روايات

رواية أنا لها شمس الجزء الثاني (اذناب الماضي) الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم روز امين

رواية أنا لها شمس الجزء الثاني (اذناب الماضي) الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم روز امين

 

البارت الثاني والثلاثون

 

 

«أذنابُ الماضي»
#_أنا لها شمس الجزء الثاني،بقلمي روز آمين
هذه الروايه مسجلة حصرياً بإسمي روز آمين
وممنوع نقلها لأية مدونة أو موقع أو صفحات أخري ومن يفعل ذلك قد يعرض حالة للمسائلة القانونية
__________________________

داخل منزل نصر البنهاوي
كانت تصيحُ بكامل غضبها رافضة قرار الحاج محمد بالحكم عليها بالإقامة الجبرية، نطق عمرو في محاولة منه لتهدئة ورع تلك الساخطة:
-إهدي يا ستهم، أنا مش فاهم إنتِ إيه اللي مزعلك قوي كده، مش خدتي اللي كنتي عاوزاه وانتقمتي من أزهار أشد انتقام،دي الست فضيحتها بقت على كل لسان، ده غير المرض اللعين اللي هيخلص على أجلها قريب
وتابع مستفسرًا بسخرية:
-وبعدين إنتِ عاوزة تطلعي من بيتك تروحي فين؟!ما أنتِ قاعدة زي الملكة والكل في خدمتك اهو

شملتهُ بنظراتٍ نارية لتنطق متسائلة بغضبٍ عارم:
-ده أنتَ شكلك كده ما صدقت يا عمرو بيه؟!
وتابعت متهكمة بسخطٍ:
-تلاقيك عاوز تخلص مني وترميني هنا علشان الجو يخلى لك مع البت الصفرا اللي إنتِ متجوزها وأمها الحرباية
زفر بحدة وهب واقفًا من مقعده وهو يقول تحت غضب طلعت من مكوث تلك المرأة البغيضة معه طيلة الوقت:
-أنا في إيه وإنتِ بتفكري في إيه بس يا ماما، إنتِ مش واخدة بالك من اللي إحنا عملناه ولا إيه؟! إحمدي ربنا إنها جت على قد كده والناس صدقت ومدعبستش ورانا وعرفت اللي فيها
1

-إنتَ رايح فين؟!…قالتها بحدة ليجيبها باستفاضة:
-راجع بيتي أشوف شغلي و ولادي اللي سايبهم ليا تلات أيام معرفش عنهم حاجة،ولا انتِ عوزاني أتحبس جنبك هنا؟!
أجابتهُ متهكمة:
-شغلك وولادك بردوا ولا راجع للمحن بتاع مراتك، يا بتاع تؤبرني، طول عمرك ممحون والنسوان واكلة عقلك، والواد ابنك طالع لك
وتابعت بازدراءٍ:
-ماشي وجارر لي وراه الممحونة اللي كتب كتابه عليها، والبت من بجاحتها دايرة وراه من هنا لهنا، وقاعدة تطبطب له على ظهره ودراعه من غير خشى ولا حيا
قهقه بشدة ونطق بفخرٍ بنجله:
-لا بس متنكريش إن الواد طالع نمس وبيقع واقف زي ابوه يا ستهم، البت فرسة بجد
شملتهُ بازدراءٍ وأشاحت عنه بصرها،ليقرر طلعت الخروج عن صمته وهو يقول:
-ما تقعد تتعشى معانا وابقى امشي بالليل
-كده حلو قوي، أنا يدوب كده ألحق
استقل سيارته وتحرك بها إلى أن وصل لمقر الصيدلية المملوكة لذاك الصيدلي معدوم الضمير وتحدث إليه بتحذيرٍ شديد اللهجة:
-مش عاوز أفكرك باتفاقنا، أي حد يشك في أي حاجة وييجي يسألك، إنتَ لا شفتنا ولا تعرف عنا أي حاجة، وإلا متلومش غير نفسك
هتف الرجل بملامح وجه ساخطة عبر من خلالها عما يكنهُ بصدره من همومٍ فاقت الحد :
-ملوش لازمة الكلام ده ولا حتى مجيك لحد هنا،لأن إنتَ كده اللي هتخلي الناس تشك فينا
وتحرك إلى إحدي الأرفف وسحب منها أحد العلب الخاصة بدواء الصداع وناوله إياه وهو يقول بسخطٍ خرج بينًا من بين حروفه:
-ياريت تنساني وتنسى إني شفتك من أساسه،من يوم اتفاقك معايا وفلوسك الملعونة وأنا مشفتش يوم عدل،كل يوم مصايب نازلة ترف على دماغي، وأخرهم إبني اللي تعبان وداير ألف بيه وياريت حد من الدكاترة عارف ماله
سخر بابتسامة شقت جانب سخره وهو يخرج ورقة مالية ويلقي بها على السطح الزجاجي ثمنًا للدواء:
-إبقى فك الكيس وعالجه عند دكتور عدل بدل دكتور الوحدة الصحية اللي زهقته من طلعتك البهية
انصرف وصاحبته نظرات الصيدلي الساخطة وهو يلعن ذاك الرجل ونقوده المشؤومة وذاك الاتفاق اللعين.
6

لا يليق بي الوقوف في منطقة الحيرة وأنا كُـل الأكيـــد .. لكن ماذا يحدث أذا وقفت؟! – سارة الحسن .
وصل عمرو إلى الطريق الرئيسي ليجد شقيقهُ حُسين ينتظر أحد السيارات الأجرة لتقلهُ إلى القاهرة، توقف ليشير إليه:
-تعالى معايا علشان أوصلك يا حسين

