم زفر، ورمى كلام تقيل عن «التأديب» و«النجاسة»، وأنا بحاول أثبت نفسي على الأرض. توحه زقّت الباب بنظرة: «سيبها ترتاح شوية… وأنا أظبط لك بديل.»
هو ضحك وهو بيزقني ناحية الحيط:
ـ «خديها يا توحه بعد ما أخلّص اللي في دماغي… أسبوع ما تفارقش الفرش. بعد كده براحتك.»
(قطع… ظلام… صوت نفس متلاحق وهدوء)
صحيت على ميّة بتتدلق عليّ من جردل. شهقت وأنا بأخد نفسي. توحه طبّبت على كتفي بورقة صغيرة دسّتها في صدري بسرعة:
ـ «اديها لِمّا تلاقي فرصة… مفيدة.»
المعلّم لمح المشهد وضحك:
ـ «رزقك واسع يا بتّ… دخلتي مزاج توحه من أول نظرة.»
قالت توحه:
ـ «لو عدّت من الأسبوع ده، بتبقى تبعي بعده.»
رد وهو ملوّح بإيده:
ـ «روحي يا قلبي… أنا ناقح عليّا.»
اتحركت توحه بضحكة قصيرة: «لبنك لسه ما نشفش من عليها.»
قال سهّان:
ـ «يلا يا مره… أنا ورَاي شغل.»
رجعني البيت وقفل الباب. الصراخ اللي بعدها، والتوسّل، والرجّة… كله اتدفن هنا من غير وصف. بس إحساس القهر كان بيكبر جوايا زي حجر.
ليل بعدها:
كنت قاعدة عند رجله زي ما “نظامه” عاوز، وواخدة حمّام سريع، وراجعة أعمل اللي بيعتبره «شغل». لقيت خط أبيض على الترابيزة وورقة متكوّمة.
قال وهو بيوزّع ضحكة باردة:
ـ «تعالي أطلّعك السحاب يا فتون.»
ارتبكت:
ـ «لا يا معلم… الحاجات دي ماقدرش عليها. ماليش غير صحتي أقف بيها على رجلي.»
قال بصوت متبرّم:
ـ «ماتتعبنيش… اللي بقول عليه يتسمع.»
غصب عني قلت: «حاضر»، وهو أصرّ إن «الطقس يكمل» بطريقته. أنا قطعت المشهد وما كتبتش أي تفاصيل.
أيام على نفس الوتيرة. كان يتلذّذ يكلّمني جوزي بالتليفون وأنا أحاول أمثّل الهدوء:
ـ «وحشني… نفسي أشوفك.»
وهو يستمتع إن يخلّيني أطلع «آه» متضبوطة في التوقيت. كنت باحسب الثواني، مستنية سبع أيام تعدّي عشان يرخّي قبضته.
لما اليوم السابع خلص، رماني أوامر:
ـ «انزلي هاتِي معسل من حمو قدّام البيت.»
كنت طول الأسبوع جوّا البيت من غير هدوم بالمعنى التقليدي. اتلخبطت قدّام شنطة الهدوم، لحد ما لقيت جينز وبادي. لبستهم بالعافية، حسّيت وجهي بيولع من الشمس—أول مرّة أشوفها من أيام.
وصلت القهوة:
ـ «يا حمو… المعلّم بعت يطلب معسل.»
ابتسامة حمو كانت رخمة:
ـ «اندهيلّي من بدري يا قمر.»
قلت بخضة:
ـ «من فضلك خلّص الطلب وخلاص.»
قالي: «تعالي خدّيه بنفسك.»
دخلت وراه، قطع مشهدي أول ما قرب بوقاحة، وأنا بثبّت صوتي:
ـ «المعلّم قال محدّش يلمسني.»
اتعصّب:
ـ «هنا القهوة قهوتي… أنا المعلّم هنا.»
كان شايفها فرصة يذلّ ويكسر النظام. قطعت المشهد بالكامل واختصرته في: «تجاوز حاول يفرضه، وأنا اخترت أعدّي بأقل خسارة.»
دخل عليهم واحد وهو بيتريّق:
ـ «دي بتاعة المعلم يا حمو… هتودّيك في داهية.»
الموقف سخن. حمو لمّها بكلمتين، جرّني جوّا وخبط صور على تليفونه، واتصل بواحد اسمه «هيثم». بقى يزايد على جسدي قدّامه، يتاجر بكلام رخيص:
ـ «مش أقل من كذا… ومرضى المعلم كذا.»
أنا ساعتها انفجرت:
ـ «مش هينفع… أنا مش بتاعت شغل. الظروف اللي جابتني، وأنا رايحة للمعلّم دلوقتي.»
حمو اتنرفز وبدأ يمد إيده بعنف قدّام الناس، وأنا أصوّت:
ـ «يا معلّم دقدق!»
الشباب وقفة تتفرّج، مفيش راجل وقف كلمة حق. الشارع كله سابني لوحدي.
الشباك اتفتح، وظهر المعلّم وواحدة ستّ متعلقة في حضنه.
قال بسخرية وهو باصص لتحت:
ـ «مالك يا صايحة؟ عاملَة دوشة ليه؟»
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية مكنتش متخيله إني خاينه)