أشار بكفهِ كي يتيسر:
-طريقي غير طريقك يا عمرو

نطق يجيبهُ بلومٍ وتأنيب:
-طول عمر طريقنا كان واحد يا حسين، وكنت فيه كسبان قيمتك ما بين الخلق
وتابع وهو يشملهُ بازدراءٍ:
-بص لنفسك وشوف الحالة اللي وصلت لها لما شردت وبعدت عننا
1

-أنا راضي بأي حال وصلت له وبقول الحمدلله إنه نور بصيرتي،عايش انا وولادي في نعمة وفضل من ربنا
وتابع قاصدًا حديثه:
-وأهم حاجة إني لما بحط راسي على المخدة بالليل بقدر انام وانا ضميري مطمن،وان لو ربنا أخد أمانته وأنا نايم هقابله وأنا مطمن ومرتاح،كفاية إني همشي ورقبتي مفيهاش دين لحد
تملل وهو يحرك رأسه بضجرٍ وسخرية:
-بقيت ممل قوي يا حسين، قلبت درويش
-كمل طريقك يا عمرو…قالها وهو يشير للأمام وتابع مسترسلاً بألمٍ لأجل شقيقه الأصغر:
-ويارب يا ابن ابويا تفوق من غفلتك قبل فوات الأوان
-سلام يا شيخنا… قالها متهكمًا وهو يشير بكفهِ صوب رأسه وانطلق مسرعًا بسيارته تحت حزن ذاك الشقيق على ما أصابهُ من خيبة،ظل يشيع رحيلهُ ليقطع شروده وجدي الذي انضم إليه حيث كان يتابع وقوفهما من أمام باب مطعم المشويات الخاص به وشقيقاه:
-ماشي خلاص يا حسين؟

-إن شاءالله يا وجدي
تحدث وجدي بأسى تجلى بين نبراتهِ وداخل نظرات عينيه:
-عاجبك اللي حصل من إخواتك والحاجة إجلال في عزا أمي يا حسين؟

نطق باستسلامٍ وأسى:
-اللي حصل لا يرضي رب ولا عبد يا وجدي، وأنا بتأسف لك بالنيابة عنهم

نطق بصدقٍ تجلى بنبراتهِ:
-والله ما فارق معايا إنهم بوظوا ليلة أمي الله يرحمها قد ما أنا زعلان على الست أزهار، اللي حصل ده فضيحة للكل يا حسين، والست مظلومة ومجني عليها
وتابع مشككًا في رواية عائلته:
-إحنا في بلد صغيرة يا حسين، والست اللي لامؤاخذة سمعتها مش ولابد بتتعرف، وبتبقى باينة للجميع، ودي ست الكل يشهد لها بالسُمعة الطيبة والأخلاق العالية،والشهادة لله طول عمرها ملازمة بيتها وخطوتها لبرة عزيزة
واسترسل مستاءًا:
-يا ناس،إذا كان المتكلم مجنون،واجب على المستمع يبقى عاقل
2

تنهد الرجل وأجابهُ بخجلٍ اعتلى ملامحهُ البشوشة:
-الله يسامحهم ويهديهم، أنا لسه جاي من عند ولادها، قولت لهم أمكم أشرف ست في الدنيا، ولو الدنيا كلها شكت فيها إنتوا تكدبوهم وتقفوا في ظهرها
نطق وجدي بأسى:
-الله يكون في عونهم، اللي حصل يكسر ظهر أجدعها راجل
قطع حديثهما حضور عزيز الذي نطق عاتبًا وهو يُشير إلى مطعم عمرو المكتظ بالزبائن مقارنةً بمطعمهم الخالي من البشر:
-يرضيك قطع الأرزاق اللي أخوك أتسبب لنا فيه ده يا حسين، يرضي مين الخسارة دي يا ناس، أخوك بيبيع بالخسارة علشان يدمرنا، بيبيع الوجبة بنص سعرنا يا حسين
ده أحنا لولا الكام سواق اللي بيعدوا من على الطريق بيشتروا مننا، كان زمانا قفلنا المحل وقعدنا في البيوت جنب نسوانا، وياريت أخوك سايبنا في حالنا

وتابع مشيرًا إلى أحد العمال الجالس أمام باب مطعم عمرو:
-ده مقعد لنا واحد مخصوص يسرق الكام سواق اللي ميعرفوش الأسعار عندهم،وأول ما يقول لهم على السعر طبعاً بيجروا عليهم ويسبونا

-لا حول ولاقوة إلا بالله… قالها وهو يحرك رأسهُ ضاربًا كفًا بالآخر باستياءٍ وشعورًا بالعجز يزدادُ حيال ما تفعلهُ عائلة الأشرار التي ينتمي لها،فقد تجبروا وعاثوا في الأرض فساداً.

أما ازهار فقد اعتكفت داخل غرفنها، باتت تقضي معظم وقتها بين السجود والركوع والدعاء لله والتوسل إليه بإظهار برائتها وعفتها أمام الجميع، سجدت تبكي بدموعٍ وقهرٍ وهي تدعو أن ينتقم لها الجبار من كل من قام أو شارك بظلمها وتلويث شرفها،وأن يُطيل الله بعمرها حتى ترى بأم أعينها إنتقام الواحد الأحد لها.

༺༻༺༻٭༺༻༺༻
داخل قصر علام زين الدين
ولچت زينة إلى القصر بصحبة بيسان بعدما تحدثت إليها عبر الهاتف وطلبت منها أن تصطحبها إلى إيثار حتى تقوم بتقديم واجب العزاء إليها،استقبلتهم عزة التي تحدثت إلى الفتاة بحميمية وودٍ:
-تعالي يا بنتي اقعدي لحد ما أطلع اديها خبر

سألتها بيسان مستفسرة:
-هي لسه حابسة نفسها في أوضتها يا عزة؟!
-ولا طلعت منها من ساعة ما رجعت من بلد الهم والغم،بلد الشوم والندامة، كل زيارة ليها ترجع لنا بمصيبة…قالتها بسخطٍ لتتابع وهي تتناقل بين الفتاتين نظرات الازدراء:
-وكله بسبب البيه اللي اسمه يوسف، أه يا ناري ما أشوفه قدامي
وتابعت بحدة ساخطة:
-بقى الواد بعد اللي أمه عملته معاه ده كله، يروح يرمي نفسه في حضن العقربة إجلال وعرة الرجالة اللي اسمه عمرو، أمال لو مكنوش هما السبب في خراب حياته كذا مرة، كان عمل معاهم إيه الموكوس؟!
هتفت بيسان بحدة وهي ترمقها بنظراتٍ فتاكة كالصقر الذي ينوي افتراس ضحيته:
-إتلمي يا عزة واتكلمي كويس عن الباشمهندس
1

اشاحت بكفها بسخطٍ تجلى بنظراتها وهي تقول:
-والنبي تتنيلي إنتِ والباشمنهدس بتاعك
2

-بلاش تظلمي يوسف وتيجي عليه إنتِ كمان يا عزة… قالتها الفتاة بحزنٍ يشطر قلبها لأجل شقيقها الغالي وتابعت بعدما أخذت نفسًا مطولاً:
-عمومًا أنا جاية النهارده مخصوص علشان أحكي لخالتي إيثار اللي حصل، يوسف مبينامش يا خالتي، طول الليل قاعد في الرسيبشن وحاطط إيديه على دماغه من كتر الهم والزعل

-ياريتني أقدر أعمل حاجة علشان أخرجه من اللي هو فيه… جملة نطقت بها بيسان بتأثرٍ لتشملها عزة بسخرية وهي تقول:
-سيبي الواد في حاله خليه يذاكر يختي، الواد داخل على امتحانات ومحتاج يركز في مذاكرته
طالعتها بتجهمٍ لتتابع وهي تشمل الأخرى بحدة:
-اتلقحوا جوة على ما اطلع اديها خبر هي والباشا
5

-هو خالوا فوق؟!…سؤالاً طرحته بيسان لتجيبها عزة بعدما رفعت كفيه للسماء:
-إلهي يكسب ويربح دنيا وآخرة فؤاد ابن عصمت
وتابعت بثرثرة:
– من يوم اللي حصل وهو واخد أجازة من شغله وقاعد جنبها
مصمصت شفتيها وهي تضرب كفًا بالأخر وتابعت بأسى:
-البت دي أصلها غلبانة وشافت كتير في حياتها، عشان كده ربنا كرمها براجل زي الفل

تركتهما وصعدت للأعلى وانسحبت الفتتاتين إلى حجرة الاستقبال،وجدتا الصغير يجلس وحيدًا يتابع أحد برامج الاطفال عبر شاشة التلفاز المعلقة،ابتسم بسعادة وهرول إلى زينة مرحبًا بها لتستقبله الفتاة بابتسامة:
-ازيك يا ملوك،وحشتني
-إنتِ كمان وحشتيني يا زينة،يوسف جه معاكِ؟!
حركت رأسها بنفيٍ ليطاطأ رأسهُ وعاد يستقل مقعدهُ من جديد، جاورتهُ بيسان وسألته:
-إنتَ قاعد لوحدك ليه يا حبيبي؟
ربع ساعدية ونطق بحدة وشفاهٍ ممدودة بحزنٍ:
-عشان انا مخاصمهم كلهم
سألته بيسان:
-كل البيت؟
أومأ لها فتابعت وهي تمسح على شعرهِ باهتمام:
-وياترى ملوك مخاصمهم كلهم ليه؟!
طالعها بحزنٍ ظهر بعينيه وتحدث:
-علشان طلبت يجيبوا لي قُط جديد بدل مشموش ومامي رفضت، وخلت بابي كمان يرفض، وحتى جدو ونانا طلبت منهم يخلوا مامي توافق، وهما كمان رفضوا

تحدثت إليه بهدوءٍ:
-مش احنا اتكلمنا قبل كده في الموضوع ده يا مالك، وقولنا إن مامي خايفة عليك من اعادة تجربة مشموش يا حبيبي
سالتها زينة بفضولٍ:
-هو إيه اللي حصل للقط بتاعه؟

همست كي لا يستمع الصغير ويصاب من جديد بنوبة من الحزن عند تذكره لما حدث للقط :
-كان عنده قط جميل قوي، خالو جابهوله بعد الحاح كبير منه، رغم ان طنط إيثار كانت رافضة الفكرة، القط عاش معاهم سنتين بحالها، ومالك اتعلق بيه قوي، وبصراحة كلنا اتعلقنا بيه لانه كان لطيف بشكل كبير، وكان طول الوقت قاعد جنب مالك وبيلعب معاه، مكنش بيفارقه غير وقت النوم وبأمر من إيثو وتحت عياط مالك، فجأة ومن غير اي حاجة القط مات وهو قاعد في حضن مالك
اتسعت أعين زينة وتابعت الأخرى مسترسلة:
-فضل يصرخ وهما بياخدوه منه علشان يدفنوه ومكنش راضي يسيبه أبدًا، وقعد فترة كبيرة على ما قدر يتجاوز حزنه عليه، بس زي ما إنتِ شايفة، كل فترة بيفتكره ويحن له، ويطلب قط بديل، وإيثو رافضة الفكرة نهائي علشان خايفة عليه، لأن وقتها اتأثر وتعب وهي كانت بتنيمه في حضنها لأنه كان بيقوم مخضوض من النوم ويصرخ وهو بينادي على القط
3

-يا حبيبي… قالتها زينة بتعاطفٍ وهي تنظر للصغير بتأثرٍ،
_________________

بالأعلى، ولچت بعد أن دقت الباب مستأذنة، وجدت تلك الحزينة متسطحة بوسط الفراش والحزن والالم يسكنان عينيها، خرج فؤاد من الحمام ذقنهُ ملطخة بصابون الحلاقة ليسألها باهتمام:
-فيه حاجة يا عزة؟
سحبت عنه بصرها على استحياء من مظهره حيث كان يرتدي قميصًا بحمالة على بنطالٍ قطني،وتحدثت:
-دي زينة اخت يوسف تحت، جاية علشان تعزى إيثار
أقبل عليها يسألها بحنانٍ:
-قادرة تنزلي يا حبيبتي ولا عزة تطلعها لك هنا ؟
نطقت ومازالت تستند برأسها على الوسادة:
-انا هنزل يا فؤاد
بعد مرور حوالي نصف ساعة، كانت تجلس بجوار الفتاة بعدما احتضنتها وقدمت لها واجب العزاء بحرارةٍ وآسى، نطقت على حذرٍ واستحياء مترقبة ردة فعلها:
-خالتي، أنا جاية النهارده علشان اعزيكِ وكمان اوضح لك اللي حصل والظروف اللي اجبرت يوسف يروح عند بابا ويتغدا هناك
وبدأت بسرد تفاصيل ذاك اليوم الذي بعث ذاك الندل برجاله كي يقوموا باختطاف ابنته، وتحدثت بعدما انتهت من التفاصيل:
-وهو ده كل اللي حصل والله يا خالتي
وتابعت تحت احتقار إيثار لذاك الحقير عمرو:
-ولو مش مصدقاني تقدري تسألي سيادة المستشار
قطبت جبينها لتتابع الفتاة:
-مهو عارف كل حاجة
10

هتفت باندهاشٍ:
-عارف إيه، وماله فؤاد بالموضوع
اجابتها بتوضيحٍ:
– يوسف كان قال لي في مرة واحنا بنتكلم إنه عارف، وسأله عن الموضوع ويوسف حكى له كل التفاصيل
هبت واقفة وقد جن جنونها وظهرت الشياطين على وجهها لتجذب الفتاة رسغها وهي تقول:
-رايحة فين،مش هتكلمي يوسف في التليفون زي ما وعدتيني في الاول إن الكلام لو أقنعك هتكلميه وتنهي الخلاف؟!
جذبت ذراعها وتحدثت على عجالة:
-بعدين يا زينة، هكلمه بعدين
وهرولت بخطواتٍ واسعة وهي تقول:
-فؤاد، يا فؤاد
أجابتها عزة التي تحمل قدحًا من القهوة بين يديها بطريقها لايصاله إلى فؤاد الجالس في الحديقة:
-الباشا قاعد مع بيسان والولاد في الجنينة، وأنا عاملة له القهوة اهو وهوديها له
5

-رجعي القهوة وتعالي خدي الولاد علشان عاوزة البيه في موضوع مهم…نطقت كلماتها وهي تهرول بتخبطٍ للخارج فنطقت عزة:
-يسترها عليك ربنا من غضب بنت منيرة يا باشا
وتابعت وهي تتطلعُ إلى الفتاة التي خرجت من الحجرة تترقبُ من حولها بخجلٍ:
-إنتِ قولتي لها إيه يا موكوسة؟!
1

خرجت لتجدهُ جالسًا بجوار أطفاله وبيسان بينما يقبع الصغير فوق ساقيه حيث كان يحتضنهُ بدلالٍ ويحاول مراضاته وإقناعه بطرد فكرة جلب قطًا جديدًا إلى القصر، تحدثت بنبرة غاضبة ووجهٍ متجهم:
-زين، خد أخواتك ودخلهم جوه عند جدو،وإنتِ كمان يا بوسي
واستطردت وهي تشير بكفيها:
-سبوني كلكم مع بابا شوية
هب واقفًا مقتربًا عليها يسألها بهلعٍ بعد إنصراف الصغار:
-مالك يا بابا،فيه حاجة حصلت أنا معرفهاش؟!
3

صاحت باعين تطلق شزرًا لو خرج لأحرق بطريقه الأخضر واليابس:
-هو انتَ فيه حاجة بتحصل متعرفهاش يا باشا؟
وتابعت متهكمة على حالها:
-أنا اللي عايشة زي الهبلة في وسطكم،بقى بتستغفلني إنتَ وابني يا فؤاد؟!

هتف بحدة كي يحجم غضبها العارم:
-إهدي وفهميني بالراحة إيه اللي حصل

اسرعت زينة إليهما وتحدثت بآسفٍ وندم إلى فؤاد:
-أنا آسفة يا سيادة المستشار، شكلي جيت خربت الدنيا، وبدل ما أصلح بين خالتي ويوسف، عملت مشكلة بينكم انتوا الاتنين

نطقت وهي تتعمق بعيني زوجها:
-لا يا حبيبتي إنتِ كتر خيرك،جيتي فوقتيني وعرفتيني قد إيه أنا طلعت مغفلة كبيرة، وقد إيه جوزي وابني مستهيفيني ولا عاملين أي حساب لكرامتي بين الناس
2

أخذ نفسًا مطولاً ثم زفرهُ وقد تيقن بفطانته ما حدث، نطق بهدوءٍ قاصدًا الفتاة:
-محصلش حاجة تستدعي أسفك يا زينة، إدخلي يا حبيبتي مع بيسان والاولاد جوة وإحنا شوية وهنحصلكم
انسحبت للداخل والخجل يعتريها، بينما نطق هو بملامح وجه جادة:
-عاوزة إيه يا إيثار؟
اغرورقت عينيها بالدموع وهي تسألهُ بلومٍ:
-عاوزاك تديني سبب واحد يخليك تقبل عليا الإهانة دي

نطق مستقطبًا:
-أي إهانة اللي بتتكلمي عنها، ومين ده اللي أهانك؟!
1

هتفت بصرامة وحدة:
-فؤاد، بلاش تتذاكي عليا وتراوغ في الكلام وفي الآخر تقلب الترابيزة عليا زي عوايدك
أشار على نفسه ليجيبها مشدوهًا:
-أنا بقلب الترابيزة عليكِ يا إيثار؟!هو أنتِ فيه حد بيعرف ياخد معاكِ حق ولا باطل؟!
بهدوءٍ نطقت وقد غلبتها دموع الحزن والألم:
-طب ممكن تفهمني اللي حصل؟
أغمض عينيه وزفر كي يتخلص من حدته، ثم اقترب منها يحتوي كتفيها وهو يقول:
-حبيبي إهدي، الموضوع مش مستاهل كل زعلك ده، وسواء أنا أو يوسف خبينا عليكِ علشان منجرحش مشاعرك ولا نزعلك
ساعدها على الجلوس وبدأ بقص كل ما حدث وبرأ حالهُ هو والفتى، لتأخذ نفسًا هادئًا وتحدثت:
-طب ليه مقولتليش كده من الأول وفهمتني
أجابها مقتضبًا:
-علشان خوفت عليكِ لتنهاري أكتر لما تعرفي إني كنت عارف، ولأني عارف دماغك هتوديكي لفين خبيت وقولت لما أعصابك تهدى هفهمك بهدوء
وتابع بعشقٍ يقطر من عينيه:
-مكنش ينفع أبعد عنك وإنتِ في الظروف دي
-أنا بحبك قوي يا فؤاد…قالتها بأعين ممتنة عاشقة ليجيبها بنبرة حنون محتويًا كفيها:
-وفؤاد بيعشقك يا عيون فؤاد من جوة
وتابع بغمزة من عينيه مشيرًا إلى حجرة الچاكوزي:
-هي حبيبة حبيبها مش هتحن عليه وتكافأه بجلسة چاكوزي ولا إيه؟
ابتسمت بخفة تعود لشدة حزنها على العزيزة أمها، ليتابع هو ساخرًا في محاولة منه لإخراجها من تلك الحالة التي لا تليقُ بجمالها:
-أنا قربت انساكِ يا بابا.
تبسمت واحتضنها وتحركا للداخل كي ينضما إلى العائلة والترحيب بالفتاة كي لا تشعر بالذنب.
6

༺༻༺༻٭༺༻༺༻
عاد عمرو إلى منزلهِ مشتاقًا لصغيراه بعد ابتعاده عنهما لثلاثة أيامًا، هرولت الفتاة عليه وهي تصرخ باسمهِ بلهفةٍ وسعادة، تلقفها بيديه وبات يقبل وجنتيها الناعمة بنهمٍ وهو يقول:
-حبيبة البابا، وحشتيني يا نور قلبي

نطقت وهي تداعب شاربهُ بأناملها الصغيرة:
-إشتئت لك كتير يا بابا، ما بقى تغيب عنا كِل هالأد

نطق وهو يداعب بطنها بدلالٍ لتعلو قهقهات الصغيرة:
-تؤبريني ملكة نور
توقفت عن الضحكات كي تسألهُ متعجبة وهي تتلفتُ من حولها باحثةً عن تلك السمينة:
-بابا، وينها التيتا اللتخينة؟!ليه ما إجت معك؟!
خرجت”رولا”بتلك اللحظة من حجرة تحضير الطعام لينظر عليها وهو يجيب طفلته:
-تيتا رجعت بيتها خلاص،وبعدين مش أنا قولت لك عيب نقول عنها تيتا التخينة
اومأت له واقتربت عليه رولا وهي تقول بابتسامة متصنعة:
-حمدالله عسلامتك
أجابها وهو يقترب عليها ويضع قُبلةً على خدها:
-الله يسلمك يا حبيبتي
وتحدث وهو يجوب بعينيه المكان:
-سليم فين؟!
-راح عالنادي مع الماما
أفلت الصغيرة التي هرولت للداخل ثم اقترب عليها ولف ذراعيه حول خسرها ليجذبها عليه وهو يقول في محاولة للملاطفة:
-يعني إحنا لوحدنا في البيت
حاولت التملُص وهي تقول:
-بلا سئالتك يا عمرو
-هو فيه إيه يا رولا؟!… قالها باستغراب ليتابع بحدة وشكٍ في أمرها:
-بقى لك مدة كل ما أقرب لك تبعديني،وبتتعمدي متقعديش معايا في مكان واحد،هي إيه حكايتك بالظبط
هتفت بحنقٍ أظهر حدة غضبها:
-يلي بيسمعك بيقول إن حياتنا كتير هادية وأنا يلي عم إخلق المشاكل، مانك ملاحظ يا عمرو، حياتنا مبقى فيها تنتوفة خصوصية يا زلمة،البيت صاير متل اللسويقة، ضچة وصريخ طول الوئت، وبالأخير بتحط الحق عليي؟!
تنهد بأسى لأجلها بعدما اقتنع بحُجتها، أقبل عليها وتحدث وهو يحتوي كتفيها:
-عندك حق يا حبيبتي، اهي ماما رجعت لبيتها والدنيا هتهدى شوية
وتابع بحزنٍ مُصطنع كي يكسب تعاطفها من جديد:
-أنا آسف إني تعبتك ودخلتك في مشاكلي اللي مبتنتهيش،بس إنتِ عارفة من الأول إن حياتي مش سهلة وإن خيانة مراتي ليا دمرتني
حدقت عيناها في ذهولٍ وغضب لتهتف وهي ترمقهُ بسخطٍ:
-دير بالك عحكيك يا عمرو، أنا بكون مَرتك، هاديك المَرة بتكون طليقتك مانا مَرتَك
1

ابتلع لعابه عند إدراكهِ للخطأ الذي اقترفهُ فتحدث متراجعًا:
-أكيد يا حبيبتي طبعًا، ذلة لسان مش أكتر
تمعنت بالنظر لعينيه وصمتٍ رهيب حل عليها أثار حيرتهُ لكنه أصر على متابعة سحبها إليه من جديد، جذبها ليسكنها بأحضانه ونطق بخبثٍ وهو يملس على شعرها:
-إنتِ مراتي حبيبة قلبي،كفاية إنك عوضتيني بولائك واخلاصك ليا عن الخيانة اللي شوفتها على إيد إيثار والحقيرة سُمية
ابتعدت عنه وتحدثت مستفسرة:
-عذكرك للسِت إيثار خانون، فيني أعرف بأي صفة تروح لعزا إمها وتضلك هونيك لتلات أيام؟!

تركها وتحرك لإحدى المقاعد ليجلس بعدما وجد صعوبة في الاستحواذ على عقلها كما كان بالسابق، تحدث بنبرة ضعيفة مستعطفًا إياها:
-ما انا قولت لك وإحنا ماشيين أنا وستهم يا حبيبتي، إننا رايحين نقف مع يوسف، وإن عيب قوي ما نحضرش عزا الست لأننا في بلد أرياف والكل هناك عارفين بعضهم

هتفت تسألهُ بحدة:
-أوكِ،مانا مختلفين بهاي النقطة،بس شو معناتها وچودك معهُن للتلات أيام؟!

-يا حبيبتي التلات أيام دول أنا قعدتهم مع ماما كنا بنحل مشكلة خاصة بأرض بابا الله يرحمه
وتابع بأسى ظهر بعينيه رغم محاولاته المستميتة لعدم إظهار مشاعره الخاصة بعشقه المجنون بتلك الـ إيثار:
-أساسًا العزا خلص أول يوم وإيثار تعبت ورجعت على القاهرة

ماعئلبها شر حياتي… قالتها ساخرة لاحظها فأراد تحويل مجرى الحديث قائلاً:
-إنتوا معندكوش أكل تعشوني ولا إيه؟، أنا واقع من الجوع يا قلبي

رفعت حاجبها تعلم أنه يراوغ بالحديث فأرادت مجاراته باللعب:
-بتؤبرني حياتي، عطيني خمس دقايق وبيكون الأكل چاهز
نطقت كلماتها وانصرفت إلى المطبخ ليزفر هو براحة ويُلقي بجسدهِ للخلف باسترخاءٍ.

༺༻༺༻٭༺༻༺༻
داخل الشرفة الخاصة بمسكنهم، يقف ذاك الشاب بقلبٍ حائر وعقلٍ يكادِ ينفجرُ من شدة التفكير والتشتُت، لقد أوشك على فقدان عقلهِ منذ ليلة أمس،فقد غلبهُ الحنين إلى الحبيبة التي استحوذت على قلبه فقام بفتح تطبيق الواتساب ليراجع حديثهما مسبقًا عل رؤيتهُ لكلماتها معه تهدأ من ثورة حنينهُ إليها،لكنهُ صُدم حين رأى تلك الحبيبة قد قامت بحظر رقم الهاتف الخاص به،جن جنونهُ وبات يبحث عن جميع التطبيقات ليفاجأ بحظرها لجميع مواقعهِ الخاصة بالتواصل الإجتماعي وحظر جميع أرقام هواتفه حيث يمتلك شريحتين،بات يفكر ويفكر حتى اهتدى لحسم قراره أخيرًا قبل فوات الأوان

بنفس التوقيت، يتمددُ فوق فراشهِ بجسدٍ مرتخي وعقلٍ شارد وقلبٍ حزين، فمنذ أن أبعدته والدته عن حياتها أصبح الهم خليلاً لا يفارقهُ، استمع إلى رنين هاتفهُ ، ضيق بين حاجبيه متعجبًا حين وجد اسم المتصل، “رامي كمال” فقد اعتقد عدم إعطائه جوابًا إلى الأن بمثابة إنسحاب من حياة شقيقتهُ البريئة، أجاب عليه بعدما رد التحية قائلاً بصوتٍ خالي من التعبير:
-خير يا أستاذ “رامي”؟
نطق الشاب بجدية:
-حابب أبلغ حضرتك إني فكرت كويس في كلامك وحسمت قراري خلاص
ارتعد قلب يوسف وحبس أنفاسه ينتظر استماع القرار بقلبٍ يرتجف، فكلمة واحدة من ذاك الشاب ستحدد مصير شقيقته، إما بالسعادة والحياة الهانئة، أو الحكم عليها بالتعاسة الأبدية، تابع الشاب حديثهُ وقد فازت مشاعر القلب على رجاحة العقل وتحكماته:
-أنا يشرفني إني أتقدم لك واطلب إيد زينة للجواز، وأتمنى إنها توافق وتكون شريكة حياتي
اغمض عينيه وتنفس براحة بعد أن إطمئن على مستقبل شقيقته وبرغم سعادته إلا أنهُ سألهُ من باب التأكيد والإطمئنان:
-متأكد من قرارك ده يا رامي، أنا مش عاوز أي أذي يصيب زينة
وتابع بشبه تهديدٍ:
-مش هسمح ولا هسامح أي حد يأذي أختي حتى ولو بكلمة
2

نطق برجولة ورصانة نال بها إعجاب يوسف:
-عيب يا حضرة الظابط، إنتَ بتكلم راجل مش عيل متهور
وتابع بجدية:
– أنا الكلمة عندي بمثابة عقد، وقبل ما ابلغك بقراري أنا درسته كويس قوي، وما جيتش بلغتك بيه غير بعد ما أتأكدت إني مستحيل أعيش حياتي وزينة مش فيها
اطمئن قلب يوسف وتحدث بأسفٍ إلى رامي:
-متزعلش منى يا رامي، بس أنا من حقي أخاف على كسرة قلب اختي، وخصوصًا بظروفها اللي إنتَ عرفتها كويس
نطق رامي بصدقٍ تجلى بنبراتهِ:
-وأنا مقدر جدًا خوفك عليها، وعاوز اقول لك على حاجة، أنا احترمتك بشكل لا تتخيله لما جيت وحكيت لي على موضوع والدة زينة الله يرحمها، واحد غيرك كان خبى عليا الموضوع وسابه للظروف، وكان برر لنفسه إني احتمال اعيش مع زينة ومعرفش أي حاجة عن ماضي والدتها

كل ما تحدث الشاب وتعرف عليه اكثر ينال أحترامهِ وترتفع مكانتهُ لديه أكثر، نطق بجدية:
-أنا ليا عندك طلب وياريت توعدني إنك تحققه لي يا رامي
أجابه رامي:
-لو في إيدي تحقيقه تأكد إني مش هتأخر أبداً يا حضرة الظابط

-أولاً كده إنتَ تبطل كلمة حضرة الظابط دي، إحنا هنبقى نسايب خلاص، يعني ملوش داعي ننده على بعض بالألقاب
وتابع بصوتٍ يشوبهِ الألم:
-ثانيًا، مش عاوز زينة تعرف إني حكيت لك حاجة، ولا حتى تعرف إنك على عِلم بالموضوع ده، زينة حساسة قوي من ناحية ماضي أمها،وطالما نويت تكمل حياتك معاها،فياريت تمحي الماضي كله وتنسى إني اتكلمت معاك عنه
-اطمن يا يوسف…قالها بتودُد ليتابع برجولة:
-انا أصلاً كنت هعمل كده من غير ما توصيني
نطق يوسف بسعادة ظهرت بنبراته:
-بقول لك إيه،زينة برة،راحت تعزي أمي في وفاة جدتي،لو فاضي تعالي،وأنا هطلب عشا ونستناها لما ترجع ونتعشا مع بعض

وتابع بشعورًا هائلاً من الحبور لأجل شقيقته:
-نفسي أشوف فرحة المفاجأة في عنيها
-موافق جدًا… قالها بحماسٍ ليتابع:
-يلا بسرعة كلم الدليفري، وأنا هجيب الحلو والحاجة الساقعة معايا
-إتفقنا… اغلق كلاً منهما وهرول يسابقا الوقت للانتهاء قبل عودة زينة للمنزل.

بعد قليل، عادت الفتاة إلى المنزل لتنتفض هلعًا وهي ترى رامي يقف أمام طاولة الطعام وبيدهِ باقة من الزهور يرتبها ويضعها بالتناسق داخل المزهرية الكريستالية، لينطق بجدية وهو يتابع رص الزهور دون الإلتفات لها:
-كل ده تأخير يا هانم،على العموم لينا كلام بعدين بخصوص الموضوع ده، يلا بسرعة هاتي الصحون من المطبخ، الكباب والطرب قربوا يبردوا
2

التفت إليها وتابع وهو يشير بسبابته:
– وإنتِ عارفة، الطرب لما بيبرد مبيتاكلش
كانت تستمع إليه مشدوهةً بذهولٍ من هول صدمتها،جاهدت لإخراج صوتها:
-إنتَ دخلت هنا ازاي؟!
رفع حاجبه الأيسر ونطق مستنفرًا:
-بذمتك ده وقت الأسئلة دي،بقول لك الطرب والكفتة والكباب هيجلدوا،تقولي لي دخلت هنا ازاي؟
وتابع بملاطفة أراد بها التخفيف من حدية الموقف:
-مش كفاية بقالي نص ساعة قاعد برص لك في الورد وأحط الشمع في الشمعدان علشان نتعشى على ضوء الشموع وريحة الزهور

كادت أن تتحدث فقاطعها خروج يوسف من غرفته بعد انتهائه من صلاة العشاء:
-يلا يا زينة إغسلي إيدك وتعالي علشان نتعشى

نطقت بأعين متسعة:
-هو إيه اللي بيحصل هنا يا يوسف؟

أجابها بهدوءٍ:
-بعد ما نتعشى هنتكلم يا زينة
-مليش نفس….قالتها بحدة ثم رمقت رامي بنظراتٍ لائمة وتحركت مسرعة على غرفتها وما أن أغلقت الباب حتى شرعت في بكاءٍ مرير يقطع نياط القلب، دُق الباب ودخل يوسف يسألها:
-ليه الدموع دي يا زينة؟
ارتبكت من شقيقها وتحدثت بارتباكٍ:
-عندي صداع
-زينة، أنا عارف اللي بينك وبين رامي.

انتفض جسدها هلعًا ليتابع وهو يقترب عليها:
-متخافيش،أنا مش جاي ألومك ولا احاسبك، وعارف إن مشاعرنا مش بأدينا، وعارف كمان إن اختي بميت راجل وعمرها ما تغلط
وتابع بجدية:
-أنا لما عرفت اللي بينكم روحت له وقولت له يا إما ياخد خطوة جادة ويطلب إيدك، يا إما يختفي من حياتك خالص
نزلت دموعها وهي تقول بشهقة قطعت بها نياط قلب شقيقها:
-واهو سمع كلامك واختفى فعلاً يا يوسف
وتابعت بألمٍ وقلبٍ نازف:
-إيه بقى اللي جابه هنا؟!
وضع كفيه داخل جيبي بنطاله القطني وأجابها:
-رامي خد وقته في التفكير يا زينة
صاحت بحدة واعتراض:
-وهو موضوع ارتباطه بيا كان محتاج كل الوقت ده يا يوسف؟!

اجابها باستفاضة:
-آه محتاج يا زينة، ده أصعب قرار ممكن البني أدم ياخده في حياته كلها، ده تحديد مصير، وأنا أكبر مثال قدامك أهو، برغم إني اتولدت واترببت على حب بيسان، إلا إني أخدت سنين علشان أجمد قلبي وأقدر أخد الخطوة

هتفت برفضٍ لموقفه:
-متحاولش تبرر له تصرفاته، إنتَ ظروفك غيره

نطق موضحًا للفتاة عل ثورتها تستكين:
-وهو كمان ظروفه مش سهلة يا زينة، متنسيش إنه لسه طالب وبيدرس، هيروح يقول لأبوه إيه، أنا عاوز أخطب وابقى اصرف عليا أنا وخطيبتي؟!

سألته بحدة:
-وإيه اللي اتغير، مهو لسه طالب؟!

-رامي في الفرقة الرابعة وفاضل له بالظبط حوالي شهرين ويخلص، وهو ماشاء الله بيشتغل من وهو في تانية جامعة، وقال لي انه مرتاح في الشركة اللي هو شغال فيها، والمدير واعده إنه هيعينه بشهادة التخرج أول ما يخلص
ظل يتحدث معها حتى اقتنعت واستمع كلاهما إلى صوت رامي من الخارج وهو يقول بتذمرًا:
-وبعدين بقى، ما قولنا الطرب هيجلد

ضحكت وخرجت بصحبة شقيقها ليقبل عليها وبلحظة باغتها وهو يركع بإحدى ركبتيه أرضًا كما هو المعتاد بدول الغرب،ثم فتح عُلبة بها خاتم ذهبي بسيط ابتاعهُ قبل قليل وهو في طريقه إلى هنا،نطق بأعين يملؤها الحنين والاشتياق:
-لو قبلتي تتجوزيني هكون أسعد إنسان في الدنيا،
وتابع بصدقٍ يقطرً من بناويتيه الساحرة:
-و وعد مني عمري ما هزعلك ولا هخلي دموعك تنزل بسببي في يوم من الأيام
شهقت تخبئ فمها بكفيها بذهولٍ تحاول استيعاب ما يحدث فتحدث من جديد بأعين نادمة:
-أنا آسف يا زينة
ابتسامة واسعة صاحبتها دموعها الغزيرة التي انهمرت من شدة تأثرها باللحظة،حاوط يوسف كتفها لتتطلع عليه ، حثها على الموافقة بنظراته المشجعة فالتفتت تطالع ذاك المنحنى الذي مال برأسهِ يتوسلها ويحثها على الموافقة، فمالت برأسها بموافقة انصياعًا لأمر الهوى
اشتدت سعادته وأخرج الخاتم لتمد الفتاة بيدها وما أن شرع في تلبيسهُ حتى صدح صوت يوسف محذرًا:
-من غير لمس يا حبيبي
ابتسم الشاب وحاول قدر الامكان عدم لمس أصابعها إلى أن انتهى ليجد كف يوسف تقبضُ على كتفه قائلاً وهو يحثه على الوقوف:
-قوم إفرد ظهرك يا عم روميو
ضحك كلاهما ليحتضنهُ يوسف مباركًا له،ثم أقبل على شقيقته وسحبها لأحضانه بسعادة وهو يُملسُ على ظهرها وحجابها وينطق قائلاً بحنانٍ تخطى الحدود:
-مبروك يا حبيبتي
شددت من احتضان يوسف لها وتحدثت بصوتٍ تتراقصُ نبراته:
-الله يبارك فيك يا يوسف، ربنا يخليك ليا وميحرمنيش منك أبداً
تحرك إلى الطاولة لياخذ الطعام وهو يقول:
-هدخل الأكل الميكرويف خمس دقايق لانه فعلاً برد ومش هنعرف ناكله كده
إقترب عليها بعد اختفاء يوسف ونطق بعتابٍ هز كيانها:
-هونت عليكِ تعملي لي بلوك يا زينة؟، للدرجة دي مكنتش فارق معاكِ؟
1

تنهدت بأسى لتجيبهُ بعتابٍ مماثل:
-أنا اللي المفروض اسألك يا رامي، إزاي هان عليك زعلي، أنا كنت هموت وانا بشوفك بتتجاهل وجودي وبتبعد عن أي مكان ممكن يجمعنا سوا

أجابها:
-كان غصب عني يا حبيبتي
تصبغت وجنتيها بالأحمر الداكن من شدة خجلها ليتابع رامي موضحًا ما حدث:
-ده كان اتفاقي مع يوسف وكان لازم أطلع راجل معاه
-إنتَ سيد الرجالة كلهم يا رامي… نطقتها بصوتٍ هائم وهي تواري نظراتها عنه خجلاً

انتفض قلبهُ عشقًا تأثرًا بهيأتها لينطق مسحورًا:
-أنا شكلي كده هطلب من يوسف نكتب الكتاب على طول
+

انتفض جسده حين استمع لذاك الذي خبط على كتفه قائلاً بسخرية:
-ده في أحلامك يا حبيبي، إنسى يا باشا
وتابع ساخرًا:
-قال كتب كتاب قال، مش عيب عليك تيجي تبيع الماية في حارة السقايين؟
تحمحم الفتى وتحدث مستفسرًا:
-فيه إيه يا يوسف، هو أنتَ ظبطني وأنا بقول لها حاجة عيب لا سمح الله؟
تقدم من الطاولة ليضع أحد صحون السلطة الخضراء وتحدث إلى زينة:
-خرجي المشاوي وهاتيها يلا يا زينة
انصرفت بخجلٍ ليتابع يوسف برفضٍ دون تبرير:
-إنسى.
ابتسم الشاب وهز رأسه متعجبًا، إلتف ثلاثتهم حول الطاولة وبدأوا يتناولون الطعام بشهيةٍ مفتوحة وهم يتبادلون فيما بينهم أطراف الحديث لتنسى الفتاة أن تبلغ شقيقها بما حدث مع إيثار.
9

إنتهى الفصل
«أذنابُ الماضي»

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى